ندوة «المصري اليوم» تكشف أسرار عالم التحكيم الدولي وأسباب تكرار الخسائر

كتب: مصباح قطب الأربعاء 24-10-2018 22:38

أثار الرأى العام صدور حكم تحكيمى- يقبل الإستئناف- من المركز الدولى لتسوية المنازعات، التابع للبنك الدولى «إكسيد»، بإلزام مصر بسداد 2 مليار دولار إلى تحالف «إسبانى- إيطالى» ليضاف إلى سلسلة أحكام أخرى شبيهة جعلت المواطن يتساءل: «أين الخلل ولماذا حدث ذلك.. وما هي الأطراف المسؤولة عن إبرام العقود والدفاع عن الدولة في المنازعات الخارجية.. وكيف نتجنب الوصول إلى قاعات التحكيم الدولى في إكسيد أو التجارى في مراكز التحكيم الموجودة بالعواصم الدولية الكبرى؟».

للإجابة عن تلك التساؤلات استضافت «المصرى اليوم» أربعة من أهم الخبراء الوطنيين في مجالات القانون والتقاضى والتحكيم الدولى بنوعيه التجارى والاستثمارى، وهم الدكتور على الغتيت، المحامى، أستاذ القانون والاقتصاد الدولى، رئيس المجلس الأستشارى الإستراتيجى بمجلس الوزراء سابقاً، والدكتور منير زهران، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة بجنيف لسنوات، وممثل مصر في مجموعة الـ15، في مفاوضات تحرير التجارة العالمية ونزع السلاح، والدكتور ياسين تاج الدين، المحكم الدولى المعروف، والقيادى الوفدى، والقاضى السابق والخبير القانونى، المستشار هشام رجب.

وتوصل الحاضرون إلى أن على بلادنا إصلاح كامل منظومة العقود الدولية من أول التفاوض على العقد حتى صياغته وتوقيعه وتنفيذه ومتابعته وحل المشاكل الناجمة، كى لا نضطر إلى التحكيم الدولى، ووجوب إعادة النظر في كل ما يتعلق بالتحكيم والتسويات وضمانات الاستثمار واتفاقيات ضمان وحماية الاستثمار.. وإلى نص الندوة:

■ كيف استقبلتم نبأ الحكم الصادر عن «أكسيد»، المركز الدولى لتسوية منازعات الاستثمار، التابع للبنك الدولى، والخاص بالنزاع بين الحكومة ممثلة في الشركة القابضة للغاز وتحالف «إسبانى- إيطالى» وإلزام مصر بسداد 2 مليار دولار للأخير؟

- على الغتيت: استقبلته على وجهين الأول بنوع من الصدمة! والثانى أن هذا ليس جديدا.

■ وزارة البترول أصدرت مؤخراً بياناً قالت فيه إنها تحاول معالجة الأمر بهدوء، وطلبت منا أن نطمئن على المصلحة المصرية.. مارأيك؟

- على الغتيت: قرأته، وما قالته كانطباع هو عن نبأ صدور الحكم وتعاملنا المحلى معه.

■ ما منبع الصدمة والاستنكار هذه؟

- على الغتيت: منبعه التكرار المخيف لمثل تلك المآزق. الجمهور العام ذاته شعر بانزعاج شديد، فهنا حكم بـ2 مليار دولار، ومن قبله حكم بنحو 3 مليارات دولار لشركة إسرائيلية والناس تقول: «وهوا من كتر المليارات؟» وهل نستدين من صندوق النقد لنسدد مثل تلك التعويضات والغرامات؟ ومع ذلك فخطابى موجه للقائمين على إعداد العقود ليتحلوا بالمسؤولية وليتأهلوا بما يلزم، لأن الغالبية غير مؤهلين، ويجب أن يتمتعوا بفضيلة الاستشارة قبل كتابة أي كلمة أو فقرة. العقد هو حصيلة مجموعة أثمان- حقوق والتزامات- وكل كلمة أو بند يقابله ثمن أو التزام عليك أو التزام على الطرف الآخر نحوك، وفى النهاية يجب أن تحسب كم يكلفك هذا العقد وكم يدر عليك، هكذا يجب أن تصاغ ديناميكية العقود، ويجب كذلك أن يتسلح بهذا الإدراك منفذ العقود.

