«سنريهم ماذا بوسع أبناء العثمانيين أن يفعلوا» هكذا كان رد رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوجان على الهجوم الإسرائيلى على أسطول الحرية، وجاء الرد متشابها أيضا فى مواجهة فرنسا بعدما قرر البرلمان الفرنسى إقرار قانون يعاقب إنكار الإبادة الأرمنية، من خلال تجميد التعاون العسكرى والسياسى مع باريس، والتهديد بإقرار قانون يعاقب على «إبادة» فرنسا للجزائريين.
وقد يكون الرد التركى متوقعا فى مواجهة إسرائيل لأن تداعياته قد تكون محدودة، فالعلاقات مع الولايات المتحدة لن تتأثر نتيجة لإدراك واشنطن لأهمية أنقرة الاستراتيجية فى الشرق الأوسط، غير أن اتخاذ رد الفعل فى مواجهة فرنسا، ثانى قوة فى الاتحاد الأوروبى بعد ألمانيا، جاء مستغربا.
وجاءت دوافع اتخاذ القرار التركى متعددة ولعل أولها الرغبة فى التأكيد عالميا على فكرة «الصعود التركى» وعلى قدرة أنقرة على التصدى لأية قوة ولو كانت فرنسا. واتخذت تركيا قرارها مستندة إلى حقائق تمتعها بموقف «استثنائى» فى الوقت الحالى ولاسيما فى ظل توتر الأوضاع فى سوريا، والانسحاب الأمريكى من العراق، واحتمالات التصعيد تجاه إيران، وهو ما يزيد من القيمة التركية الاستراتيجية –المرتفعة أصلا - فى الوقت الحالى، ويدفعها لاتخاذ مواقف أقوى مستندة إلى عناصر قوتها.
وتقول جريدة «جارديان» البريطانية إنه على فرنسا ألا تعادى حليفا «مهماً وقوياً» مثل تركيا من أجل اتهامها بمجزرة حدثت فى بدايات القرن الماضى، بينما انتقد المحلل بالمعهد الفرنسى للعلاقات الدولية فيليب مورو «حماقة» المسؤولين الفرنسيين، وهو ما يعكس إدراكا واضحا لأنه وإن كانت فرنسا أقوى من تركيا غير أن الظروف الدولية الحالية والصعود التركى تجعل موقف أنقرة أقوى.
وعلى الرغم من إدراك تركيا قوة موقفها إلا أنها لا تتخذ القرارات دون مراعاة للتوازنات، ففى الوقت الذى صعدت فيه من حملتها ضد إسرائيل قامت بالموافقة على تركيب رادار أمريكى لكشف الصواريخ الإيرانية، وعندما قررت التصدى لباريس جاء ذلك استغلالا للانقسام الذى تشهده السياسة الخارجية الفرنسية حاليا بين وزير الخارجية آلان جوبيه والرئيس نيكولا ساكوزى نفسه، كما جاءت بعد أيام من اتخاذ قرار إلغاء التجنيد الإجبارى فى الجيش التركى، وهو ما طالب به الاتحاد الأوروبى كأحد شروط الانضمام إليه. كما أن حزب «العدالة والتنمية» يعتمد فى مواجهته للمعارضة داخليا على عنصرين، الأول هو الازدهار السياسى، والثانى هو «الفخر القومى» لتجنب مزايدات حزب الشعب الذى يتهم الحزب الإسلامى بـ«إحراج» تركيا دوليا، ولاشك أن الوقوف فى وجه إسرائيل ومن بعدها فرنسا يجنب الحزب أى مزايدات من القوميين فى هذا الصدد.
ولاشك أن تركيا - وعلى الرغم من موقفها القوى - ترغب فى أن يرفض مجلس الشيوخ الفرنسى التصديق على القانون، لذا لم تنتظر تركيا حتى يتم إقرار القانون بشكل نهائى واتخذت خطوتها على أمل إرجاع مجلس الشيوخ القانون للجمعية الوطنية أملاً فى تغييره، نظرا لأن الرغبة التركية الأساسية - وكما أعلن وزير الخارجية التركى أكمل داود أوجلو فى مناسبات متعددة - هى الحفاظ على نظرية «صفر مشاكل» فى علاقاتها الخارجية.