حصلت «المصرى اليوم» على تفاصيل رحلة الجاسوس الإسرائيلى، الضابط «إيلان تشايم جرابيل»، ابتداء من وصوله عبر مطار القاهرة فى 28 يناير الماضى – بعد 3 أيام من الثورة - ومروراً برصده الأحداث التى تمر بها البلاد ونقلها إلى الموساد الإسرائيلى، وانتهاء بإلقاء القبض عليه داخل فندق 3 نجوم بوسط القاهرة، وضبط الخطابات التى كان يرسلها إلى الموساد، وأقواله فى تحقيقات النيابة التى قررت إخطار السفارة الإسرائيلية لإرسال محام لحضور جلسات التحقيق معه. وحتى مثول الجريدة للطبع لم تكن السفارة قد ردت على طلب النيابة.
وصوله إلى المطار
كشفت التحريات التى أجراها جهاز المخابرات العامة المصرية حول الجاسوس الإسرائيلى، أن المتهم دخل البلاد عن طريق مطار القاهرة فى ساعة متأخرة من يوم 28 يناير الماضى – يوم جمعة الغضب - مستخدما جواز سفر أمريكيا وقال إنه يعمل مندوبا لإحدى وكالات الأنباء الأجنبية، وكان معه عدد من المراسلين الآخرين. وتوجهوا إلى فندق 3 نجوم فى وسط القاهرة. واضطروا إلى دفع ضعف مقابل أجر الغرف فى الفندق بعدما أبلغهم صاحبه بأنه لا توجد إلا غرفة واحدة خالية. وقضوا ليلتهم الأولى فى غرفة واحدة. وبعدها وفر لهم صاحب الفندق غرفا بعددهم. وكان قد عرض عليهم نقلهم إلى فندق أكبر إلا أن الجاسوس رفض لأن الفندق يطل على ميدان التحرير. بعد أيام انفصل الجاسوس الإسرائيلى عن باقى الصحفيين وبدأ فى جمع ما هو مطلوب منه.
الجاسوس فى ميدان التحرير
استغل الضابط الإسرائيلى حالة الانفلات الأمنى التى كانت تمر بها البلاد ونزل إلى عدد من شوارع القاهرة، واستعان بأحد أفراد الحراسة الخاصة فى الأيام الأولى من وصوله لتأمينه، ولم يكن هذا الحارس يعلم طبيعة هذا الضابط. أبلغه بأنه صحفى حر من رومانيا ويراسل عددا من الصحف الأجنبية. تواجد الضابط بشكل شبه مستمر فى ميدان التحرير وخاصة فى أيام الجمعة التى كان يخرج فيها المصريون للتعبير عن بعض المطالب. تقابل الضابط مع عدد من شباب الثورة. وأبلغهم بنفس البيانات التى قالها للحارس الخاص. وجلس مع عدد من الصحفيين المصريين وطلب منهم مساعدته فى تغطية عمله كصحفى.
وأفادت التحريات أن الضابط الإسرائيلى عندما كان يريد التحدث مع أحد من شباب الثورة، كان يمسك بعلم مصر أو لافتة تعبر عن مطالب المصريين ويبدأ فى الهتاف. ويقترب من أحد شباب الثورة ويبدأ الكلام معه فى أمور عامة تتعلق بميدان التحرير والمظاهرات إلى أن يصل إلى الأسئلة التى يبحث عن إجابة عنها.
الجاسوس على مقهى شهير
اتخذ الضابط الإسرائيلى من مقهى شهير فى وسط القاهرة مقرا لمقابلة عدد من المثقفين وشباب التحرير. يجلس معهم بصفته الصحفية. مرة يقول إنه صحفى رومانى وأخرى يقول إنه إستونيا. ومرة يقول إنه صحفى حر وأخرى يقول إنه مصور حر ومرة ثالثة يقول إنه صحفى فى إحدى وكالات الأنباء الشهيرة. وكان يقصد هذا التباين حتى لا يترصده أحد أو يحاول الاتصال بمكتب تلك الجريدة أو الوكالة ويكتشف أنه لا يعمل بها.
