كشفت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماى، مساء أمس، خطتها البديلة حول اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى «بريكست»، أمام مجلس العموم البريطانى، بعدما رفض النواب الاتفاق الذى توصلت إليه مع الاتحاد الأوروبى ليزداد عمق الأزمة السياسية التى تعيشها لندن قبل عشرة أسابيع من موعد الانسحاب، وسط مطالبات ودعوات متتالية لرئيسة الحكومة بتعديل الاتفاق، وبخاصة فيما يتعلق بـ«بند الأمان» المتعلق بإدارة الحدود بين مقاطعة أيرلندا الشمالية، وجمهورية أيرلندا العضو فى الاتحاد الأوروبى.
وقال المتحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية، أمس، إنه سيتعين تغيير خطتها الخاصة بالخروج من الاتحاد الأوروبى «بريكست»، حتى تفوز بدعم البرلمان، وأضاف أن هناك محادثات تجرى مع النواب بشأن التعديلات المطلوبة، وقال المتحدث إن تصويتا آخر سيجرى عندما تعتقد الحكومة أنها قادرة على الفوز به.
وذكرت صحيفة «ديلى تليجراف»، البريطانية، أمس الأول، أن ماى تبحث تعديل اتفاق الجمعة العظيمة لإنهاء الأزمة المتعلقة بخروج بريطانيا، بعد التخلى عن محاولات التوصل إلى اتفاق يحظى بقبول جميع الأطراف بالتفاوض، وقالت الصحيفة إن التعديل يقضى باتفاق بريطانيا وأيرلندا على مبادئ منفصلة أو إضافة نص «لدعم أو الإشارة» إلى اتفاق سلام 1998، الذى يحدد الكيفية التى سيضمن بها الجانبان بقاء الحدود مفتوحة بينهما بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، ولا يمكن لبريطانيا الانسحاب بشكل أحادى من «شبكة الأمان»، ولكنها تسعى لتعديل الاتفاق، ويعتقد معاونو ماى أن ذلك سيساعدها على كسب النواب المحافظين المناهضين للاتحاد الأوروبى، والذين لا يشغلون مناصب فى الحكومة وحلفاء حزبها من الحزب الديمقراطى الوحدوى، الذين تعتمد عليهم للمحافظة على الغالبية المحدودة فى مجلس العموم.
وقال جراهام برادى، رئيس لجنة تمثل النواب الذين لا يشغلون مناصب بالحكومة، إنه يعتقد أن ماى قد تتمكن من تمرير اتفاقها فى أوساط المتمردين من الحزب المحافظين الذى يقود الائتلاف الحاكم، إن «تم التوصل إلى حل» لمسألة «شبكة الأمان» الأيرلندية، وقال لإذاعة «بى بى سى» إن «معظم الأصوات كانت من أشخاص لا يمكنهم بكل بساطة دعم شبكة أمان ستصبح دائمة، فى حال تم حل هذه المسألة فأعتقد أننا قد نتمكن من تمرير اتفاق الانسحاب هذا»، وأضاف أن من مصلحة أيرلندا مساعدة بريطانيا على الانسحاب، بموجب اتفاق قائلا: إن انسحاب لندن من الاتحاد الأوروبى سيضر دبلن أكثر من لندن، نظرا إلى أن معظم تجارة أيرلندا تمر عبر بريطانيا.
وقال وزير الخارجية الأيرلندى، سايمون كوفينى، إن رئيس الوزراء ليو فارادكار لا يرغب فى دعم إدخال تعديلات على اتفاق الانسحاب أو شبكة الأمان لحماية أيرلندا، وأضاف: «يشمل ذلك مواصلة الدعم لكامل اتفاق الانسحاب الذى اتفقت عليه بريطانيا مع الاتحاد الأوروبى، بما فى ذلك شبكة الأمان كما تم التفاوض عليها».
وينص الاتفاق على «شبكة أمان» (باكستوب) لمنع عودة حدود مادية بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا من أجل حماية اتفاقات موقعة فى 1998 أنهت الاضطرابات الدموية فى المقاطعة، وهو حل يمكن اللجوء إليه فى نهاية المطاف بعد الفترة الانتقالية وفقط إذا لم يتم إيجاد تسوية أفضل بحلول منتصف 2020 بين لندن وبروكسل، وتقضى الآلية المثيرة للجدل بإنشاء «منطقة جمركية واحدة» تشمل الاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة لا تطبق فيها أى أنظمة للحصص أو رسوم جمركية على السلع الصناعية والزراعية، ويسمح ذلك بتجنب إعادة حدود مادية بين الجزيرة والمقاطعة البريطانية، مع ضمان ألا تظهر أى حدود فى بحر أيرلندا بين أيرلندا الشمالية وبقية المملكة المتحدة، وهو ما كان سيحدث لو ألحقت أيرلندا الشمالية وحدها بهذه «المنطقة الجمركية»، لكن أيرلندا الشمالية ستتمتع بوضع خاص وستبقى ملتزمة بعدد محدود من قواعد السوق الواحدة «أساسية لتجنب حدود مادية» فى أيرلندا، وهو ما ينطبق على المعايير الصحية لعمليات المراقبة البيطرية.
وتحدثت ماى مع رئيس الوزراء الهولندى مارك روتى، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والمسؤولَين الأوروبيين جان كلود يونكر ودونالد توسك لمناقشة الخطوات المقبلة، واستبعد قادة الاتحاد الأوروبى إعادة التفاوض على الاتفاق، لكنهم أشاروا إلى إمكان تأجيل الانسحاب إذا غيرت ماى «خطوطها الحمراء» المتعلقة بالخروج من الاتحاد الجمركى الأوروبى ومنع حرية حركة المواطنين، وبعد تحديد خططها بشأن طريقة المضى قدما، سيطرح النواب تعديلات ليتم التصويت عليها فى 29 يناير.
ويعتزم عدد من النواب طرح تعديلات تؤدى إلى تأخير أو تعطيل خطة ماى، وستعلق إحدى المجموعتين عملية الانسحاب فى حال لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد بنهاية فبراير، فى حين أن المجموعة الأخرى من النواب ستتيح لأعضاء البرلمان اختيار يوم واحد كل أسبوع لمناقشة المسائل المرتبطة بـ«بريكست» والتصويت عليها، وهو ما سيتجاوز التقليد الذى يمنح الحكومة الحق فى التحكم بجدول أعمال البرلمان، ووصف مكتب ماى هذه الخطط بأنها «مقلقة للغاية».
وعزز رفض النواب للاتفاق إمكانية خروج بريطانيا من الاتحاد دون اتفاق، وهو أمر تخشاه الأوساط الاقتصادية، خصوصا التى تلوح بخطر انهيار الجنيه الإسترلينى وارتفاع البطالة. وقالت ماى إنه «من المستحيل» استبعاد هذا السيناريو، وهذا ما كان يطلبه زعيم حزب العمال جيريمى كوربن كشرط مسبق لبدء مفاوضات من أجل التوصل إلى تسوية. وفى حال تم خروج «بلا اتفاق» ستخضع العلاقات الاقتصادية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبى لقواعد منظمة التجارة العالمية، بينما ينبغى اتخاذ عدد من إجراءات المراقبة الجمركية والتنظيمية. ومن السيناريوهات المطروحة تأجيل «بريكست» لكن الانتخابات الأوروبية المقبلة فى مايو المقبل تعقد الوضع.