قال الخبير الاقتصادى ورجل الأعمال سامى القرينى، إنه بدأ من خلال مكتبه الاستشارى، فى إعداد تصور ودراسة شاملة لتحقيق التكامل العربى من خلال إحياء مشروع قطار الشرق السريع ليربط مصر بالعالم العربى، وأوروبا، ويخلق مجتمعات تنموية شاملة وعمرانية متكاملة تستوعب عشرات الملايين من المصريين المحبوسين فى الوادى الضيق، مشيراً إلى أن المشروع يحتاج إلى استثمارات عربية ومحلية تقدر بـ250 مليار دولار، على مدار 50 سنة لتصبح هذه الفكرة مشروع القرن الجديد مصريا وعربياً، معلناً عن عزمه تقديم المشروع، عقب الانتهاء من دراسته وتوفير تمويله، إلى جامعة الدول العربية لتبنيه واعتماده كمشروع الوحدة الاقتصادية العربية.وأضاف «القرينى» فى حواره مع «المصرى اليوم»، أن المشروع يرفع أعداد السائحين القادمين إلى مصر إلى 30 مليوناً خلال عامين و70 مليوناً فى 10 سنوات، مطالباً باستبدال الجدار العازل بين مصر وفلسطين، بآخر اقتصادى عبارة عن مدينة متكاملة زراعياً وصناعياً واقتصادياً، معتبراً أن الكثافة البشرية فى سيناء هى التى تحقق الأمن القومى لمصر، متوقعاً أن تتجاوز مصر هذه الأزمة خلال أشهر قليلة بشرط ما سماه الثورة على كل السلوكيات الخاطئة، ووضع استراتيجية ثابتة لمدة 50 عاماً لا تتغير بتغير الحكومات، وإلى نص الحوار:
■ ما رؤيتك لمصر خلال الفترة المقبلة؟
- لابد من وضع استراتيجية ورؤية واضحة المعالم وثابتة لمصر حتى 50 سنة مقبلة، لا تتغير ولا تتبدل بتغير الحكومات وتعاقبها، وإنما تتوالى الحكومات والأجيال لتنفيذ هذا الهدف الواضح، وتأتى رؤيتى لمصر فى إطار برنامج تنموى متكامل داخليا وخارجيا، يبدأ بإحياء قطار الشرق السريع الذى يربط مصر بأوروبا عبر تركيا وفلسطين ولبنان، وبالدول الخليجية من خلال امتداده ليشمل السودان والسعودية وباقى دول الخليج من خلال مسار جديد، ويستطيع هذا المشروع أن يضاعف أعداد السائحين التى تتوافد على مصر، ففى خلال عامين من انتهاء المشروع سيصل عدد السائحين الوافدين إلى مصر حوالى 30 مليون سائح، وفى خلال 10 سنوات فقط سيصل الرقم إلى 70 مليوناً، من خلال شبكة مواصلات وقطارات عملاقة بين هذه الدول.
■ وهل ترى أن هناك إمكانية لتنفيذ هذا المشروع بسهولة فى ظل حجم التمويل الضخم الذى يتطلبه؟
- يمكن تنفيذ المشروع بسرعة، خاصة أن دول مجلس التعاون الخليجى أعلنت عن موافقتها عليه، لأنه سيسهم فى زيادة التجارة البينية العربية، وتعظيم السياحة بين أوروبا والعالم العربى، وسيخلق مجتمعات عمرانية، وزراعية، وصناعية جديدة حوله، وسيعيد توزيع الكثافة السكانية، ويخرج ملايين المواطنين من الوادى الضيق الذى نعيش فيه، ويحتاج قطار الشرق السريع بالمجتمعات العمرانية التى سيخلقها حوله إلى تكلفة تقدر بنحو 250 مليار دولار تضخ على مدار 50 سنة، ونحن حاليا من خلال شركاتنا الاستشارية نعد الدراسات والخطط الاستراتيجية للمشروع، ووضع الخطوط العريضة له، وسنترك التفاصيل لحين طرح الفكرة على مصر والعالم العربى والموافقة عليها، وسيتم طرح المشروع فورا على جامعة الدول العربية لتبنيه، فور توفير التمويل اللازم له، وسيتم ربط قطار الشرق بشبكة القطارات الأوروبية، ولا أعتقد أن أوروبا ستعترض عليه لأنه سيكون خطوة مهمة جدا لتعزيز التعاون والتنمية الشاملة بين دول المنطقة، كما أنه سيربط بين شطرى فلسطين غزة والضفة الغربية، وهناك اتفاقيات دولية تضمن عدم اعتراض أى دولة مثل إسرائيل عليه، وهذا المشروع ليس له أى بعد سياسى سوى وحدة العالم العربى وتنمية بلادنا اقتصاديا لتصبح فى مصاف الدول المتقدمة.