■ أليس من الوارد تغيير الرأى بعد مطالعة نص حكم التحكيم؟

- ياسين تاج الدين: النزاع هنا أصله تجارى بين شركتين والمفترض أن يخضع للتحكيم التجارى الدولى العادى طبقا للقانون التجارى الدولى، ولكن يبدو مما أعلن أن الطرف الذي نسب إليه أنه أخل بالعقد، وهو في هذه الحالة الطرف المصرى (القابضة للغاز)، قال إنه لم يخل بالعقد، لكن ظروف الثورة وظروف الدولة جعلته لا يستطيع أن يوفر كمية الغاز المتفق على توريدها للطرف الآخر وبناء عليه رجع الطرف الأجنبى إلى اتفاقية ضمان وحماية الاستثمار بين مصر وكل من إيطاليا وإسبانيا، وأول شىء في الاتفاقيات من هذا النوع الموافقة على اللجوء إلى مركز التحكيم (أكسيد)، واتفاقيات حماية الاستثمار تحتوى عادة على نص حماية المستثمر وعدم التمييز بين المستثمر الأجنبى والمحلى، وبناء على هذا لم يذهبوا إلى التحكيم التجارى الدولى، لكن ذهبوا إلى التحكيم الدولى أمام «أكسيد»، فتاريخ قضايانا معه سيئ، وقد رأى البعض أن موقفنا ينطبق عليه المثل الفرنسى: لا تبع جلد الذئب قبل أن تصطاده، فقد توسعنا قبل2010 في عقود توريد غاز دون حرص.

■ هل ينصح بتشكيل لجنة تدرس موقفنا القانونى قبل أن نوافق على أي تحكيم.. فإن رأت أن مركزنا غير قوى نسوى الأمر ودياً؟

- ياسين تاج الدين: هيئة قضايا الدولة بها القسم الخارجى وهو يقوم بالدفاع عن الدولة في مثل تلك المنازعات بخبرائه أو بمن يرى الاستعانة بهم، وعادة يأتون بمحكمين أجانب ومحامين دوليين أمريكان غالباً.

■ هل أخطأ حكم التحكيم في تقدير الظروف القاهرة-الثورة- التي أدت إلى عدم الالتزام ببنود العقد ومن قبل عمليات تدمير خط أنابيب سيناء التي جعلتنا لا ننفذ عقد إسرائيل وأيضا لم يؤخذ بهذا الدفع؟

- ياسين تاج الدين: عند التحكيم لدى «أكسيد» فإن الأخير يتوجه إلى الدولة بخطاب إلى رئيس الوزراء يطلب منه حل المشكلة وإلا سيتم تفعيل التحكيم الدولى وينتظر 3 شهور، ويبدو أنه لا أحد رد عليه، ومن ثم بدأت إجراءات التحكيم، وما يضر بمركزنا القانونى أنه أصبحت لدينا سمعة غير جيدة في مجال الالتزام بالعقود.

- على الغتيت: والخطير أن الأحكام التي تصدر ضدنا سواء بحق أو بغير سند يتم اتخاذها سابقة وذريعة في تقرير مصير ما يتم تناوله عند نظر أي قضية أخرى تمسنا كمدعين أو مدعى علينا.

■ هل لديكم تقدير لعدد الأحكام التي صدرت ضدنا؟

- الحاضرون: الإحصاءات عند هيئة قضايا الدولة لكن موقع «أكسيد» يوضح أنه تم رفع 26 دعوى ضدنا وفق اتفاقيات ضمان وحماية المستثمر بالإضافة إلى ٦ آخرين.. ربحنا القليل منها وخسرنا الكثير، وهناك ما تم التصالح فيه أو تسويته أو عدم إكمال التحكيم...إلخ، والملاحظ أن المستثمر الجاد الذي يريد الاستمرار في العمل بمصر يميل إلى أن يسوى النزاع، إما وافد الاستثمار الساخن الذي لم ينفق إلا أقل القليل ومش ناوى يكمل فهو يرى حكم التحكيم لصالحه الثمرة المؤكدة لدخوله مصر ويتمسك بتلابيب التحكيم وتنفيذ أحكامه حرفيا.

