فكرى الجندى: النكسة مسؤولية «عبدالناصر».. وعامر «اتخض» من الهجوم الإسرائيلى فأمر القوات بالانسحاب

كتب: مصباح قطب السبت 04-06-2011 18:24


بعد 35 عاما من تشكيل لجنة «إعادة كتابة تاريخ مصر» تحدث المؤرخ الطيار فكرى الجندى، أحد الأحياء القلائل من أعضاء اللجنة، أخيراً، عن حقائق نكسة 5 يونيو 1967. «الجندى» أعد «الفصل التاسع» من عمل اللجنة، ويحمل اسم «خطة الضربة الجوية الإسرائيلية وأسباب نجاحها وآثارها».


وأكد «الجندى» لـ«المصرى اليوم» أنه احتفظ لنفسه بالبحث الموكل إليه، عندما رأى التراخى يتسرب إلى اجتماعات اللجنة شيئا فشيئا، وأكد أنه لم يندم على ذلك، لأنه اكتشف أن كل ما تم تسليمه دفن إلى الأبد لإخفاء حقائق عهد ما قبل ثورة يوليو، وصولا إلى حرب 1973.


كان الرئيس الراحل أنور السادات قد شكل لجنة كتابة تاريخ مصر، فى يناير 1976، وترأسها فى البداية نائبه حسنى مبارك، وخلفه الدكتور صبحى عبدالحكيم، أستاذ الجغرافيا، رئيس مجلس الشورى لاحقا.


وقال «الجندى» لـ«المصرى اليوم» إنه اطلع على يوميات حرب يونيو من هيئة العمليات، وقيادة القوات الجوية، وكان الدفاع الجوى وقتها جزءا منها، واعتمد فى كتابة أحداث النكسة على وثائق مكتب وزير الحربية، وحرص على الموضوعية التامة، ولم يتدخل فى سرد الوقائع والحقائق، وفقا لتوجيه اللواء محمد لطفى شبانة، المشرف على بحوث القوات الجوية فى اللجنة.


وأكد أن الهجمة الجوية الإسرائيلية كانت أهم أسباب النكسة، ويتحمل جمال عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر المسؤولية الكاملة عنها، فالهزيمة تعنى أن جيشين يتقابلان ويقتتلان فيهزم أحدهما الآخر، أما النكسة فمعناها أن الجيشين تواجها ولم يقتتلا بعد انسحاب أحدهما، وهذا ما جرى لنا بعد تلك الضربة الغادرة. وقال «الجندى»، الذى يرفع فى منزله علم مصر الأخضر ذى النجوم الثلاثة ويطالب باستعادته: «حاربت فى اليمن، وفى سوريا خلال 1973، وحصلت هناك على وسام فارس، لكنى لم أشارك فى حرب يونيو، لأننى أصبت قبلها نتيجة خطأ من فنى لدى الإقلاع فى طلعة تدريبية، ترتب عليه أن طار بى المقعد 20 مترا لأعلى ثم سقطت لأرتطم بجناح الطائرة قبل أن أقع على الأرض، وقضيت بالمستشفى 3 أشهر، غير أن الغضب الذى انتابنى جراء عار النكسة جعلنى أكره عبدالناصر بشدة، بعد أن كنت مستعدا لأن أفتديه بدمى».


وأضاف: لم نكن نتوقع أن يجيئنا الطيران الإسرائيلى منخفضا بهذا الشكل، وغاب عن مخابراتنا ما تم إدخاله من تعديلات على سعات «تنكات» وقود طائرات العدو، ما يطيل أمد الطلعات، وكذا تزويدها بقنابل لضرب الممرات، وجاء الهجوم الجوى من ناحية البحر فضاعت فرصة رصده بالنظر فور عبوره حدود سيناء، ولم ترصده راداراتنا، كما أن إشارة رادار «عجلون» بالأردن، التابع للقيادة العربية الموحدة، برصد إقلاع طائرات إسرائيلية وصلت، لأمر غير مفهوم، إلى مكتب وزير الحربية وحده مع أن المتفق عليه أن تصل بالتوازى إلى قيادة الدفاع الجوى فى جبل الجيوشى بالمقطم، كما تم تغيير الشفرة التى يقوم من خلالها مكتب الوزير بإبلاغ الدفاع الجوى ولم يخطرهم أحد بذلك.


