فى الظل عاش يحرك الأحداث والشخوص من وراء الستار. قليلون من كانوا يعرفون اسمه وطبيعة عمله ومهامه الحقيقية التى يقوم بها. لا تختلف صورته فى مصر عن سيرته فى سويسرا، فشيمته الغموض. هذا هو حسين سالم، الصديق الأقرب لرئيس مصر السابق مبارك، خزانة أسراره قبل أن يكون مستودع ثرواته ومديرها. ذُكر اسمه على استحياء فى مصر فى عام 1986 عبر استجواب فى مجلس الشعب عن صفقات السلاح، ثم عاد اسمه ليتردد بوضوح فى قضية تصدير الغاز لإسرائيل بعد ذلك التاريخ بنحو 21 عاماً، لتزداد حول اسمه علامات الاستفهام والشائعات التى لم تنل منه يوماً. هكذا كانت صورته فى داخل مصر، التى لا تختلف عن مثيلتها فى الخارج. حيث تدرك أجهزة المخابرات فى جميع أنحاء العالم أهمية الرجل ومدى قربه من رئيس مصر السابق وتأثيره فى قراراته بحكم الصلة بينهما. ولذا كان زائراً يحمل علامة VIP فى أى مكان يحط فيه. وفى سويسرا كان مكتبه فى أكثر شوارع جنيف التجارية شهرة وعلاقة بالمال. وأمام كل هذا الغموض، الذى يحيط بالرجل الذى بات اسمه على قوائم النشرة الحمراء للإنتربول منذ 12 مايو 2011، حاولنا تقصى سيرته بشكل أعمق ومعرفة بعض تفاصيل حياته فى جنيف والقاهرة.
تتعدد أسباب من يقصد جنيف، تلك المدينة القابعة فى الجنوب الغربى لسويسرا، التى حباها الله بهدوء وجمال طبيعى قلما تراه عين. فالكثيرون يفدون لها للسياحة، والقلة للتعلم فى جامعتها التى تعد من أرقى جامعات العالم ويتم اختيار المتميزون علميا فقط للدراسة فيها، والبعض يأتى قاصدا سرية بنوكها ونظامها الاقتصادى الذى يمنحك حرية فعل ما تشاء وفقا للقانون طالما أنك تسدد ما عليك للحكومة من التزامات. وهناك من يأتى لها باحثا عن فرصة هادئة للعيش والاختفاء بعيداً عن أعين تطارده أو أجهزة أمنية تلاحقه. هكذا هى جنيف التى تردد اسمها كثيرا فى الفترة السابقة كمقر لإقامة حسين سالم، أحد أشهر رجال الأعمال والذى ارتبط اسمه باسم رأس النظام السابق الرئيس مبارك عبر صفقات مشبوهة للغاز تم توصيله لإسرائيل، وإدارة أموال رئيس البلاد المخلوع بشكل بات يثير الكثير من علامات الاستفهام. ولذا كانت المدينة مقصدنا فى «المصرى اليوم» بحثا عن ذلك الشبح الذى لا يعرف عنه الكثيرون سوى اسمه.
هنا جنيف.. القابعة قرب الحدود الفرنسية مع سويسرا، المحاطة بجبال الألب الشهيرة، والمطلة على بحيرة تحمل اسمها ويطلق عليها سكانها اسم «Lac» أو «لاك»، وتمنح المدينة حالة من الجمال الهادئ بنافورة تعد الأشهر فى أوروبا يصل ارتفاع ضخ المياه فيها إلى 140 متراً. ليس هذا فحسب بل إنها مقر للكثير من المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة، والتجارة العالمية، والعمل الدولية، والصحة العالمية، والصليب الأحمر، والملكية الفكرية وحقوق الإنسان. ولذا فالبحث عن حسين سالم وسط كل هذا وفى مدينة يبلغ تعدادها نحو 109 آلاف نسمة، يشبه تماما البحث عن إبرة وسط كومة من القش. ولكن كانت البداية من حكايات المصريين الذين يعيشون ويعملون ويتعلمون فى سويسرا ويقدر عددهم بنحو 3 آلاف مصرى. وتلتقيهم فى الشوارع حين تميز لهجتهم المصرية الواضحة فى الحديث، وإن أردت صحبتهم فاذهب لمقهى يحمل اسم «قهوة المصريين» فى منطقة «لاجار» فيحكون لك بعض ما يعرفونه عن تلك الشخصية.
