حينما كان جهاد يوسف زكي أعلى منزله في منطقة الزواية الحمراء بالقاهرة، الجمعة الماضي، لاحظ من أعلى غية الحمام الخاصة به، اشتعال النيران بشقة سكنية في الشارع المجاور له. سريعًا، جرى «يوسف» 25 عامًا إلى مصدر الحريق في شارع الجمهورية، ثم قرر الصعود على مواسير الغاز بواجهة العقار، لينقذ رجلا مسنا، وابنته ونجليها الطفلين.
«يوسف»، روى لـ«المصري اليوم» خلال استقلاله ميكروباص متوجها إلى محافظة القاهرة، لتكريمه على أداء الواجب، وإنقاذ 4 أشخاص من موت محقق: «اللى أنا عملته دا أى حد يعمله، والحمد لله إنهم طلعوا سالمين»، قالها قبل أن يضيف: «أنا متربي في منطقة شعبية والواجب عندي شيء مقدس. ليس معقولاً أرى حريقا ولا أجرى لإطفائه، حتى لو مُت هكون شهيد».
تحدث «يوسف» عن لحظة قدومه إلى العقار الكائن به الحريق، والصدمة التى ألمت به، فالحريق كان داخل شقة عم محمد عوض البحيري، الرجل الستيني والعامل السابق بإحدى شركات الحديد والصلب: «أنا قلت لازم أنقذ عم عوض وبنته ونجليها، الراجل صديق والدي من قبل 30 عامًا».
«يوسف»، وهو نجار بأحد فنادق مطار القاهرة، سأل المُتجمهرين أمام المنزل عن حبل ليتسلق به إلى الشقة المحترقة، وعندما فشلوا في العثور على الحبل، لم ييأس، بل طمأن عم عوض قائلا: «متقلقش يا عمي أنا طالع لك».
تسلق الشاب العشريني، صاحب القوام الممشوق الرياضى، إلى الشقة الكائنة في الطابق الرابع، على مواسيرالغاز الطبيعي، بداية حمل «عوض»، ثم ابنته «نيرة»، وتلى ذلك الطفلين (نور 9 سنوات، محمد 6 سنوات)، هكذا تمت عملية الإنقاذ التي استغرقت نحو نصف الساعة.
كان والد الشاب الملقب بين أبناء الحى الشعبي «سبايدر مان»، داخل منزله، ومثله طالع ابنه وهو ينقذ أسرة عم عوض، فقال: «أنا فخور بابني جدًا، وتربيتى له، وربنا يخليه لىّ، وتكريمه وسام على صدري»، مضيفًا أن نجله «هو كل حياته، حيث يعيشان معًا في شقة واحدة بعد وفاة زوجته».
تكاتف الأهالي إلى جانب «يوسف» في إنقاذ العائلة التى احترقت شقتهم، وكان من بينهم أحمد ناجي، صاحب محل الأدوات الكهربائية، والذي روى أنه ترك محله وتوجه إلى عقار عم عوض ليشاهد الأخير يصرخ وابنته: «إلحقونا إلحقونا.. هنموت»، فاتجه من فوره إلى محله بحثًا عن مفك كهربائي ليفصل التيار الكهربائي عن العقار ليمنع كارثة عن المنطقة بأكلمها: «النيران كانت طالعة من الشقة، وهتمسك في مواسير الغاز وكابلات الكهرباء». يقول «ناجي» إن سبب الحريق كان ماسًا كهربائيًا أحدث شرارة أمسكت في جميع محتويات الشقة وفي ثوان تحولت إلى «نار جهنم».
تحولت شقة عم عوض إلى رماد، فلا أثاث أو شيء يحمل ذكريات الأسرة المنكوبة. داخل الشقة كان هناك 4 عمال «محارة» هم أشقاء وأولاد عمومة مالك الشقة، جاءوا من مدينة دمنهور ليحاولوا إصلاح آثار الحريق: «سمنعا بالحريق، وجئنا لإصلاح ما يمكننا إصلاحه، لأن أخونا على قد حاله».
في حين بدا الحزن على صاحب الشقة: «حصل ماس كهربي بلمبة إضاءة بحجرة الأطفال، وعملت شرارة أمسكت في كل محتويات الحجرة، وفجأة النيران انتشرت بأرجاء الشقة».
لم تستوعب ابنته «نيرة» ما حدث سوى بعد إفاقتها من الصدمة التي ألمت بها، فروت أنها كانت في شرفة الشقة تقوم بنشر ملابس الغسيل، وشمَت رائحة «شياط»، فتحركت تجاه الصالة لتكتشف النيران، فتوجهت وأبيها وطفليها إلى «البلكونة» لإحضار «جرادل» مياه لإطفاء الحريق، ليفاجأوا بعدم استطاعتهم العودة إلى طريق الصالة: «هنا النيران مسكت الشقة كلها، وبدأت أصرخ في الشارع، حتى أنقذ أحد الجيران جهاد يوسف». وتقول «نيرة»، ممرضة بإحدى العيادات الطبية، إنها عادت إلى الشقة بعد الحريق، واكتشفت احتراق جميع محتوياتها فأصابها الحزن.
لوهلة، تتذكر أنها اشترت ملابس عيد الفطر المبارك لنجليها قبل أن تأكلها النيران: «أنا على قد حالي، وقلت اشتري لهم الملابس من دلوقتي قبل غلاء الأسعار لكنهم اتحرقوا». أما الطفلان التلميذان في مدرسة أسماء الابتدائية، فأصيبا بحالة نفسية سيئة. ببراءة تقول «نور»: «كل الهدوم اتحرقت والعرايس اللي بألعب بيها». أما «محمد» فاحترقت أدوات المدرسة الخاصة به.
في لفتة غريزية، ربتت «نور» على كتف أمها فجأة، وقالت: «يا ماما خلاص إهدي»، لتقول الأم إن نجلتها كانت تردد بهستريا: «ماما كانت هتموت».
واستدعت نيابة الزواية الحمراء مالك الشقة المحترقة لسماع أقواله، وانتدبت خبراء الأدلة الجنائية لتحديد سبب الحريق وتحديد بدايته ونهايته والأدوات المستخدمة فى إحداثه، وكذا طلبت تحريات أجهزة الأمن للتأكد من عدم وجود شبهة جنائية، ولا تزال التحقيقات مستمرة.