«المصري اليوم» تقضى 36 ساعة على متن «جرافة» فك الحصار عن مصراتة

كتب: شيماء عادل السبت 04-06-2011 18:52

دقات الساعة تشير إلى الواحدة بعد منتصف ليل السبت عندما أعلن الكابتن عبدالباسط طشانى، الانتهاء من تجهيز مركب الصيد «إيراسا» معطياً إشارة الانطلاق لقائده بالتحرك إلى مدينة مصراتة، فآلاف الجرحى والعالقين من الأسر المصراتية فى انتظار الأدوية والمؤن الغذائية لهم ولأطفالهم الرضع، بينما المئات منهم فى انتظار من يقلهم من المدينة المحاصرة إلى ذويهم فى مدينة بنغازى.


مركب الصيد أو «الجرافة»، كما يطلق عليها الليبيون، هى المنقذ الوحيد لأهالى مصراتة بعد الحصار الذى فرضته كتائب القذافى، فالمدينة تقع بين أكبر مدينتين تابعتين لنظام الرئيس القذافى، حيث تبعد عن العاصمة الليبية طرابلس مسافة 208 كيلو غرباً، بينما تبعد عن مدينة سرت، معقل قبيلة القذافى، 300 كيلو، ليبقى البحر هو الوسيلة الوحيدة لإمداد أهالى المدينة بالمواد الغذائية ومصابيها بالأدوية والمستلزمات الطبية وثوارها بالأسلحة اللازمة لرد عدوان قوات القذافى.


«المصرى اليوم» استقلت إحدى الجرافات المتجهة إلى المدينة المحاصرة، وقضت 36 ساعة فى قلب البحر المتوسط، هى الفترة الزمنية التى تستغرقها الجرافة من ميناء بنغازى إلى ميناء مصراتة، قاطعة مسافة قدرها 425 ميلاً بحرياً وسط 21 فرداً، بينهم ثوار قادمون من بنغازى وأطباء ليبيون قادمون من الولايات المتحدة والطاقم الخاص بالمركب، المكون من كابتن المركب والميكانيكى ومساعديه.


انطلقت المركب من ميناء بنغازى وكل فرد من ركابها يعرف مكانه، فشباب الثوار اعتلوا سطح المركب بعدما قاموا بتغطية بغطاء بلاستيكى سميك، حتى يحول بينهم وبين شدة البرد ليلاً وأشعة الشمس نهاراً، مفترشين مراتب إسفنجية تعزلهم عن السطح الخشبى للسفينة، بينما انتشر طاقم المركب كل فى مكانه، فمحمد الشاب العشرينى أمسك بدفة المركب متابعاً سيرها عبر جهاز «gpg»، وسالم الرجل الأربعينى أعاد فحص محركاتها وتزويدها بالماء والسولار، ومصطفى أعد العشاء المكون من قطع الجبن والعصائر والحلوى على الركاب بعد مشاركتهم فى تحميل المركب بكل احتياجاته.


مرت ساعات فجر يوم الأحد سريعاً ليستيقظ الجميع على صوت طائرة صغيرة تحلق فوقنا فى سماء البحر المتوسط، هنا أدار الكابتن مصطفى ربان المركب وجهه إلى مساعده محمد قائلاً: «شغل جهاز الإرسال واستقبل رسالة الناتو».


لم تمر سوى دقائق حتى اتصل الناتو عبر موجات الراديو موجهاً مجموعة من الأسئلة مستخدماً اللغة الإنجليزية إلى محمد، بدأت بالسؤال عن اسم المركب وجهته ونوعية المواد الذى يحمله على متنه، بالإضافة إلى عدد الأفراد وهوياتهم، ليرد محمد فى إجابات مختصرة عن الأسئلة دون أن يذكر وجود صحفيين أو أسلحة على متن المركب.


انتهت محادثة الناتو وانتهى معها سالم من تجهيز وجبة الإفطار المكونة من التونة المعلبة وقطع الخيار وخبز الفينو ليتناول المسافرون إفطارهم، ويعود كل واحد لمكانه، الثوار التزموا أماكنهم أعلى المركب متسلحين بسلاحهم الخفيف وممسكين بالمصحف الشريف، رافضين التحدث مع أى فرد، خاصة الصحفيين، حتى لا يكونوا فريسة سهلة فى أيدى القذافى طالبين مننا توجيه رسالة إلى شعوب العالم مفادها: «أننا لسنا إرهابيين ولا ننتمى إلى تنظيم القاعدة ولكننا شباب ليبى لم يسلم أهالينا وأطفالنا من سلاح القذافى وكتائبه، لذلك عزمنا على الخروج ومواجهته بنفس السلاح الذى قتل به شعبه».


