حذر الدكتور وجدى زيد، أستاذ الأدب الإنجليزى بكلية الآداب- جامعة القاهرة، ومستشار مصر الثقافى والتعليمى السابق فى تركيا وأمريكا، من حدوث حالة فوضى أثناء عقد امتحانات نهاية العام فى الجامعات خلال الشهر المقبل، موضحاً أن القيادات الحالية «مجروحة» وتعرف أنها ستغادر مناصبها فى يوليو المقبل، ما يجعلها تتورط فى صناعة الفوضى، أو تركها تحدث، مطالباً الأساتذة والطلاب بالمحافظة بالعمل على استقرار الأوضاع حتى نهاية العام الدراسى، معتبراً أن الانتخاب هو الأسلوب الأمثل لاختيار القيادات الجامعية، لافتاً إلى أن المشكلة تكمن فى طريقة اختيار اللجنة التى ستتولى عملية الانتخاب، وآلية التنفيذ.
وأضاف زيد فى حواره مع «المصرى اليوم» أن رئيس القسم هو أخطر قيادة جامعية لأنه مرتبط مباشرة بالعملية التعليمية، مؤكداً أن رئيس الجامعة ليس بالضرورة أن يكون أكاديميا، مشيراً إلى أنه يتم اختيار عمداء الكليات فى أمريكا حسب قدرتهم على تمويل العملية التعليمية، منتقداً طريقة عمل الوزير فى مصر لأنه يضع السياسة ويحدد الخطة وأسلوب التنفيذ ويتابع ويقيم نفسه، واصفاً هذا الأمر بأنه ديكتاتورية و«فرعنة»، مطالباً بأن يتولى رئيس الجمهورية رئاسة المجلس الأعلى للتعليم، وأن يضم بين أعضائه مثقفين ومهتمين ورجال أعمال وأصحاب تجارب ناجحة، وإلى نص الحوار:
■ ما أسباب مخاوفك من حدوث حالة فوضى أثناء الامتحانات؟
- أولا عندما يعرف رؤساء الجامعات، وعمداء الكليات، ورؤساء الأقسام فى كل جامعات مصر، أن شهر يوليو المقبل هو نهاية وجودهم فى مناصبهم، فإن ذلك يضعهم فى وضع إنسانى صعب، وأى إنسان فى مكانهم سوف يصاب بحالة ارتباك، ولن يكون فى منتهى الحماس أو التعاطف، وبالتالى من الممكن أن يتورطوا فى هذه الفوضى، أو يتركوها تحدث، وهنا أتوجه إلى أصحاب المصلحة الحقيقية فى سلامة وأمن المجتمع الجامعى والأكاديمى فى مصر، وهم الأساتذة وجميعهم شرفاء، والطلاب، برسالة أقول فيها إن ضياع عام جامعى ليس فى صالح الطالب ولا الأستاذ، الطالب لأنه ابننا، ولا يجب أن يسمح الطلاب الجادون المحترمون لأى فئة من الداخل أو من خارج الحرم الجامعى أن تستغل فى إحداث حالة من عدم الانضباط فى الامتحانات، لأن الامتحانات تحتاج إلى سياق آمن ومنضبط حتى تكتمل، وأقول للأساتذة الشرفاء أنتم الذين ستحمون المجتمع الجامعى، وتصلون به إلى بر الأمان حتى نهاية يوليو المقبل، وما بعده حتى يتم اختيار القيادات الجامعية الجديدة.
علما بأن الامتحانات تدار من قبل الأساتذة وعلى نحو محترف تماما فهناك لجان الامتحان والمطبعة والتصحيح والمراقبة وكل هذه يتم آلياً وبعيدا عن القيادات، والامتحانات لا تحتاج إلى تدخل القيادات الكبيرة، لأن الجامعة مجتمع واع وقائم بذاته ويستطيع أن يؤمِّن أولادنا وامتحاناتهم.
