المفكر الاقتصادى والاجتماعى د.جلال أمين: الذين قاموا بالثورة لم يحددوا ماذا يريدون

كتب: رانيا بدوي السبت 28-05-2011 15:59

قال المفكر الاقتصادى والاجتماعى الدكتور جلال أمين، إن الذين قاموا بثورة 25 يناير لم يحددوا ماذا يريدون، معتبراً أن ما كانوا ينادون به فى البداية وهو «الخبز والحرية والكرامة الإنسانية» شعارات تصلح للميدان، معتبراً أن الثورة لا توجد بها أشياء صلبة مثل التى فعلتها ثورة يوليو 1952، ومنها قانون الإصلاح الزراعى، مشيراً إلى أن الذين شاركوا فى الثورة الأخيرة غير مسيسين لأن النخبة الثقافية «تعفنت» والمعارضة أصيبت بأنيميا بسبب طول عهد مبارك، والدولة كانت تعامل بعض المثقفين مثل الفئران، مرة تعطيهم قطعة جبن وأخرى صدمة كهربائية فأصيبوا بحالة عدم اتزان، مؤكداً أن الوضع الاقتصادى خطير الآن، مؤيداً الاقتراض من المؤسسات الدولية بشرط الابتعاد عن الفائدة المرتفعة والشروط السياسية، رافضاً توجيه الموارد إلى المشروعات الضخمة مثل «ممر التنمية».وأضاف أمين فى الجزء الثانى من حواره مع «المصرى اليوم»، أن التليفزيون يعتبر إحدى وسائل الخروج من المأزق الحالى ويمكن أن يصبح أداة تنويرية خلال 6 أشهر، مطالباً بمكافحة الفتنة الطائفية عن طريق الدراما مثل مسلسل «خالتى صفية والدير».. وإلى نص الجزء الثانى من الحوار:

تحدثت فى الجزء الأول من الحوار عن أن كل الثورات يعقبها ارتباك سياسى لكن لماذا طالت فترة هذا الارتباك فى مصر؟

- نحن فى ورطة لأن من قاموا بالثورة ليسوا هم من يحكمون، أى فصل الملكية عن الإدارة، كما أن من قاموا بالثورة لم يحددوا ماذا يريدون بالضبط، إضافة إلى الوضع الغريب الذى نعيشه، فنحن لا نعرف بالضبط هل الرئيس السابق مسجون أم لا، مريض أم ليس مريضاً، يحقق معه أم لا، وكما يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل هذه الثورة الأولى التى نراها فى التاريخ يعامل فيها الرئيس السابق بهذه الطريقة.

قلت إن من قاموا بالثورة لا يعرفون ماذا يريدون لكن ائتلاف الثورة صاغ مبادئ محددة للثورة؟

- رغم ما قيل عن ثورة 1952 بأن أفكارها ومبادئها غير واضحة لكن كانت هناك أمور صمم عليها صناع الثورة من البداية وقبل القيام بالثورة، فمثلاً قانون الإصلاح الزراعى الذى غير التاريخ فى مصر وأحدث انقلاباً كبيراً فى الحياة الاجتماعية، تم قبل مرور شهرين على الثورة، كذلك إلغاء الألقاب، البكوية والباشوية وغيرها من القرارات، فى حين نجد أن ثوار يناير كانوا ينادون بالخبز والحرية والكرامة الإنسانية وهى تصلح كشعارات فى الميدان، وكنا نريد أن نرى شيئاً أكثر صلابة يحدث بعد الثورة مباشرة.

ربما لأن شباب يناير غير مسيس كما كان الثوار فى الخمسينيات.

- هذا صحيح إلى حد كبير فمن بين جرائم النظام السابق أنه جعل حالة المعارضة يرثى لها، الشباب معذور جداً، فلم يكن له مرشد يوجهه أو بوصلة يستعين بها، فحتى فى السبعينيات وبداية الثمانينيات كان هناك دائماً أناس تعلم الشباب أمثال فتحى رضوان، وأحمد بهاء الدين، وحلمى مراد وغيرهم الذين كانوا يمثلون بوصلة للشباب بما يكتبونه ويطرحونه من أفكار، ولكن بعد أن طال العهد بمبارك فإن النخبة الثقافية «عفنت» والمعارضة «أصيبت بأنيميا» فصحف المعارضة قبيل 25 يناير كانت تقوم على الشتيمة وتتنافس فيما بينها على من يشتم أكثر وبخفة دم أكثر، وجزء من المثقفين والصحفيين المعارضين قبل الثورة ضاعوا وتاهوا بسبب ما فعله بهم النظام، وجزء ظل على موقفه لسنوات طويلة وعندما فقد الأمل فى التغيير باع كل شىء، وهناك نوع آخر، النظام السابق لخبطه وعامله معاملة الفأر، باختصار الدولة عاملت المثقفين مثل هذا الفأر أعطتهم إشارات متضادة فحدث لهم عدم اتزان.

