سكرتير عام الاتحاد البرلمانى الدولى: مصر قادرة على إقامة ديمقراطية حقيقية فى أقل من 6 شهور

كتب: نشوي الحوفي الثلاثاء 14-06-2011 21:11

فى توقيت مهم يحمل دلالات واضحة، ودون ضجة إعلامية، أجرى أندرس جونسون، سكرتير عام الاتحاد البرلمانى الدولى، زيارة سريعة لمصر، والتقى، فى زيارته التى استمرت 4 أيام، المسؤولين فى وزارة الخارجية، وناقش ملف انتخابات مجلس الشعب المقبلة، وما يمكن أن يقدمه الاتحاد البرلمانى الدولى لمصر من دعم فنى ولوجيستى فى هذا المجال.


الحديث مع أندرس جونسون لم يستشرف المستقبل الذى جاء إلى مصر ليساعد فى رسمه فقط، لكننا حاولنا من خلاله التعرف على ملامح تقييم ذلك الكيان الدولى للبرلمان المنحل، ونظرته لأسلوب مصر فى تطبيق الديمقراطية، ولم يتحدث السكرتير العام للاتحاد البرلمانى الدولى عن شخصيات سبق له التعامل معها طيلة فترة توليه منصبه منذ 1998 وحتى الآن. لكنه لم يخف فى الوقت نفسه تخوفه من الانتخابات البرلمانية المقبلة فى حال عدم وضع قوانين منظمة لها، فإلى نص الحوار.

■ من موقعك فى الاتحاد البرلمانى الدولى، وكمراقب متخصص، كيف كنت تقيِّم برلمان مصر قبل ثورة 25 يناير؟


- فى رأيى أنه كان يمكن لبرلمان ما قبل الثورة أن يكون أفضل تمثيلاً للمجتمع والقوى السياسية المختلفة، لكن علينا اليوم النظر للأمام وتناسى الماضى، بمعنى توفير العوامل اللازمة لإنجاح البرلمان الجديد، وأهم شىء هو الحرص على وضع آلية جادة بمعايير واضحة تحدد نظام محاسبة ومساءلة الحكومة، لمواجهة الفساد، والتأكد من سلامة صرف الأموال العامة، وهو شىء لم يكن مفقوداً لديكم وحدكم، لكن هناك العديد من برلمانات العالم تفتقده.


■ هل سبق أن تحدثت حول رؤيتك مع رئيس مجلس الشعب المنحل، أو أعضائه، وهل كانوا مدركين لطبيعة الخلل الذى تتحدث عنه؟


- تناول شؤون الديمقراطية فى الدول المختلفة محور أساسى من أعمال الاتحاد، وسبق لى الحديث مع العديد من البرلمانيين المصريين، من بينهم الرئيس السابق لمجلس الشعب، وكنت أتحدث معهم فى مختلف جوانب التطبيقات الديمقراطية بشكل عام. وفى الحقيقة لم أجد اختلافا لديهم فيما يتعلق بمفهوم الديمقراطية، لأنه سهل ولا يستدعى العديد من التفسيرات. ليس هذا فحسب بل لم أجد فجوة بين ما كنت أطرحه عليهم من أفكار حول الديمقراطية، وما كنت أسمعه منهم، لكن لكل برلمان ظروفه وتحدياته. وتتحدد مساحة حرية حركة البرلمان حسب تلك الظروف والتحديات. ولم يعد خافياً على أحد أن تلك التحديات، التى واجهت الديمقراطية فى مصر، كانت سبباً فى خروج الشعب إلى الشارع داعياً لإنهاء هذا الوضع. ودعونا نركز فى حديثنا الآن على السلطة فى مصر، ومن سيحكم ويتخذ القرار، وكيف يريد المجتمع أن يرى صورته فى المستقبل، لأن خروج المواطنين لميدان التحرير كان بمثابة دعوة للمشاركة فى اتخاذ القرار، فالشعب أراد أن يصبح جزءاً أساسيا من آلية اتخاذ القرار، وأن يشعر بملكيته للوطن، وأنه صانع المستقبل فيه، ولا سبيل لذلك دون برلمان قوى يمثل المجتمع بصدق، ويعكس جميع تياراته وفئاته.


