تواجه السلطة الفلسطينية أزمة تشكيل الحكومة بعد الإعلان عن اتفاق المصالحة الذى تم التوقيع عليه فى القاهرة الشهر الماضى.
هذه الأزمة تذكرنا بأزمة تشكيل الحكومة التى كلف بها الرئيس الراحل ياسر عرفات، أحمد قريع (أبوعلاء)، وأدت إلى تأخير إعلانها لأكثر من 7 أسابيع، ولم تكن الأزمة آنذاك هى أزمة أسماء ومناصب، ولكنها كانت أزمة إيجاد مخرج للضغوط الأمريكية والإسرائيلية التى لا تفرض أسماء فقط، وإنما تسعى لتحديد أولويات الحكومة الجديدة.
ويبدو أن تجسيد المصالحة بشكل حقيقى على الأرض أمر لايزال بعيد المنال من هذه الرؤية نفسها، التى عطلت تشكيل قريع لحكومته عدة أسابيع، وقد تمتد لشهور فى هذه الحالة، فإنجاز الحكومة حتى الآن لم يتقدم أى خطوات فعلية.
المصالحة، إذن، ستظل شكلية، لأن عنوانها سيظل معطلاً، فالحكومة هى التى ستتولى معالجة كل القضايا المتعلقة بالمصالحة، وعلى رأسها ملف المعتقلين وملف منظمة التحرير، غير أن الرئيس محمود عباس يريد من الحكومة الجديدة تنفيذ برنامجه السياسى، وهذا ما أكده للإدارة الأمريكية، وهو ما يعتبره أيضاً برنامج منظمة التحرير الفلسطينية الذى يؤكد التزام السلطة الفلسطينية بعملية السلام، ومن هنا فإن عباس غير متحمس لإنجاز ملف منظمة التحرير، إذ يرى أنه من السابق لأوانه بحث هذا الملف.
والسبب فى ذلك، يعود إلى خطابى الرئيس باراك أوباما، ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، اللذين كانا قد تضمنا تحذيراً مباشراً للقيادة الفلسطينية، فضلاً عن تغيير نتنياهو للرئيس عباس بين السلام وحركة حماس، كذلك أوباما الذى اعتبر المصالحة مع حماس عقبة فى طريق السلام.
هذه الكلمات ومواقف الجانبين، تجسدت على الأرض بشكل حقيقى، وتم التعبير عنها من خلال الضغوط على الجانب الفلسطينى، والتى أسهمت حتى الآن فى فشل تشكيل الحكومة التى ترضى جميع الأطراف المواقف المتضاربة داخل فتح على تسمية رئيس الوزراء تبقى عاملاً آخر، فبينما تم استبعاد سلام فياض، رئيس الحكومة الحالى، من بين المرشحين لشغل رئاسة الحكومة، إلا أنه مازال خيار الرئيس عباس المفضل وربما الأوحد.
وسط هذه التداعيات، فإن هناك من يرجح إمكانية إرجاء الإعلان عن الحكومة الفلسطينية الجديدة إلى ما بعد شهر سبتمبر، لأن الرئيس عباس غير معنىّ بإنجاز تشكيل الحكومة التى قد تضعف مساعيه للحصول على اعتراف دولى بدولة فلسطين المستقلة فى انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر المقبل.
وفى ضوء الشد والجذب، والخلاف على رئيس الحكومة، رأت القاهرة أن تدعو الرئيس محمود عباس وخالد مشعل، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، لإنهاء الأزمة وإعلان تشكيل الحكومة من القاهرة بدلاً من فلسطين، لرغبتها فى أن يتخذ القرار بعيداً عن المؤثرات والضغوط الداخلية والخارجية.. فهل ينجح الطرفان فى رأب الصدع وتجاوز الخلافات؟
وتبقى حقيقة ثابتة، تؤكد أنه رغم الانعكاسات السلبية التى بدأت تظهر منذ اتفاق المصالحة، فإن المصالحة تبقى خطوة على طريق الإنهاء الفعلى للانقسام، واستكمال تحقيق المصالحة على الأرض، والأيام المقبلة ستشكل اختباراً لمدى جدية الطرفين، فى ظل وجود معوقات كبيرة، بالنظر إلى وجود اتفاقات سابقة لم تصمد فى وجه هذه المعوقات، التى يحتاج تجاوزها تعاوناً حقيقياً بين جميع الأطراف بعيداً عن التدخلات والضغوط الخارجية.