فى ظل أجواء مشحونة بالطائفية والاعتصامات والارتباك السياسى وغيبة المثقفين عن المشهد كيف يمكن الخروج من المأزق؟

- هناك وسائل كثيرة منها التليفزيون الذى له تأثيره الضخم، ويجب أن نضع على رأس التليفزيون أشخاصاً أقوياء وعقلاء، فأنا من الممكن أن أحول التليفزيون فى 6 أشهر إلى أداة تنويرية، وفى عام واحد يخيل إلى أنه من الممكن القضاء على الأمية بعمل برامج جذابة يتم الإنفاق عليها وإعدادها بشكل جيد وستؤتى نتائج أفضل من فصول المدارس، أيضاً من الممكن مكافحة الفتنة الطائفية بشكل فعال ببرامج ومسلسلات مشوقة، فمثلاً رائعة بهاء طاهر «خالتى صفية والدير» تعالج قضية الأقباط والمسلمين بطريقة فعالة ومقنعة ورقيقة جداً إذا ما أعطيناها لمخرج متميز وأحسن ممثلين محبوبين ستؤتى بنتائج أفضل من حديث المثقفين والدعاة، وأنا لو رئيس التليفزيون فسوف أصدر هذا القرار غداً، فالناس مرتبطة بالدراما ويمكن استغلال هذا الارتباط فى التنوير.

وماذا عن التعليم؟

- يحتاج إلى وقت أطول للإصلاح، فلدينا طائفة واسعة من المدرسين لديهم الصفات التى انتقدناها من قبل لأن لديهم ضغينة ضد المجتمع- وبدلاً من الخروج إلى الشارع والهتاف يخرجون هذه الضغينة على طلابهم فى المدارس، لذا يجب زيادة رواتب المدرسين وتحسين أحوالهم، وعند ذلك سنقضى على الشحن الطائفى.

وماذا عن المناهج؟

- تغيير المناهج من أسهل الأمور، فبدلاً من ترك وكيل الوزارة يوكل إلى ابن عمه وضع القصة المقررة مثلما كان يحدث من قبل، نأتى بمتخصصين على درجة عالية من الكفاءة والوعى لوضع المناهج، ونصدر قراراً بإعادة طبع الكتب التى كانت مقررة فى الثلاثينيات والأربعينيات، لأن المقررات فى ذلك العهد كانت جيدة جداً.

هل تتفق مع من يطالب باختيار المحافظين عن طريق الانتخاب؟

- لا.. فليس هذا هو الوقت المناسب على الإطلاق، وهذا يتفق مع ما قلته عن الذهاب بالديمقراطية إلى أبعد من اللازم، كما أن البلد لا يحتمل انتخابات للمحافظين فى الوقت الراهن.

وما رأيك فى مطلب إلغاء مجلس الشورى؟

- قرار سليم وصحيح إن اتخذ.

وإلغاء المجالس المحلية؟

- أنا ضد إلغائها لأنها تكبح جماح المحافظ.

هناك مطالب مستمرة بوضع دستور جديد قبل اتخاذ أى خطوة سياسية مثل إجراء الانتخابات.. ما رأيك؟

- لا يوجد مانع لدى.

ما رأيك فى مناداة البعض بإلغاء المادة الثانية من الدستور؟

- إلغاؤها خطأ كبير، وهى خطوة لا داعى لها، لأنه فعلاً يجب الإبقاء على الإسلام مصدراً أساسياً للتشريع، وإلغاء المادة الثانية من الدستور يهدد بحدوث فتنة طائفية رهيبة.

هناك من يطالب بإعادة صياغتها وإضافة ما يؤكد حقوق الأقليات؟

- أنا أرى تجنب فتح هذا الباب نهائياً نظراً للظروف التى تمر بها البلاد، وهنا أود أن أذكر قصة ذكرها الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين، حيث جلس مع أحد زعماء الإخوان وكانوا يتناقشون فى مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية، فقال له بهاء الدين: نحن لسنا ضد تطبيق الشريعة، ولكن قل لى من سيطبق الشريعة، ومن سيفسرها، وهنا أقصد أن تفسير الشريعة قد يكون معتدلاً مثل تفسيرات الشيخ محمد عبده، وممكن أيضاً أن يتم إخراج الشريعة فى التفسير من سياقها.

