قاد رئيس البرلمان الفنزويلي، خوان جوايدو، انقلابًا على سلطة الرئيس نيكولاس مادورو، مسميًا نفسه «رئيسًا بالوكالة» للبلاد، أمام حشد من مؤيديه في العاصمة كراكاس.
قال «جوايدو» في بيان الانقلاب، مساء الأربعاء: «أقسم أن أتولى رسميا صلاحيات السلطة التنفيذية الوطنية كرئيس لفنزويلا (..) للتوصل إلى حكومة انتقالية وإجراء انتخابات حرة».
في أول رد على الانقلاب، أعلن الرئيس «مادورو» قطع العلاقات البلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية، مانحًا البعثة الدبلوماسية الأمريكية 72 ساعة لمغادرة البلاد.
«مادورو» أكد في كلمة أمام حشد من أنصاره في العاصمة كاراكاس: «لا نريد العودة إلى عهد التدخلات الأمريكية. سأبقى في قصر الرئاسة مع أصوات الشعب الذي ينتخب رئيسًا دستوريًا لفنزويلا».
مباركة أمريكية
الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والبرازيل وكولومبيا اعترفوا بالانقلاب وبـ«جوايدو رئيسًا شرعيًا»، وقال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي اعتاد الهجوم على إدارة «مادورو»: «أعترف رسميًا اليوم برئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية خوان جوايدو رئيسًا لفنزويلا بالوكالة».
من جهته، هنأ الأمين العام لمنظمة الدول الأمريكية، لويس ألماجرو، ومقرها واشنطن، الأربعاء، «جوايدو» بالانقلاب، وقال في بيان: «تهانينا لخوان جوايدو، رئيس فنزويلا بالنيابة، نمنحه اعترافنا الكامل لإعادة الديمقراطية إلى هذا البلد».
أما وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، فطالب الرئيس الفنزويلي «مادورو» بـ«التنحي» لصالح رئيس البرلمان المعارض، داعيًا الجيش الفنزويلي وقوات الأمن إلى ما اعتبره «دعم الديمقراطية وحماية المدنيين».
«ترامب» اعتبر البرلمان الفنزويلي برئاسة جوايدو «الفرع الشرعي الوحيد لحكومة انتخبها الشعب الفنزويلي وفق الأصول»، مضيفًا في بيانه أن «الجمعية الوطنية أعلنت مادورو غير شرعي، ومنصب الرئاسة بالتالي فارغًا».
ومضى يقول: «شعب فنزويلا وقف بشجاعة ضد مادورو ونظامه وطالب بالحرية وسيادة القانون، سأستمر في استخدام كل ثقل السلطة الاقتصادية والدبلوماسية للولايات المتحدة للدفع باتجاه إعادة الديمقراطية الفنزويلية»، على حد قوله.
تأييد مادورو
في المقابل، أعلنت كل من روسيا والمكسيك اعترافهما بسلطة «مادورو»، وقال المتحدث باسم الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور إن بلاده «تؤيد مادورو رئيسًا لفنزويلا، ونعترف بالسلطات المنتخبة وفقًا للدستور الفنزويلي«.
المكسيك اتخذت موقفا بعدم التدخل في فنزويلا تحت قيادة «أوبرادور» اليساري الذي تولى منصبه في ديسمبر 2018، معلنًا أن سياسته الخارجية تقوم على مبدأ «عدم التدخل» في شؤون الدول الأخرى.
روسيا اعتبرت الولايات المتحدة تتدخل «بشكل سافر» في الشؤون الداخلية لفنزويلا، وقال رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، قسطنطين كوساتشوف: «مهما حدث في فنزويلا، فإن ذلك يعتبر شأنا داخليًا»و.
المسؤول الروسي أضاف: «يجب دعم الشعب الفنزويلي بتطوير التعاون مع هذا البلد ومساعدته على حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة، وليس بحصاره. السياسات الأمريكية تجاه فنزويلا، بما فيها التصريحات الأخيرة تعتبر تدخلا سافرا وفظا في شؤونها الداخلية».
محاولة اغتيال
في 5 أغسطس الماضي، نجا الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، من محاولة اغتيال عبر تفجير طائرة مسيرة بينما كان يشاهد عرضًا عسكريًا وسط العاصمة كراكاس، متهمًا كولومبيا بالوقوف وراء المحاولة الفاشلة.
«مادورو» اتهم الولايات المتحدة وكولومبيا بالسعي إلى «إثارة أعمال عنف في بلاده»، وقال في تعليقه الأولي على محاولة اغتياله إن «التحقيقات بدأت فورًا، حيث خرج فريق التحقيق بأكمله بالتعاون بين المخابرات والشرطة والنظام المدني ودائرة الاستخبارات الوطنية البوليفارية والجيش».
