قنصلية أمريكا بالقدس.. تاريخ بدأ بـ«مجنون» وانتهى بـ«ترامب»

كتب: محمد البحيري السبت 20-10-2018 05:50

فى مطلع يونيو الماضى، نفت وزارة الخارجية الأمريكية التقارير المتعلقة بـ«خفض استقلالية القنصلية الأمريكية فى القدس»، مؤكدة عدم إجراء أى نقاش حول هذا الموضوع.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، فى بيان له، إن القنصلية الأمريكية العامة فى القدس ستواصل عملها كهيئة مستقلة دون تغيير فى تفويضها التاريخى ومن موقعها.

وأضاف أن القنصلية العامة مسؤولة عن علاقات الولايات المتحدة مع الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية، وستستمر فى العمل بشكل نشط مع مجموعة واسعة من الشخصيات السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية فى الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى القدس.

وجاء تعليق واشنطن آنذاك على ما كشفته القناة السابعة بالتليفزيون الإسرائيلى عن أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يعتزم منح سلطات إضافية للسفير الأمريكى فى القدس المحتلة. وقالت القناة الإسرائيلية آنذاك: «إن القنصلية الأمريكية، التى تتولى حالياً إدارة علاقات الإدارة الأمريكية مع الفلسطينيين، ستكون خاضعة للسفارة الأمريكية لدى إسرائيل والسفير ديفيد فريدمان».

وأشارت إلى وجود معارضة فى الإدارة الأمريكية لهذه الخطوة، كون أن القنصلية كانت بمثابة «خط مفتوح» بين السلطة الفلسطينية ووزارة الخارجية الأمريكية، وأن السفير «فريدمان» قد يضر بهذه العلاقات.

ورغم هذا النفى، فاجأت الولايات المتحدة العالم، أمس الأول، بإعلان وزير الخارجية الأمريكى، مايك بومبيو، أن القنصلية الأمريكية ستُلحق بالسفارة الأمريكية فى القدس، ما يعنى عملياً إلغاء التمثيل الدبلوماسى الأمريكى لدى الفلسطينيين.

وقد لا يدرك الكثيرون أهمية الخطوة الأمريكية إلا بالرجوع إلى تاريخ الوجود الأمريكى الدبلوماسى فى أرض فلسطين، والذى بدأ عام 1844، حين عين الرئيس جون تايلر أول قنصل للولايات المتحدة للقدس، وهو واردر كرسون، من بنسلفانيا، والذى قيل إنه كان أحد الأمريكيين الذين زاروا القدس لمشاهدة نهاية العالم.

وفور تعيينه بدأت الرسائل تنهال على وزير الخارجية الأمريكى آنذاك لتحذره من هذا القرار، وجاء فى إحدى الرسائل، حسب القنصل الأمريكى العام، مايكل ألان رانتى، عام 2014، أن «كرسون» «كان يعانى اختلالاً عقلياً لعدة سنوات، وأن اهتمامه يتركز على الجدل الدينى، ولا شك أنه كان ينوى أن يجعل اليهود والمحمديين فى الشرق يعتنقون المسيحية، ولكن فى الحقيقة أنه كان رجلاً قدراته العقلية ضعيفة جداً، وما تبقى من عقله كان مختلاً».

وتم تأسيس تواجد قنصلى أمريكى دائم عام 1857 فى مبنى داخل باب الخليل فى البلدة القديمة، وهو المبنى الذى يستضيف، اليوم، مركز الدراسات المسيحية السويدى.

وانتقلت البعثة إلى مكان آخر فى شارع الأنبياء خارج البلدة القديمة بقليل، قبل نقلها فى عام 1912 إلى موقعها الحالى فى شارع أجرون 18.

وحسب موقع القنصلية الأمريكية على شبكة الإنترنت، أُنشئ المبنى الحالى للقنصلية عام 1868 من قِبَل المبشر الألمانى اللوثرى، فرديناند فستر، الذى بنت عائلته وأعوانها العديد من البيوت ذات الطابع العربى فى القدس. وكان المبنى من أول البيوت التى بُنيت خارج جدران البلدة القديمة فى الوقت نفسه الذى أسس فيه موسى مونتفيورى المنطقة السكنية «يمين موشيه» خارج البلدة القديمة. وشمل مبنى القنصلية الأصلى طابقين فقط، وأُضيف الثالث فى أوائل القرن العشرين، ويضم المبنى، اليوم، مكان إقامة القنصل العام ومكاتب الموظفين. ومنذ 1951، استأجرت الحكومة الأمريكية موقعاً آخر فى شارع نابلس، وحتى سبتمبر 2010 كان هذا الموقع يضم القسم القنصلى التابع للقنصلية العامة، والذى يقدم خدمات لحاملى الجنسية الأمريكية والتأشيرات، وانتقل القسم القنصلى الآن إلى شارع ديفيد فلسر 14.

وفى عام 2006، وسّعت القنصلية الأمريكية العامة تواجدها فى طريق أجرون باستئجار مبنى محاذٍ، وخصصته لمكاتب الإدارة والعلاقات العامة، وأُنشئ المبنى فى ستينيات القرن الـ19، وقد كان ديراً للإرسالية، وتُعرف أيضاً باسم «العازاريين»، ومازالت مجموعة صغيرة من «العازاريين» تقيم فيه.

وتم تحديد البعثة كقنصلية عامة فى 1928، وتمثل البعثة الدبلوماسية الرسمية للولايات المتحدة فى القدس والضفة الغربية وغزة كبعثة مستقلة، تحت إدارة القنصل العام، رئيساً للبعثة. ولكن كل ذلك ينتهى الآن بقرار من ترامب، قال البعض إنه يستهدف معاقبة الفلسطينيين لمقاطعتهم محادثات السلام، وقال البعض الآخر إنه يستهدف محو القضية الفلسطينية تماماً.