تونس تؤرخ لـ«ثورة الياسمين» بمعرض فني في متحف «باردو» التاريخي

كتب: أ.ف.ب الجمعة 01-03-2019 06:04

فى عدد من أروقة متحف باردو التاريخى، أطلقت تونس معرضا يعود بالذكرى إلى مواجهات بين الأمن ومحتجين تونسيين، وثورة «الياسمين»، عبر «فيسبوك»، وصولا إلى الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق، زين العابدين بن على، عبر صور ومقاطع فيديو ورسوم كاريكاتير ووثائق رقمية جمعتها منظمات غير حكومية ومؤسسات.

ويمكن لزائر المعرض أن يسمع خلال تجوله فيه شعارات الثورة وهتافاتها تنبعث من مكبرات للصوت، وأطلق على المعرض اسم «أربعطاش غير درج، أوان تونس» وهى (عبارة بالعامية تؤشر إلى اللحظات الأخيرة قبل يوم الرابع عشر من يناير 2011، التاريخ الذى فر فيه بن على من تونس).

ودشن المعرض فى 14 يناير الماضى، ويتواصل إلى نهاية مارس، وكل المواد المعروضة فيه بالعربية ومترجمة إلى الفرنسية والإنجليزية، ويقول القائمون عليه إنه «يتوجه نحو العالم ليخاطب العالم»، وقد انطلق بمبادرة من منظمات المجتمع المدنى ومشاركة مؤسسات الأرشيف والتوثيق الوطنية منذ 4 سنوات. ويرتكز التصوّر الزينكوغرافى للمعرض على رسم مخطط زمنى لـ29 يوما بين 17 ديسمبر و14 يناير 2011. ويمتد المعرض على مساحة نحو 350 مترا مربعا تتناول أهم «12 لحظة تاريخية»، أى 12 حدثا شهدتها العاصمة وعدد من الولايات الداخلية مثل سيدى بوزيد (وسط) والقصرين (غرب) وصفاقس (شرق)، من تصاعد للاحتجاجات فى الشوارع بشعار يصدح فى كل ركن «بن على مجرم». كما يتضمن المعرض نبذة عن أحداث حصلت خلال حكم الرئيس السابق الحبيب بورقيبة (1957-1987)، بالإضافة إلى أخرى وقعت خلال حكم بن على (1987-2011).

وتتصدر صورة «الأيقونة» محمد طارق البوعزيزى إحدى الواجهات فى المعرض، مرفقة بسرد لسيرته الذاتية فى بضعة أسطر وتاريخ 17 ديسمبر 2010، حين أضرم النار فى جسده، وصور عربة الخضار التى كانت تشكل مورد رزقه الوحيد.

وتتوسط المعرض غرف على شكل مكعبات من الخشب وصناديق الأرشيف، وفى كل غرفة يمكن للزائر أن يشاهد عبر شاشة تلفاز أبرز اللحظات التى رصدتها كاميرات الهواتف الذكية بعين المشاركين فى تظاهرات جمعتهم الصدفة بلحظة فاصلة فى تاريخ تونس المعاصر قبل 8 أعوام، كما يشمل صورا لحشود من المتظاهرين فى شارع الحبيب بورقيبة تهتف «بن على ارحل»، وفيديو المحامى الناصر العوينى صارخا «بن على هرب»، ومقاطع صوتية فى ركن من المعرض تخرج منها أصوات المتظاهرين منادية «خبز وماء وبن على لا»، يقطعها دوى قنابل الغاز المسيلة للدموع تطلقها الشرطة لتفريقهم.

لم تكن عملية البحث وجمع المادة سهلة بالنسبة إلى المؤرخين والمختصين فى الأرشيف الذين عملوا عليها، إذ كان لزاما عليهم اعتماد منهجية علمية للتدقيق والتثبت من كل ما نشر ومن أصحاب هذه المواد. ويقول مدير المشروع الهاشمى بن فرج إنه وفريق العمل حاولوا «البحث عن أصحاب هذه الوثائق من خلال توزيع استمارات بحث تتضمن جملة من الأسئلة»، فمثلا «مقطع فيديو البوعزيزى وهو يحرق نفسه لم يبث فى القنوات التليفزيونية كاملا، وقد ذهبنا وقابلنا صاحبه وطرحنا عليه جملة من الأسئلة لنتمكن من الحصول على الفيديو برمته». وتؤكد المؤرخة قمر بن دانا، العضو فى لجنة التنظيم والإعداد للمعرض: «هناك تحد تقنى وعلمى ومنهجى فى البحث وتدقيق المادة الرقمية التى نشرها من قام بالثورة وتجاوز الرقابة التى فرضها بن على».

وأوضحت المؤرخة أن التحدى التقنى كان أولوية، مضيفة: «مقاربتنا يجب أن تكون موثوقة، إذ إن عملية جمع المعلومات وتصنيفها تمت وفقا لمعايير علمية، لنتمكن مستقبلا من كتابة التاريخ استنادا لهذا الأرشيف». وعند الانطلاق فى جمع الصور ومقاطع الفيديو، لاحظ فريق العمل أن من أهم التحديات التى تواجههم فقدان الكثير من المادة التى كانت منشورة فى الإنترنت، بالإضافة إلى «أننا لم نعتد التعامل مع الأرشيف الرقمى»، وفقا لبن دانا التى تشدّد على أن فريق العمل «لا يسعى لكتابة رواية رسمية للتاريخ». وتتابع «نحن هنا من أجل كتابة تاريخ يهم الشباب، هى محاولة للمصالحة بين الذاكرة والتاريخ».

وقالت أستاذة التاريخ المعاصر فى الجامعة التونسية إن «المعرض درس مفتوح فى التاريخ ومفتوح للناس لسرد هذا التاريخ الذى شاركوا فيه». وبالرغم من النجاح الذى حققته تونس فى مسارها الانتقالى نحو الديمقراطية، لا يزال الوضع الاقتصادى يشكل عبئا على السلطات الحالية. فمدن الداخل تطالب بالتنمية وبتوزيع عادل للثروات، وتفوق نسبة البطالة فيها بضعفى النسبة الوطنية للبطالة البالغة 15.5%، وتشمل خصوصا خريجى الجامعات.

ويقول حسن الطاهرى (22 عاما)، وهو طالب جامعى، متذكرا ثورة 2011 التى أطاحت بنظام متسلط، «حينها كنت صغيرا. لا أتذكر الكثير. من خلال هذا المعرض، تتضح لى أمور كثيرة». ويتابع «استعدت ذكريات يومى 12 و13 يناير، أتذكر أننا لم نكن ندرك ماذا سيحدث بعد هروبه (بن على)».