قال المهندس محمد أبوسعدة، رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، إن الجهاز بدأ بحث خطة الاستفادة من المبانى التراثية وذات الطابع الخاص التي تشغلها الوزارات، بعدما نقل منها إلى العاصمة الإدارية، وذلك مع هيئة التخطيط العمرانى.
وأوضح «أبوسعدة» في حوار لـ«المصرى اليوم»، أن هناك عدة مقترحات للاستفادة استثماريًا من المبانى التراثية، وكذلك إعادة إحياء منطقة وسط البلد بأكملها، إلا أنها لم تُقرر بعد، في انتظار وضع مخطط عام لوسط البلد يمكن التحرك خلاله.. وإلى نص الحوار:
■ نبدأ من الخطوة المنتظرة بعد نقل الوزارات من وسط البلد إلى العاصمة الإدارية، ما خطة الاستفادة من المبانى التراثية التي تشغلها؟
- التنسيق الحضارى هو جهاز فنى يعمل على رسم وتحسين الصورة البصرية في الفراغات العامة، ووضع منظومة للحفاظ على المبانى ذات القيمة حول الجمهورية، ومن ضمن المشاريع التي نعمل عليها بالتعاون مع جهات أخرى، مشروع إحياء منطقة وسط البلد أو القاهرة التاريخية، وهو مشروع ممتد لمساحات كثيرة، وهو مقسم إلى مراحل تنفيذ، فبدأنا في قصر النيل والشواربى وطلعت حرب، ثم الألفى والبورصة والشريفين وسرايا الأزبكية وممر بهلر، وكل هذا بهدف إعادة رونق المبانى المسجلة لدينا وتشكل قيمة لمنطقة وسط البلد، وكنا نركز على الواجهات الخارجية، ولأسباب كثيرة لم نتمكن من العمل داخل المبانى، ثم أتت فرصة ذهبية وهى قرار الدولة بنقل منطقة مربع الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة، والذى يوفر في نفس الوقت فرصة لإعادة استثمار وتوظيف المبانى بمنطقة وسط البلد، فبدأنا أولًا بتحديد المبانى المقرر نقل الهيئات منها، ووجدنا أن هناك عددا كبيرا من العقارات التابعة لجهات حكومية في وسط البلد، وهو ما يسهل العمل بتلك العقارات من الداخل، أكثر من العقارات المملوكة للأفراد، أو الشركات، وتلك التجربة نجحت فيها شركة الإسماعيلية للعقارات، بامتلاك العقارات بالكامل للتمكن من تطويرها والحفاظ عليها، وهذا هو الفكر المطلوب العمل به حكوميًا وهو الاستثمار في التراث، لكن هذا يتطلب حصر تلك المبانى واستخداماتها، لأن هناك عوائق وتحديات كثيرة مثل الاستغلال غير اللائق لبعضها من غلق بعض الشقق أو المبانى لاستخدامها كمخازن وغيره، وإذا نظرنا إلى وسط البلد في أي مدينة في العالم، سنرى أنها المنطقة الأكثر حيوية فيها تجاريًا وسياحيًا، وعلينا استغلال هذا، فوسط البلد لدينا تمتلك ميزة هامة وهى أنها يمكن أن تكون مسارا فنيا وثقافيا وكل العناصر المكملة لهذا المسار من سينمات ومسارح والممرات المنتشرة في شوارعها والتى تم غلقها أمام مرور السيارات، ويمكن إثراء هذا بالجاليرهات والبازارات السياحية ومطاعم الأكلات التراثية، وهذا ينطبق على وسط البلد بالكامل، بداية من رمسيس إلى عابدين والعتبة.