وتابع: الوثائق التى اطلعنا عليها لا تبين أن جمال عبدالناصر كان على علم بقرار الانسحاب الذى أصدره عامر، ومع ذلك فإننى لا أصدق أن يكون نائب القائد الأعلى فى زيارة للجبهة يوم 5 يونيو دون أن يكون ناصر على علم بذلك، كما لا يمكن وجود عامر فى الجو، ووجود رئيس الوزراء العراقى طاهر يحيى الزائر فى الجو أيضا فى نفس الوقت، دون أن يكون ناصر على بينة بمثل هذه التحركات، والمعروف أن وجود عامر فى الجو ترتب عليه تقييد المدفعيات.


ورأى «الجندى» أن ما حدث كان عملا مبالغا فيه، إذ كان يمكن الاكتفاء بتقييد مدفعية مطارى النزول فقط، وهما «تمادا» بالنسبة للمشير، و«فايد» بالنسبة لرئيس الوزراء العراقى، وأكد أن بحثه يوضح أن صدقى محمود، قائد القوات الجوية، مسؤول إلى حد ما عن ضرب الطيران المصرى، لأنه اقترح على ناصر القيام بضربة استباقية للطيران الإسرائيلى لأننا لا نحتمل تلقى الضربة الأولى، فسأله ناصر: وكم ستكون خسائر تلقيها؟ فرد: 25%، ولم يكن فى حسبانه ما جرى من تغيير فى سلاح الجو الإسرائيلى، لكن ناصر رفض الاقتراح، وسأل عامر قائد القوات الجوية: هل تستطيع مواجهة الأسطول السادس؟ فسكت «صدقى» بما يفهم منه أنه لا يستطيع.


وقال: اعتقادى الراسخ أن ناصر لم يكن يعتزم القيام بالحرب، وهو نفسه صرح بذلك بعد انصراف الصحفيين من لقائه الشهير بالطيارين فى «أبوصوير» قبل الحرب، ومع ذلك تحيرنى وغيرى أسئلة كثيرة منها: لماذا دفع بالقوات إلى سيناء؟ ولماذا طلب من سكرتير عام الأمم المتحدة إخلاءها كلها من قوات الطوارئ الدولية؟ ولماذا قرر إغلاق خليج العقبة وقد حذره الجميع من أن ذلك معناه إعلان الحرب على إسرائيل ما سيدفعها لاتخاذ موقف بلا شك؟


وأضاف «الجندى» أن عبدالحكيم عامر «اتخض» من الضربة الإسرائيلية، فهو إنسان «جدع»، لكنه فقير فى المعارف والقدرات العسكرية، وطلب فور عودته بتاكسى من المطار إلى مكتبه من شعبة العمليات إعداد خطة انسحاب، لكن عواطفه القوية نحو الجيش وضباطه الذين كانوا يحبونه بشدة جعلته يتعجل ويصدر أمر الانسحاب شفويا دون خطة، ووصل الأمر إلى حد رصد اتصاله بمحافظ سيناء ليطلب منه إبلاغ القوات بقرار الانسحاب، وهذه قمة الهزل، بل إن الفريق مرتجى، قائد الجبهة نفسه، لم يعلم بقرار الانسحاب، ومعه قادة ميدانيون كثيرون، وكان المشير رفض أيضا فكرة الانسحاب للنطاق الثانى (بير لحفن– الحسنة– التمد) طبقا لنصيحة عثمان نصار، أحد كبار قادة مسرح العمليات، وكان النطاق حصينا ويمكنه صد هجمات العدو.