■ ترى.. هل الانتخاب أم التعيين هو الأسلوب الأفضل لاختيارها؟
- الجميع يتفق الآن على أن الانتخاب هو الطريق الوحيد والأسلوب الأمثل لاختيار القيادات الجامعية القادمة، وغير صحيح أن الدكتور عمرو عزت سلامة، وزير التعليم العالى، تحدث فى أى من تصريحاته عن أسلوب التعيين، لكنه يؤمن بالانتخاب وطالب به، لكننا جميعا نسأل عن آلية الانتخاب، فهناك شيئان يخاف منهما جميع الأساتذة، الأول يتعلق باللجان التى ستختار أو تدير عملية الانتخاب نفسها حيث يخشون أن تكون من اللجان التى تمرست على الانتخابات، أو من الأجيال التى تنتمى للعصر القديم واللى ادمنت عملية «هندسة المسائل»، والمؤسف أن هناك بعضاً من الأساتذة ذهبوا إلى الدكتور عمرو سلامة باقتر احاتهم وقالوا للناس إنهم مكلفون منه، وقد سألته عن هذا فقال بوضوح إنه لم يكلف أحداً، وأرى أن الفيصل فى اختيار القيادات الجامعية الجديدة هو لجان البحث عن هذه اللجان واختيارها، وهذه اللجان نفسها يجب أن يتم اختيارها بالانتخاب، ومن الجسد العام للأساتذة كلهم من أول درجة مدرس حتى أستاذ جامعى كامل، الخوف الثانى من آلية الانتخاب نفسها، فما هو أسلوب الانتخاب الذى يحدث، هل مثلا كما يحدث فى تجربة أمريكا أو فى التجربة الفرنسية وهى الأكثر حرية وديمقراطية من الوضع فى أمريكا أو حتى تركيا التى خدمت فيها. فى أمريكا مثلا اللجنة التى تدير الانتخابات تضع المواصفات الكاملة المطلوبة فى القيادة فإذا كنت رئيس قسم مثلا، بالتحديد رئيس قسم، لأن رئيس القسم فى الجامعة هو بالفعل أخطر قيادة داخل الجامعة، وليس العميد أو رئيس الجامعة هو الأخطر، لأنه مرتبط بشكل وثيق بالعملية التعليمية وكل الذى يأتى بعده يكون بناء على ما يأخذه مجلس القسم، هذه القيادة تضع لها اللجنة مواصفات معينة، هل له خبرة سابقة فى الإدارة، لابد أن يكون مثلا أستاذاً، كم عدد سنوات عمله بالتدريس، وليس شرطا أن يبقى أكثر الأساتذة إنتاجا، ولكن هو أستاذ معترف به ومحترم لكنه لديه خبرات إدارية، وليس شرطا أن يكون الأكبر فى السن والمقام العملى، وقد يكون رئيس القسم اقل فى هذه المهارات، لكنه إداريا أنجح، وأكثر أداء وأكثر فاعلية، كل هذا يأتى من خبراته، والمهم أن هذه اللجنة تشكل مجموعة من العوامل بناء عليها يتم الإعلان عن الحاجة إلى من يشغل المنصب، والإعلان يتم على مستوى البلد وليس على الجامعة فقط حتى تتحقق الشفافية الكاملة، ثم يتقدم من يرغب وتجرى اللجنة مقابلة معه، واللجنة يتم اختيارها أصلا بديمقراطية، وتتشكل من 7 أو 8 أعضاء، لكن يفضل أن يكون عدد أعضائها فردياً حتى لا يحدث تساو فى الأصوات، وأعود فأقول إن اللجنة تجرى مقابلات مع المرشحين داخل القسم بما فيهم الإدارة والطلاب، ونفس الحال مع العميد، لكن فى هذه الحالة تتعرض اللجنة إلى مجتمع الكلية كله، بدلاً من مجتمع القسم، ومن بين المرشحين لمنصب العميد يظهر من يصلح رئيساً للجامعة، أو نائب رئيس جامعة فيتم ترشيحهم، لكن مواصفات العمداء ورؤساء الأقسام، تختلف عن مواصفات رئيس الجامعة بشكل كبير جدا، فمن الممكن ألا يكون رئيس الجامعة أكاديمياً بشكل كبير، لكن يستطيع الحصول على تمويل كبير جدا من هيئات أجنبية، أو من رجال أعمال، وأنا رأيت فى أمريكا عمداء وصلوا إلى مناصبهم بسبب قدرتهم على التمويل، وهم ليسوا أفضل الناس أكاديميا، لكنهم يضعون أهداف محددة لنمو الجامعة والمؤسسة العلمية، ثم يضعون المواصفات المطلوبة فى هذه القيادة بناء على إمكانية تحقق هذه الأهداف.
■ وكيف يتم اختيار اللجنة نفسها التى سوف تنتخب القيادات؟
- يتم انتخابها من الجامعة، والفيصل أنها تبقى منتخبة ومشهود لها بالأمانة والصدق، ويتم استبعاد الأساتذة المعينين من النظام السابق، أو التابعين له، والفاسدين.
■ وماذا عن التجربة الفرنسية التى ترى أنها أكثر حرية وديمقراطية من نظيرتها الأمريكية؟
- التجربة الفرنسية أكثر حرية من ذلك، فداخل المجتمع الأكاديمى تظهر شخصية قيادية مؤمنة بالتغيير أيا كان نوعه، إما قمة اليسار، أو قمة اليمين، وقد يرى مثلاً أن هناك خللاً ما فى تركيبة التعليم أو البحث العلمى، فيندد به من خلال إعلانات ويستقطب مجموعة من الناس، 10 أو 12 من الشخصيات الجامعية وينطلق هو كفريق، وأمامه فرق أخرى، وتدخل الجامعة كلها فى انتخابات، هو حر تماما، الجامعة كلها والمؤسسة العلمية كلها، وتتم فيها الانتخابات لاختيار رئيس الجامعة، فيظهر الرئيس، والشخصيات المساعدة له فيشكلوا أنفسهم، مثلما تشكل الأحزاب حكومة ظل مثلاً، فهذا يصلح عميداً لكلية الهندسة، ويتم تنصيب وترتيب المعينين وفق خطتهم الداخلية، وهذا الأمر يشبه تشكيلات الأحزاب، وهى مسألة من الصعب جدا أن ننفذها الآن لأننا ما زلنا فى بداية ممارسة الديمقراطية.