■ هل تم وضع ملامح لخطة الاستفادة من مبانى الوزارات؟
- بدأنا مع هيئة التخطيط العمرانى، التخطيط لما سيتم بعد تفريغ المبانى الحكومية في وسط البلد، وكيفية إعادة استخدام الأراضى أو المبانى القائمة بالفعل، لأن أي نشاط سيتم سيؤثر في شرايين الحركة والمرور، من مبان إدارية أو فنادق وغيرها وهو ما تستوجب خدمات أخرى، كما يتضمن هذا التخطيط تسجيل المبانى غير المسجلة، وإتاحة مساحات خضراء لتكون رئات خضراء للمواطنين، مثل إعادة حديقة الأزبكية مرة أخرى والتى نعمل عليها الآن، في انتظار انتهاء العمل بمنطقة مترو العتبة، والذى سيتبعه إعادة ما تبقى من الـ6 أفدنة للحديقة، من النافورة وكشك الموسيقى وسور الأزبكية، وستوفر الحديقة رئة خضراء هامة في تلك المنطقة، ونحن في انتظار هيئة المترو لاستكمال أعمالها أسفل الحديقة، لكن ما أقدرش أقول لك المبنى ده هيكون فندق أو ده جاليرى، لكن هناك مخطط في هيئة التخطيط العمرانى يتم وضعه حاليًا ويعمل جهاز التنسيق الحضارى على جزء التخطيط المعمارى فيه وليس العمرانى، فيما يخص المبانى نفسها، فيما تُعنى الهيئة بتخطيط الفراغات وتأثيراتها على الطرق والمرور، كما تم طرح فكرة أن تكون وسط البلد منطقة مشاة فقط، ومنع مرور السيارات بها، وهذا صعب تحقيقه لأنها منطقة تجارية هامة، لكن يمكن تحقيق ذلك من خلال الممرات المنتشرة في المنطقة والتى تمت إتاحتها للمشاة فقط، كذلك هناك فكرة أن يتم غلق منطقة وسط البلد لمنع المرور العابر بها والذى يقصد مناطق أخرى مرورًا بوسط البلد مثل الزمالك والمهندسين ونفق الأزهر، وكل تلك الدراسات الجارية ستخدم النسق الجديد الذي نسعى إليه، مع أن هدفنا الأول هو الحفاظ على المبانى والتى تشكل القيمة الأساسية.
■ كيف يتم تعزيز آليات وقوانين الحفاظ على المبانى التراثية؟
- آليات الحفاظ تحتاج الكثير، لأن كثيرا من العقارات يمتلكها أفراد، ويحصّلون إيجارات ضعيفة عنها كشقق فيلجأون إلى تأجيرها كمخازن وخلافه، وتلك الإجراءات نسعى لحلها من خلال تعديلات القانون 144 وكذلك قانون الإيجارات الجديد، فللحفاظ على هذا التراث هناك وجهان، جزء خاص بالدولة وجزء خاص بالأفراد ملاك تلك العقارات، وهذا موجود في تعديلات قانون 144 التي توائم بين الحفاظ على المبانى وحقوق الملاك، والجزء الأول وهو الحفاظ يتم حاليًا بالفعل من خلال المعايير التي يضعها الجهاز، وكذلك الجزء العقابى، لكن كان لا يوجد الحافز الكافى للملاك للمساعدة في هذا الأمر، لذا بحثنا وجود حل وسط بتوفير حوافز للملاك، مثل عدم دفع ضريبة عن العقار المسجل أو تعويضهم ماديًا أو معنويًا، كما أن لمحافظة القاهرة تجربة فريدة مع أصحاب العقارات بشارعى الألفى والشريفين، ما عرف باتحاد الشاغلين، لتعزيز المشاركة المجتمعية، وهو ما يضمن استمرارية الحفاظ على التراث، لأننا نطور ونحافظ لكن ماذا يضمن استمرارية هذا بعد انتهاء دور الدولة، هنا يأتى الجزء المجتمعى، بأن يقوم أصحاب المصلحة في المنطقة بتكوين اتحاد شاغلين وفتح وديعة بنكية بالمشاركة للمساهمة في التلفيات أو الحفاظ على تطوير ونظافة المكان، فالدولة عليها أعباء كثيرة، وبالتالى نحتاج تلك المشاركة المدنية والمجتمعية، وهو ما يحدث في دول العالم.
■ هل تم حصر وتصنيف المبانى المقرر تفريغها من الوزارات والهيئات الحكومية؟
- لدينا حصر بنحو 19 مبنى ذى قيمة، إلى جانب مبان أخرى محصورة كآثار، بالإضافة إلى المبانى العادية، وبين المبانى المسجلة لدينا مجمع التحرير، والذى قيل كثير من الاقتراحات حول استغلاله منها أن يصبح فندقًا أو مجمعا للمشروعات والشركات الصغيرة مثل الجريك كامبس في الجامعة الأمريكية، لكن هذا الأمر يحتاج أولًا إلى وضع خطة ودراسة جدوى لحجم المبنى والمساحات حوله، وبالتالى لا نستطيع أن نقرر طريقة استغلاله حاليًا، قبل أن ينتهى التخطيط العام لمنطقة وسط البلد بالكامل، وهو ما تقوم عليه هيئة التخطيط العمرانى في الوقت الحالى.
