طهران تتأهب لأقوى عقوبات أمريكية تشل قطاعها النفطي اليوم

كتب: عنتر فرحات, وكالات الأحد 04-11-2018 22:21

تستعد الولايات المتحدة، اليوم، لفرض الدفعة الثانية من العقوبات التى كانت رفعتها إثر التوصل إلى الاتفاق النووى الإيرانى عام 2015، وتهدف العقوبات الجديدة إلى شل قطاعات النفط الإيرانى والغاز والبتروكيماويات والتجارة والتعاملات المالية، ويعنى القرار الأمريكى منع كل الدول أو الكيانات أو الشركات الأجنبية من دخول الأسواق الأمريكية إن قرّرت المضى قدماً فى شراء النفط الإيرانى أو مواصلة التعامل مع المصارف الإيرانية.. إلا أن واشنطن أعلنت أن 8 دول، أهمها اليابان والهند وتركيا والصين والعراق وإيطاليا، ستستفيد من استثناءات مؤقتة تتعلق بشراء النفط من إيران، وستمنحها واشنطن مهلة أسابيع لتوفيق أوضاعها بالتخلى بشكل نهائى عن شراء النفط الإيرانى، وقال وزير الخارجية الأمريكية، مايك بومبيو، إن 2 من تلك الدول ستتوقف عن الاستيراد، والدول الـ6 الأخرى ستقلله إلى حد كبير.

وتعيد الولايات المتحدة فرض العقوبات فى وقت تشهد فيه دول منتجة سلسلة من الاضطرابات التى تؤثّر بشكل سلبى على إمداداتها، بينما يسعى الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، لمنع ارتفاع الأسعار، ويتوقّع المحللون أن تنخفض صادرات إيران النفطية التى تقدر بنحو 2.5 مليون برميل يوميا، بمقدار مليون إلى مليونى برميل يوميا، عندما تدخل العقوبات حيز التنفيذ، مما قد يزيد الضغوط على سوق النفط المتوترة، إذ أجبرت الاضطرابات فى ليبيا وفنزويلا ونيجيريا والمكسيك وأنجولا ودول أخرى منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» والدول المنتجة خارجها فى يونيو الماضى على التراجع عن اتفاق لخفض الإنتاج، وقالت وكالة الطاقة الدولية فى سبتمبر الماضى إن سوق النفط تدخل «مرحلة حرجة والأمور تتعقد».

وتتّجه الأنظار إلى السعودية كونها المنتج الوحيد الذى يملك طاقة إنتاج احتياطية مهمة تقدر بنحو مليونى برميل، قد تلجأ إليها المملكة لتعويض النقص الناتج عن العقوبات، وتتعرض المملكة لضغوط دولية منذ أكثر من شهر بعد مقتل الصحفى السعودى جمال خاشقجى، ورغم هذه الضغوط، أكّدت الرياض أنها لا تخطط لاستخدام النفط كسلاح فى الرد على الحملة الدولية ضدها، وأعلن وزير الطاقة السعودى خالد الفالح أن بلاده، التى رفعت معدلات إنتاجها اليومية بـ700 ألف برميل لتبلغ 10.7 مليون برميل فى أكتوبر الماضى، مستعدة لزيادة إضافية ليصل معدل إنتاجها إلى 12 مليون برميل يوميا، وأكد أن المملكة قد تلجأ إلى احتياطاتها الاستراتيجية الضخمة والبالغة نحو 300 مليار برميل لتلبية الطلب العالمى، وبإمكان الإمارات والكويت أن تزيدا إنتاجهما أيضا بنحو 300 ألف برميل إذا لزم الأمر، كما يمكن للعراق أن يزيد إنتاجه إلى 4.2 ملايين برميل يوميا.

إيران هى ثالث أكبر منتج للنفط الخام فى «أوبك» بـ 3.45 ملايين برميل يوميا، ويتراوح متوسط صادراتها ما بين 2 - 2.2 مليون برميل يوميا، وتعتمد على مبيعات الخام كمصدر رئيس للنقد الأجنبى.