«حكايات المصريين»
على شاطئ بحيرة جنيف استوقفنا حديثهما وهما يسيران بهدوء بعد انتهاء يوم عملهما. مينا وهانى.. مصريان جاءا تلك المدينة ويعملان بها منذ ما يزيد على 12 سنة. بمجرد معرفتهما بأصولك المصرية يسارعان لتلبية ما تريده. أسألهما عن حسين سالم فيسارع مينا بالرد قائلاً: «رجل المليارات نسمع عنه من صحف القاهرة، ونعرفه هنا بالرجل الغامض. شاهدناه كثيرا فى الفنادق الفخمة. لم يكن يتحدث لأحد ولا نعرف له شلة أصدقاء هنا. لكن هناك مكانان كثيرا ما يتردد عليهما، أولهما فندق (كيمبنسكى)، وثانيهما فندق (لا ريسيرف) فى طريق لوزان».
الوصول لفندق «كيمبنسكى» ليس بالأمر الصعب فى مدينة يمكنك التجول فيها سيرا على الأقدام لتقارب شوارعها ونظام المرور بها. يطل الفندق على البحيرة بواجهة زجاجية تعكس إطلالة البحيرة التى يرقد أمامها. وبجواره أكثر من فندق مميز مثل «بوريفاج» و«فورسيزونز». ما إن تجتاز بوابته وتدخل بهوه المميز، حتى تشعر بفخامة المبنى الذى يقع فى ستة طوابق. اقتربنا من مضيفة الاستقبال بالفندق وسألناها عما إذا كان لديهم نزيل باسم حسين سالم. فجاءتنا الإجابة بأنه لم ينزل لديهم شخص بهذا الاسم منذ 28 يناير الماضى، كما أنها ليس لديها حجز بهذا الاسم فى المستقبل. نطلب منها التأكد فتعاود كتابة الاسم على الكمبيوتر لتجىء نفس الإجابة.
نترك كيمبنسكى ونتحرك فى اتجاه فندق «لاريسيرف» فى طريق لوزان الهادئة. فنجد أن الفندق الذى يقع بالقرب من طريق زراعى يحيطه الهدوء ليس به نزيل يحمل اسم «حسين سالم». نتعجب ونتساءل أنبحث عن شبح أم أن هناك خطأ فى المعلومات التى قادتنا لسويسرا؟
تأتينا الإجابة موثقة من مصدر رسمى موثوق به ومطلع، فضل عدم ذكر اسمه نهائيا، واحترمنا ذلك. قال: «حسين سالم جاء إلى سويسرا بعد اندلاع الثورة ثم تركها وذهب لهولندا، ثم رومانيا التى يمتلك فيها العديد من المشروعات المتعلقة بالفنادق والزراعة والتصدير». وكان هنا فى الأسبوع الماضى، وكان نزيلاً بفندق كيمبنسكى وشاهدته هناك. ولكن ليس من السهل العثور عليه والسبب أنه يحمل جواز سفر إسبانياً أعطته له الحكومة الإسبانية منذ سنوات بعد مساعدته لهم فى إنشاء مصنع لتسييل الغاز فى دمياط. ووفقا لجواز السفر الإسبانى فإن اسم الفرد يكتب بترتيب معين، يبدأ باسم الفرد ثم اسم جده لوالدته ثم اسم جده لوالده، ولذا فالأوراق الرسمية لا تعرف اسم «حسين سالم».
تلك إذا الخدعة فحسين الذى بات اسمه ضمن أسامى النشرة الحمراء التى أصدرها الإنتربول الدولى يوم 12 مايو الماضى وضمت اسمى رشيد محمد رشيد، وزير الصناعة والتجارة السابق، ويوسف بطرس غالى، وزير المالية السابق، فهو لا يسير باسم حسين سالم. ولكن حاملا بعد اسمه الأول، اسمى جديه للأم ثم للأب. قادتنا ذات المصادر المطلعة للمنطقة التى يعيش فيها حسين سالم فى إسبانيا ويمتلك فيها قصرين، أحدهما له والآخر مقسم بين ابنه وابنته، ويقع القصران فى منطقة «لاموراليخا» الإسبانية. إلا أن ذات المصادر أكدت أن خالد بن حسين سالم جاء لجنيف واستقر بها وقدم لأبنائه فى مدارسها، دون أن تشير لمقر إقامة الابن أو اسم المدرسة.
