يعد التحقيق الجارى فى بريطانيا فى الظروف المحيطة بقرار الحرب على العراق من قبل حكومة رئيس الوزراء السابق تونى بلير، الخامس فى سلسلة التحقيقات لمعرفة الحقائق والتعلم من الأخطاء، لقد ضغطت المعارضة السياسية وأهالى الضحايا من الجنود البريطانيين الذين بلغ عددهم 179 من أجل إجراء ذلك التحقيق، وتمت الاستجابة من حكومة براون لتلك الضغوط بعد رجوع القوات البريطانية من العراق،
لقد مثل أمام لجنة التحقيق العديد من كبار العسكريين والسياسيين، من أبرزهم وزير العدل البريطانى جاك سترو، وكان وقتها يشغل منصب وزير الخارجية، وسفراء بريطانيا فى الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وجولد سميث، المدعى العام إبان اتخاذ قرار الحرب وبلير نفسه الذى قضى 6 ساعات أمام لجنة التحقيق التى يرأسها شيلكوت. وقد يمثل رئيس الوزراء الحالى براون قبل الانتخابات البريطانية أمام لجنة التحقيق، الجدير بالذكر أن الهدف من التحقيق.
كما ورد على لسان رئيس اللجنة جون شيلكوت هو التعلم من خبرة اتخاذ قرار الحرب، وتغطية الفترة من 2001 حتى 2009، ولن يوجه التحقيق أى اتهام للحكومة أو أى مسؤول، وإنما قد يوجه اللوم والانتقاد إذا كان هناك تقصير كما ورد على لسان شيلكوت.
إن قرار تشكيل لجنة تحقيق للوقوف على الأبعاد المختلفة وراء اتخاذ حكومة بلير قرار الحرب يسلط الضوء على بعض الدروس التى يمكن الاستفادة منها، قد يكون أول تلك الدروس هو أن الحكومات المنتخبة تستجيب للضغوط السياسية والشعبية ولا تعتبر الأمر عيباً أن تتفاعل مع المجتمع المحيط بها الذى تقوم بخدمته، دفع عدم رضاء القوى السياسية والشعبية من التحقيقات الأربعة السابقة وهى لجنة الاستخبارات العسكرية واللجنة البرلمانية المشتركة للدفاع والخارجية وتحقيق هاتون وتحقيق بتلر إلى المطالبة بتحقيق خامس للتأكد من شفافية اتخاذ القرار الذى كلف الأرواح والأموال.
يتمثل الدرس الثانى فى الإصرار على علانية التحقيق وأن يكون أمام شاشات التلفاز، وأن يحضر بعض أهالى الضحايا التحقيقات لاسيما التحقيق مع بلير. فقد احتدمت النقاشات حول العلانية والسرية للتحقيق، وكانت الغلبة للعلانية إلا فيما يمس الأمن القومى ولكنه قليل للغاية حينما قطع البث المباشر فى بعض الحالات القليلة لتعلق المسألة بالأمن القومى، مؤيدو العلانية يرون أن عرض التحقيق على شاشات التلفاز سوف يجعل الماثلين للتحقيق فى وضع لا يمكنهم التنصل من الإجابة وتجعل اللجنة تكون أكثر إصراراً على الحصول على إجابات شافية وواضحة،
أما المعارضون فلا يرون فائدة من العلانية، حيث قد يضع ذلك عامل ضغط نفسياً بالنسبة للماثلين للتحقيق وأعضاء لجنة التحقيق، مما يؤثر بالسلب على الإجابات، بالإضافة إلى أن حضور ممثلين عن الشعب وأهالى الضحايا يعد كافياً للتأكد من شفافية التحقيق، الملاحظ من التحقيقات التى تمت منذ نوفمبر الماضى حتى الآن التعاون التام بين أعضاء اللجنة والماثلين للتحقيق، وإن كانت هناك انتقادات لأعضاء اللجنة فى بعض التحقيقات بأنهم لم يضعوا الماثلين للتحقيق أمام أسئلة صعبة وبصورة خاصة التحقيق مع بلير.
الدرس الثالث هو إصرار اللجنة على عدم تسييس التحقيق وبالتالى كان هناك تردد من استدعاء رئيس الوزراء أمام اللجنة قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر لها مايو 2010 حتى لا يتم استخدام التحقيق سياسياً من قبل حزب العمال الحاكم أو أحزاب المعارضة، لا سيما حزب المحافظين،
ولكن عرض براون على شيلكوت استعداده للمثول أمام اللجنة فى أى وقت حيث لا يوجد ما يخفيه بخصوص قرار الحرب على العراق، هناك ضغط على رئيس اللجنة أن يستدعى براون قبل الانتخابات، لأن هناك مطالب متزايدة من أحزاب المعارضة على تحقيق ذلك، وقد يكون مثول براون أمام اللجنة فرصة له لتقوية موقفه قبل الانتخابات، ولكن تعثره أمام اللجنة قد يؤثر بالسلب على صورة حزب العمال أمام الناخبين البريطانيين.
هناك دروس أخرى يمكن تعلمها ولكن لا يمكن التفصيل فيها فى هذا المقال مثل تطبيق العدالة على الجميع بما فيها رئيس الحكومة البريطانية، فالمساواة أمام القانون قيمة عليا فى المجتمع البريطانى، يضاف إلى ذلك أهمية النظر للمستقبل حيث الهدف من التحقيق هو التعلم من الأخطاء فى القرارات المستقبلية المشابهة.
أكاديمى مصرى فى بريطانيا