التصويت ضد «بريكست».. تداعيات رفض اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي (تقرير)

كتب: غادة غالب الأربعاء 16-01-2019 20:48

خسرت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، تصويت البرلمان على اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، بنحو 230 صوتاً، في أكبر هزيمة تتعرض لها حكومة بريطانية في التاريخ، فيما دعا زعيم حزب العمال، جيرمي كوربن، إلى حجب الثقة عن الحكومة.

وصوت النواب ضد اتفاق الخروج الذي يحدد شروط الانسحاب من الاتحاد الأوروبي المزمع في 29 مارس، بأغلبية 432 صوتا، مقابل 202 صوتا، فإلى أي مدى ستتأثر المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي؟

تجاريا، تعد العلاقة بين بريطانيا ودول الاتحاد شديدة السلاسة في الوقت الحاضر، بمعنى أن مصنعي المملكة متجانسون في شبكة من سلاسل التوريد الأوروبية التي لا تتطلب وقتا، ولا توجد ضوابط على الحدود أو التعريفات. ويمكن للشركات التي مقرها بريطانيا أن تشتري السلع والمكونات من الموردين المقيمين في دول الاتحاد بسهولة وبسرعة قد تقل عن 24 ساعة.

على سبيل المثال، تعتمد صناعة الأغذية في بريطانيا على التسليم السريع من الموردين في جميع أنحاء القارة، ولا توجد حاليا حاجة للتبريد في الموانئ لأن الطعام لا يحتاج إلى فحص، وفقا لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية. وفي أعقاب خروج بريطانيا من الصفقة، فإن التجارة الخالية من القيود سوف تنتهي على الفور، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي».

وكل شيء سيدخل إلى بريطانيا سيحتاج إلى فحص على الحدود، لكن البلد لا تملك البنية التحتية للقيام بذلك، ناهيك عن التسهيلات لتخزين الطعام بأمان بينما ينتظر أن يتم فحصه. وسوف يستغرق الأمر سنوات لبناء بنية تحتية كهذه في ميناء «دوفر» في «كينت»، التي تعتبر أقرب نقطة بريطانية إلى القارة الأوروبية، أو توسيع المرافق القائمة في الموانئ الأخرى في المملكة المتحدة، والتي تتعامل بريطانية من خلالها مع بقية العالم تجاريا، وجميعها تخضع لفحص الجمارك.

وميناء «دوفر» يتعامل مع 2.6 مليون شاحنة في العام، بحسب «بي بي سي». وحتى مع البنية التحتية اللازمة، فإن فحص جميع هذه الشاحنات سيخلق تأخيرات كبيرة. وبدون ذلك، سيكون هناك ازدحام مروري، ما سيؤدي إلى تعطيل التجارة بعيدة المدى، وبالتالي سيتعطل الإنتاج والإمدادات الغذائية، وكذلك التأخير بالنسبة للمسافرين وأي عائلات بريطانية تسعى إلى قضاء العطلة في أوروبا.

وخارج الإطار القانوني للاتحاد الأوروبي، ذكرت «فورين بوليسي» أنه لن يتم اعتماد العديد من منتجات المملكة المتحدة للبيع في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. على سبيل المثال، ستفقد شركات الأدوية والمواد الكيميائية البريطانية حقها في بيع سلعها عبر الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيكون مكلفًا للغاية.

صحيفة «تليجراف» البريطانية، أوضحت أنه لن يُسمح لشركات الطيران التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها بالسفر جواً إلى وجهات الاتحاد الأوروبي، لأن الإذن البريطاني لهذه الخطوط الجوية لن يعترف به الاتحاد الأوروبي بعد الآن.

ومن المحتمل أن تتفاوض الخطوط الجوية البريطانية على مثل هذا التفويض من الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا، لكن بما أن المملكة لن تكون جزءًا من «السماء الأوروبية الموحدة»، لن تتمكن شركات الطيران التابعة لها من الطيران بين المطارات داخل الاتحاد، ما يضر بالشركات البريطانية.

وسيتأثر قطاع الخدمات بشدة، بحسب «تليجراف». على سبيل المثال، ستفقد الشركات المالية التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها حقها في بيع خدماتها في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، ما يسمى بحقوق جواز السفر، ما يخلق عدم يقين قانوني بشأن العقود. وهذا من شأنه أن يؤثر على تصفية وتسوية الصفقات المالية، خاصة المشتقات «العقود الآجلة والخيارات والمقايضات» التي تتركز في لندن بشكل كبير.

