تواصل «المصرى اليوم» رصد تداعيات أزمة تقليص مساحات القصب فى محافظات الصعيد وتأثيرها على مزارعيه، سواء من الناحية المادية أو المعنوية، حيث ارتبط بزراعة القصب منذ عشرات السنين، مع وضع البدائل التى يمكن استبدالها بزراعة القصب مثل نبات الاستيفيا.
اعتبر د. محمود منصور، أستاذ المحاصيل بكلية الزراعة جامعة المنيا، أن الأساس فى أزمة قصب السكر هو مركز الإرشاد الذى يجب أن يتواصل المرشد والمهندس الزراعى التابع له مع الفلاح على أرض الواقع، ولا ينتظر قدومه للاستفسار كما هو معمول به حاليًا، وأضاف: «مراكز الإرشاد لازم تتوجه لعمل حملات تدريبية للمهندسين الموجودين فى الوحدة، زمان كان المهندسين بينزلوا للفلاح، ازرع كده، ماتزرعش كذا، الصنف ده ماينفعش، النبات عايز يترش بمركب معين، المركب ده مضر».
وأشار إلى أن حلقة المهندس الزراعى مفقودة حاليًا، والسائد فى القرى هو الاسترشاد بالقريب أو الأخ أو الجار وليس المهندس الزراعى، وضرب مثلاً بزراعة القصب قائلاً: «حتى لو المهندس الزراعى قاللى ازرع الصنف ده، لازم أشوف بعينى وأتأكد من اللى بيقوله».
وعلى ذكر الأصناف، قال أستاذ المحاصيل، إن مشكلة القصب الأساسية تتمثل فى أن أصنافه قليلة جدًا، لأن نموه فى مصر يعتمد على أسلوب التكاثر الخضرى، وهو أسلوب زراعة العقلة وإنباتها، ومن ثم يصبح لدى الفلاح نفس النبات بنفس التركيب الوراثى والصفات، لا تغيير فى أى منها، كزيادة صفة مقاومة العطش على سبيل المثال.
وعن الخيار الأكثر جدوى للتعامل مع محصول القصب، قال: «الأوفر لى فى مصر استيراد عدة أصناف من الخارج، وأشوف إن كان صنف ملائم للمناخ المصرى وبيدينى إنتاجية أكتر من الصنف التجارى»، فإذا وجدت الحكومة أو وزارة الزراعة أنه أكثر إنتاجية، فيجب اعتماده كصنف محلى، فيما عدا ذلك يعتبر عمل مراكز الأبحاث متوقفًا بسبب عدم إمكانية إخضاعه للبحث والتطوير المعملى بسبب عدم توافقه مع المناخ المصرى.
أما عن نبات الاستيفيا، الذى يرشح كبديل لقصب السكر، فيرى «منصور» أنه ينتمى للنباتات الطبية أكثر منه للمحاصيل السكرية، لأنه يستخدم من قبل مرضى السكر، وقبل أن يكون هناك اتجاه قومى لتبنى زراعته، لابد من القيام بعدة خطوات، أولاها إيجاد برامج تربية له لتطوير أصناف جديدة، أو استيراد حبوب اللقاح الخاصة به، الأمر الذى يعد شديد التكلفة.
سامى رمسيس، أستاذ المحاصيل الحقلية فى كلية الزراعة بجامعة المنيا، قال إن الاستيفيا بديل جيد لقصب السكر، وأضاف أنه محصول ضمن المحاصيل المعمرة، ويمكث فى الأرض 4 إلى 5 سنوات، ويتم «حشه» أكثر من مرة فى السنة.
وعن الميزة السكرية فيه، قال إن الاستيفيا لا يعتبر محصولا سكريا، ولكن بالرغم من ذلك، المادة المحلية فيه تفوق 300 مرة سكر السكروز الموجودة فى القصب والبنجر، وتتمثل فى مادتين أساسيتين هما «استيفيوزايد ورايبوزايد»، ولا تتوقف القيمة السكرية له على أنه يفوق السكروز 300 مرة، ولكن تتمثل أيضًا فى كونه لا يحتوى على كربوهيدرات، ولا توجد به أى سعرات حرارية، ومن ثم فهو آمن فى التناول لمرضى السكر والسمنة.