- منير زهران: هناك تقصير مؤكد من جانبنا وقلة خبرة وتعامل فنى ومهنى غير لائق مع المشكلة. العالم يسبقنا ونحن محلك سر. نتأخر بسبب غياب التدريب الجاد. لا يجب أن نخجل من الدعوة إلى تدريب كل الأطراف المسؤولة عن إبرام وتنفيذ العقود بما فيها أولئك الذين يشغلون مواقع قضائية وبشكل مستمر. أنا كنت مفتش دولى عام في الأمم المتحدة وكنت أخضع للتدريب المستمر وأنا مدير عام التفتيش الدولى على كل برامج الأمم المتحدة وصناديقها ووكالاتها المتخصصة فنيا وماليا وإداريا. لم يكن يستثنى من التدريب إلا المناصب العليا فقط كالسكرتير العام للأمم المتحدة أو السكرتير المساعد وهكذا. وهو تدريب إجبارى بواقع أسبوعين في السنة- عشرة أيام عمل- وعلى أيدى أفضل خبراء في العالم وبلا أي تهاون.

- على الغتيت: نتحدث عن التدريب والتأهيل والتعليم الدائم والمتابع.. فهل نعلم أن هناك نقابة مهنية محترمة أنشأت «دكانا» لإصدار كارنيهات التحكيم الدولى، مقابل نحو ألفى جنيه في دورات ليومين أو ثلاثة؟. كليات الحقوق أيضا تقوم بشىء شبيه وتعطى كارنيه (مستشار تحكيم دولى) بـثلاثة آلاف جنيه.

■ ألا توجد شروط قيد كمحكم دولى وجدول في وزارة العدل للمحكمين؟

- الحضور: يوجد جدول رسمى يصدر به قرار وزير العدل ويتجددـ هذا هو السوق الرسمية، لكن هناك أخرى موازية أو تحت بير السلم كما يقولون، صحيح أن صاحب بطاقة مستشار تحكيم لا يستطيع بادعائه هذه الصفة فقط أن يكون محكما دوليا وإن استخدمها محليا بأى صورة، لكن الخطورة البالغة لهذا المسلك أنه يخلق ثقافة تهون من شأن التحكيم وتضلل أصحاب الحقوق وتظهر التحكيم كمهنة من لا مهنة له وفى حديث حول الكارنيهات هذه مع أحد رؤساء الجامعات رد بأن الناس بيمشوا حالهم وأصبحت العملية تجارة.

- على الغتيت: لم نطلع بعد على حكم الغاز الأخير بعد ولا الرؤى المخالفة له بالفعل ولا على المذكرات المتبادلة، لكن ما بلغنى أن المحكم المختلف في الرأى لم يكتف بإعلان عدم موافقته على الحكم فيها، بل أصدر رأياً معارضا ومسبباً، وهذه حالة مهمة أي أنه لم يصوت فقط ضد صدور الحكم عما انتهى إليه ولكن أصدر حكما مخالفا ولصالح مصر ما يدل على أن هناك خلافا رصينا حول القضية، وقد يتضح منه أن لدينا فرصة حقيقية لتصحيح الوضع، وقد حدث أن أصدرت في التحكيم الدولى في فرنسا الذي نظر قضية هضبة الأهرام عام 1982 أصدرت حكما عكسيا كمحكم عن الطرف المصرى أمام غرفة التجارة بباريس وأقرته محكمتا الاستئناف والنقض الفرنسيتان وقضت كل منها ببطلان حكم الأغلبية الدولى ضد مصر بطلانا مطلقا لأول مرة منذ إنشاء غرفة التجارة الدولية للتحكيم التجارى الدولى.

- ياسين تاج الدين: لكن شركة «إس بى بى» المدعية في قضية هضبة الأهرام التي خسرت التحكيم لم تستأنف حكم النقض الفرنسى، ولكن ذهبت بعد ذلك إلى أكسيد وكسبت، وتم اجراء تسوية معها، ثم أضاف ومعه الدكتور على الغتيت: في التحكيم التجارى يؤخذ بقواعد القوة القاهرة، لكن في التحكيم الاستثمارى لايؤخذ بها ربما على الإطلاق.. الثورة أو الاضطرابات وإن اعتبرت قوة قاهرة فإن الضمان المطلق فيما أبرمناه من اتفاقيات ضمان وحماية الاستثمار، يرتب مسؤولية كاملة وممتدة على الدولة في حماية الاستثمار مهما كانت الظروف أو هكذا يراها من يريد أن يراها على هذا النحو.