ومضى يقول: «التحقيق متقدم للغاية، ودون أدنى شك كشفنا ملابسات الوضع في وقت قياسي. كانت محاولة لقتلي، اليوم حاولوا اغتيالي وليس لدي أي شك في أن كل المعطيات تشير إلى اليمين الفنزويلي المتطرف بالتحالف مع أقصى اليمين الكولومبي، ولا شك بأن اسم خوان مانويل سانتوس وراء المحاولة».
أشار «مادورو» إلى تورط عددًا من الداعمين لمحاولة اغتياله الفاشلة ممن يعيشون في الولايات المتحدة، معربًا عن تطلعه في تعاون واشنطن ضد من وصفهم بـ«العصابات الإرهابية»، داعيًا ترامب إلى «العمل ضد المجموعات الإرهابية التي تسعى لشن هجمات كبيرة ضد دول القارة».
محاولة انقلاب
قبل يومين، تحدثت وسائل إعلام فنزويلية عن محاولة انقلاب مجموعة متمردة على حكومة الرئيس «مادورو» قبل إلقاء القبض عليهم، وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر شخصا يحث الفنزويليين على النزول إلى الشارع و«عصيان حكومة مادورو».
فيما أظهرت مقاطع أخرى مجموعة من العسكريين يعلنون سيطرتهم على قيادة الحرس الوطني في منطقة كوتيزا سالتابعة للعاصمة كاراكاس، وذكرت صحيفة «ناسينال» المحلية أن «مجموعة من الرجال يرتدون ملابس عسكرية ويحملون أسلحة خرجوا في مظاهرات أخذت طابعًا انقلابيًا».
الشريط المتداول أظهر أفرادًا مسلحين بزي عسكري يسيرون في أحد أحياء المدينة، معلنين معارضتهم للحكومة، وقالوا إن «المنشآت العسكرية وضعت في حالة تأهب قصوى، بعد أن وزعت عدة أشرطة فيديو لأعضاء مفترضين في الحرس الوطني البوليفاري داعين إلى انتفاضة».
رئيس منتخب
في 21 مايو الماضي، أعيد انتخاب «مادورو» لفترة رئاسية جديدة تنتهي عام 2025، وأعلنت لجنة الانتخابات أن الرئيس المنتخب فاز في انتخابات الرئاسة بـ6.19 مليون صوت، ما نسبته 68% من إجمالي الأصوات.
مدة الولاية الرئاسية في فنزويلا تبلغ 6 سنوات، وبدأت الولاية الجديدة في 19 يناير الجاري، وفي أول تعليق على فوز «مادورو»، حث الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، السلطات الفنزويلية على إجراء انتخابات «حرة ونزيهة».
أزمات وعزلة
تواجه فنزويلا أزمة سياسية واقتصادية كبيرة تحت إدارة نيكولاس مادورو، في وقت تعد فيه كراكاس هدفا لعزلة سياسية كبيرة في المنطقة وعقوبات مالية تتهددها من قبل واشنطن وحلفائها.
تمر فنزويلا، رغم ثروتها النفطية المتميزة، بأسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية في تاريخها الحديث، بسبب تراجع أسعار النفط، الذي تسبب في انعدام أدنى مقومات الحياة لملايين الفنزوليين الذين هجروا البلاد.
تحول جسر سيمون بوليفار في فنزويلا إلى رمز للهجرة لملايين الفنزويليين الذين يقصدون بلدان أمريكا اللاتينية المجاورة مثل البرازيل وبيرو وكولومبيا، فيما تسببت الأزمة الاقتصادية في أزمة سياسية خانقة تدور بين «مادورو» والمعارضة اليمينية التي تطالب برحيله.
إحصائيات الأمم المتحدة تشير إلى أن نحو 3.2 مليون فنزويلي غادروا بلادهم خلال السنوات القليلة الأخيرة؛ «هربا من البؤس والفقر وبحثا عن أدني مقومات العيش»، ومن بين هؤلاء 800 ألف قصدوا الجارة كولومبيا.
إزاء التدخل الأمريكي المتواصل، أعلن «مادورو» أن بلاده ستعيد النظر في علاقاتها بالكامل مع الولايات المتحدة، عقب تصريح نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، الذي عبر فيه عن دعمه لزعيم الجمعية الوطنية المعارض خوان جوايدو.
«مادورو» قال في كلمة نقلتها قناة «تيليسور»: «أوعزت إلى وزير خارجية فنزويلا بالبدء بمراجعة كاملة للعلاقات مع الولايات المتحدة، واتخاذ الإجراءات السياسية اللازمة»، مشيرًا إلى أن «نائب الرئيس الأمريكي انتهك جميع قواعد اللعبة».
«بنس» خاطب معارضي «مادورو»، الثلاثاء، عشية تظاهرات مناهضة للحكومة، وكتب عبر «تويتر»: «في وقت يحاول فيه أهل فنزويلا الطيبون جعل أصواتهم مسموعة، فإننا نيابة عن الشعب الأمريكي نقول لهم: نحن معكم، وسنظل معكم حتى استعادة الديمقراطية».