لأيهما تميل نظام برلمانى أم رئاسى؟

- هذه النقطة فى وجهة نظرى غير جوهرية، وأشعر بأن هناك تضخيماً لهذا الأمر أكثر من اللازم، وإن كنت أفضل كمبدأ عام النظام البرلمانى، ولكن فى الظروف الحالية أفضل النظام الرئاسى ولو لفترة، لأننى أريد رئيساً قوياً ولكن بالطبع بصلاحيات أقل من صلاحيات الرئيس السابق.

ما رأيك فى الأسماء التى أعلنت عن رغبتها فى الترشح فى الانتخابات الرئاسية؟

- بعض الأسماء جيدة ولو جاء منهم الرئيس أظن أنه سيكون رئيساً جيداً، رغم أن كل واحد منهم عليه انتقادات ولكن بالطبع هناك أسماء أخرى لو جاء منهم الرئيس سيكون إحباطاً كبيراً للثورة وخسارة ضخمة.

لمن ستعطى صوتك فى الانتخابات الرئاسية القادمة؟

- سأعطى صوتى للدكتور محمد البرادعى ما لم يترشح شخص أفضل منه.

هل كنت تأمل تطبيق قانون الطوارئ فى هذه الظروف المنفلتة أمنياً؟

- لماذا، أليست الطوارئ مطبقة بالفعل؟! عموماً إجابتى ستكون: لا يجب أن نلغيه الآن.

ننتقل إلى ملف الاقتصاد.. ما رأيك فى الوضع الاقتصادى المصرى بعد الثورة، خاصة بعد الإعلان عن الخسائر الضخمة فى الاقتصاد وارتفاع معدلات التضخم؟

- أعتقد أنه من الممكن جداً وصف حالة الاقتصاد المصرى الآن بأنها حالة خطيرة، ومن الممكن أيضاً أن يكون المرء أكثر تفاؤلاً، ولكل من الموقفين مبررات قوية، أساس الموقف الأول أن التدهور الذى حدث فى كثير من المصادر الأساسية للدخل والإنتاج سريع جداً وغير مألوف، وكلها حدث فى وقت واحد، فعادة لا يكون تدهور الصادرات الصناعية فى نفس وقت تدهور السياحة، وهذا لا يكون فى نفس وقت انخفاض تحويلات المصريين فى الخارج، وتخوف المستثمرين بالإضافة إلى عودة المصريين من ليبيا، كلها أشياء سيئة حدثت فى الوقت نفسه، وكلها يمثل عناصر مهمة فى الاقتصاد. ومن ناحية ثانية، ما يخفف من التشاؤم أن كل هذه الأشياء سببها الأساسى واحد، وهو التدهور الأمنى، فهو المسؤول عن كل ما حدث للسياحة والصادرات وتحويلات العاملين بالخارج وتدهور الإنتاج، وإذا نجحنا فى استعادة الأمن فى الشارع فمن الممكن أن ينصلح الوضع، وهذا يجعل الانزعاج أقل، وقد قلت منذ فترة قصيرة إن الأزمة الخانقة التى تمر بها مصر يمكن أن تحل فى 6 أشهر ومازلت أميل إلى ذلك.

ما هذه الخطوات؟

- مثل تطبيق السياسة «الكينزية» فى الاقتصاد نسبة إلى الاقتصادى الإنجليزى الكبير «كينز» الذى تعتمد نظريته على حل أزمات مشابهة لأزمتنا حيث البطالة العالية جداً، وتقول هذه السياسة إنه فى مثل هذه الظروف التى نمر بها على الحكومة أن تنفق ببذخ على مشروعات البنية الأساسية، لأن هذا سينعكس على زيادة القوة الشرائية للناس، وبالتالى سيزداد الطلب، وزيادة الإنفاق تنشط عجلة الاقتصاد، كما أن على الحكومة أن تدرس جدياً حماية بعض الصناعات التى تتعرض لمنافسة شديدة من الواردات، مثل صناعتى المنسوجات والأثاث وبعض الصناعات الغذائية، وهذا الأمر مشروع فى مثل هذه الظروف التى نمر بها، وهناك نصوص فى اتفاقية التجارة الدولية تسمح فى ظروف معينة بأن نحد من وارداتنا.