- على الغتيت: مما تقدم تظهر أهمية قراءة دروس وعبر التجارب المختلفة، لكن كيف نقرأ ونحن هنا نعتبر الأحكام التحكيمية قدس أقداس لا يجوز الاقتراب منها. مهم جدا أن يتم نشر الحكم والمذكرات فقواعد الأكسيد نفسها تنص على ذلك والعالم كله ينشر أحكام التحكيم سواء بين شركة وشركة (تجارى) أو بين شركة ودولة (استثمارى ). نشر الأحكام ومدخلاتها ومخرجاتها مسألة جوهرية وأخلاقية. ولن نتقدم إلا بالنشر وأن تدرس الكفاءات المتخصصة وتفحص وتحلل كل قضية سواء كانت لنا أو علينا.

■ ما مسؤولية قانون الاستثمار عن الوضع القانونى لمصر في التحكيمات؟

- على الغتيت: عقد شركة هضبة الأهرام كان تجاريا أي لم تكن الدولة طرفا فيه، لكن محامى شاب سويدي/ فرنسى اسمه يان بولسون، اصطنع ذريعة في وقتها لجعل الدولة طرفا خاضعا ابتداء ودائما إلى أكسيد، استنادا إلى المادة 7 من قانون الاستثمار الذي وضعته حكومة الدكتور عبدالعزيز حجازى والتى تقول إن الدولة مسؤولة عما يقع من ضرر على المستثمر الأجنبى، وبالتالى يحق له أن يجر الدولة إلى أكسيد. وأسأل أولا.. «هل نحن نحمى الأجنبى فقط وماذا عن الوطنى؟». وقد نجحنا عام 1982 مع المستشار أحمد رضوان إبان عمله رئيسا للفتوى والتشريع برئاسة مجلس الوزراء في إلغاء المادة السابعة من قانون الاستثمار ولكن القوانين التالية بما فيها القانون الحالى للاستثمار أعادها مرة أخرى ولكن بصياغة مختلفة تحت اسم المبادئ التي تحكم موقف الدولة من الاستثمار.

- هشام رجب: أعادها أين بالضبط؟ (يفتح قانون الاستثمار ويقرا منه).

- على الغتيت: التحكيم يرتبط بأربعة أمور، أولها قانون الاستثمار، وأخشى القول بأنه فيه تلبك كبير، وثانيها اتفاقيات حماية الاستثمار، وشرط التحكيم في كل عقد، وهيئة قضايا الدولة وإدارتها للعملية التحكيمية، وأخيرا صياغة العقود. التلبك المقصود يبين ما في الفصل الأول من باب ضمانات وحوافز الاستثمار وفيه كلام حماسى إنشائى مطلق عن المعاملة العادلة والمنصفة للمستثمر وبما يعنى بالمخالفة أن أي إخلال من الدولة بهذا الحق المطلق المزعوم يرتب حقوقا للمستثمر ليست له. ووجود مثل هذه الكلمات الفارغة والتى يحسبها مَن وضعها منضبطة قد يعطى المستثمر الحق الصارم في اللجوء إلى التحكيم الدولى العام لدى أكسيد حتى لو سبق وصدر ضده في مصر حكم نهائى بات، وحتى لو لم يكن بين دولته ومصر اتفاقية ضمانات وحماية استثمار بحجة غياب العدالة والإنصاف. هناك مبادئ في الدستور تقدم الضمان العام للاستثمار والملكية الخاصة يكفى أن نلتزم بها، أما القوانين فيجب أن تكون كل كلمة فيها محسوبة بطريقة علمية منضبطة وبما يحقق قصد السياسة الدستورية والتشريع بالضبط.

إن مثل هذا النص لا مثيل له في العالم إلا في دول الجنوب.

■ قيل إن الصياغة الشاملة والرفيعة على المستوى العالمى لقانون تأميم قناة السويس على يدِ الدكتور محمد على الغتيت والفريق المصرى المتمكن الذي عاونه من كل التخصصات كانت سببا في نشأة التحكيم الدولى بالمفهوم الأكسيدى.. كيف؟

- على الغتيت: لم يجد الغرب ثغرة واحدة من ناحية القانون الدولى العام والقواعد الآمرة في قانون تأميم قناة السويس.. ولهذا بدأ يفكر في آلية تهدر التحصين السيادى للدول المعنية وحتى لا يتكرر استرداد دول الجنوب لحقوقها وكان في ذهنه أيضا أي الغرب تجربة تأميم البترول في إيران من قبل، وتم تصميم المنظومة الحديثة- وفى القلب منها أكسيد- ككمين يتم من خلاله شفط أموال العالم الثالث وللحق أقول إن التحكيم بين دول الشمال «ماشى زى الفل» إنما التحكيمات التي تكون دولة من العالم النامى طرفا فيها «إيدك والأرض».

