يملك الرئيس اليمنى على عبدالله صالح، من القوة والأوراق الكافية للتمسك بالسلطة، ولو على حساب انحدار بلاده نحو دوامة العنف، بخاصة بعد إصابته فى هجوم بالقذائف فى مسجد القصر الرئاسى، الجمعة، ونجاته من القتل، فيما تبدو خيارات المجتمع الدولى والجيران الخليجيين لدفعه إلى التنحى محدودة، بعد رفضه التوقيع على المبادرة الخليجية التى تنص على تنحيه عن السلطة لنائبه 3 مرات متتالية. ويرى المحللون أن المعارك بين قوات صالح والقبائل همشت المعارضة وشباب «الثورة السلمية»، على حد سواء، وأبعدت احتمال انتقال السلطة إلى نظام جديد، فالثورة اليمنية المتواصلة منذ يناير الماضى بيد أنها لم تثمر عن ضغوط أقوى على الرئيس اليمنى، فى الوقت الذى دخل فيه اقتصاد البلاد مرحلة النزيف القوى لتعطل عجلة الإنتاج. وقال الخبير فى معهد بروكينجز فى الدوحة، إبراهيم شرقية: «يبدو أن صالح اتخذ قراراً بالبقاء وبفرض شروط رحيله»، وأضاف أن الرئيس اليمنى «يعتقد أنه لايزال يسيطر على الجيش، وهو أمر صحيح لأنه يسيطر على ثلثى الجيش، وحتى الآن لم نشهد حركة انشقاق أكبر لتغيير الموقف».
وقال مصطفى العانى، مدير قسم دراسات الأمن والدفاع فى مركز الخليج للأبحاث بدبى «إن الميزان العسكرى مازال يميل لكفة الرئيس اليمنى، الذى يسيطر على قوات النخبة، فيما القوات التى قامت بالتمرد تمثل القوات التقليدية»، وأشار إلى أن هذه القوات المنشقة بقيادة اللواء على محسن الأحمر «قررت عدم التورط فى مواجهات عسكرية وهى لا تتواجد بكثافة فى صنعاء». أما العنصر الثالث فى المعادلة العسكرية، فهو القبائل، وتبقى محدودة الأهمية عسكرياً.
ولايزال عامل الضغط الخارجى، ضعيفاً رغم التصريحات القوية حول ضرورة تنحى صالح من قبل واشنطن والأوروبيين والخليجيين الذين أعلنوا تعليق مبادرتهم لنقل السلطة، فالرياض لا تريد التدخل خوفا من دخول الحوثيين الشيعة على الخط»، فالوضع فى اليمن يمثل قضية أم قومى للدول الخليجية، بينما لاتزال الولايات المتحدة بحسب محللين تراهن على الرئيس اليمنى لحماية البلاد من خطر تنظيم القاعدة، ويرى المحللون أن انهيار السلطة فى اليمن سيؤدى إلى فراغ كامل يسمح بازدهار القاعدة والمسلحين، وربما يؤدى إلى مواجهات قد تتحول إلى حرب أهلية طويلة الأمد بين القبائل ويدخل فيها الجنوبيون المطالبون بالاستقلال.
وفى هذا السياق، يؤكد الخبير البريطانى فى شؤون الخليج، نيل بارتريك، «أنه إذا استمرت الأمور بالتدهور فى اليمن، فالسعودية يمكن أن تصعد خياراتها السياسية والاستخبارية فى اليمن، وفى حالة السيناريو الأسوأ، يمكن أن تستخدم الخيار العسكرى».
وعزز مكانة الرئيس اليمنى اندلاع القتال مع القبائل مما أضعف دور المعارضة البرلمانية وهمش «الثورة السلمية» فحشود ساحات التغيير تقلصت على وقع الرصاص، ويرى محللون أن الصراع داخل أركان النظام بين الرئيس وآل الأحمر قلص من ضغوط الشارع وأنه حتى لو تم إجبار الرئيس على التنحى فسيكون عبر ترتيبات مع قيادات محدودة بالأساس وليس الثوار أو المعارضة.وأكد تقرير لمجموعة الأزمات الدولية أن «الشباب من أبناء المدن والمجتمع المدنى الذين أطلقوا الحركة الاحتجاجية سيكونوا أكبر الخاسرين من تطورات الوضع، وستهمش أصواتهم على وقع صراع السلطة بين النخب القبلية المدججة بالسلاح».
واعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن تفاقم أزمة اليمن ستؤدى إلى انهيار اقتصادى، وستحتاج البلاد سنوات لاستعادة قوة اقتصادها، وجهوداً مضنية لإعادة بناء مجتمعها الذى يعانى من الانقسامات، وقالت إنه بعد 4 أشهر من الاحتجاجات والجمود السياسى فى اليمن -التى تعد أفقر دولة عربية- قامت القبائل المعادية للرئيس صالح بقطع إمدادات النفط المحلية وشبكات الكهرباء وقالت إنه نتيجة لوجود خطوط الغاز لأميال عديدة بوسط العاصمة اليمنية صنعاء أصبحت الكهرباء فى الوقت الراهن متاحة لبضعة ساعات فى اليوم، وغاز الطهى والديزل أصبحا نادرين للغاية وارتفعت أسعار الغذاء بسرعة كبيرة مما أدى إلى قيام المواطنين بتخزين المؤن الأساسية، بما فى ذلك المياه.