■ وكيف ترى التجربة التركية؟
- التجربة التركية متأثرة تماما بمزيج بين الحرية الأوروبية والأمريكية، وسيطرة حزب العدالة والتنمية، والملاحظ أن معظم الوزراء بمن فيهم وزير التعليم يأتون من الحزب، وكذلك القيادات، وإن لم تكن من الحزب مباشرة، فعلى الأقل تكون توجهاتها مقاربة لتوجهات الحزب، وفى آخر زيارة لى إلى هناك علمت أن رئيسة إحدى الجامعات لها ميول إسلامية وسمحت بالحجاب، والشىء الأساسى الذى يجب أن نعترف به جميعا هو أنه ليست هناك حرية مطلقة فى أى اختيار، فهناك توترات لابد أن تصنع مع درجة تطور المجتمع، ولابد أن تحدث حتى لا تنفجر العملية التعليمية نفسها، فلابد أولا من وضع الضوابط فى اجتماع عام مرة أخرى، واستعراض كل التفاصيل والتجارب، وأؤكد أن آلية الاختيار تتشكل وتتحدد وفق درجة الديمقراطية الممكنة فى هذه الفترة، أو إبان فترة معينة من عمر الوطن نفسه.
■ هناك كثيرون يطالبون بإعادة تشكيل المجلس الأعلى للجامعات، كيف ترى هذه المطالبة؟
- المجلس الأعلى للتعليم وليس للجامعات، لأنه يتولى أمور التعليم كله بشقيه قبل الجامعى والجامعى، وحتى بعد الماجستير والدكتوراه، وأقول إنه لابد أن يتشكل هذا المجلس بأمانة شديدة جدا وأن يكون برئاسة رئيس الجمهورية، وأن يكون المجلس العقل العام للأمة، بمعنى ألا يزيد عدد الجامعيين من رؤساء الجامعات فى عضويته على 8 أفراد مثل تركيا، وباقى الأعضاء يكونو من المثقفين، والمهتمين بالتعليم، ورجال الأعمال، وشخصيات قيادية لها تجارب فى النهضة وتطوير المجتمعات، وأحذر مما يحدث فى مصر حالياً، وهو أن هناك شخصيات محددة تأتى فى كل المجالس، كما حدث مع مجلس أمناء الإذاعة والتليفزيون، فلا يجب ألا يحدث ذلك، أولا لأن هذه القيادات عندما يتكرر وجودها لن تقدم شيئا، ونحن نطالب الدولة بأن تلجأ مرة أخرى إلى الانتخاب بمعنى أن تختار المجتمعات الأكاديمية المجلس الأعلى للتعليم، ولا تصبح المسألة فوقية حتى تتحقق الديمقراطية فى كل صورها داخل المجتمع العلمى والأكاديمى، وسبب الارتباك الذى تعانى منه مصر كلها، وبالتالى التعليم، هو الفوضى التى نعانى منها، وتنفيذ شيئين متناقضين هما الهدم والبناء فى ذات الوقت، وهذا غير منطقى، ولهذا أطالب المجتمع الجامعى والأكاديمى فى مصر، والأساتذة الشرفاء، وأبناءنا الطلاب، بأن يعرفوا أن المجتمع أمانة فى أعناقنا جميعاً، وأن يحرصوا على أن يستتب الوضع حتى نهاية العام الجامعى، وخروج هذه القيادات الجامعية المجروحة، لأنها فى وضع سيئ جدا.
■ وما وظيفة المجلس الأعلى للتعليم كما تحب أن تسميه؟
- مسؤول عن وضع السياسات والمتابعة فقط، والمجلس فى مصر يرأسه الوزير، وهذا لا يحدث فى تركيا مثلا، ولابد أن يكون المجلس الأعلى للتعليم وليس للجامعات، والذى أطالب به هذا أعلى من الوزير لأنه يضع السياسة، والتقييم، ولذلك لابد أن يكون رئيسه رئيس الجمهورية الذى يعين الوزير، ومهمة الوزير أن ينفذ ما تم وضعه من سياسات وخطط.
■ ولماذا ترفض الوزير وتطالب بأن يكون رئيس الجمهورية هو رئيس المجلس؟
- المشكلة فى مصر أن الوزير يفعل كل شىء فهو الذى يضع الخطة وأسلوب تنفيذها ثم يتابع ثم يقيم نفسه، وهذا وضع يصنع ديكتاتورية وفرعوناً آخر داخل التعليم، وتحطيم هذه «الفرعنة» والديكتاتورية فى التعليم يحدث عن طريق وجود عقل عام مهمته وضع السياسات والتخطيط، وجهات للتنفيذ.