لم يكمل الثائر رسالته حتى صعد أحد الركاب على متن المركب مؤذناً لصلاة المغرب، ليعتذر الثائر ويضم إلى طابور الركاب متجهين إلى خزانى المياه المتواجدين على جانبى المركب ليتوضأوا للصلاة، بينما ظل محمد، الشاب العشرينى، ممسكاً بدفة المركب «إيراسا»، متابعاً حركة الرياح وإحداثيات الطريق وتعليمات الناتو، الذى يتصل به على فترات موجهاً له نفس الأسئلة.


الإمساك بالدفة لفترات طويلة تصل إلى 12 ساعة ليس بالأمر الصعب على محمد، الذى اعتاد الإمساك بالدفة منذ نعومة أظافره، فوالده كان يصطحبه معه منذ أن كان طفلاً فى الرابعة للخروج فى رحلات صيد تستغرق أياما فى عرض البحر، ورغم دراسته بكلية طب الأسنان إلا أنه رأى أن مساعدة أهالى مصراتة وفك الحصار عنهم أهم بكثير من استكمال دراسته أو التطوع فى المستشفيات لإسعاف الجرحى والمصابين، حسب كلامه.


4 أشهر هى الفترة الزمنية التى قضاها محمد على مركبه «إيراسا» متنقلاً بين بنغازى ومصراتة، يذهب حاملاً السلاح والمواد الغذائية والطبية لأهالى المدينة ويرجع محملاً بالنساء والأطفال المتضررين من عمليات قذف المدينة والمصابين لاستكمال علاجهم فى مستشفيات بنغازى بعدما ضربت كتائب القذافى مستشفى مصراتة العام.


يتذكر محمد رحلاته إلى مصراتة أيام حصارها من قبل كتائب القذافى، وكيف كانت تستهدف جرافات الصيد حتى تمنع نزوح الأهالى من المدينة، لدرجة قيام الكتائب بتلغيم الميناء أكثر من مرة حتى يكون عائقاً بينهم وبين نقل المساعدات إلى الثوار وأهالى المدينة.


يقول محمد: «فى إحدى الرحلات بعدما وقفنا لإنزال المساعدات وأثناء ركوب الأهالى والمصابين انهالت علينا كتائب القذافى بصواريخ الجراد، ولحسن الحظ أنها مرت من فوق رؤوسنا دون أن تصيبنا ولكنها أصابت الأطفال والنساء بحالة من الذعر والهلع».


وأضاف: «أكثر ما يؤثر فينا هم الصبايا والصغار الذين يخافون البحر ويصابون بحالات من الإعياء الشديد تصل إلى فقد الوعى وعدم تناول الطعام طوال فترة الرحلة، التى ربما تصل إلى 54 ساعة فى حال اضطراب البحر». لم ينته محمد من كلامه حتى اتصلت بنا قوات الناتو موجهة لنا الأسئلة نفسها المعتادة قبل دخولنا الميناء بحوالى نصف الساعة، لملم الجميع أغراضه واستعد لمغادرة السفينة والكل يصافح بعضه البعض وعلامات البهجة مرتسمة على وجهه، فالثوار سوف يضمون إلى زملائهم والأطباء سيسارعون إلى المستشفيات لإنقاذ المرضى، ولكن أصوات دوى شديد نابعة من الميناء جعلت الجميع يتجمدون فى مكانهم.


محمد كعادته بادر بالاتصال بالميناء للسؤال عن دوى الانفجارات، فأجابه الميناء بأن طائرات زراعية صغيرة لكتائب القذافى ضربت بعض أجزاء الميناء، طالباً منه تغيير الرصيف الذى سيرسو فيه، ليغير محمد مسار الجرافة إلى الجانب الآخر، حيث مكان الرصيف متسائلاً: «كيف الناتو سمح لكتائب القرد بضرب الميناء رغم أنه لسه مسكر معانا توا؟».