- ياسين تاج الدين: بعد أن فشل مؤتمر لندن ضد تأميم القناة فكر الغرب في أن يجد أي ذريعة كحقوق مالية أو اقتصادية أهدرت أي حقوق عاملين ليتخذها حجة ويذهب لمحكمة العدل الدولية لكن لم يجد أي مساس بذلك ومن هنا قرر العدوان العسكرى على مصر بلا أي حجة سوى حجة حرب بين مصر وإسرائيل، ومن خبرتى فإن محكمى محكمة العدل الدولية يطبقون العدالة بضمير لكن ما أكثر الذين بلا ضمير في التحكيم الدولى التجارى أو الاستثمارى.

■ هل ننسحب من أكسيد كما فعلت بعض الدول النامية؟

- هشام رجب: الانسحاب من المنظومة العالمية الاقتصادية والتجارية والاستثمارية الراهنة عمل صعب للغاية وشديد التعقيد وقد تكون له عواقب يصعب السيطرة عليها غير أنه ليس معنى هذا القعود مغلولى الأيدى فهناك أدوات كثيرة للدفاع عن مصالحنا.

■ قلتم إن تحكيم شمال/ شمال ممتاز والثانى متدهور هل من أمثلة؟

- الغتيت: هناك منازعات اقتصادية تعاقدية اصطنعتها الولايات المتحدة ضد إيران بعد ثورتها عام 1979 وتم تشكيل محاكم خاصة في أمريكا للنظر في تلك المنازعات، وقال قاض أمريكى من قضاة المحكمة العليا إن إيران لها الحق في عدة نقاط هي كيت وكيت، ولكن يجب ألا يعوقنا ذلك عن الحكم ضدها، وأسس الأمريكيون صندوقا للتعويضات تتكون موارده مما قامت الحكومة الأمريكية بالتحفظ عليه أو تجميده من أموال وأصول إيرانية في أمريكا وكان الحكم يصدر وبعدها بساعات وبلا مبالغة يتم التنفيذ، ويقوم أمين الصندوق بالصرف.

وفى واقعة أخرى حدث نزاع بين تجار أرجنتينيين وبنوك خاصة إيطالية وكان من المفترض أن يتم حله تجاريا لكن لجأ الطليان إلى «أكسيد» تحت مظلة اتفاقيات ضمان الاستثمار، واختار الأرجنتينيون الدكتور جورج أبوصعب- مصرى محكماً- وهو على أعلى درجة من العلم والأمانة والخلق، وقد كتب حكما مخالفا في 210 صفحات رفض فيه قبول منطق بل اصطناع اختصاص فاسد لأكسيد في النزاع، وقال إن ما يحدث من هيئة التحكيم غير محترم واستقال من عضوية الهئية.

- هل نحن أكثر مهارة في التحكيم السياسى (طابا مثلا) من التجارى والاستثمارى؟

- منير زهران: أهم ركيزة للنجاح في التحكيم صياغة مشارطة التحكيم.. عبقرية الدكتور وحيد رأفت هي صاحبة الفضل في كسب قضية طابا، حتى ولو تجاهل دوره البعض كما يحدث الآن. وحيد جعل سؤال التحكيم ليس هل طابا لمصر أم لإسرائيل ولكن: أين كانت علامات الحدود بين مصر وفلسطين تحت الانتداب البريطانى؟

وكان العبقرى الدكتور حامد سلطان أحد المحكمين- عن جانب مصر- ونحن الآن نسلم دقننا للأجنبى طوال الوقت في مثل تلك الأمور الدولية تجاريا واستثماريا.

■ نتحدث عن منظومة تحكيم دولية تشفط أموال العالم الثالث ماذا عن المظالم التي تلحق به أصلا من النظام التجارى الدولى المتعدد الأطراف؟

- منير زهران: كنت رئيسا للمفاوضات في جولة أوروجواى التي مهدت لقيام منظمة التجارة العالمية، وقلت علنا إن الدول النامية خاسرة خسارة صافية والأكثر خسرانا أفريقيا، بينما كان وزير التجارة المصرى وقتها يرى أن المفاوضات «هايلة». والمهم أننا وقعنا على اتفاقية منظمة التجارة بعد ضغوط لكن قمت ومعى رجال محترمون من دول نامية بإثارة الوعى بخطورة تلك الاتفاقية وخلوها من تبادل عادل للمنافع ما ترتب عليه فشل جولة الدوحة لاستكمال تحرير التجارة وفشل اجتماع سياتل.. يمكن أن نفعل شيئا شبيها كدول نامية فيما يخص التحكيم.