■ وكيف نحقق التنمية الشاملة ونعيد تشكيل الخريطة السكانية لمصر جغرافيا؟
- من خلال تفعيل وتنمية وتطوير البنية الأساسية الموجودة حاليا مثل توشكى وشرق التفريعة، فهذه المشروعات تم صرف مليارات الجنيهات عليها ويجب استغلالها بالشكل الأمثل وتوجيهها لتصبح مشروعات عملاقة تستوعب ملايين المصريين، بالإضافة إلى إقامة منطقة عمرانية تنموية صناعية وزراعية على حدود مصر الغربية وتحديداً فى السلوم، تتضمن منطقة حرة وميناء ومطاراً، وكذلك الاستفادة من واحة سيوة باعتبارها تاريخيا سلة مصر من الغذاء لامتلائها بالمياه الجوفية الصالحة لزراعة 500 ألف فدان كمرحلة أولى يمكن تصدير منتجاتها لجميع أنحاء العالم باعتبارها منطقة «بكر»، وفى المقابل وعلى حدود مصر الشرقية سنستبدل الجدار العازل بجدار اقتصادى فولاذى على الحدود بين مصر وفلسطين، يضم مدينة متكاملة زراعيا وصناعيا وعمرانيا وتضم ميناء على أعلى مستوى على أن تستوعب المدينة 2 مليون نسمة فى سيناء، ومليون نسمة فى غزة، يكون الفاصل بينهما طريق سريع بعرض 120 متراً على طول الحدود المصرية- الفلسطينية، وستحقق هذه المشروعات خلال 10 سنوات توزيعا متكاملاً للخريطة السكانية وتفرغ الوادى من الكثافات السكانية، خاصة أن سيناء ومرسى مطروح وحدهما يمكن أن تستوعبا 20 مليون نسمة خلال 10 سنوات من الآن، ويرتفع الرقم إلى 50 مليون نسمة خلال 20 سنة، على أن تكون هذه التجمعات مخططة بشكل علمى وتقنى على أعلى مستوى عالمى، لتصبح مصر الحديثة فى سيناء ومرسى مطروح، هذا بالإضافة إلى تنمية الوجه القبلى من خلال شبكة الطرق الحديثة «موانئ ومطارات وطرق وقطارات ونقل نهرى، والتنمية المستدامة المعتمدة على البناء والصناعة والزراعة، وإقامة مجتمع عمرانى كبير فى جنوب مصر فى حلايب وشلاتين، وحول بحيرة ناصر ليستوعب 10 ملايين نسمة، وستحقق هذه المنظومة التنموية الشاملة اكتفاء ذاتياً لمصر ومحيطها العربى غذائيا وصناعيا، ووحدة اقتصادية وتكاملاً عربياً فاعلاً.
■ لكن إقامة مجتمع عمرانى متكامل أو جدار اقتصادى، كما تسميه على الحدود الشرقية، تدخل فى إطار الأمن القومى المصرى ومن الصعب تحقيقه؟
- الأمن القومى يتحقق بقدر ما نحقق الكثافة البشرية فى سيناء، وبحكم الظروف السياسية والاتفاقات الدولية لا يوجد ما يمنعنا من الاستفادة من كل شبر من أرضنا وتطويره، خاصة أن العالم ينظر إلينا بعد الثورة باحترام وسيقدر رغبتنا فى تنمية بلادنا، كما أن التجمع العمرانى على الحدود المصرية- الفلسطينية لا يعنى فتح الحدود، فكل تجمع عمرانى داخل حدوده، وبنفس الإجراءات القائمة حاليا، كل ما فى الأمر هو التكامل بحيث تتم إقامة جامعات ومدارس ومصانع وموانئ تخدم التجمع العمرانى، ونظرا لضيق المساحة فى غزة فإن المدينة سيتم تصميمها مثل سنغافورة بحيث تصبح مدينة رأسية، أما فى الجانب المصرى فستكون أفقية لوجود مساحات ضخمة فى مصر يمكن أن تستفيد بها.