وجه الضابط عددا من الأسئلة للمثقفين فى صيغة حوارات صحفية. كان يسألهم عن الأوضاع الأمنية فى مصر وتطوراتها وأسبابها. وكان يسأل عن المرشحين المحتملين لرئاسة مصر. ومدى شعبية كل مرشح. وخطة الإخوان للمشاركة فى الحياة السياسية وهل سيتقدمون بمرشح لرئاسة الجمهورية من عدمه، وتقابل الضابط مع عدد من الطلاب المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، وسألهم نفس الأسئلة وطلب منهم هواتف عدد من قيادات الجماعة وتحدث مع هؤلاء القيادات بصفته الصحفية وسألهم بشكل مباشر عن تخوف الدول الأوروبية من علاقة جماعة الإخوان المسلمين بغزة فى حال وصول الجماعة إلى الحكم فى مصر.
كما سأل الضابط عن وضع الأقباط فى مصر، والعلاقة المتوترة التى تنتابهم وتسيطر عليهم، وتخوفهم من احتمال سيطرة الإخوان على مقاعد الحكم فى مصر، وفى أثناء ذلك كان الضابط يصور تواجد أفراد القوات المسلحة فى الشارع، ويتحدث معهم بشكل غير مباشر عن عدد الساعات التى يقضونها فى الشارع. والتقط صورا للسيارات والدبابات الموجودة فى الشارع، وكان يستعين بعدد من الشباب - حسنى النية – لتصوير تلك السيارات وأرقامها.
الضابط الإسرائيلى فى قرية صول
استعان الضابط الإسرائيلى بسائق تاكسى لتوصيله إلى قرية صول فى أطفيح بعد أن علم أنها شهدت حالة من الفتنة الطائفية بين مسلمين وأقباط هناك. توجه الضابط إلى القرية وتقابل مع عدد من الأقباط والمسلمين هناك. تحدث معهم فى أسباب الأحداث، والتقط صوراً لأفراد القوات المسلحة هناك ورتبهم والأسلحة التى كانوا يحملونها.
يتردد على المساجد والكنائس
كان المتهم بالتجسس يتردد على عدد من المساجد والكنائس بصحبة عدد من الشباب والصحفيين، وحينما يذهب إلى المساجد يسأل عن الإخوان المسلمين وعددهم فى مصر، ومستقبل قياداتهم وهل سيرشحون أنفسهم لانتخابات مجلسى الشعب والشورى والرئاسة من عدمه. وحينما يتوجه إلى الكنائس يتحدث عن قيادات الأقباط والبابا ويرصد تخوف الأقباط من الإخوان المسلمين، ورصدت التحريات أن المتهم كان له دور رئيسى فى أحداث الفتنة الطائفية فى منطقة منشأة ناصر التى أعقبت أحداث قرية صول، كما أنه لعب دوراً كبيراً فى إثارة غضب الأقباط فى أحداث إمبابة. وأفادت التحريات أن المتهم توجه إلى كنيسة العذراء قبل يوم من الفتنة التى شهدتها. وقابل عدداً من السلفيين هناك، وتحدث معهم عن اختفاء فتيات مسيحيات أعلن إسلامهن. وأبلغه السلفيون بما سيفعلونه فى اليوم التالى، وبالفعل تواجد الضابط الإسرائيلى فى إمبابة فى اليوم التالى، والتقط بكاميراته عددا من الأحداث التى شهدتها المنطقة.
هدفه الوقيعة بين الشباب والقوات المسلحة
رصدت التحريات عدداً من مقابلات الضابط الإسرائيلى مع شباب الثورة، حيث تحدث فيها معهم حول علاقة المجلس الاعلى للقوات المسلحة بالشباب. كان يتكلم عن شعوره الشخصى عما يدور فى مصر، خاصة عن الإجراءات التى يتخذها المجلس.. وقال للشباب إن هناك مراكز بحثية أجنبية رصدت أن المجلس لن يستجيب لشباب الثورة وأنه – المجلس - يتعامل حتى الآن مع مبارك. وكان الضابط يلقى بكلمات فى جلساته تثير الشباب. مثل أن المجلس تابع للرئيس السابق محمد حسنى مبارك. ورصدت التحريات تواجد المتهم أمام قسم شرطة الأزبكية أثناء أحداث البلطجة التى وقعت بين الشرطة وسائقين فى ميدان رمسيس. وتبين أن الضابط أبلغ عددا من المتظاهرين أن أفرادا من القوات المسلحة سوف يظهرون بعد دقائق وسيعتدون على المتظاهرين.
شاب يبلغ عن الضابط
أثناء أحداث الأزبكية اكتشف أحد الشباب تواجد الضابط وتسرب إليه الشك فيما يفعله فى الميدان. خاصة بعد البيان الذى خرج عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحذر فيه من تواجد أشخاص يمثلون خطورة على مصر فى ميدان التحرير. التقط الشاب فيديو للضابط أمام قسم الأزبكية. وأبلغ المخابرات العامة التى كان لديها معلومات عن هذا الضابط وآخرين موجودين فى القاهرة الآن تحت ستار العمل كصحفيين أجانب أو مراسلين.
