على مدار 44 عاما، عملت المؤسسة الإسرائيلية على التكريس لفكرة «الجيش الذي لا يقهر»، الذي استطاع في 5 يونيو 1967، أن ينتصر على ثلاثة جيوش عربية، بالإضافة إلى الفلسطينيين، لدى أذهان الأطفال الإسرائيليين.
قصص قصيرة بطلها شخصية أسطورية إسرائيلية تدعى «داني دين»، وألعاب حربية يلعب فيها الجندي الإسرائيلي دور البطل، كانت كفيلة بتصوير احتلال إسرائيل للأرض العربية على أنه «أمر عادل»، وأن العرب «يحتلون أرضهم».
ورسمت هذه القصص صورة «العربي» في ذهن الطفل الإسرائيلي على أنه شخصية «جبانة تهرب من المعارك»، بينما يظهر الإسرائيلي بشخصية «مناضلة»، كما يظل الجيش الإسرائيلي في نظرهم هو «الجيش الذي لا يقهر».
«داني دين»
«داني دين في حرب الأيام الستة»، هي القصة الأكثر مبيعا في سوق قصص الأطفال الإسرائيلية، وهي قصة مكونة من 24 فصلا، في كل فصل تتغير المغامرة، إلا أن الفصول كلها تتفق في انتصار «داني دين» على العرب.
وتعمل القصة على تربية الأطفال الإسرائيليين على فكرة أن ا«لاحتلال الإسرائيلي هو أمر عادل»، ويقول «داني دين»: «كل هذه البلاد لنا، نحن سادتها، سنحررها من العرب الذين غزوها ويريدون جعلها جزءا من بلادهم، فيا جنود إسرائيل، الوطن المستعبد ينتظركم بفارغ الصبر، فتقدموا».
و«داني دين»، كما هو معروف للجميع في إسرائيل، ولدٌ يرى ولا يستطيع أحد أن يراه، ويفعل كل شيء من أجل «العدالة» و«الحقيقة» و«الشرف»، ويخرج دائما «لمساعدة الضعفاء والمحرومين، ويحارب المجرمين حتى يعزلهم عن المجتمع»، وفي حرب 67 خرج «داني دين» لمساعدة الجيش الإسرائيلي.
إحدى مغامرات «داني دين» في قصة «داني دين في حرب الأيام الستة» تدور أحداثها مع ضابط مصري، تقول القصة «النار كانت شديدة من كلا الجانبين، حتى أن داني دين بذل جهدا في القفز حتى لا يصاب، محاولا الدخول في منطقة يقف فيها مقدم مصري، يعطي الأوامر لرجاله لإطلاق النار على دبابة مصرية سيسيطر عليها الإسرائيليون، أسرع داني دين ليضع كف يده على فم الضابط ليمنعه من إصدار الأوامر، بعدها أمسك يدي الضابط ورفعهما بقوة لأعلى، وفي المقابل حاول الضابط المصري إنزال يديه، فهو لا يريد الاستسلام، ولكن داني دين غير المرئي القوي أمسك يدي الضابط بكل قوة بيديه القويتين، ورفعهما على غير رغبة الضابط.. القائد استسلم.. صرخ الجنود المصريون عندما رأوا يديه مرفوعتين، وبدأوا في إلقاء أسلحتهم وخرجوا من خنادقهم رافعين الأيدي هم أيضا».
شخصية «داني دين»، التي تعد أشهر شخصية في قصص الأطفال الصهيونية، كان لها على الأقل ثلاث قصص عن النكسة، هي «داني دين في حرب الأيام الستة»، والتي صدرت سنة 1968، و«داني دين في الأسر»، وصدرت سنة 1969، و«داني دين في مهمة مستحيلة»، والتي صدرت سنة 1970.
وقد دارت أحداث القصتين الأولى والثانية في سيناء، بينما دارت أحداث الثالثة في مبنى الإذاعة الأردنية، ورغم هذا الدور الذي لعبه «داني دين» في النكسة، فإنه لم يأخذ أي دور في حرب أكتوبر، ولكنه عمل على تحرير الأسرى الإسرائيليين من أيدي السوريين بعدها في إحدى القصص، وشارك في أخرى في حرب لبنان الأولى، وفي قصة ثالثة شارك في حرب الخليج ودخل قصر صدام حسين في هذه الحرب.