■ ألا تعتقد أن تؤثر الخلافات السياسية العربية على مشروعات التكامل العربى خاصة قطار الشرق السريع؟
- عبر التاريخ لم تؤثر الخلافات السياسية على الشعوب، بل على العكس كرست بداخلنا الإحساس بأهمية التكامل العربى والوحدة، وأعتقد أن مشروع القطار سيكون خطوة كبيرة لتحقيق الحلم العربى بالتكامل والوحدة، فالاقتصاد هو الطريق الوحيد لوحدة الأمة العربية مثل الاتحاد الأوروبى الذى كان أصعب من الحلم العربى بكثير نظرا لاختلاف الأعراق واللغات والحروب بين البلدان الأوروبية، وأعتقد أن المصالح يمكن أن تكون نواة مهمة لتوحيد الأمة العربية، فنحن أمام مشروع عربى لدعم وتقوية مصر التى يعشقها كل عربى ويعرف أن عزتها وقوتها، هى عزة وقوة لجميع العرب، باعتبارها العمق الاستراتيجى للعالمين العربى والإسلامى، وهذا ليس كلاماً للاستهلاك ولكنه راسخ فى الجينات وفى العقول العربية.
■ وما استفادة العرب من مثل هذا المشروع الضخم؟
- كما قلت فإن قوة مصر من قوة العرب، وفى نفس الوقت ستحقق هذه المشروعات استثمارات ضخمة سيساهم فيها العرب بنظامBOT، (نظام اقتصادى يعنى البناء والتشغيل والتحويل، حيث تقوم الحكومة بمنح من يرغب فى الاستثمار الأرض والمرافق لينفذ المشروع على أن يتحمل أعباء شراء الآلات والمعدات ونفقات التشغيل، مقابل حصوله على إيرادات المشروع لمدة بين 20 و50 عاما، بعدها يؤول المشروع بكل أصوله المنقولة والثابتة إلى الدولة)، كما أن مصر بعد الاستقرار الأمنى والتشريعى تمثل سوقاً «بِكْر» لا مثيل لها فى العالم ولديها قدرة كبيرة على جذب الاستثمارات.
■ وهل تتوقع أن يتركنا أعداء الأمة العربية فى العالم لتنفيذ هذه المشروعات التكاملية؟
- معظم دول العالم تنظر إلينا باحترام، وتسعى لمد يد العون إلينا، ونحن لا نسعى لإنشاء مشروعنا التكاملى اعتمادا على الديون الخارجية وإنما من تمويلنا الذاتى، وفى نفس الوقت الشعوب العربية واعية ومدركة لوجود أعداء للأمة لن يكونوا سعداء بوحدتنا، لكن لابد أن نعلم أن تأثير الأعداء لن يكون قويا إلا باستسلامنا وخنوعنا، وتجربة دول مثل تركيا وماليزيا ليست بعيدة عن الأذهان، فهى دول مستهدفة ولكنها أصرت على النجاح والتقدم.
■ وكيف ترى مصر خلال الفترة القصيرة المقبلة؟
- على المستوى القريب مازلت أؤكد أننا سنتجاوز الأزمة فى غضون شهور قليلة، بشرط أن يبدأ كل مصرى بنفسه ويثور على جميع السلوكيات الخاطئة السابقة، ومن السلوكيات التى يجب الالتزام بها احترام الآخر أيا كان، وعلى الكل أن يبدأ بالعمل فورا فلا توجد ثمار دون بذور نغرسها ونرويها، فنحن لن نحقق أحلامنا إلا بإحياء قيمة العمل، وتحمل الفترة العصيبة الحالية لعبور عنق الزجاجة، ومصر قادرة على مدار تاريخها على عبور الأزمات، وهى الآن تملك كل المقومات للعبور من الأزمة الحالية بسلام.
■ وماذا عن تعامل الدولة مع المستثمرين بعد الثورة؟
- نحتاج إلى مجموعة من الخطوات الجادة لجذب الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية، منها إعادة المصداقية لتعاملات الدولة مع المستثمرين، خاصة أن رأس المال يذهب حيث يجد الأمان والمصداقية، وأعتقد أن الجميع مستوعب تماما إرهاصات الثورة وتوابعها وعمليات الإصلاح الجارية حاليا، وبالتبعية ستتدفق الاستثمارات تلقائيا ولكن بشرط وجود خطة تنموية واضحة المعالم وخريطة استثمارية محددة الأركان خلال الفترة المقبلة، فبدلا من ترك المستثمر يبحث بنفسه عن فرصة، يجب أن يجد خريطة استثمارية واضحة، ولابد أيضا من وجود شروط ثابتة وضمانات دستورية للاستثمارات تتضمن عدم الإخلال بحقوق المستثمر، مهما تغيرت القوانين، على ألا يطبق أى قانون بأثر رجعى.