التحريات فى نيابة أمن الدولة
أرسل جهاز المخابرات التحريات التى تمكن من جمعها حول هذا الضابط الإسرائيلى. وأفادت أن المتهم تم دفعه إلى داخل البلاد وتكليفه بتنفيذ بعض الاحتياجات للجانب الإسرائيلى. وتجنيد بعض الأشخاص لتوفيرهم للجانب الإسرائيلى من خلال نشاطه فى التجسس ومحاولة جمع المعلومات والبيانات ورصد أحداث ثورة 25 يناير والتواجد بأماكن التظاهرات وتحريض المتظاهرين على القيام بأعمال شغب تمس الأمن العام والنظام العام، والوقيعة بين الجيش والشعب بما يلحق الضرر بالبلاد. توجه أحد أعضاء النيابة برفقة أعضاء المخابرات العامة إلى الفندق الذى يقيم فيه المتهم بوسط القاهرة وألقوا القبض على المتهم. وبحوزته المضبوطات وجهاز اللاب توب والسيديهات الموجود عليها الفيديوهات.
تحقيقات النيابة
تمكن رجال المخابرات العامة من فتح جهاز اللاب توب الخاص بالمتهم بعد فتح الشفرة الخاصة التى كان المتهم يضعها عليه، وعثروا بداخله على صور شخصية للمتهم أثناء وجوده فى ميدان التحرير، وفى أماكن متفرقة فى مصر. فضلاً عن ضبطهم المراسلات التى كان يرسلها المتهم للموساد عبر بريده الشخصى.وجميعها معلومات عن مستقبل الحكم فى مصر، وعلاقةالإخوان بالتنظيمات الموجودة فى غزة، وتضمنت تلك المخاطبات معلومات هامة تتعلق بالقوات المسلحة، وطلبت جهات أمنية عدم نشر ما جاء بها لخطورتها على الأمن العام. تحفظت النيابة على جواز السفر الإسرائيلى الخاص بالمتهم. وأفادت التحريات أن المتهم لم يخطر السفارة المصرية فى بلاده بقدومه للقاهرة. وتبين أيضا أن هناك أشخاصا آخرين يجرى التحقيق معهم للوقوف على مدى تورطهم فى الانضمام إلى المتهم ومساعدته فى جمع المعلومات عن مصر، ومن بين هؤلاء المقبوض عليهم صحفيون تم ضبطهم فى الإسكندرية والسويس.
أقوال المتهم فى التحقيقات
تولى المستشار طاهر الخولى، المحام العامى لنيابة أمن الدولة، التحقيق مع المتهم. بإشراف المستشار هشام بدوى، المحامى العام لنيابات استئناف أمن الدولة.
فى البداية أخطرت النيابة وزارة الخارجية المصرية لإخطار السفارة الإسرائيلية فى القاهرة لإرسال محام للحضور مع المتهم فى التحقيقات، وحتى مثول الجريدة للطبع لم تكن السفارة قد ردت على طلب النيابة.
أنكر المتهم فى التحقيقات الاتهامات الموجة إليه، وقال إنه دخل البلاد بطريقة مشروعة ولم يتجسس، وكان ضمن آلاف الصحفيين فى الميدان وإن كل الفيديوهات المضبوطة موجودة على الإنترنت، وأن إسرائيل لا تحتاج إلى زرع ضابط فى مصر للحصول على تلك الفيديوهات والمعلومات المتاحة للجميع. ورد المتهم على سؤال للمحقق عن سبب تواجده فى ميدان التحرير وأمام قسم شرطة الأبكية وإمبابة. مؤكداً أن كل مصر كانت موجودة فى تلك الأماكن والعالم كله كان يتابع ما يحدث فيها، وأنه باعتباره صحفيا كان يؤدى عمله. وقال المتهم فى التحقيقات إنه صحفى «حر» يراسل أكثر من جريدة أجنبية، إلا أنه لم يقدم أى دليل يفيد صدق كلامه فى التحقيقات. وطلب المتهم فى التحقيقات إخطار السفارتين الإسرائيلية والأمريكية لإحضار محام معه. وهو ما فعلته النيابة بالتنسيق مع وزارة الخارجية المصرية.