■ المستشار هشام رجب اقترب كثيرا من مطبخ الإدارة وتطوير التشريعات التجارية والاستثمارية.. فماذا ترى؟

- هشام رجب: قضية التحكيم الأخيرة حساسة ونحن لم نطلع بعد على الحكم لنعرف إذا كان هناك قصور أم لا وكل كلمة تقال تأخذها الأطراف علينا حتى لو كانت مجرد اجتهاد وفق معطيات محدودة. وهناك محوران الأول الدولة في صياغتها للعقود مع مصرى أو أجنبى والدولة في علاقاتها بشركاتها. ويجب أن تكون الوزارات أعدت بشكل احترافى لعمليات التفاوض حول العقود وصياغتها وإدارة التعامل مع شركات الدولة عموما. لقد رأينا أنه في قضايا الخصخصة وأنا ليس لى موقف ضدها، كانت هناك نصوص في العقود تثير حفيظة طالب الحقوق الشاطر، والمحور الآخر: هل لدينا في كل جهة حكومية متخصصون فاهمون في التحكيم الدولى ونظمه ولوائحه وأماكنه والفروق بينها وبدائله (التصالح أو التوفيق أو التسوية) وتكاليفه وهل نحترم الخبرة والتخصص في هذا الأمر خاصة أن كل شىء في الدنيا أصبح معقدا ولعل نظرة إلى عقود التمويل الحديثة والطروحات توضح ما أقول.

■ هل تحدث تدخلات أو ضغوط على البيروقراطية عند صياغة العقود تحقيقا لمصالح معينة؟

- الحاضرون: هذا الكلام يقال لكن يصعب إثباته ولذا فلنركز على أوجه القصور الملموسة وكيفية إصلاحها.

■ يقال أيضا إن جهات التحكيم الدولية متحيزة ضد مصر؟

- اتفقنا على وجود اختلالات في منظومة التحكيم العالمية لكن الأهم وما نملكه هو تغيير منظومتنا نحن وإعداد أنفسنا باحتراف لكل موقف.

■ كما رأينا يتم تحميل اتفاقيات ضمان وحماية الاستثمار المسؤولية عن الخسارة.. فهل نلغيها؟

- الحاضرون: أغلب تلك الاتفاقيات تم إبرامها في التسعينات وكل اتفاقية لها مدة وبعدها يتم تجديدها أو إلغاؤها لكن إلغاءها لا يوقف المزايا التي تتمتع بها الشركات التي قامت في ظل وجودها، وتلك مزايا تستمر مدد بين 10 و15 إلى 20 سنة، بالتالى لا يجب التسرع بإلغاء الاتفاقيات ثم إن الإلغاء سيرسل إشارات خاطئة بأنك تعود إلى عهود التأميم والمصادرة والشمولية إلخ

■ ما الذي يجب عمله إذا؟

- هشام رجب: أن نراجع الـ 26 حالة لجوء للتحكيم ضد مصر استنادا إلى اتفاقيات ضمان وحماية الاستثمار، وثانيا نحلل المبادئ المرتبطة بالتحكيم في معاهدات الاستثمار ونحدد من أين تأتى المخاطر ونتخذ الإجراء التصويبى بناء على ذلك

■ هل يقوم المجلس الأعلى للاستثمار بهذا، وهو الذي نص قانون الاستثمار الجديد على قيامه، وعلى أن من مهامه مراجعة موقف التسويات وقضايا التحكيم وفض النزاعات؟.

- هشام رجب. لا نعرف ما سيفعله المجلس الأعلى، لكن أرى إقامة وحدة مصغرة ذات استقلالية لعقود الدولة بمجلس الوزراء يقودها شخص مؤهل وله خبرة ودراية واسعة بصياغة العقود والمنازعات الدولية، ولها كافة الصلاحيات لوضع دليل عمل تلتزم به كافة أجهزة الدولة عند إعداد العقود الهامة أو التي ترتب آثارا مالية كبيرة، وعند إعداد أو التفاوض على شرط التحكيم. مع دور كبير وفورى للوحدة لدراسة كافة المنازعات التي أقيمت أمام مركز الأكسيد واتفاقيات حماية الاستثمارات وأوجه القصور أو نقاط الضعف التي رتبت حقوقا قبل الدولة، وتقترح الوحدة كافة الضوابط والإجراءات الكفيلة بالحد من مخاطر مخالفة اتفاقيات حماية المستثمرين.