هل من الممكن أن ننفق من الاحتياطى النقدى لتجاوز الأزمة.. أم أن هناك خطورة من هذه الخطوة؟

- مهمة الاحتياطى النقدى فى الأساس هى مواجهة مثل هذه الظروف، وهناك حد للأمان يجب عدم النزول عنه، ونحن مازلنا بعيدين عن هذا الحد، فلا داعى للقلق، من الممكن أيضاً أن نزيد من الاتفاقيات الثنائية مع الدول القريبة من مستوانا الاقتصادى، ونقلل من اعتمادنا على الدول الكبرى التى تصدر لنا سلعاً أعلى ثمناً، وهى دول أقل احتياجاً لوارداتنا.

هل تشجع الاستدانة من الخارج واللجوء إلى البنك الدولى للاقتراض فى هذه اللحظات العصيبة؟

- أنا لا أرفض الحصول على بعض القروض فى اللحظة الراهنة، المسألة فعلاً تحتاج إلى ذلك لكى يستطيع الاقتصاد استعادة توازنه، لكن يجب أن نحذر بشدة من تكرار تجربة السبعينيات، وهى الاقتراض بأسعار فائدة عالية جداً، وشروط سياسية صعبة، وهذا يتطلب أن نمارس الحذر فى اختيار من نلجأ إليه فى طلب الاقتراض أو المعونة، فطبعاً الدول العربية أفضل فى ذلك، وبعض الدول الأوروبية أفضل من غيرها.

وماذا عن المؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولى؟

- لا بأس من اللجوء إليها، ولكن بشرط أن نراقب شروطها جيداً.

هل تؤيد فكرة الحصول على عائدات قناة السويس بالجنيه المصرى لدعم قيمته؟

- أرفض هذه الفكرة لأنها لا تحقق أى ميزة، الأمر نفسه ينطبق على فكرة مساهمة المصريين فى شراء أسهم فى البورصة لدعمها، فإذا كانت المساهمة بشراء أسهم شركات موجودة بالفعل لمجرد رفع سعرها، فإن ما نحتاجه هو المساهمة فى إنشاء مشروعات جديدة، فمثلاً فى الثلاثينيات، دعا الزعيم المصرى أحمد حسين إلى مشروع «القرش» لإنشاء مصانع للطرابيش، وكان أيامها منتجاً مهماً، وكان هناك أناس تدفع قرشاً وآخرون يدفعون عشرة.. وهكذا، لكن المقصود هو المساهمة الشعبية، لذا من الممكن أن نستغل الروح الحماسية للشباب بعد ثورة يناير ورغبتهم فى رفع شأن بلدهم بأفكار على غرار مشروع «القرش» وجمع مساهمات مالية تستثمر فى عمل مشروعات منتجة تستوعب جزءا من البطالة.

يطالب البعض بالبدء فى ضخ أموال فى المشروعات القومية الكبرى كممر التنمية وإعمار سيناء، واستكمال توشكى لتحقيق نقلة نوعية لمصر.. فما رأيك؟

- أنا ضد أن نوجه مواردنا الاقتصادية إلى مشروعات ضخمة تحتاج إلى إنفاق ضخم دون أن تساهم مساهمة كبيرة فى خلق فرص عمالة، كما أنه ليس من السهل نقل الشباب من الوادى إلى الصحراء للعمل، لما تحتاجه عملية النقل من نفقات عالية لتمهيد الطرق وإقامة مساكن وخدمات وغيرها، فهذه مشروعات يمكن إقامتها فى المدى الطويل أما الآن فنحن نريد التخطيط للخروج من الأزمة الاقتصادية فى سنة أو أقل.

ننتقل إلى توازنات القوى العالمية وعلاقتها بمصر بعد الثورة.. ما تفسيرك لترحيب الغرب والولايات المتحدة بثورة يناير رغم أن مبارك من قبل كان يعد الحليف الاستراتيجى لأمريكا فى المنطقة والكنز الاستراتيجى لإسرائيل؟

- حتى الآن لم يظهر بوضوح ما هو الموقف الحقيقى من جانب الولايات المتحدة أو أوروبا لما حدث فى مصر، صحيح أن الإدارة الأمريكية عبرت عن تأييدها وترحيبها بما حدث، بما فى ذلك تنحى الرئيس السابق وعودة الديمقراطية، لكن نحن لا نعرف بالضبط ما الذى يخفونه، فالسياسة الدولية كثيراً ما تظهر غير ما تبطن، وقد يظهر التأييد فى العلن ولكن يكون المراد شيئاً مختلفا جدا عن أمانى الشعب المصرى، فأحد الأسئلة المهمة ما موقف الولايات المتحدة من أثر الثورات العربية على مستقبل إسرائيل؟ وأنا لا أستطيع أن أقتنع بأن الولايات المتحدة الأمريكية وهى تحدد موقفها من التطورات العربية لم تأخذ هذه الآثار فى حسابها، الإجابة عن هذه الأسئلة ستصبح أوضح مع مرور الأيام.

