أجلت محكمة جنايات القاهرة محاكمة الرئيس المخلوع، مبارك، ونجليه علاء وجمال، ووزير داخليته، حبيب العادلي، و6 من كبار مساعديه، بتهم «قتل المتظاهرين والفساد المالي»، صباح الأربعاء، إلى الإثنين المقبل.
وظهر مبارك بصحة جيدة بعد توقف المحاكمة نحو 3 أشهر بسبب طلبات رد هيئة المحكمة، وتم إدخاله قفص الاتهام راقدًا على السرير كعادته في كل الجلسات، وجلس إلى جواره ابناه جمال وعلاء، اللذان ارتديا ملابس السجن البيضاء، فيما ظل العادلي وباقي المتهمين جالسين على المقاعد الخاصة بهم داخل القفص.
وفيما يتعلق بالمدعين بالحق المدني، وقعت مشادات ومشاحنات فيما بينهم، كعادتهم في كل الجلسات، رغم أن سامح عاشور، نقيب المحامين، وعد القاضي في بداية الجلسة بالتنسيق وعدم إحداث فوضى من جانب المحامين.
وأصر عدد من المحامين على استدعاء الفريق سامي عنان، رئيس الأركان، إضافة إلى عدد من الشهود وبعض الطلبات التي تتعلق بتسليح الضباط، فيما طلب دفاع المتهمين التصريح بالحصول على نسخة من تحقيقات «محمد محمود وقصر العيني وماسبيرو والتمويل الأجنبي».
حضر فريق المحامين الكويتيين المنضمين للدفاع عن مبارك داخل القاعة، فيما فرضت أجهزة الأمن حراسة أمنية عليهم، وذلك بعد حدوث اعتراض من قبل المدعين بالحق المدني على وجودهم.
في الثامنة والنصف صباحًا شاهد الجميع داخل مقر أكاديمية الشرطة في التجمع الخامس التي تشهد جلسات المحاكمة، وصول سيارات الترحيلات التي أقلت المتهمين المحبوسين في سجن مزرعة طرة في حراسة أكثر من 15 سيارة أمن، وبعد دقائق قليلة شاهد الجميع أيضا الطائرة المروحية التي هبطت إلى مقر الأكاديمية والتي تقل مبارك، الذي تم نقله منها عبر سيارة إسعاف لمقر انعقاد الجلسة، وتم إيداع مبارك في غرفة مخصصة للانتظار وسمحت أجهزة الأمن لابنيه بالدخول إليه، والجلوس لقرابة ساعة معه قبل بدء الجلسة.
في العاشرة صباحًا بدأت أحداث الجلسة، فصعد رئيس المحكمة المستشار أحمد رفعت، وقبل أن تبدأ الجلسة ألقى القاضي كلمة، قال فيها: «نود أن نعرض إلى عهد اتخذته المحكمة على عاتقها وهو في رقبتها، وهو أن حق الضحايا في رقبتنا، وكذلك حق المتهمين، وأننا سرنا في الإجراءات بما يرضي الله، فجميعنا يريد أن نلقى الله بقلب سليم».
ثم بدأ القاضي في سير القضية ونادى على المتهمين واحدًا تلو الآخر، ورد مبارك أولا بكلمة «موجود»، ومن بعده علاء وجمال بكلمتي «موجود حضرتك»، فيما رد العادلي وباقي المتهمين بكلمة «أفندم».
وأثبتت المحكمة حضور المحامين، وبدأ سامح عاشور في التحدث، مؤكدًا أن هيئة المدعين بالحق المدني تدعو الله أن يوفق المحكمة والدفاع للوصول للحقيقة، مشيرًا إلى أنهم على استعداد كامل للتعاون مع المحكمة.
وطلب عاشور من القاضي أن يتم تحديد توقيت زمني محدد للجلسة، حتى يعرف بها المحامون، ويحضروا في الموعد المحدد، كما طلب من المحكمة السماح للمحامين بإدخال هواتفهم المحمولة، وحفظها أمام قاعة المحكمة دون تركها على الباب الرئيسي للأكاديمية، ورد عليه القاضي بأنه كان قد تعهد من قبل بالتنسيق مع المحامين بتنظيم إجراءات المحاكمة، ولكن ذلك لم يحدث.
وقدم عاشور وعدًا جديدًا، مضيفًا أنهم كمحامين يريدون التأكد من المحكمة من خلال الأجهزة الفنية ما إذا كان في الإمكان إعادة التسجيلات التي تم مسحها بوزارة الداخلية، إضافة إلى كاميرات المتحف المصري، ووعده القاضي بالنظر في ذلك.
وشهدت القاعة مشادات بين المدعين بالحق المدني على أسبقية التحدث للمحكمة، وبعدها أكد المحامي ياسر سيد أحمد أن هناك محامين اندسوا بين المدعين بالحق المدني وطلب من النيابة العامة حصر عدد المصابين والشهداء، حتى يتم تحديد المحامين المدعين بالحق المدني.