■ كيف يمكن المواءمة بين الحفاظ على تراث المبنى واستغلاله اسثماريًا؟
- نقول دائمًا إن جزءا من آلية الحفاظ على أي مبنى تراثى هو استثمارها وأن تكون مشغولة، لا أن يتم غلقها وتركها، لكن هذا يأتى ضمن معايير وضعها الجهاز من خلال تقسيم المبانى إلى تصنيفات (أ، ب، ج)، فكل تصنيف له أساليب معينة للتعامل معه، فالتصنيف (أ) يُسمح بترميمه مع عدم إجراء تعديلات داخلية أو خارجية به إلا في أضيق الحدود، والتصنيف (ب) يسمح فيه بقدر من المرونة في عمل بعض التعديلات الداخلية، أما التصنيف (ج) فيتاح قدر كبير من المرونة يصل إلى الهدم مع الاحتفاظ بالهيكل أو الواجهة الخارجية للمبنى فقط، وإعادة تأهيل أو إعادة بناء المبنى من الداخل كليًا، وكل هذا متاح والمهم هو إعادة استخدام وتوظيف المبنى.
■ إلى جانب ما يقدمه الجهاز في منطقة وسط البلد فإن له يدًا أخرى في العمل بالعاصمة الإدارية حدثنا عن هذا الدور؟
- أعتبر أن قلب المدينة والعاصمة الإدارية الجديدة، مكملتان لبعضهما، فلولا العاصمة الجديدة لما استطعنا القيام بكل هذا، فهى فرصة أن لدينا مدينة جديدة تستوعب هذا القدر من الخدمات الإدارية وانتقالها من قلب المدينة التي اختنقت بها، وإعادة استخدام هذه المنطقة بعد ذلك، وفى هذا السياق طرحنا مع شركة العاصمة الإدارية فكرة إطلاق مسابقة أفكار للحصول على أفضل التصميمات لميادين وفراغات العاصمة الإدارية بحيث تكون لها شخصية وهوية تواكب التكنولوجيا ومسارات الحركة والمساحات الخضراء وغيرها، وبالفعل فاز عدد من التصميمات في المسابقة، وبدأت العاصمة بالفعل في اختيار بعض التصميمات الفائزة لتنفيذها، وهذه كانت أول مرة يتم بها العمل من خلال مفهوم فرش الشوارع ومراعاتها في التصميمات، مثل المقاعد وأعمدة الإنارة وغيرها من العناصر، وعرضنا التعاون مع العاصمة الإدارية فيما يخص التنسيق الحضارى والتعامل مع الفراغات العامة في مراحل قادمة.
■ كلّف رئيس الجمهورية بتوحيد طلاء واجهات المنازل في المحافظات كيف بحث الجهاز آلية تنفيذ القرار؟
- اجتمعنا لأكثر من مرة مع المحافظات ووزير التنمية المحلية، وقد اقترحنا آلية التنفيذ، وهى أن تكون هناك مسطرة لونية وليس لون موحد، أن يكون هناك درجات لونية متناسقة لنفس اللون، بحيث يخلق راحة بصرية للمدينة، لأنه يجب أن يكون هناك تنوع لكن الأهم هو التجانس والتناسق، وقمنا بتقسيم الجمهورية إلى 7 أقاليم، وحددنا آليات التنفيذ والتى تتطلت حوارا مجتمعيا مع الناس، فنحن نقرر من وجهة نظر فنية، لكن المهم أن يشاركنا المواطنون في كل محافظة بوجهات نظرهم، وحاليًا أصبح هناك انتشار لكليات الفنون الجميلة في كافة الأقاليم، والتى ستُمثل منها أساتذة ومختصون إلى جانب جهاز التنسيق الحضارى والمحافظة في لجان حول الجمهورية للنقاش المجتمعى، وقد تم الاتفاق بشكل عام على المسطرة اللونية للجمهورية، بأنه كلما اتجهنا شمالًا نستخدم الألوان الفاتحة والمائلة للزرقة، وكلما اتجهنا جنوبًا نستخدم الألوان الترابية، وقد استثنينا المبانى الأثرية وذات القيمة التراثية والتى تم تنفيذها بخامات طبيعية مثل الرخام والحجر والخشب من هذا القرار، وسيتم التنفيذ في الشوارع الرئيسية في كل محافظة أولًا ثم الشوارع الفرعية وهكذا، وصولًا في النهاية إلى التعامل مع المبانى الشاذة عن المسطرة اللونية، فهذا نوع من الضغط على ملاك تلك العقارات، لأن معظم المبانى في هذا الوقت ستكون التزمت بالألوان المقررة وستكون هذه المبانى المخالفة شاذة بدورها، وكذلك بحثنا تخفيض تكاليف تغيير تلك الواجهات بالبحث عن مواد دهان ذات طبقة واحدة ولا تحتاج إلى طبقات أخرى.