■ أعلم أن زيارتك للقاهرة غير عادية، ونحن نقترب من انتخابات برلمانية مهمة، فماذا تحمل فى حقيبتك من أفكار فى هذا الشأن؟


- هناك العديد من الهيئات الدولية التى تهتم بتنظيم الانتخابات، أى عملية التصويت ذاتها، أما الاتحاد البرلمانى فدوره مختلف، لأنه معنى أكثر بالبرلمان ككيان وبآليات ممارسة مهامه، فالهدف ليس إيجاد البرلمان فقط، ولكن ما سيتم داخله، وكيف يمكن أن يصون الديمقراطية، ويضمن سلامة أجهزة الدولة التنفيذية، ويمكن للاتحاد أن يقدم الخبرة للمسؤولين المصريين لتقييم وضع برلمان ما قبل 25 يناير، وهو أمر أساسى لبناء برلمان جديد، لنقف على المشاكل التى أدت لحله. كما يجب التعرف على الإجراءات المعيبة فى أداء العمل البرلمانى، والآليات التى لم تنجح فى تناول العلاقات الإجرائية بين الحكومة والبرلمان بالشكل الذى يضمن المراقبة والمحاسبة، وهى أمور يجب أن يقوم بها المسؤولون المصريون بأنفسهم، ويمكن للاتحاد أن يقدم الأدوات اللازمة للتقييم، والتدريب على وضع تقييم سليم، والمساعدة فى الوصول لنتائج، وكيفية الاستفادة منها فى إعداد البرلمان الجديد، فالطريق الأمثل لأى إصلاح ديمقراطى سليم وفعال، يجب أن يتأسس على مراحل ثلاث أساسية، أولاً، تقييم آليات العمل الديمقراطى السابقة، من خلال مجموعة من الخبراء القانونيين وممثلى المجتمع المدنى والأكاديميين والإعلاميين والموظفين الفنيين السابقين بالبرلمان، ويمكن للاتحاد إعداد ورشة عمل بالقاهرة بمشاركة خبراء دوليين متخصصين، لعرض وسائل التقييم الذاتى للبرلمان وأدائه، وعرض ما تنتهى إليه الورشة من نتائج على المسؤولين. ثانياً، تشكيل مجموعة عمل لصياغة الإجراءات والقوانين التنظيمية الداعمة لآليات العمل الديمقراطى السليم وشفافيته، ويمكن إنشاء شبكة تعاون فنى برلمانى بين مجموعة العمل المصرية مع مختلف برلمانات العالم، حسب حاجة المجموعة المصرية، أما المرحلة الثالثة، وهى الأهم من وجه نظرى، ويتفق معى فيها مسؤولو وزارة الخارجية، فهى بناء قدرات البرلمانيين الجدد وموظفى الأمانة الفنية، لأنها الضمانة الأساسية لاستدامة عملية الإصلاح الديمقراطى، وتتعلق بتعريف البرلمانيين الجدد بآليات العمل الديمقراطى السليم وحقوق التمثيل، ويمكن للاتحاد البرلمانى أن يدعم الجهود المصرية فى عملية الإصلاح الديمقراطى. وخلاصة تجارب الاتحاد تؤكد عدم سلامة بناء برلمان جديد على نفى جميع القواعد والآليات التى أدت إلى حل البرلمان القديم.


■ ما موقف المسؤولين المصريين من قضية الدعم الفنى الذى تقترحه؟


- رحب المسؤولون فى وزارة الخارجية بالإطار العام للاقتراح ويدرسونه حالياً، وسأعد خلال الفترة المقبلة تفاصيل أكثر للاقتراحات المُقدمة، وعلى استعداد لمقابلة المسؤولين فى المجلس العسكرى بعد استكمال تفاصيل ما يمكن أن يقدمه الاتحاد من دعم فنى لمسيرة الإصلاح الديمقراطى.