تلتزم كافة وحدات الدولة بإخطار الوحدة بأى خلافات تثور مع مستثمرى دول اتفاقيات الحماية فور حدوثها لوسيلة إنذار مبكّر لتجنب مخالفة اتفاقيات الحماية والحفاظ على حقوق كافة الأطراف.

■ ألا يكفى ما تم النص عليه في قانون الاستثمار لفض وتسوية المنازعات؟

- الحضور: إن وجود لجنة فض منازعات الاستثمار برئاسة وزير العدل ولجنة منازعات عقود الاستثمار برئاسة رئيس مجلس الوزراء ساعد على تجنيب الدولة العديد من المخاطر بتصديهما لتسوية منازعات الاستثمار في مراحل مبكرة قبل اللجوء إلى مركز أكسيد، وتفادى نتائج ضعف أداء العديد من وحدات الإدارة للدولة، أو سوء إعداد وصياغة عقود الدولة الأمر الذي يسمح للمستثمر باستغلال نقاط الضعف وفى المحصلة فإن إنشاء هذه الوحدة لا يتعارض مع اختصاصات سلطات الدولة القائمة.

■ بعد يناير 2011 تم التحجج من جانبنا بفساد عقود وتحويل مسؤولين عنها للمحاكم وذلك كدفوع في بعض قضايا التحكيم كيف رأيتم ذلك؟

- على الغتيت: هذه الحجة مع كل أسف نوع من الخلل الجسيم كيف تقول لمحكمة تحكيم دولية أنك كدولة مكنتش قادر على الفساد مما أدى إلى اللجوء إلى التحكيم ضدك؟. إن الأصل أن يشكو المستثمر من الفساد لا أن تشكو الدولة.

■ هل التوسع في التصالح والتسويات يقى من التحكيم الدولى؟

- الحضور: يجب أن تعمل منظومة العقود الدولية في بلدنا بفهم ومسؤولية وانضباط كامل من التفاوض إلى صياغة العقد إلى تنفيذه إلى متابعة المشاكل وحلها إلى التسويات الودية إذا لزم حتى لا نذهب إلى التحكيم الدولى إلا في أندر الحالات وفى حلال عملت المنظومة بهذا الاتقان فإننا لن نخشى وقتها التحكيم نفسه.

- على الغتيت: ما أعلمه أن أكسيد يعمل الآن على إحلال نظام جديد للتصالح (وليس التوفيق) في المنازعات ليحل محل التحكيم بعد أن افتضح أمر الأخير وبعد حدوث امتعاض شديد من دول الجنوب، وعلينا إذا أن نتحسب لهذا الوافد الذي يريد أن يزين الدواء المر في أعيننا مرة أخرى بتغيير غلاف علبة الدواء وأنبه أيضا إلى أن الاتحاد الأوروبى يمضى في ذات النهج أيضا. إننى أتذكر الآن كتابا علميا دوليا نشرته جامعة شيكاغو اسمه «الاتجار بالفضيلة» وهو يفضح الفساد الفاحش الذي تمارسه طبقة من المحكمين يسميهم «الكمبرادور». ما أقصده أن من سمح بذلك فيما مضى لن يصلح ما هو آت ولو اتخذ اسما مختلفا.

■ نعيب على هيئة قضايا الدولة وهى ترد بأن بها كفاءات تحمل دكتوراه وماجستير من جامعات أجنبية؟

- ياسين تاج الدين: فيها بالفعل شباب واعد لكن الخبرة لاتزال قليلة وأنا نفسى شاركت في تحكيم في أكسيد كنت فيه مع شركة أجنبية ضد الدولة وترافعت عن مصر سيدة متمكنة من الهيئة هي فاطمة خليفة وأبلت بلاء حسنا وكسبت الدولة القضية.

■ ما القول في اختيار محام ومحكم أمريكيين في قضايا مثل قضية الغاز الأخيرة؟.