كتبت الصحف الإسرائيلية عن ترشح عمرو موسى للرئاسة بأن وصوله للرئاسة فى مصر خط أحمر.. فهل تؤمن بالقول بأن الرئيس القادم لمصر يجب ألا يكون مرضيا عنه من أمريكا وإسرائيل؟

- يجب علينا أن نأخذ كل التصريحات التى تصدر من الدول الكبرى أو إسرائيل وكأنها تعبر عن مشاعرهم ورغباتهم الحقيقية فقد يتظاهرون بمعارضة شخص وهم يؤيدونه والعكس أيضاً صحيح.

ولكن هل سيقبلون برئيس يعمل ضد مصالحهم؟

- تتوقف الإجابة على ما الذى سيحدث ليس فى مصر وحدها بل فى المنطقة العربية ككل، بل أضيف إلى ذلك أن الأمر سيتوقف على علاقات القوى الكبرى بعضها ببعض، فمن الممكن أن يقول المرء إن توازن العلاقات الدولية يمر الآن بمرحلة دقيقة وأن الولايات المتحدة الأمريكية ليست بنفس الدرجة من حرية التصرف كالتى كانت عليها منذ 20 عاماً، فتركيا، فضلاً عن إيران، تبدو كأنها تفعل أشياء لا ترضى عنها الولايات المتحدة ولا إسرائيل، ومع ذلك لم يحدث شىء للنظام التركى، والسؤال: هل يا ترى لو حدثت فى عدد من البلاد العربية المهمة تطورات أدت إلى استعادة هذه البلاد درجة عالية من الإرادة- هل تستطيع هذه البلاد أن تضع الولايات المتحدة وإسرائيل فى موقف يشبه ما أدت إليه التجربة التركية؟ هذا سؤال لست قادراً على الإجابة عنه، أنا فقط قادر على إثارته والتفكير فيه ومتابعة التطورات يوما بعد يوم حتى يتوصل المرء إلى إجابة مقنعة.

هل يمكن أن تتنازل إسرائيل ومن خلفها أمريكا عن حلم «الشرق الأوسط الكبير» أم أنهما تنتظران ما ستسفر عنه الثورات العربية ثم تبدآن التحرك من جديد؟

- نحن كثيراً ما نتصور أن إسرائيل وأمريكا لديهما قدرة غير محدودة على تنفيذ ما تريدان، والحقيقة فى رأيى غير ذلك، فمثلا أنا أعتقد أن قيام الولايات المتحدة الأمريكية باحتلال العراق لم يمكنها من تحقيق كل الأهداف التى كانت تريد تحقيقها، والسبب فى رأيى يتعلق بالعلاقات الدولية أكثر بكثير مما يتعلق بالمقاومة العراقية الداخلية، وبالتالى أشير أيضاً إلى أن مشروع إسرائيل للشرق الأوسط الكبير الذى أيدته الولايات المتحدة الأمريكية يعود إلى ما لا يقل عن 20 عاماً فماذا حدث له، ولماذا وضع على الرف كل هذه المدة، بعد أن كان يبدو فى أوائل التسعينيات بعد سقوط الاتحاد السوفيتى مباشرة أن أمريكا وإسرائيل آخذتان فى محاولة تنفيذه فى أقرب فرصة، فما الذى حدث بالضبط؟! أيا كان السبب فالمؤكد أن هناك عقبات ظهرت فى طريق تحقيقه، ويمكن الآن أن أقول إن نفس الشىء فى الإجابة عن هذا السؤال. نحن لا نعرف بالضبط مدى قوة الرفض الذى يقابل به هذا المشروع من جانب قوى دولية مهمة سواء فى أوروبا، خصوصا روسيا أو بعض الدول الآسيوية مثل الصين وربما اليابان ناهيك عن الدول الأصغر مثل إيران وتركيا.