.
ويتساءلان، صاحب الكتاب وصاحب المقال، عن هذا البغض الذى كانت تكنه قريش للإمام على بن أبى طالب، ويراه الثانى لغزا ويطالب الأول بأن يبحث عن دوافعه وأسبابه، ولا أراه لغزا يا عزيزى، إذا عرفنا أن طبائع وأطوار النفوس غيرتها وبدلتها رحلة السفر والترحال من محطة الفقر والجدب والقحط والحاجة، إلى محطة الغزو والسبى والغنائم والثراء والنساء،
هذه الثروات الهائلة المفاجئة التى حطت عليهم كالسيول، والتى تخطت أرقام الحساب التى كانوا يألفونها فعجزوا عن نطقها وكتابتها، ولست مؤرخا أو باحثا لأصل بك إلى الحقيقة المطلقة، وهى غالية وعزيزة ومستحيلة فى تاريخنا الإسلامى الذى حمله النساخ كل محمل، وطافوا به بين الأساطير والحكايات والأكاذيب والحقائق، لكنى أحمل عقلا يراها ويميزها، والحكاية أن الصفوة والأخيار انتظروا وترقبوا وخافوا أن يعيدها بن أبى طالب عمرية بعد عز عثمان، ويمسكها بعد إسراف عثمان، ويحسبها بعد بعزقة عثمان، ويبخل بعد كرم عثمان، وقد اعتادوا على الزيطة والشطط والبعزقة والصرف بلا حساب، والتجاوز دون رقباء، وكانت تأتيهم الأموال والغنائم والسبايا والأسرى من الأمصار دون عمل أو كد أو مصلحة تؤدى، فما سمعنا يوما عن عمل متقن أو زراعة يانعة أو صنعة مربحة، بل تفوقوا فى التخمة وركوب النساء، وقد منع «عمر» خروج الصحابة من المدينة وألزمهم البقاء فيها، فهو يعرف طبائع قومه، حتى ساحوا فى الأمصار فى عهد عثمان فتوحشت وتغولت أموالهم وضياعم فى البلاد الموطوءة، ولما قالوا إن عليا هو امتداد لشدة عمر، خاف وخشى كل هؤلاء على العز أن يزول، والعطايا أن تقل، والرواتب أن تخفض، لكن الأمر ليس كله كذلك، فقد كان هو مثلهم جميعا قبل الغزو وبعده شىء آخر، وما صنعه المال فيهم صنعه فيه، ولنرجع فيما قاله العميد طه حسين فى كتابه، الفتنة الكبرى: «ولما صار الأمر إلى على، جعل يقسم ما يأتى من المال إثر وصوله إلى الناس، ولم يكن على يكره شيئا كما كان يكره الادخار فى بيت المال، وروى عنه أنه كان يأمر فيكنس بيت المال ويرش بالماء، وكان يكره أن يلم به الموت فجأة ويترك فى بيت المال شيئا، وكان يقسم على الناس الفاكهة حين تحمل إليه قلت أو كثرت، وكان يقسم عليهم العسل والزيت، حتى قسم عليهم ذات يوم إبرا وخيطا» ولم يكره الناس أو يحبوا إلا فى هذا الأمر فقط، وربما لما شمل التوزيع فى عهده عوام الناس، تمكن الهاجس من الخاصة والأخيار، وتوجسوا خيفة، وظنوا أنه على خطى عمر يسير، وأظن أنه لم يكن كذلك، بل احتفظ بأنصبتهم، وشاركهم العوام فيما اختزنه بيت المال، ولم يكن على زاهدا، فقد مالت نفسه إلى العز والرخاء كما مالت كل النفوس، فقد تزوج بعد فاطمة سبع زوجات غيرها، إضافة إلى ملك اليمين،
.