حدثان فارقان ميزا عام 2011 على الصعيد الفلسطينى هما: مخاض إعلان الدولة الفلسطينية فى الأمم المتحدة، وتحقيق المصالحة الفلسطينية التى عانى من تبعاتها الشعب الفلسطينى بشقيه فى قطاع غزة والضفة الغربية وذاق وجع الانقسام والحصار والعزل.
أما الحدث الأول فإن الطريق الذى سلكه الرئيس محمود عباس (أبومازن) جاء بعد آلاف الساعات التفاوضية مع إسرائيل، وتوقيع المئات من الاتفاقيات معهم وجاب العالم طولا وعرضا، يعرض رؤيته لسلام شامل تقام فيه الدولة الفلسطينية على 22% من أرض فلسطين، وتعيش إسرائيل على 78% منها، مع سلام وعلاقات مع كل الدول العربية والإسلامية، وهو ما كلفه فى كثير من الأحيان خصما من رصيده الشعبى الذى كان يميل إلى منطق آخر، والنتيجة كانت صفر اليدين!!
أما لماذا سلك أبومازن هذا الطريق فى هذا العام؟ فقد أجاب هو عن هذا السؤال قبيل توجهه إلى مجلس الأمن ليطلب انضمام فلسطين للأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى فى خطاب وجهه لشعبه قال فيه: «هناك 3 أسباب دفعت القيادة الفلسطينية إلى اتخاذ قرار التوجه إلى مجلس الأمن، السبب الأول أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما قال إنه يريد دولة فلسطينية عضوا جديدا كاملا فى الأمم المتحدة فى سبتمبر 2011، والثانى أن الرباعية الدولية قالت إنه لابد من بدء المفاوضات فى سبتمبر 2010 على أن تنتهى فى سبتمبر 2011، والثالث أننا تعهدنا نحن أن تكون هناك مؤسسات ناجزة وقادرة على قيادة الدولة فى سبتمبر وقد نجحنا».
لكن يبقى هناك ما هو أهم من ذلك وهى المفاوضات مع إسرائيل التى وصلت أخيرا إلى طريق مسدود، فالجهود الحثيثة من أجل التوصل إلى إنهاء الاحتلال عبر المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود بسبب سياسات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة.
لكل هذه الأسباب ذهبت السلطة إلى الأمم المتحدة لتضع العالم أمام مسؤولياته، وبلا شك كانت معركة دبلوماسية بامتياز حقق فيها الفلسطينيون نجاحا باهرا، رغم أنهم لم يصلوا إلى الصوت التاسع بعدما جندوا 8 دول فى مواجهة الهيمنة الأمريكية.
ربما حقق الفلسطينيون أهدافا أخرى تتمثل فى فوز فلسطين بالعضوية الكاملة فى منظمة التربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» فى أكتوبر الماضى، وهى خطوة ينتظر أن تدعم الجهود الرامية للحصول على عضوية كاملة فى الأمم المتحدة، كما حقق الفلسطينيون فى ديسمبر الحالى نصرا معنويا آخر عن طريق الحصول على عضوية كاملة فى الأمم المتحدة بعدما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة مشروع قرار بعنوان «حق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير»، وصوت لصالح القرار 182 دولة.
أما الحدث الثانى: فهو المصالحة التى تمت بعد أعوام من الخصومة والقتال ونفى الآخر ومحاولة إنهائه، فقد طوت حركتا فتح وحماس فى الأيام الأخيرة من عام 2011 صفحة هى الأكثر سوادا فى تاريخ الفلسطينيين بعدما تقدموا خطوات مهمة نحو المصالحة فى مرحلة ليست سهلة ولا قصيرة، مليئة بالمطبات المحلية والإقليمية والدولية.
لكن لماذا هذا العام بالذات؟ وهل يمكن أن تطبق المصالحة فعليا؟
يجيب مسؤولون فى فتح وحماس ومراقبون ومحللون بأنه «الربيع العربى»، إذ لا يختلف اثنان فى الشارع الفلسطينى على أن التغيرات الاقليمية أو ما يعرف بالربيع العربى شجع الطرفين فتح وحماس على المصالحة، لكن التغير السريع والمفاجئ فى نيات ولغة وواقع الطرفين يشير إلى أنهما تحركا بدوافع كبيرة وليس فقط بسبب هذا الربيع.
يرى المحللون أن هناك عاملين رئيسيين عجلا بهذه المصالحة، وقادا إلى هذا التغيير فى موقف الحركتين الأول: مرتبط بفتح وهو عامل المواجهة مع إسرائيل، فإسرائيل تريد التفاوض على لا دولة ولا شىء، ولا تريد أى شكل من أشكال المقاومة أن يبقى ويتطور، ولا تريد للمجتمع الفلسطينى أن يتحد، كما أن دوافع المواجهة مع إسرائيل ووجود حكومة يمينية متطرفة، أغلق الأبواب أمام فتح ومنظمة التحرير التى وصلت إلى قناعة بضرورة أن تشرك معها الشعب الفلسطينى فى المعركة، فقد فرضت الحكومة اليمينية الإسرائيلية مواجهة شاملة.
أما العامل الثانى فهو مرتبط بحماس، وهو عامل البحث عن شرعية عندما لجأت السلطة إلى الأمم المتحدة، وكان هناك إجماع شعبى، والأطراف التى كانت خارج هذا التوجه مثل حماس أصبحت فى عزلة سياسية، يضاف إلى ذلك عامل أساسى آخر هو التغير الطارئ فى الوضع العربى وما ترتب عليه من تحالفات إقليمية إذ أفقدت حماس أى أفق ممكن للحصول على الشرعية، فتحالف حماس كان مع سوريا وإيران، وسوريا الآن فى وضع صعب ولا آفاق هناك، وإذا ما بقيت تراهن على هذه العلاقة فقد تفقد شرعيتها المتبقية.
إذن فإن الحركتين فتح وحماس تبحثان عن الشرعية، وقد أدركتا أن زمن الحزب الواحد قد ولى، ومن أجل هذه الشرعية يمكن القول بأن الفصيلان قد تحركا سريعا.