وأكد «الجندى» أن دراسة الضربة الجوية تنصف المقاتل المصرى، وتؤكد أنه بالفعل خير أجناد الأرض، وقال: شهدنا رغم صدمة الضربة الإسرائيلية والانسحاب العشوائى بطولات جبارة كالتى قام بها اللواء 14 مدرع، والعقيد البطل على عرفة، وطلعات شجاعة مثل التى قام بها ممدوح طليبة والحديدى ومدحت مليجى وعبدالمنعم مرسى، وأكدت دروس الضربة أيضا عدم صحة نظرية عدم القتال فى غيبة غطاء جوى، فقد خاض الضباط والجنود المصريون معارك شرسة، وحققوا بطولات جسورة فى غياب الطيران المصرى، وكان يمكن أن يفعلوا ما هو أكثر، لولا الانسحاب العشوائى.


وأضاف أنه لو تم رصد الطيران الإسرائيلى فى وقت معقول، ولو حتى قبلها بـ 10 دقائق، لكان من الممكن التصدى له بسهولة، بل وهزيمته، لأن طائرات إسرائيل كانت فى مهمة لتدمير مواقع على الأرض، ولم تكن مجهزة للقتال الجوى، والإسرائيليون أنفسهم كانت لديهم تعليمات بالعودة فى حال اكتشافهم، كما أنهم يعرفون أن الطيار المصرى ماهر فى توظيف ميزة الطائرات «الميج» فى المناورة. وبرر «الجندى» عدم قيام الطيران الإسرائيلى بضرب طائرة المشير عامر فى الجو بالقول إن الطيار لا يغير الهدف المخطط له وهو فى الجو إلا فى أندر الحالات، مهما كانت دسامة الأهداف التى تظهر حوله فجأة.


وطالب المجلس الأعلى للقوات المسلحة بسرعة الإفراج عن كل أعمال لجنة إعادة كتابة التاريخ، التى تم دفنها منذ انتهائها من أعمالها قبيل عهد الرئيس السابق، حسنى مبارك، مضيفا: من العار أن نضع القيود غير المفهومة أمام إتاحة التاريخ والتعلم منه، وألا يكفى مرور 44 عاما على النكسة لنقول الحقائق للناس؟ أم علينا أن ننتظر لإكمال مائة عام أخرى؟


ودعا «الجندى» الفريق عبدالمحسن كامل مرتجى إلى الإدلاء بشهادته، لأنه آثر الصمت حتى الآن، طبقا لاتفاق مع السادات، ثم مبارك كما يتردد، وقال إن الوقفة التعبوية للقوات المصرية كانت خطأ جسيما، لأنها أضاعت فرصة إكمال النصر، ولم يكن لدينا الكثير لنطور به الهجوم وفقا للحجة التى أعلنت لتلك الوقفة التى كانت سببا فى تشديد الضغط على الجبهة السورية، حيث كثف الطيران الإسرائيلى طلعاته هناك، ولم ينقذ دمشق ذاتها فى ذلك الوقت سوى وصول الدعم العراقى (فرقة مدرعة وفرقة مشاة ميكانيكى و3 أسراب).


وأكد أنه يحفظ سيناء كما يعرف بيته، ويؤمن أن كرامة القائد فوق حياته، وقد كلفه ذلك الكثير. وفسر مطالبته بإعادة علم مصر القديم بأنه أول علم بعد استقلال 1922، الذى جاء دستور 1923 والتحولات السياسية والحضارية والثقافية الجبارة فى مصر وقتها فى ظله، كما أنه دال ومعبر عن شخصية بلادنا. وأشار إلى أن كمال أتاتورك لم يغير علم تركيا رغم أنه حول اتجاهها تماما، وأن روسيا عادت إلى علم القيصرية، موضحا أن علم مصر الحالى كان علم هيئة التحرير وهو بلا معنى، وسخر مما سماه «غباوة» رفع اسم مصر، وجعلها «الإقليم الجنوبى» بعد الوحدة مع سوريا، واعتبر ذلك ناتجا عن قلة وعى وفهم وثقافة وفقدان للحس السليم.


وقال «الجندى»، الذى يسعى لجمع أصحاب المعاشات من أبطال العسكرية المصرية فى حزب سياسى يحمل قيم الوسطية المصرية والالتزام والوطنية والانفتاح على العالم المعاصر، إنه يؤيد البرادعى للرئاسة دون تردد، لأنه الوحيد حتى الآن الذى يمتلك رؤية وإرادة بحجم مساحة التحديات المطروحة على مصر.