وطالت حزمة العقوبات الأمريكية الأولى طهران بالمنع من شراء النقد الأجنبى من الخارج، وفرضت قيودا على تجارة المركبات والطائرات وواردات سلع غذائية وتقييد صادرات السجاد، لكن العقوبة الأقسى على طهران تتمثل فى استهداف عصب الاقتصاد الممثل فى الصناعة النفطية وصادراته، وتعاملات شركات الخام الأجنبية مع نظيراتها الإيرانية، مع انهيار الريال الإيرانى ووصوله إلى 190 ألف ريال مقابل الدولار فى السوق السوداء، بسبب الأزمات الاقتصادية والعقوبات ومعدلات تضخم تخطت الـ30%

ويتوقع محللون ازدهار السوق السوداء للنفط الإيرانى، ويراهن المسؤولون الإيرانيون على عدم استقرار السوق وارتفاع أسعار الخام للتغلب على العقوبات الأمريكية. وبدأت طهران للمرة الأولى بيع نفطها لشركات خاصة من خلال بورصة الطاقة، وتقوم شركات بين مجموعة الزبائن التقليديين لطهران، بينها الصين والهند، بالتخلى عن الشراء من إيران.. ويعد النفط العراقى إحدى قنوات التهريب للنفط الإيرانى، سواء عبر حقول إنتاج مشتركة أو أنابيب نقل الخام القائمة إلى العراق، ولدى طهران قنوات تهريب للخام عبر شركات خاصة، أو تقديم تسهيلات كبيرة للمشترين بعيدا عن القنوات الرسمية، عبر منحهم امتياز سداد لفترة تصل 90 يوما، وفى الوقت الحالى، معظم مدفوعات تجارة النفط حول العالم تتم إما بالدفع نقدا عند التسليم، أو فترة أقصاها 30 يوما فى أفضل الأحوال.

وقال «بومبيو»: «إن واشنطن ستضع عقوبات صارمة على النظام الإيرانى، وهدفنا هو إجبار إيران على التخلى عن أنشطتها المدمرة، وستستهدف العقوبات النظام وليس الشعب الذى عانى من سوء إدارة حكومته وسرقتها ووحشيتها».

واستباقا للعقوبات، قال الزعيم الأعلى على خامنئى إن سياسات ترامب تواجه معارضة فى أنحاء العالم، وإن واشنطن فشلت فى إعادة فرض هيمنتها على إيران منذ الثورة الإسلامية، وأكد أن ترامب «يجلب العار» لأمريكا.

وعلى صعيد متصل تظاهر عشرات آلاف الإيرانيين، أمس، إحياءً لذكرى احتلال السفارة الأمريكية فى طهران، أثناء الثورة الإسلامية عام 1979، وللتنديد بالموجة الثانية من العقوبات الأمريكية التى تعتزم واشنطن فرضها، اليوم، لشل قطاع النفط الإيرانى، وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن الملايين خرجوا للمشاركة فى مسيرات وتجمعات فى معظم المدن والبلدات فى أنحاء البلاد، مجددين الولاء للمؤسسة الدينية، وعلى رأسها المرشد الأعلى آية الله على خامنئى.

وإضافة إلى هتافات المتظاهرين التقليدية ضد الولايات المتحدة وإحراقهم أعلاماً أمريكية، رفع المحتجون لافتات ساخرة من الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، وراحوا يدوسون ويحرقون دولارات مزيفة، وردد المشاركون فى التجمع الحاشد الذى نظمته الحكومة بالعاصمة طهران، وبثّ التليفزيون الرسمى على الهواء هتافات معادية للولايات المتحدة، منها «الموت لأمريكا». وأحرق الآلاف من الطلاب مجسماً للعم سام وصوراً لترامب خارج المجمع الذى كان يضم السفارة الأمريكية.