مع انتصاف النهار فى حى الأسمرات بالمقطم، كان الجميع قد بدأوا يومهم، فشرعت النساء فى زيارة السوق لقضاء حاجات المنازل، ورغم أنه ليس بيوم دراسى، يباشر الرجال عدد من المهام بصحبة الأطفال، فى مقدمتها غسيل السيارات، وتثبيت أطباق الدش بعد يوم ممطر. فى أحد شوارع حى الأسمرات، المرحلة الأولى من مشروع تحيا مصر، كانت أم بسمة تجلس مع جاراتها إلى جوار العمارة التى تسكن بها تأخذ حمامًا شمسيًا وتتبادل دردشة صباحية مع صديقاتها، عندما سألناها عن «الأسمرات 3»، لتفيد بأن كل مجموعة عقارات هنا لها اسم جميل «النسيم -الحياة- الجوهرة- الياسمين- النخيل»، وتستوضح منا عما نبحث عنه بالتحديد، فنسألها عن الشباب الرسامين، فتخبرنا عن موقعهم بآخر شارع فى مجموعة العقارات غير المسكونة بعد، بجوار كنيسة الأسمرات، مذيّلة وصفتها بدعاء لهم قائلة «شباب حلوة».
قبل نحو أسبوع فقط، بدأت رحلة رهف يوميًا لوجهة غير كلية التربية النوعية التى تدرس بها فى الصف الثالث بقسم التربية الفنية، لتقضى أسبوعًا دراسيًا استثنائيًا فى الأسمرات «من الاتنين اللى فات بروح من الهرم للأسمرات الصبح بدرى، وبنروّح بالليل خالص»، للقيام بمهمة فنية مرعيّة من قبل كليتها وبإشراف أساتذتها «جايين نجمل حى الأسمرات ونزيّنه لاستقبال السكان الجداد»، ورغم أن اليوم فى الأسمرات أطول من مثيله فى الكلية، فبحسب رهف يمتد نهارهم من الصباح الباكر وعلى مدار 12 ساعة أو أكثر، إلا أن تفاعل الأهالى معهم هو ما يعطى لمهمتهم بعدًا ممتعًا.
«ست بسيطة جت امبارح واحنا بنرسم، وطلبت منى إننا بعد ما نخلص نروح نرسم على سور مدرسة ابنها» تستطرد رهف، وتؤكد أنها تود لو تستطيع أن توفّى أمنية السيدة قبل رحيلها عن الأسمرات.
بدوره، يقول عبدالرحمن جمال، المعيد المشرف من الكلية على العملية أن طلاب وطالبات الكلية لهم عودة فى الفصل الدراسى القادم لتكرار التجربة فى الأسمرات ومزيد من مشروعات تطوير العشوائيات «المشروع ده يعتبر مشروع مادة التصوير لطلبة سنة تالتة، اخترنا المرة دى 35 طالبة فقط، وباقى الطلبة كان نفسهم يشاركوا»، فيما يوضح أن تصميمات المشروع اختيرت بعناية كبيرة من إدارة الكلية لترتقى بوعى الأهالى والسكان وتربط بينهم وبين رموز الفن الشعبى.
ببالطو أبيض يحجب الألوان عن النفاذ إلى ملابسها، تباشر سماح إبراهيم، طالبة عمرها عشرين عامًا، تنفيذ أحد التصميمات التى تتنوّع ما بين بورتريهات الفن الشعبى والنوبى لباعة العرقسوس والفلاحين والنوبيين فى الشارع الرئيسى بالمرحلة الثالثة من إسكان تحيا مصر بحى الأسمرات، فيما تؤكد أن تواجُدها اليوم بالأسمرات يحمل رسالة شخصية منها إلى السكان «البهجة والأمل»، من ناحية أخرى تؤكد أن اختيار الفن الشعبى بالذات لاقتباس التصاميم منه جاء لتفادى وجود حاجز بين الأهالى وبين إدراك الفن المرسوم «اخترناه شعبيا عشان يفهموه من غير شرح»، فيما تنتوى فى المستقبل التطوع بالمزيد من وقتها لصالح المزيد من تقدير الجمال لدى أهالى العشوائيات «أكيد لو عندى وقت هحاول أزود الوعى بالفن وإن المكان لازم يتحافظ عليه».