■ ما رأيك فى الجدل الدائر الآن حول موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، ما بين مؤيد ومعارض؟


- من واقع خبرتى وما أثبتته لى التجارب، فإن مثل تلك القرارات يجب أن تكون وطنية، بمعنى أن تؤخذ بواعز وطنى من القائمين على السلطة، مع الاتفاق المجتمعى عليها، ولا يمكن لأحد من الخارج أن يقدم رأيه فى أمر يتعلق بأنسب التوقيتات الخاصة بالانتخابات، فتلك قرارات تعتمد على معطيات وظروف وطنية يفهمها ويقدرها أبناء الوطن، ومن جانب آخر، فمن خلال متابعتى جميع عمليات التحول الديمقراطى فى العقود الأخيرة، أعتقد أن عامل الوقت سيمثل تحديا كبيرا للإعداد للعملية الانتخابية من الناحية اللوجيستية، ووضع نظام انتخابى سليم، فنحن فى شهر يونيو، والانتخابات فى سبتمبر، ولديكم شهر رمضان، وكلها أمور تشير إلى أن المدة المتبقية قليلة.


■ هل تناولتم هذا الموضوع فى اجتماعاتكم الرسمية مع المسؤولين بوزارة الخارجية؟


- لا، وأعتقد أن المعنيين بقضية الإصلاح الديمقراطى المصرى يدركون هذه التحديات، وسيتوقف الأمر على الشكل النهائى للنظام الانتخابى الذى سيتم اعتماده، وما إذا كان سيجرى عبر قوائم نسبية، أم بالنظام الفردى.


■ كيف تفسر الرغبة فى الإسراع بإجراء الانتخابات البرلمانية؟


- لا أملك تفسيرا لأن هناك الكثير من المعطيات التى قد لا أكون مدركاً لها، وقد تكون هناك حاجة إلى سرعة تسليم الدولة لنظام ديمقراطى أو إنهاء المرحلة الانتقالية التى يقودها المجلس العسكرى، وهو أمر محمود فى حد ذاته، لكن الأهم من إجراء الانتخابات هو الاستعداد لها بشكل سليم كما أوضحت.


■ كيف يمكن لمصر أن تستفيد من تجارب الدول الأخرى فيما يتعلق ببرلمانات ما بعد الثورات؟


- أولاً، يجب وضع نظام انتخابى سليم، وإجراءات تسمح لجميع الأحزاب السياسية بممارسة العملية الانتخابية فى جميع مراحلها، وإعداد وتنظيم أنفسهم، لأن غالبية الأحزاب الجديدة فى بداياتها تشبه تكوينات سياسية رخوة ونشطة بحاجة إلى هياكل سليمة تضمها، كما يجب الاتفاق على مصادر تمويل هذه الأحزاب، ورغم الوقت الذى تستهلكه تلك الأمور، فإن توافرها قبل البدء فى العملية الانتخابية أمر أساسى. وهناك أمر مهم هو ضرورة توعية المجتمع بجميع تلك الخطوات، ووضع وسيلة لمشاركة جادة من جميع أطياف المجتمع، وأعتقد أن ذلك يجرى حالياً، فهذا ليس برلمانا عاديا، لكنه برلمان سيتم فيه وضع دستور للدولة، وتحديد ملامح المستقبل.


■ ما العامل الذى يمنح مصر الديمقراطية ويتسبب غيابه فى حرمانها منها؟


- لابد أن تكون هناك شفافية، ومشاركة واسعة، وحوارات صريحة بين تيارات المجتمع، فكل التجارب تؤكد أن تحديد آلية عمل جادة للبرلمان بمعايير واضحة، هو صمام الأمان لمسيرة الديمقراطية، ومانع أساسى للفساد، وهذا يتطلب تنسيقا وثيقا ومؤسسياً بين البرلمان والهيئات الحكومية الرقابية المعنية، ويجب أن تعتمد مناقشات البرلمان على ما تعده الهيئات الرقابية من تقارير، وبغير هذا تضيع الديمقراطية.


■ أعلن المجلس العسكرى الإبقاء على نسبة الـ50% «عمال وفلاحين»، رغم مطالبات البعض بإلغاء هذه النسبة، فما رأى الاتحاد فى موضوع النسب المهنية، أو الكوتة بشكل عام؟


- هذه قضية حساسة، والقرارات التى تتخذ بشأنها يجب أن تنبع من الحس الوطنى، لكن الواقع يؤكد تخلى العديد من البرلمانات، التى كانت تطبق مثل هذه النسب عنها تدريجياً، ولا أعتقد أن هناك دولا تطبق هذا النوع من الكوتة، ويجب أن يُنظر لهذا الأمر على أساس أنه مؤقت لتمكين المرأة أو الأقليات العرقية أو الدينية أو فئة ما لفترة محدودة، حتى يتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم فى مجال العمل السياسى، بعدها تُلغى الكوتة بالكامل، والسؤال الأهم هنا: هل نجحت هذه النسبة على مدار سنوات تطبيقها فى دعم الديمقراطية أم لا؟.


