خطاب نتنياهو.. مواقف متذبذبة وحرائق يجيد إخمادها

كتب: جيهان فوزي السبت 28-05-2011 20:26

الاستقبال الحافل والتصفيق الحار الذى حظى به خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكى بعد كل عبارة ينطق بها، لدرجة أن تصفيق أعضاء الكونجرس لعبارات نتنياهو وصلت إلى 26 مرة، ووقفوا فى كل عبارة أشاد فيها بالولايات المتحدة والتعاون بين الدولتين والتزام إسرائيل بالسلام، ليس بجديد، فقد حظى نتنياهو على عدد أكبر من هذا التصفيق والوقوف فى الخطاب الذى ألقاه فى نفس المكان عام 1996، عندما تولى رئاسة الوزارة فى إسرائيل، بل إن هناك ما يبررها فى المجتمع الأمريكى المنحاز لإسرائيل، حتى وإن كان الخطاب بمثابة صفعة قوية وجهت للرئيس باراك أوباما وما جاء فى خطابه الأول حول الدولة الفلسطينية ذات حدود عام 1967 .


استطاع نتنياهو ذو المواقف المتذبذبة - الذى امتدح خطاب أوباما بعد يومين من الهجوم العنيف على خطابه الماضى - فى خطابه أمام الكونجرس اكتساب ود وتعاطف أعضائه بشدة حين أبدى استعداده الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مطالبا الرئيس الفلسطينى محمود عباس بنفس الجرأة ليعترف بالدولة اليهودية، بما سيغير وجه التاريخ، وينهى الصراع الدائر منذ عقود، ويقنع الإسرائيليين بأن لديهم شريكاً فى السلام، بل إن إسرائيل ستكون كريمة فى تحديد حجم الدولة الفلسطينية، غير أن ذلك لا يعنى العودة إلى حدود 1967 بأى حال!


أما قضية اللاجئين فقد كان نتنياهو أكثر كرما، حينما اعترف بحق الفلسطينيين أن يكون لهم حق العودة إلى الدولة الفلسطينية، وهذا يعنى أن مشكلة اللاجئين يمكن حلها خارج حدود إسرائيل، وهو الحق الذى يراد به باطل.


ولم ينس نتنياهو الإشارة إلى القدس باعتبارها عاصمة موحدة لإسرائيل، بل أكد أن المرة الوحيدة التى مارس فيها كل من اليهود والمسيحيين والمسلمين شعائرهم بحرية، كانت فى ظل سيطرة إسرائيل على القدس، بما يعنى أنه لا مجال لتقسيم القدس ولابد أن تستمر عاصمة أبدية لإسرائيل.


أراد نتنياهو بخطابيه (أمام لجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية إيباك، وأمام الكونجرس) أن يقرر فيهما أحد أمرين: إما مواجهة مع الولايات المتحدة تعيده إلى جذور اليمين المتطرف، أو السعى لتفاهم مع الرئيس أوباما يبقيه فى الوسط، ويمنح إسرائيل مخرجا من العزلة السياسية الخانقة، وقد تحقق له الأمر الثانى، بعد أن بذل باراك أوباما جهدا كبيرا ليؤكد فى خطابه أمام إيباك أن الولايات المتحدة لن تفرض حلا على إسرائيل، كما لم يأت أوباما على ذكر قضية اللاجئين أو المستوطنات التى لا يستسيغ جمهور إيباك سماعها، ولم يتحدث عن التكتلات الاستيطانية، فكان خطابه بمثابة خطاب المصالحة بعد العاصفة التى أحدثها خطابه الأول، واتسم بالود وتخفيف حدة التوتر، فقد توقف أوباما عند ثلاث نقاط بالغة الأهمية بالنسبة لإسرائيل وعلى رأسها تأكيده أن الحدود التى ستقر فى الاتفاق الدائم بين إسرائيل والفلسطينيين لن تكون حدود عام 1967، بل سيتم الاتفاق حولها فى المفاوضات، وتلميحه إلى وجوب اعتراف الدولة الفلسطينية بإسرائيل دولة يهودية، بالإضافة إلى التزام أمريكا بأمن إسرائيل، وتأكيده على أن حماس منظمة إرهابية.


كان لافتاً فى المؤتمر التضارب فى سياسات كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، فمن ناحية اختلف نواب فى الكونجرس من الحزبين مع الرئيس أوباما، زعيم الأغلبية الديمقراطية فى مجلس الشيوخ هارى ريد الذى قال إنه لا يمكن لأحد تثبيت حدود قبل أوانها، بمعنى أنه لا يمكن الطلب من إسرائيل الموافقة على قيود قد تقوّض أمنها، ومن ناحية أخرى جدد زعيم الأغلبية الجمهورية المنافسة لحزب أوباما فى مجلس النواب جون بونير وقوف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل.


أما الموقف الفلسطينى فيبدو أنه يسير فى اتجاه لا يمكن العودة فيه للمفاوضات دون تحديد مرجعية عملية السلام (إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967)، وهذا هو السبيل الوحيد أيضا لإلغاء فكرة الذهاب إلى مجلس الأمن فى سبتمبر المقبل، فوقف الاستيطان شهوراً، والاعتراف بحدود 1967 مرجعية للمفاوضات، يعنى استئناف المفاوضات وإلغاء خطوة مجلس الأمن، غير أن القرار الأخير الذى توصلت إليه السلطة الفلسطينية بعد انعقاد الاجتماع الطارئ للقيادة فى رام الله، كان التوجه إلى مجلس الأمن لمطالبته بتبنى أفكار الرئيس باراك أوباما فى شأن الحل السياسى كما حدده خطابه أخيرا.