- الحاضرون: اختيار أجنبى ليذود عنك أمر عجيب في الأصل وإن كنا لا ننكر أن بعض الأجانب يقدمون بإخلاص خدمات مهنية أمينة وواعية. وبصفة عامة فإن من الملاحظ أن الدول التي يتم اختيار محكمين منها في كافة القضايا في أكسيد هي غالبا دول الشمال أو بعض الدول الآسيوية التي تسير على نفس النهج الأمريكى.

■ هل يثق الناس أكثر بالأمم المتحدة ومنظماتها- مثل الأونكتاد- عن البنك وصندوق النقد وتوابعهما مثل أكسيد؟

- منير زهران: قضيت 8 سنوات كمندوب دائم لمصر في مقر الأمم المتحدة في جنيف، وكنت قريبا من شخص ألمانى مختص بمنازعات الاستثمار، وكان يضمر احتقارا واضحا للدول النامية ومصالحها. وقد عمل الرجل على نوعين من الاتفاقيات هما عدم الازدواج الضريبى وضمان وحماية الاستثمار، وقدم مساعدات للدول النامية للتعريف بهما وتبليغهما النظامين كما هما، وهو ما حدث وقد تصادمت معه كثيرا وقلت له إن تنميط اتفاقيات في قضايا الاستثمار وما يشببها وفرض نموذج واحد على كل دول العالم الثالث كلام فارغ. الخلاصة أنه يوجد صحيح عدد من الناس الجيدين في الأمم المتحدة لكن أيضا لابد أن نعى أن الدول الكبرى تمسك بكل الوظائف التي بها مفاتيح عمل المنظمة الدولية وتؤثر على الموظفين الكبار.

■ هل نلجأ إلى الطعن ببطلان التحكيم الأخير؟

- على الغتيت: مسموح بالاستئناف على أحكام أكسيد لكن السؤال ماذا أعددنا للأمر؟

■ كم يكلف التحكيم في القضايا الكبيرة؟

- ياسين تاج الدين. أعرف قضية مش كبيرة وحصل فيها محام كندى على نصف مليون دولار.

- هشام رجب: الأهم أن يتم إعلان كل ما تم صرفه على قضايا التحكيم التي كسبناها أو خسرناها وبدلات السفر وأتعاب المحامين وكل المصاريف ونسأل أنفسنا أليس الأولى إنفاق هذا المبلغ أو أقل منه بكثير على مجموعة عمل وطنية– وحدة يمكن أن تحد كثيرا من تكلفة ومخاطر لجوئنا إلى التحكيم الدولى.

■ هل يمكن أن يقوم المركز القومى للدراسات القضائية بعمل تأهيل للمحكمين والمحامين المعنيين؟

- الحاضرون: دوره مختلف فهو يوضح للقضاة– بمن فيهم قضاة يتعاملون مع قضايا التحكيم ويصدرون الأحكام التنفيذية لها- عبر محاضرات، التغيرات التي تحصل وكيفية التعامل معها لكن ما نريده معهد مستقل لتأهيل وتدريب المحكمين والمحامين الدوليين مهنيا وتدريبهم على الإبداع ومتابعة كل التطورات العالمية والفكرية في مجال الاقتصاد و«البزنس». وبالمناسبة فمركز القاهرة الإقليمى للتحكيم وهو مستقل يمكنه أن يساعد الوزارات في الدول الأعضاء ومنها مصر في التعرف على أفضل الممارسات في مجال وضع شروط التحكيم وبدائل اللجوء إليه وتقييمها.

■ هل يوجد احتكار قلة من مكاتب كبيرة بمصر لأعمال التحكيم؟

- الحاضرون: في كل نشاط قد يكون هناك استغلال من هذا أو ذاك للنفوذ أو العلاقات، ولكن في مجال مكاتب المحاماة الكبيرة المعنية المصرية أو الأجنبية الموجودة هنا يصعب اليوم أن يقال احتكار حيث أصبح عدد المكاتب كبيرا ثم إن هيئة قضايا الدولة هي التي تختار المحكم والمحام عن مصر في أي قضية تحكيم دولى وغالبا تختار أمريكيين أو أجانب كما أوضحنا، وعليها أن توضح أسباب كل اختيار ونتائجه، وما خلصت إليه من التجارب المختلفة مع المكاتب الخارجية.

ندوة المصري اليوم لخبراء التحكيم

ندوة المصري اليوم لخبراء التحكيم

ندوة المصري اليوم لخبراء التحكيم

ندوة المصري اليوم لخبراء التحكيم

ندوة المصري اليوم لخبراء التحكيم