■ هل اطلعت على مشروع قانون انتخابات مجلس الشعب الذى طرحه المجلس العسكرى؟


- لم أدرس مشروع القانون بعد، لكن حسب فهمى، فهو قانون هجين بين نظام الانتخاب الفردى المباشر لثلثى المجلس، ونظام القائمة النسبية لثلث المقاعد، وهناك بعض الأفكار بشأن منح نوع من الكوتة لهذا الثلث. والقضية هى: من يملك السلطة ومن سيتخذ القرار؟. وإذا كانت مصر تسعى لبرلمان قوى وديمقراطية حقيقية فعليها اقتناص هذه الفرصة التاريخية لوضع أسس مجتمع عادل يتسم بالمساواة بين مواطنيه فى الحقوق. وأشير هنا لأهمية تمكين المرأة من الحصول على سلطة تساعدها فى المشاركة فى رسم القرار. والتجارب تؤكد أن المرأة يمكنها التأثير فى البرلمان إذا تواجدت فيه بنسبة معقولة، ونسبة 10% لا تكفى لمشاركة جادة للمرأة، ولكى تكون فاعلة فى البرلمان، يجب أن تكون نسبة مشاركتها 30%.


■ فى رأيك، أيهما الأفضل لحكم مصر: النظام البرلمانى أم الرئاسى؟


- هذا سؤال صعب جداً، وأنتم الذين تجيبون عنه وتحددونه، والأهم هو وجود برلمان قوى، ومن الضرورى أن يكون هناك مكان واحد يضم جميع تيارات المجتمع يتبادلون فيه الآراء والأفكار حول هموم وآمال الناس وقضاياهم، هذا المكان هو البرلمان.


■ وما عوائق إقامة برلمان قوى فى الفترة المقبلة؟


- أهمها عدم وجود سلطة تنفيذية واسعة الصلاحيات، فلن ترغب هذه السلطة فى برلمان قوى وجاد، هذا يتكرر فى العديد من الدول، ومن الطبيعى أن نرى فى بدايات عمل البرلمان الجديد تجاذبا للقوى بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومن الطبيعى أن تحاول السلطة التنفيذية الانفراد بالقرار خارج البرلمان، ورغم ذلك فإننى أرى أن مصر قادرة على علاج هذه المشكلة، فالهدم أو الحل سهل والبناء أصعب، ومصر بهذه الثورة قادرة على كل شىء، فمن كان يتوقع قبل ستة أشهر أننا نستطيع التحدث معا حول الديمقراطية بهذا الشكل، ولماذا لا نتوقع نجاحكم فى إقامة ديمقراطية مؤسسية فى أقل من ستة أشهر، نعم مصر تواجه تحديات كبيرة، أهمها ما يصاحب مثل هذه الفترات، بين انتشار تكوينات سياسية جديدة وأخرى قديمة تبحث عن مساحة للاستمرار عبر قوالب هيكلية تضمها، وعندما ننظر لمصر من الخارج فإننا لا ننظر لأى دولة ضمن دول المنطقة، لكن لحضارة عريقة وقديمة دائما تفاجئ العالم بالجديد.


بالطبع كل الدول متساوية فى الحقوق على الصعيد الدولى، ولها تجاربها ومسؤولياتها، لكن الأمر مختلف مع مصر التى تنفرد بخصوصية مهمة، هى أنها دولة مؤثرة بالفعل، حتى لو لم تتعمد التأثير، وليس سراً أن العالم كله يراقب التطورات هنا عن كثب، لأنها ستؤثر بقوة فى المنطقة وتشكيلها المستقبلى، وبالتالى فى العلاقات بين الشرق والغرب. لذا لا يحق لمصر أن تخيب آمال العالم فى إرساء معالم ديمقراطية حقيقية.