الأدب النسائى أو الكتابة النسائية هو مصطلح ظهر فى العالم العربى، نهاية القرن التاسع عشر، وقد قابل هذا التصنيف رفضًا نسائيًا؛ لما يحمله من تمييزٍ لتلك الكتابة، وما يُسقطه من نظرة دونية للمرأة فى العالم العربى، لكنه مع الوقت لاقى شرعية من البعض، بعد إدراك ما تحمله الكتابة النسائية من خصوصية على مستوى القضايا أو اللغة، وكذلك زيادة عدد الكاتبات فى الوسط الأدبى، لكن الجدل ظل قائمًا بين دونية هذا التصنيف، أو خصوصيّته، وأيضًا الأطر المجتمعيّة التى قد تحاصر تلك الكتابة، ولذا ذهبنا بالصنْعةِ إلى الصانع، وسألنا روائيّات من أجيال مختلفة عن الكتابة النسائيّة وتعاطى المجتمع معها وتعاطيهن أنفسهن مع تلك الأُطر المجتمعية، وكذلك ازدياد عدد الكاتبات فى الوسط الثقافى.
تثمّن الروائية صفاء عبدالمنعم، ظاهرة انتشار الأسماء النسائية فى المشهد الثقافى، وتعتقد أنها «شىء ضرورى يدل على أن الأدب أصبح متاحًا للجميع، ولم يعد هناك خوف من تأويل الإبداع خاصة عند المرأة»، ولا ترى صاحبة المجموعة القصصية «بنات فى بنات» اختلافًا جوهريًا بين الذات الإنسانية والذات المُبدعة فكلتاهما شىء واحد، لكنها توضّح أنه ليس كل ما يكتب عن الذات يعتبر تجربة شخصية حدثت للكاتب، فهناك الخيال وتجارب الآخرين. الناقدة الأدبية د. هويدا صالح لا تتصور أن ثمّة جرأة حقيقية تمتلكها الكاتبات الشابات، فثمة «رقيب داخلى» على وعى الكاتبة يجعلها تكتب عالمها الخاص كـ«من يسير حافيًا على زجاج مكسور»، حيث ترى أنهن «لا يعبرن بجرأة أو صراحة عن عوالمهن خوفًا من الرقيب الداخلى الذى يربّيه المجتمع داخلهن، كما أنهن يخشين الاتهام الجاهز بأن التجارب الفنية، يكمن وراءها تجربة شخصية، فلا يفرق القارئ العربى بين حياة الكاتبة الشخصية وحياة شخصياتها المتخيلة».
«هويدا» التى كانت رسالتها للدكتوراه عن الهامش الاجتماعى فى الرواية- متضمنة هامش المرأة فى مقابل الرجل- تضيف أن «الميديا الحديثة والتسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعى جعلا الجميع يرغب فى أن يكون كاتبًا، بالإضافة إلى تحويل بعض المدونات التى كتبتها بعض الشابات إلى أعمال درامية مثل (عايزة أتجوز) و(يوميات زوجة مفروسة)، كذلك الجوائز الكبرى التى أطلقت فى مجالات الرواية والقصة».
كثرة الكاتبات تتبع كثرة الكتّاب عمومًا، كما ترى الروائية والقاصّة منى الشيمى تشير إلى أن سببه «فيسبوك»، وهو «ساعد على إيهام كل من لديه مشكلة، وكتبها على صفحته فهلّل له الجميع، بأنه قد يكون كاتبًا ويحظى بشهرة يوسف إدريس!»، مؤكدة أن «المجاملات لا تصنع كاتبًا راسخًا أبدًا، فكثيرون يحظون بمئات اللايكات وعندما تقرأ كتاباتهم تجدها تفاهات بلا رؤية».
وتضيف صاحبة رواية «بحجم حبة عنب» أن هناك كاتباِت كثيرات فى الأقاليم، ربما بُعدهن عن القاهرة أو عن الانخراط فى الوسط الأدبى ساهم فى بقائهما غير معروفات، ضاربة المثل بـ«تيسير النجار فى أسوان، وهى كاتبة شابة لم تتعد الثلاثين، وكذلك ابتهال الشايب، والتى حصلت مجموعتها القصصية (نصف حالة) على جائزة الدولة التشجيعية قبل ثلاثة أعوام.
الروائية عزة رشاد توضّح منطقيّة انتشار الكتابة النسائية بعد حقب طويلة من القمع وتكميم الأفواه، فمن الطبيعى أن تكون الثورة تمردًا على السائد وانحيازًا للمهمّش والممنوع، لكنها مع ذلك توضّح أن الرجال ما زالوا يستحوذون على المشهد.
«كتاباتى تنطلق من الذات إلى العالم ثم تعود للذاتى»، هكذا تقول صاحبة «ذاكرة التيه»، موضحة أن هذا يحدث دون تدخّل منها، فهى كما تقول لا تحب أن «تلوى ذراع كتابتها».