وأضاف أنه بالرغم من هذه المميزات، إلا أن العديد من العيوب تعوق التوسع فى زراعة الاستيفيا ويجب الانتباه لها، لأن الاستيفيا محصول حساس لدرجات الحرارة المنخفضة، نموه يتوقف، « فماباخدش منه حشات تقريبا، ويتزرع فى الصعيد فى شهر 12 و1 و2، ووجه بحرى شهور 3 و4، ومع درجات الحرارة العالية ممكن يموت النبات».
وتابع: «كيلو البذور بـ 100 دولار، ده يكفى 3 فدادين فقط، ونبدأ نجهز المشتل من شهر 9، ويحتاج عناية خاصة، لأن تكلفة الشتلة الواحدة 5 جنيهات، فزراعة الفدان مثلا يتكلف 150 ألف جنيه»، ولفت إلى أن التسويق يعد المشكلة الأساسية فى التوسع فى زراعته، والسبب فى ذلك هو عدم توافر وحدات لاستخلاص مادتى ستيفيوزايد ورايبوزايد المسؤولتين عن التحلية وعن عملية الاستخلاص ذاتها. ويقول رمسيس «لما بزرع استيفيا، بحصد فى المرة 2 طن مثلا وأجفف، توصل معايا 100 كيلو، لأن المادة المحلية موجودة فى الأوراق اللى بتكون فيها نسبة الرطوبة حوالى 90%، وبالتالى أما أستخرج الستيفيوزايد مع الرايبوزايد نسبتهما من 15 إلى 20 %، فالطن الجاف يدينى 20 كيلو».
أما محمد برغش، نقيب الزراعيين السابق، فقد أكد أن زراعة القصب أصبحت عبئا على المزارع، ومن أهم مشكلاتها نقص السماد وشراؤه من السوق السوداء، فضلًا عن أمراض محصول القصب، التى أزيلت على إثرها مساحات بسبب عدم المقاومة، الأمر الذى أدى إلى استبدال نحو 25 % من المساحة المزروعة منه بزراعات الموز التى تعتبر «مصيبة فى حد ذاتها».
وتابع نقيب الزراعيين: «الجمعيات لم تسعف الفلاح وتستخلص له حقه من الشركات اللى بتستأثر لنفسها بتحديد وزن القصب ونسبة الحلاوة»، مؤكدًا أنه يعتبر أن طوق النجاة فى المرحلة الحالية هو محصول البنجر الذى يجد فيه العديد من المميزات، منها أنه يتطلب مياها أقل ويمكث فى التربة مدة أقل، ولكن علاوة على ذلك الفلاح لا يتشجع على زراعته.
وتابع: «تدخل الدولة سيشجع الفلاح على اللجوء لبنجر السكر، لأن الفلاح سيضمن وجود مشتر عادل لمحصوله وسيحصل على البذور من الدولة»، لافتًا إلى أن الاستيفيا كبديل لقصب السكر خيار جيد، ولكنه لايزال يحتاج لسلسلة من الأبحاث لاستخلاص المادة المحلية منه بسهولة، فضلاً عن ضرورة إقناع الفلاح الذى يزرع فقط ما يريده.
وعن سبل إقناع الفلاح بمحصول جديد كالاستيفيا، يقول «برغش»: «لابد أن يكون هناك إقناع عن طريق المعايشة الكاملة مع مركز البحوث لمدة محصول كامل»، أثناء هذه المعايشة لابد أن يتعرف الفلاح على جميع الأمراض الخاصة به، وأن يتعرف على حاجته للأسمدة والمقاومة والعائد الاقتصادى منه.
بدورها، تعتبر سكينة فؤاد، الصحفية المصرية المخضرمة، والمهتمة بشؤون الفلاح المصرى، أن مرونة الفلاح المصرى فى الامتثال لقرارات تقليص الرقعة المزروعة من محصول بعينه، واستبدال آخر به ترتبط بالأساس بكمية الوعى المتوافرة، «لافتة إلى أن الأمر يرتبط بنشر الوعى، بمعنى أن أى تغييرات تحتاج لأن يفهم الفلاح لماذا وما هى الضرورات التى تفرض هذا وما لمصلحته ومصلحة بلاده».
وترى أن الأزمات تتولد غالبًا من هذه الفجوة فى التوعية فى العديد من الأمور التى تجابه المواطنين المصريين، فتؤكد: «المشكلة عندنا أن كثيرا من المرات لا يفهم المواطن لماذا تتخذ هذه الإجراءات.. إذاً لابد من صناعة الوعى بأبعاد القضية وبالمخاطر والمشاكل التى سيترتب عليها عدم تقليص المساحة وآثارها عليه وعلى بلاده».