وكشف أن النيابة العامة أثبتت في تحقيقاتها أن عدد الشهداء المتعلقة بهم القضية 73 وعدد المصابين 353 حالة فقط، وطلب من هيئة المحكمة الاستعلام من الداخلية عن قرارات تسليح الضباط وكيفية استعمالها، فيما طلب المحامي عثمان حفناوي فصل قضايا قتل المتظاهرين عن قضية تصدير الغاز لإسرائيل.
وأكد القاضي الذي ينظر القضية أن قضية مبارك هي الفرع وهي التي يجب أن تضم إلى القضية الرئيسية، إلا أن هذا الطلب لم يتفق عليه المحامون المدعون بالحق المدني، حيث أكد عدد آخر من المحامين اعتراضهم على فصل القضيتين.
وطلب المحامي عبد المنعم الدمنهوري إدخال متهمين جدد في القضية، وأكد أنه «حصل على مستندات من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية تشير إلى أن الثورة كان محددًا لها عام 2005، لتقسيم مصر إلى 3 دول»، بحسب قوله، وأضاف المحامي الذي قدم تلك المستندات إلى هيئة المحكمة، أن «جهات أجنبية كانت تريد منح سيناء للفلسطينيين، وتحديد أماكن للأقباط في مصر، على أن تترك باقي الدولة للمسلمين».
وهمَّ المحامي بتوزيع تلك المستندات على الموجودين في القاعة، إلا أن القاضي اعترض على ذلك وطالبه بإعادة تجميع تلك المستندات وتقديمها للمحكمة، وهو ما أثار ضحكات كل من في القاعة، حيث إن المحامي كان قد اصطحب معه شخصًا وحين بدأ في توزيع المستندات قال بصوت عال: (وزع يا بني وزع يا بني)، ورد عليه القاضي: (إحنا مش في الشارع)».
وعقب انتهاء المدعين بالحق المدني من طلباتهم، أكد لهم القاضي أن المحكمة استمعت لطلبات 16 محاميًا منهم، وفي إمكانها الاستماع لآخرين أيضا، وبعدها قام أحد المحامين قال إنه من المدعين بالحق المدني وقدم للمحكمة اعتذارًا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وتداخل ضد النيابة العامة، وضد كل من قام بتقديم بلاغ ضد الرئيس السابق، وهو ما أثار غضب المحامين المدعين بالحق المدني، وقالوا إنه «مندس بينهم».
فيما قدم محام آخر رصاصة قال إنه «تم استخراجها من جسد موكله»، الذي أصيب في الأحداث وطلب ضمها إلى أحراز القضية، وقدم ثالث شهادة موثقة من الشهر العقاري من أحد العاملين بالداخلية يعترف فيها بإدانة أحد المتهمين من قيادات الداخلية في القضية وطلب المحامي سماع شهادته، فيما اعترض أحد المدعين بالحق المدني على وجود فريق المحامين الكويتيين إلا أن المحكمة لم تلتفت إلى طلبه.
وطلبت النيابة العامة التحدث، فأكد المستشار مصطفى سليمان، المحامي العام الأول لنيابات استئناف القاهرة، أنه «ثبت حتى الآن أن عدد الشهداء بلغ قرابة 199 إضافة إلى 1325 مصابًا».
وسمحت المحكمة بعدها لفريق المحامين عن المتهمين بإبداء طلباتهم، فطلب فريد الديب، التصريح له بالحصول على ما يقدم للمحكمة من مستندات، مؤكدًا أنه كان في الجلسات السابقة قد طلب بيانات من محافظة جنوب سيناء تتعلق بالأراضي والفيلات التي تم تخصيصها.
وطلب الديب ضم المذكرة التي أعدها رئيس نيابة الأموال العامة عام 2004 حول قضية تحمل رقم (601) والتي لاتزال التحقيقات جارية فيها.
ورفض الديب الإفصاح عن تفاصيل ما جاء في تلك المذكرة لوسائل الإعلام، فيما طلب محمد الجندي، محامي العادلي، الاطلاع على التحقيقات التكميلية التي أرسلتها النيابة العامة والحصول على صورة رسمية من الجلسات السابقة والاستعلام من الداخلية عن بعض المأموريات والأسلحة والذخيرة المضبوطة وعدد الجرائم الجنائية مثل الإرهاب منذ عام 1997 وحتى 2011.
كما طلب الاستعلام عن الحملات الأمنية على الشقق المفروشة والمؤجرة لأجانب، والتي ضبط بها أشخاص من جنسيات مختلفة، يمارسون أعمالًا غير مشروعة في البلاد، إضافة إلى معرفة عدد محال الأسلحة والملابس العسكرية التي تمت سرقتها في الفترة من 28 وحتى 31 يناير 2011.
