حلق التاريخ لحيته الكثة،
..
هذه اللحية لم يعد يحتاجها،
والملفات التى دونها فى غابر الأيام
..
سوف يلقيها إلى ريح السموم الآتية
من صبر فلسطين ومن جرح العراق،
من صمود الشام ومن نزف اليمن،
قبل أن يأخذها تاجر العنف،
الذى يُقبل من أقصى بلاد الغرب
على حاملات الموت والرعب
إلى الشرق المدمّى،
..
هو من أدمن تزويرَ التفاصيل،
..
فى زمان تسبق الأخبار والأحداث فيه،
..
حلق التاريخ لحيته الكثة واختار التلطى
فى زواريب الحكايا،
وتكايا مدن الشام العتيقةِ، والزوايا
# #
ألمًا تنثره الريح غلالا للعصافير،
وألعاباً لأطفالٍ صغارٍ فى مخيمْ،
طاف فى الليل على جنْد الخلايا
..
وصحا مَن نام قيلولة ليل متقطع
استدرْ يا ساكنا جرح السبايا
قد تنادى عسكرُ الألفة،
ورجانا سائسُ الصمت
بأن نركب متنَ الحزن والشوقِ
نغزو عالما يعبره نهرُ الجراح
نُقصى الخوف،
عن واقعنا المسكونِ بالحلم
بين دهريْن من الغربة والوعد
نعيد الروحَ
للوهج الذى قد كان فينا
ونمد الكف للشاطيء بالنار،
ينتَضى الشاطيء سيف الرعد
يصير الرمل نواحاً وضجر
:
ها زمان الرجْم قد جاء،
..
# #
أزهر الليل وردة شوق
فامتطى المغنّون ظهر السكون
إنه القهر يولَد فى الأعماق،
...
يرسم خارطة التمرد والغزو،
يَرْمى على خاصرة الفجر،
أشلاء أغنية لم يكتمل لحنُها،
فاحتُبِست فى حناجر المواعيد
..
المدى غارق بالنشيج والخوفِ،
متخمٌ بالمواويل والصهيل،
جامدٌ بين نزيف الروحِ والشكوى
مهزومٌ من الداخل،
مطعونٌ بسيف الزيفِ،
..
والملايين التى كانت تهز العرشَ والكرسيّ
سرقوها برغيف الخبزِ من أحلامها،
ورشوها بأمانٍ زاهياتْ،
ووعود برفاهٍ فى عجافِ السنواتْ،
آه.. يا عالمَنا المنزوعَ من أرواحنا
آه.. يا حمانا المستباحْ
يا بلادا تعبت من رتق أفواه الجراحْ
..
# #
هو ذا المر الذى يخنقنا
..
ساكنٌ حلماً قديماً فى هوانا
..
يولد الجرحُ من الجرح،
..
..
والقطيعُ الذاهل المذعورُ،
من قعقعةِ الأحداثِ،
يستجدى هوامَ الغرب أن تُنجده،
..
والبشاراتُ على أعمدة الصدفة تاهتْ،
وبكتها المدن البلهاء زوراً،
..
وحدها دمشقُ الفيحاء لم تبكِ،
..
# #
:
إن الذين يجيئون على مَرَج البحر،
من شَتات البقاع،
يسبقهم حلمهم بالتكاثرِ،
..
سوف يعودون إلى البحر،
من الطرف الآخر للنهرِ،
حين يسقط وهمُ الخرافة من يدهمْ،
وأهازيجهم يغلّفها السامعون بالنواحْ
حين يضُوع البنفسجُ فى الشام،
ورائحة الياسمين والبيْلسان والأقاحْ
وترجع كل الحكايات إلى البدءِ
»
فالديار التى أدمنت سرقة الوقت
بالهتاف والدعاءِ لمعجزة تدمّر العدوّ
ما خرجت من قمقم التبعيةِ،
ولا استعادت بعض كرامتها،
وحدها الشام التى أسرجَتْ خيلها
وانتضّتْ سيفها،
ودعتْ كل من يحملون الرماحَ
لملاقاة غزوِ الجهالة والتوحشِ،
إنها البلادُ التى تملأ الروح بهجةً،
وتضىءُ حاضر تاريخنا بالشموخْ
# #
لبلاد تخرج فى ملابس النوم
تستقبل صباحاتِ الرصاص والحليبْ
تُلقى أناشيدها الوطنية،
عند أحذيةٍ مبللة بالمسافاتِ والتعبْ
..
..
توقظ أروقةَ الصمت والبأسِ،
تدندنُ أهزوجة للسلاحِ البهى،
تُغوى سوسن القدس،
أن يبيّضَ صبح الأحبة،
حين يعودون إلى حضنها العاشقِ
وحدها الشامُ، والحليفُ، الصديقُ، الرديف
..
اعتمرَت تاريخها الناصعَ،
كيما تنثرَ وردها الجورىّ،
..
# #
حلق التاريخ لحيته الكثة،
وارتاح على مقعده الباردِ
يشرب قهوته المرّةَ،
فى إناء معدنى صدئت قبضته
والرصيف المدمنُ المرهفُ،
يقرأ البختَ لفجرٍ جاء من غير بطاقة،
وتخطّى حاجز التفتيشِ،
فيما كان الحارس يسعلُ،
بعد أن أشعلَ سيجارتَه الأخرى
..
:
..
..
شعر حاتم صادق خربيط - سوريا: