طه

أيمن الجندي السبت 24-11-2018 21:11

هل تراه بوجهه الجميل وشعره الأسود وأسنانه اللؤلؤية؟ هل تراه بجبهته النبيلة والنور الذى يتلألأ فى ملامحه القسيمة؟

إنه رسول الله.

ها نحن ذا فى المرحلة المكية. عمره يناهز الخمسين عامًا. يرمق الكعبة العتيقة بحزن ورجاء. عشرة أعوام مضت وهو يدعو إلى توحيد الله وترك عبادة أصنام بلهاء مصنوعة من الحجارة. دعوة يقبلها العقل دون عناء. لكنهم برغم ذلك مصرون على تكذيبه والكيد له والسخرية منه. فهل تراه؟

ملامحه التى تقلصت فجأة وكأنها راحت تحت عبء هائل. وقطرات العرق التى راحت تتحدر كاللؤلؤ على جبينه النبيل، كعادته كلما غشيه وحى السماء. دقائق مرت دون أن يلاحظه أحد، ثم فجأة صفت ملامحه وكأنما ارتفع من فوق منكبيه جبل هائل! وهو يردد ما بينه وبين نفسه هذه الآيات الجديدة الجميلة التى منّت بها السماء.

■ ■ ■

«طَهَ. مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى».

طه! أهو اسم جديد للرسول، أم حرفان مقطعان، كالتى بدأت بها بعض السور المكية، فى تشظ جديد للغة العربية وانفجار لأساليبها يتحدى به بلغاء العرب ويسبى بروعتها القلوب.

طه! اجتماع الطاء والهاء. (الطاء) المُفخمة التى تملأ الفم لحظة النطق بها. و(الهاء) المرققة التى تشبه التنهيدة. التفخيم والرقة يجتمعان فيمن؟ إن لم يكن المبعوث من قبل السماء.

مفخمٌ لأن الله قد اصطفاه من بين الخلق! وجعل اسمه مقرونًا بشهادة التوحيد.

وفى الوقت نفسه يذوب رقة وحزنًا على عناد قومه الذين يأبون إلا أن يهلكوا أنفسهم، وهو يحاول أن يحجزهم عن النار.

■ ■ ■

«طَهَ. مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى».

أهكذا حنان الخالق على نبيه المحبوب؟ لطالما عاتبه فى سورة بعد سورة، لأنه يوشك أن يهلك نفسه من فرط الحزن على قومه المعاندين. لطالما طمأنه الله أن مهمته هى البلاغ فقط، وليس استجابة الناس له، لأنه مجرد رسول.

لطالما حاول القرآن أن يفهمه أن الهداية من الله وليس منه «إِنَّكَ لا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ».

ومع ذلك، وبرغم استيعاب النبى ذلك كله، فإن قلبه الرؤوف الرحيم يتمزق كمدا على مصيرهم المفزع. لقد رفع الله الحجاب عنه، فشاهد الجنة والنار. شاهد أهل الجنة يتنعمون، وأهل النار يصرخون. وأمنيتهم أن يقضى الله عليهم فيرتاحوا، أو حتى يخفف عنهم يوما من العذاب!

آه أيها الحمقى! إن ثمن دخول الجنة بسيط جدا! (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ). ليس مطلوبا منكم يا أعداء أنفسكم سوى أن تعبدوا خالقكم وتعملوا لله شكرا (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ).

لا يريد الله منك أكثر من أن تجاهد نفسك. وإذا أخطأت، ولا بد أن تخطئ، فإن ربك غفور رحيم.

■ ■ ■

انتهت مساحة المقال للأسف وما زال القرآن يلهم بالكلام الجميل.

elguindy62@hotmail.com