وطلب أيضا ضم تحريات أجهزة الأمن حول أحداث «محمد محمود وقصر العيني والاعتداء على السفارتين السعودية والإسرائيلية ومديرية أمن الجيزة وماسبيرو»، وكذلك الاستعلام عن عدد سيارات الشرطة التي تمت سرقتها خلال أحداث الثورة، والكشف عما قاله اللواء محمود وجدي، وزير الداخلية الأسبق، عن تهريب سيارات شرطة لقطاع غزة أثناء الثورة.
وأضاف بين طلباته الاستعلام عن عدد المصابين والمتوفين من جانب الداخلية خلال الثورة، وطلب استدعاء 9 شهود وهم: «اللواء مراد موافي، مدير المخابرات العامة، لسؤاله عن العناصر الخارجية التي تم رصدها وهي تدخل مصر وتشترك مع بعض العناصر الداخلية والتي وجدت بميدان التحرير يوم 28 يناير وما بعده واستخدمت القوة والعنف والمال لارتكاب جرائم العدوان على المال العام».
وطلب الديب استدعاء اللواء مصطفى عبد النبي، الرئيس السابق لهيئة الأمن القومي، لسؤاله عن المعلومات التي توافرت له من خلال عمله عن منظمات المجتمع المدني التي تلقت تمويلًا من الخارج، وكذلك استدعاء نجيب محمد عبد السلام، قائد الحرس الجمهوري السابق، المحددة إقامته حاليًا، لسؤاله عن المعلومات التي توافرت لديه عن التعليمات التي صدرت له ولقواته بالنزول إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون مساء 28 يناير وذلك بقرار من الرئيس السابق وما شاهده خلال مروره في ميدان التحرير.
كما طالب باستدعاء مدير المخابرات الحربية عن طريق القضاء العسكري والفريق سامي عنان، رئيس الأركان، لسؤالهما عن الأشخاص الذين عبروا عن طريق الأنفاق إلى سيناء والأسلحة المضبوطة بحوزتهم، وكذلك استدعاء اللواء حمدي بدين، قائد قوات الشرطة العسكرية، لسؤاله عن الأجانب الذين تم ضبطهم بالتحرير، واستدعاء اللواء طارق الموجي، قائد قوات مكافحة الإرهاب، التابع لجهاز أمن الدولة السابق، لسؤاله عن العناصر الأجنبية التي تم رصدها قبل 25 يناير، واستدعاء اللواء محمد حامد، قائد إدارة أمن وزارة الداخلية لسؤاله عن خطة تأمين الوزارة وكيفية التصدي للمتظاهرين، واستدعاء اللواء مدحت عبد الله، مدير حراسات المنشآت العامة بالداخلية لسؤاله عن الأسلحة التي تم تسليمها لأفراد الشرطة المكلفين لتأمين البنوك والسفارات.
كما طلب الدفاع استدعاء اللواء صلاح هاشم، مدير إدارة المساعدات الفنية بالداخلية، وأشار الدفاع إلى أن «هاشم لديه معلومات جوهرية سيكشف عنها وقت مثوله أمام المحكمة».
وطلب محامي إسماعيل الشاعر الاستعلام من وزارة الصحة عن الجثث المجهولة خلال أحداث الثورة والاستعلام من الداخلية عن عدد المصابين والقتلى التابعين لها، إضافة إلى عدد سيارات الإطفاء التي تم حرقها، وكذلك ضم تحقيقات قضاة التحقيق في قضايا «مجلس الوزراء ومحمد محمود وماسبيرو وكذلك قضية التمويل الأجنبي من الكويت وقطر وأمريكا، والتي بلغ حجم التمويل فيها قرابة 1.7 مليار جنيه».
كما طلب الاستعلام من السفارة الأمريكية بالقاهرة عن التصريحات المنسوبة لمصدر مسؤول بالبيت الأبيض، على حد قوله، عن «وجود فريق مدرب لقتل مجموعة من الثوار بتمويل أجنبي، ويتكون ذلك الفريق من 4 مجموعات تنتمي لدول أجنبية وقاموا باغتيال 36 شابًا وذلك في أحداث شارع محمد محمود ومجلس الوزراء، وذلك من أجل إحداث فوضى وإلصاق التهم بالجيش والشرطة».
وكذلك ما قال إنه تصريح لأحد مسؤولي المخابرات المركزية الأمريكية باختراق ورصد رسائل في صفحات إلكترونية مشفرة ورصد محادثات هاتفية من جهات لأعضاء تلك المجموعات عن طريق الأقمار الصناعية، التي حوت تعليمات بعمليات الاغتيال، كما قال.
وأصر القاضي طوال الجلسة على عدم ذكر المحامين لأسماء الشهود المطلوبين، وعلق بعض المحامين على ذلك، مؤكدين أن هذا الإجراء لحماية الشهود، فيما تنازل دفاع باقي المتهمين عن أي طلبات أخرى، وقالوا إنهم «مستعدون للمرافعة»، بعدها رفعت المحكمة الجلسة تمهيدًا لإصدار قرار فيها.