ويقدر بنك إنجلترا أن حوالي 29 تريليون جنيه إسترليني (38 تريليون دولار) من عقود المشتقات، بما في ذلك 90% من مقايضات سعر الفائدة المقومة باليورو، سوف تتأثر بخروج بريطانيا من الصفقة.

وفي مواجهة هذه الاضطرابات الاقتصادية، سينخفض الجنيه الإسترليني بشكل حاد، وفقا لشبكة «سي أن أن» الأمريكية، التي أوضحت أن الإسترليني سينخفض أمام اليورو وسيصل إلى أدنى مستوياته منذ 40 عامًا أمام الدولار الأمريكي، ما سيتسبب في التضخم ويقلل مستويات المعيشة.

ويمكن لبنك إنجلترا بعد ذلك أن يختار بين رفع أسعار الفائدة للدفاع عن قيمة الجنيه وتفادي ارتفاع التضخم وإبقاء أسعار الفائدة منخفضة في محاولة لدعم النشاط الاقتصادي. وقد يختار الحل الأخير، ويراهن على أن الطفرة التضخمية الناتجة عن ضعف العملة ستكون قصيرة الأجل، لكن القرار بشكل عام سيكون صعبا، بحسب «سي إن إن».

شركة الاستشارات المالية العالمية «ذا بالانس» ذكرت في تقرير لها أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى انهيار سوق العقارات، خاصة إذا أجبر بنك إنجلترا على رفع أسعار الفائدة بحدة. وإذا لم يتم تفادي ذلك وتوفير السيولة الكافية للبنوك، فإن أسعار المساكن ستنخفض دون شك، إذ أن عدم اليقين الاقتصادي يمنع المشترين المحليين والمشتريين الأجانب من شراء أصول المملكة المتحدة إلى أن يستقر الوضع.

وبشكل عام، فإن عدم وجود صفقة للخروج لن يشكل صدمة عميقة للاقتصاد البريطاني، لكن ليس هناك شك في أنها ستقع في الركود. والسؤال هو مدى عمق هذا الركود ومدى سرعة انتعاش الاقتصاد، خاصة أن هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأن العودة ستكون بطيئة.

وستتفق الحكومة البريطانية والاتحاد الأوروبي على إجراءات تسمح باستئناف التجارة في أشياء مثل المواد الكيميائية والمستحضرات الصيدلانية، لكن فرض الرسوم الجمركية سيكون مكلفًا للغاية. وتقدر شركة «هوندا» أن التعريفات الجمركية ستزيد من تكلفة السيارة أمريكية الصنع بنسبة 10%. وستواجه الصادرات البريطانية تعريفة الاتحاد الأوروبي، بحسب «فورين بوليسي».

أشار بعض المثقفين البريطانيين بحسب «فورين بوليسي» إلى أن الحكومة يمكن أن تخفض التعريفات على واردات الاتحاد الأوروبي إلى الصفر. لكن بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية، فإذا ألغت المملكة المتحدة التعريفات الجمركية على واردات الاتحاد الأوروبي، فسيتعين عليها إلغاء جميع الواردات؛ وفي الوقت نفسه، فإن صادراتها لا تزال تواجه التعريفات. وسيكون لذلك آثار بعيدة المدى على القدرة التنافسية التجارية للبلد؛ ولن تختار حكومة المملكة «التجارة الحرة أحادية الجانب».

علاوة على ذلك، لا يوجد سبب للاعتقاد بأن بريطانيا ستكون أكثر نجاحًا في توقيع اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول غير الأوروبية أكثر من الاتحاد الأوروبي. على أي حال، ستحتاج بريطانيا إلى توقيع اتفاقيات مع معظم دول العالم لتعويض تأثير تراجع الوصول إلى السوق الأوروبية. ولن تغطي صفقات التجارة الحرة الخدمات، التي تشكل حوالي 45% من الصادرات البريطانية، وستتأثر بشدة بفقدان إمكانية الوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبي.

صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، ترى أن أكبر ضربة لمعايير الحياة البريطانية يمكن أن تأتي من خلال تأثير عدم وجود صفقة استثمارية. وستصبح المملكة المتحدة مكانًا أقل جاذبية للاستثمار في السلع المتداولة، مثل السيارات والسلع المصنعة المعقدة الأخرى، التي تتطلب الكثير من المكونات المستوردة.