«شوارع رامات جلعاد»
ومن قصص الأطفال الأخرى التي تقدم النكسة لأطفال إسرائيل، قصة للأديب الإسرائيلي «حاييم جبوري» الذي كتب «الحائط .. رواية على خلفية حرب الأيام الستة»، سنة 1968، والقصة بعنوان «شوارع رامات جلعاد»، وتحكي عن ثلاثة شباب وفتاة من وسط إسرائيل، يحاربون إلى جانب الجيش الإسرائيلي فيما يسمى إسرائيليا بـ«حرب الأيام الستة»، وفجأة وجدوا أنفسهم في اتجاه شرق الأردن، وقتلوا عددا غير محدود من الجنود الأردنيين، وفي أحداث القصة يدور الحوار التالي، والذي يصف العرب بـ«الجبن» ويدعي أن «كل الأرض ملك للإسرائيليين»:
«ماذا سنفعل الآن»؟، سأل نوح، ليرد عليه رامي: «سنعبر الأردن، وسنذهب لاستدعاء جيش الدفاع الإسرائيلي»، ويسأله صديقهما الثالث نسيم: «هل أنت متأكد أن جيش الدفاع سيتقدم إلى هذا الاتجاه؟»، فيرد رامي مرة أخرى: «ولمَ لا؟، العرب يهربون كالجبناء، فلماذا لا يتقدم الإسرائيليون ويحتلون الكل بعد الكل؟، وإذا قلنا الحقيقة، فلمن كل هذا إذن؟ للعرب؟ هل أريحا للعرب؟».
قصص الأطفال المصورة في الكيان الصهيوني اهتمت أيضا بتقديم النكسة لأطفال إسرائيل، ومن هذه القصص «صديقان في النار والبحر» التي كتبها «يارت أمتسيا»، وتخيل فيها مغامرات اثنين من جنود الاحتياط في الحرب، وقصة «فارس الحائط الغربي»، التي كتبها «واب زيجلمان» وهي تحكي عن قصة «فارس يهودي» يحكي عن «الحروب التي خاضها اليهود»، والتي تنتهي بوجوده شخصيا بملابس الفرسان أمام الحائط الغربي بعد سقوطه في حرب 1967.
لعب الأطفال
الانتصار الإسرائيلي غير المتوقع في «حرب الأيام الستة»، أحدث توسعا كبيرا أيضا في مجال لعب الحرب في سوق الأطفال الإسرائيلية، فرغم أن الألعاب الحربية ظهرت في إسرائيل قبل حرب 1967، وبالتحديد بعد العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، والذي اشتركت فيه إسرائيل، فإنه بعد حرب 1967، ظهرت ألعاب للأطفال عن «حرب الأيام الستة»، وتقوم استراتيجيتها دائما على طرف ينتصر في كل وقت وعلى جميع الأصعدة، وطرف آخر يفشل دائما.
واستخدمت هذه الألعاب صورا حقيقية للمعارك، وذلك لـ«تذكير جمهور الأطفال في إسرائيل، والذي يستخدم هذه الألعاب بالحرب»، ليس هذا فقط، وإنما استخدمت في هذه الألعاب اللغتان العبرية والإنجليزية «ليستخدمها الأطفال اليهود في كل بلاد العالم».
ومن هذه الألعاب على سبيل المثال، لعبة «شجاعة جيش الدفاع الإسرائيلي»، وهي عبارة عن لوحة لعب عليها مسارات المعارك، والتي تشبه تماما المسارات الحقيقية التي وضعتها القيادة الإسرائيلية للحرب، والهدف من ذلك كما يقول أحد المواقع العبرية التي تشرح اللعبة هو «تقوية الشعور القومي، وهو شعور يتم تقويته عن طريق استخدام صور المدرعات المدمرة التي استخدمها "العدو" في سيناء، وبجانبها صور قوات جيش الدفاع المنتصرة».
لعبة أخرى من الألعاب الحربية الإسرائيلية المتعلقة بهذه الحرب هي «لعبة النصر»، والتي كتب على غلافها أنها «مصممة على أساس حرب الأيام الستة»، وعلبتها عبارة عن صندوق يظهر على ظهره صور للقيادات الإسرائيلية المنتصرة، مثل «موشي ديان» و«إسحاق رابين»، وحولهم صور أسلحة مختلفة.
وتقوم استراتيجية هذه اللعبة على تنفيذ سلاح الجو الإسرائيلي عملية ضد قوات برية، وفي هذه اللعبة يجب تحقيق أقوى النتائج بقدر الإمكان، وعلى المشاركين فيها أن يتعلموا مسارات المعارك جيدًا كما لو أنهم في الواقع، أما الخريطة التي تستخدم في هذه اللعبة فتمتد من القنيطرة شمالا وحتى السويس جنوبا، كما تحتوي اللعبة على صور للمعارك في سيناء فيها جنود عرب يهربون و دبابات مصرية محترقة.
«بيزك .. مقاتلو الأيام الستة»، لعبة أخرى من ألعاب الحرب الإسرائيلية المختصة بالنكسة، ويظهر على علبتها صور للجيش الإسرائيلي في «القدس المحررة»، كما جاء في شرح اللعبة، وذلك في مقابل صور لأسلحة عربية محترقة، ورغم أن استراتيجية اللعبة بها العديد من الخيارات وطرق التحرك المختلفة، ويتقابل من يلعبها بدبابة لـ«العدو»، في إشارة للعرب، قد تنجح في استعادة عدة خطوات، إلا أن الأساس الذي تقوم عليه اللعبة هو أسلوب واحد ووحيد، هو التقدم أماما.