في تطور قد يعيد الجزائر إلى المربع الأول، قبل استقالة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، أعلن طلاب الجزائر، أمس، بدء «إضراب وطنى عام»، رفضا لاستمرار النظام الموالى للرئيس السابق، بعد تعيين رئيس مجلس الأمة، عبدالقادر بن صالح، رئيسا مؤقتا للبلاد، لمدة 90 يوما تجرى خلالها انتخابات رئاسية لانتخاب رئيس جديد، ويرفض الطلاب الذين قادوا الحراك الشعبى ضد بوتفليقة «الباءات الأربع» وهم الرئيس المؤقت، عبدالقادر بن صالح، ورئيس البرلمان معاذ بوشارب، ورئيس المجلس الدستورى الطيب بلعيز، ورئيس الحكومة الانتقالية، نور الدين بدوى.
وفى الوقت نفسه أعلن قضاة جزائريون مقاطعة الإشراف على الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 4 يوليو المقبل، ونظم أكثر من 100 قاض والعديد من المحامين، وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة العدل في العاصمة الجزائرية، أمس الأول، بدعوة من نادى القضاة، وهى هيئة قيد التشكيل، يقول القائمون عليها إنها تضم أكثرية القضاة غير المنتمين إلى النقابة الوطنية للقضاة الموالية للسلطة.
وقال قاضى التحقيق في محكمة الوادى شمال شرق البلاد، سعد الدين مرزوق: «دعما لمطالب الشعب، نحن أعضاء نادى القضاة قررنا مقاطعة الإشراف على الانتخابات الرئاسية». ويؤدى القضاة دورا محوريا في تنظيم الانتخابات الجزائرية، وخاصة الإشراف على القوائم الانتخابية، وهى نقطة خلاف دائم بين المعارضة والسلطة، ومن المقرر إجراء مراجعة استثنائية للقوائم الانتخابية، بين 16 و24 أبريل الجارى، تحضيرا لاستحقاق الرابع من يوليو المقبل، ويضم نادى القضاة ممثلين عن كل الهيئات القضائية والمحاكم في البلاد، بحسب مرزوق، الذي لم يكشف عن أرقام محددة في هذا المجال.
وأعلن المتظاهرون تمسكهم بـ«استقلال القضاء» في مواجهة ما يعتبرونها انتهاكات مستمرة منذ سنوات من السلطة التي تطالب الحركة الاحتجاجية رحيلها منذ انطلاق التظاهرات ضد النظام في 22 فبراير الماضى، وقال نور الدين بنى سعد، الناشط الحقوقى، أبرز أعضاء نقابة المحامين في العاصمة: «فى كل يوم جمعة، يجدد الشعب رفضه اقتراحات السلطة، هذه التظاهرات تمثل استفتاء على عملية انتقالية تقودها شخصيات توافقية»، وأشار المحامى والناشط مصطفى بوشاشى إلى أنه «من غير السهل أن يكون الشخص قاضيا في الجزائر، ويقاطع الإشراف على الانتخابات». وأضاف: «فى الماضى، استخدمت السلطة القضاة ذريعة لفرض مرشحيها عن طريق التزوير الانتخابى».
ودعا على بن فليس رئيس الوزراء السابق في عهد بوتفليقة، أحد أبرز معارضيه حاليا، في بيان، الجيش إلى مواكبة العملية الانتقالية دون فرض شروطه عليها، ولفت إلى أن «المنتظر» من القوات العسكرية «ليس فقط مرافقة البحث عن مخرج، بل الإسهام في تسهيل الوصول إليه»، وقال: «لا ننتظر من الجيش» أن يكون «الآمر والناهى في البحث عن الحل وإنما أن يسهل ويرافق ويحمى مسار الحل المنشود»، واعتبر بن فليس أن الأزمة تفرض «معالجة دستورية ومعالجة سياسية، وهذا يعنى أننا نعمل بالدستور إلى أبعد ما يمكن وعند بلوغ أي انسداد نعمل على تجاوزه باجتهاد سياسى يحظى بقبول واسع».