تقول الكاتبة الصحفية والروائية بهيجة حسين إن الحديث عن الجرأة فى الأدب النسائى مقصود به كسر التابوهات المقدسة (الدين- السياسة- الجنس) وهى تابوهات تم تكسيرها فى الأدب منذ نحو قرنين إلا قليلًا، وتشير صاحبة رواية «حكايات عادية لملء الوقت» إلى «أننا نتابع أن كتابًا شبابًا يكتبون بما يسمى- تخفيفًا لما وصفوا به- بالجرأة، وبعضهم دفع الثمن بالسجن، إذًا لا أوافق على خص الكاتبات بالجرأة كاتهام بالخروج عن النواميس والضوابط وما يسمى بثوابت المجتمع، فالفن عمومًا حالة لا بد أن يتجاوز الثوابت الراكدة، فالفن الحقيقى ثورة، سواء كتبه نساء أو رجال».
لا تؤمن الكاتبة رباب كسّاب بتصنيف الأدب إلى نسوى وغير نسوى، مؤكدة أن هذا التصنيف يرجع إلى تصنيف المجتمع نفسه للمرأة على أنها «درجة ثانية»، وتقول إنها تتناول فى كتاباتها قضايا المجتمع ككل، والمرأة جزء مهم منه، لذا تنال المرأة حظها من هذا التناول بالطبع. وتشير صاحبة رواية «بيضاء عاجيّة وسوداء أبنوسيّة» إلى أن الجرأة فى أعمالها تأتى حسب الشخصيات الموجودة، مثل تناولها شخصية مرأة شاذة جنسيًا فى إحدى رواياتها، لكنها توضّح بُعدها تمامًا عن الفجاجة.
التصنيف الجنسى للأدب يستثير كذلك أسئلة الكاتبة غادة عبدالعال حول ماهيّته، إذ إنه فى معناه الحقيقى يُطلق على القضية التى يعالجها العمل الأدبى، وليس جنس الكاتب، لكننا نقصره لدينا على أن تكون الكاتبة أنثى وتكتب عن قضايا جنسها، وهذا غير صحيح.
وتفضّل «غادة» الكتابة حول القضايا الحقوقية والفئات المُضطهدة فى المجتمع ومن بينها المرأة بالطبع، لكن صاحبة مدوّنة «عايزة أتجوّز» وأول كتاب لها بنفس العنوان، تؤكّد أنه إذا لم يكن الكاتب جريئًا فلماذا يكتب.
الروائية ريم بسيونى، والأستاذة بالجامعة الأمريكية فى القاهرة، والتى تتناول فى روايتها «الدكتورة هناء» قضايا المرأة من الناحية النفسية، والتطور الذى تمر به فى مراحل مختلفة وكيف يتعامل المجتمع مع هذا التطور- توضّح أنها لم تستشعر أى حرج فى معالجة قضايا المرأة داخل أعمالها، لكنها على الجانب الآخر تؤكد أنها تحاول التعبير عما تريد بطريقة مناسبة، ضاربة المثل بروايتها «الحب على الطريقة العربية» التى تناولت فيها علاقة العرب ببعضهم، من خلال علاقة حب بين رجل وامرأة وعرض كل جوانب العلاقة، بما يفيد الرواية والفكرة، مشيرة إلى أنها تبتعد عن الكتابة الصارخة، حيث ترى أن الكاتب الجيد لا يحتاج إلى ذلك لإيصال فكرته.
وتقول الروائية والكاتبة الصحفية، سهى زكى، إنها تفضل الكتابة عن القضايا الاجتماعية بشكلٍ عام، ولا تهتم كثيرًا بتصنيف القضايا ذكورية أو نسائية، موضحة: «فى روايتى الأخيرة (سنين ومرت) تناولت حكايات إنسانية أبطالها نساء ورجال نالهم تشوهٌ نفسىٌ شديدٌ نتيجة التشدد الدينى والتعصب الجنسى (للنوع) طبعًا». وتؤكّد صاحبة رواية «جروح الأصابع الطويلة» أن «الكاتبات يعانين من تهميش وما زالت تعانى الكاتبة من نظرة دونية حتى من قبل المثقفين أنفسهم. لا ترى الكاتبة الشابة إسراء إمام سقفًا للحرية أثناء الكتابة، فهى تقول إنها تكتب دائمًا الأفكار التى تشغل بالها، ومن هنا نرى التنوع الذى شملته موضوعات مجموعتها القصصية الأولى «فراغ وفنجان دافئ» عام 2015، لكن مجموعتها الثانية «الفراش دومًا لثلاثة» كانت أكثر جدلية، حيث تتساءل حول الكون والحياة والعلاقات.