كذلك فإن تكاليف الأجور المنخفضة، نتيجة لضعف الجنيه، لن تعوض الزيادة في تكاليف التجارة، لأن تكاليف اليد العاملة الآن تمثل حصة منخفضة وحصة من إجمالي التكاليف في التصنيع المتطور. كما أن الاستهلاك الأضعف، الناتج عن ارتفاع التضخم، سيضر بالاستثمار.

وستكون النتيجة تباطؤ نمو الإنتاجية وبالتالي ضعف النمو في الأجور. كما أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى حالة من عدم اليقين، بشأن الوضع القانوني لمواطني الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 3 ملايين شخص في المملكة المتحدة. وسوف تؤدي نهاية الحركة الحرة للعمالة إلى انخفاض حاد في عدد الأشخاص القادمين للعمل في بريطانيا من دول الاتحاد الأوروبي، ما يبطئ النمو الاقتصادي.

التأثير على الاتحاد

لن يكون لأي صفقة عواقب فورية لكنها أقل خطورة على الاتحاد الأوروبي، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية. وفي المتوسط، تخصص الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حوالي 8% من تجارتها مع بريطانيا، مقارنة بنسبة 44% مع الاتحاد الأوروبي. ويمكنهم أيضا بسهولة نسبيا استبدال الموردين البريطانيين مع آخرين من الدول الأعضاء. ومع ذلك، فإن بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ستعاني أكثر من غيرها.

وعلى سبيل المثال، يرتبط الاقتصاد الأيرلندي ارتباطًا وثيقًا ببريطانيا، والكثير من تجارة أيرلندا مع الاتحاد تمر عبر بريطانيا. وعلاوة على ذلك، تؤدي عدم وجود صفقة إلى فرض حدود صعبة بين أيرلندا الشمالية وأيرلندا، ما يضع الشك في بقاء اتفاق الجمعة الحزين لعام 1998، الذي أنهى عقودًا من العنف بين القوميين الأيرلنديين والوحدويين الموالين للندن. وأحد مجالات الضعف المحتمل للاتحاد الأوروبي هو التمويل بحسب «فورين بوليسي»، إذ تعتبر لندن حتى الآن أهم مركز مالي في أوروبا.

ومن شأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن يؤدي إلى تفتيت سوق رأس المال الأوروبية، ما سيؤدي إلى قطع الشركات في الاتحاد الأوروبي عن مصادر رأس المال في لندن. ويمكن للاتحاد الأوروبي أن يمنح تكافؤًا تنظيميًا مؤقتًا للمبادلات التي مقرها لندن، والتي تعتبر حيوية للاستقرار المالي، ما يسمح لمصارف منطقة اليورو بإزالة وتسوية عقود المشتقات في لندن. لكن إذا اختار الاتحاد الأوروبي عدم القيام بذلك، فإن الاستقرار المالي سيكون في خطر.

ومع ذلك أشارت «سي إن إن» إلى أن الاتحاد الأوروبي سيخسر واحدة من أكبر الدول الأعضاء فيه، في ظروف تكفل تقريباً للعلاقات الثنائية الضعيفة في المستقبل المنظور. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا سيقوض التزام بريطانيا بالدفاع عن أوروبا، أو لهذا الالتزام الأمريكي للدفاع عن أوروبا، حيث أن خسارة المملكة المتحدة ستزيل الصوت الأكثر تأييدًا لأمريكا في الاتحاد الأوروبي.

كما أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون صفقة يعد بتعطيل توازن القوى داخل الاتحاد الأوروبي، ما يعزز الهيمنة الألمانية، وفقا لمجلة «نيوز ويك» الأمريكية. وأوضحت أنه في حين أن هذا سيحدث سواء غادرت بريطانيا بدون صفقة أو بتسوية متفاوض عليها، فإنه على الأقل في الحالة الأخيرة، سيكون من الممكن إبقاء بريطانيا متورطة في بعض جوانب عمليات الاتحاد الأوروبي، وليس أقلها تلك المتعلقة بالأمن والدفاع، وهو ما سيكون مستحيلاً، في ظل خروج بريطانيا بدون صفقة. وبشكل عام، لن يكون هناك أي فائز، باستثناء روسيا.