وأطلقت الشرطة سراح 10 ناشطين في حركة شبابية وحزب يسارى بعد ساعات على توقيفهم لدى محاولتهم التظاهر «تنديدا بقمع مسيرة يوم الجمعة»، بحسب ما أكدت جمعية تجمع شباب الجزائر، وتم اعتقال النشطاء واقتيادهم إلى مركز أمن بعيد عن وسط العاصمة بينما كانوا يستعدون للتجمع في ساحة البريد المركزى، مركز الحركة الاحتجاجية، وكتب حكيم عداد الأمين العام السابق للجمعية على صفحته في فيسبوك «تم إطلاق سراحنا في انتظار أن نصبح أحرارا». ويتجمع الشباب كل يوم في الساعة الخامسة، تنديدا «برغبة القمع ومنع التظاهرات» خلال أيام الأسبوع، كما أوضح نائب رئيس جمعية تجمع شباب الجزائر.
في الوقت نفسه، أعربت منظمات من المجتمع المدنى الجزائرى عن قلقها من تشدد وعنف الشرطة حيال المتظاهرين بعد انتهاء التجمعات، وأكدت الطابع السلمى لهذا التحرك الذي بدأ قبل شهرين، وسارت التظاهرات دون حوادث في معظم المدن لكن في العاصمة انتهت التظاهرة التي بدأت في أجواء أكثر توترا من المعهود، بصدامات بين مئات الشبان وعناصر الشرطة، وهى ليست المرة الأولى التي تطلق الشرطة القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين، الجمعة الماضى، لكن المواجهات بدأت قبل انتهاء التظاهرة، ورأى نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان سعيد صالحى أن «تعبئة الجمعة الماضية كانت مختلفة من حيث حجم القمع»، وقال: «منذ الصباح بدأت الأمور بشكل سيئ، عادة تعم البهجة ساحة البريد المركزى لكن ثمة نوايا لدى السلطات باحتلال المكان». وانتشر شرطيون من وحدة مكافحة الشغب لأول مرة قرب هذا المبنى الرمزى الذي أصبح نقطة التقاء المتظاهرين، وحاولوا عبثا تفريق المتظاهرين، وقال صالحى: «لئن تحلت قوات الأمن كما المتظاهرون بضبط النفس، فقد كان لديها رغم ذلك نية لمنع التظاهرة»، وبحسب الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، اعتقلت الشرطة العديد من الناشطين الذين كانوا يستعدون للتظاهر مجددا أمام مبنى البريد المركزى. واستنكرت الرابطة «مضايقة» محتجين سلميين.
وفى حين توالت الاحتجاجات في غير أيام الجمعة، تحاول قوات الأمن الحد من حرية التعبير في الأماكن العامة، بحسب المحلل السياسى شريف إدريس، وقال إدريس إن الرد يبقى معتدلا ومهنيا خصوصا مع خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع: لا قمع وحشيا للمتظاهرين، واعتبر أنه من المبكر جدا القول ما إذا كانت صدامات الجمعة الماضية نتيجة «استراتيجية للحد من التظاهرات أو رد فعل تجاه مجموعات مندسة».
وقالت المديرية العامة للأمن الوطنى إن 83 شرطيا أصيبوا الجمعة الماضية، وإنه تم توقيف 108 أشخاص، وأكدت أنها ترفض القمع وتكتفى بفرض الأمن، كما أصيب متظاهرون بجروح أحدهم في الصدر برصاصة مطاطية كالتى تستخدمها قوات مكافحة الشغب، وقال عبدالوهاب الفرفاوى من تجمع العمل الشبابى، المنظمة التي تسعى لتعبئة الشباب حول قضايا المواطنة، إن «المحتجين متمسكون بمواصلة التحرك بشكله السلمى»، وأضاف: «الحراك السلمى سر النجاح».