يتحدث المصريون هنا عن بيت حسين سالم، الذى يملكه فى منتجع «اشتاد». وهى منطقة معزولة تحيط بها الجبال وتعد من أبرز المنتجعات الشتوية فى العالم. ويتردد عليها الأثرياء فى الشتاء لممارسة رياضة التزحلق على الجليد، والإقامة فى شاليهاتهم التى يمتلكونها هناك.
«شارع دى رون»
هنا فى البناية التى تحمل رقم 7 كان يقع مكتب حسين سالم. الشارع من أهم شوارع جنيف التجارية بل يعد قلب مركز عالم الأعمال السويسرى، حيث يوجد به العديد من المحال التجارية الضخمة، التى تحمل أسماء الماركات العالمية، ويمتد لمسافة لا تقل عن 3 كيلومترات، بالإضافة لقربه من منطقة سكنية مميزة فى قلب جنيف. يذكرك لحد بعيد بشوارع محطة الرمل فى الإسكندرية فى الماضى بنفس التصاميم المعمارية. بحثنا عن المكتب فى البناية، ولكننا لم نجد له أثرا. وقيل لنا إنه كان وانتهى مع حرص صاحبه على محو أى أثر له.
ولكن هذا لا يمنع أن هناك من يتذكر نشاطات المكتب فى عالم التجارة والتصدير والاستيراد. فقد كان المكتب يعمل فى كل المجالات، بترول- غاز- تحلية مياه، وكان يصدر لمصر سلعا استراتيجية، خاصة الأرز والسكر.
هنا نتوقف قليلاً عند عمل حسين سالم، الذى تتنوع الحكايات المحيطة به، وتصفه مصادر مطلعة فى سويسرا بأنه رجل أصر على أن يحيط نفسه بهالة من الغموض، ولم يسمح لأحد على مدى سنوات طويلة مضت اختراق تلك الهالة تدعمه فى ذلك علاقاته رفيعة المستوى برؤساء ومسؤولى الدول، التى يذهب لها. ولكن هل هكذا بدأ حسين سالم حياته؟
رحلة الصعود فى عالم المال
فى الوقت الذى تذكر فيه العديد من المواقع أن حسين سالم ولد عام 1928 نفس سنة ميلاد الرئيس السابق، أكدت نشرة الإنتربول، التى صدرت مؤخرا أنه من مواليد عام 1933. حياته لم يكن فيها فى البداية أى شىء يثير التعجب أو الدهشة، ولكن تلمح من محطات صعوده وتكرر اسمه فيها، ملامح إنسان طموح للغاية فى كسب المال واقتنائه دون أن يعبأ بأن يكون شخصا معروفا تطارده الأخبار، أو يتولى منصباً كبيراً كما قد يظن البعض، بل على العكس من ذلك تماما فقد أصر على حياة الظل، التى يستطيع من خلالها تحقيق ما يريده من نفوذ وثروة.
لا أحد يعلم على وجه اليقين كيف بدأت علاقته بمبارك ومتى، ولكن الشىء المؤكد أن علاقتهما توثقت منذ نهاية السبعينيات، وكان أساس ذلك شركة «الأجنحة البيضاء»، والتى جاء ذكرها فى كتاب المؤلف الأمريكى «بوب وود وورد» بعنوان «الحجاب»، وذكر الكتاب أن الشركة سُجلت فى فرنسا بأربعة مؤسسين هم: منير ثابت شقيق سوزان زوجة مبارك، وحسين سالم، وعبدالحليم أبوغزالة، الذى كان ملحقاً عسكرياً لمصر فى الولايات المتحدة، ومحمد حسنى مبارك الذى كان نائباً للرئيس السادات وقتها. وذكر الكتاب أن الشركة باتت منذ إنشائها المورد الرئيسى لتجارة السلاح فى مصر. وهو ما دفع بالنائب علوى حافظ لتقديم طلب إحاطة فى البرلمان سنة 1986 مستنداً لما ورد بالكتاب طالباً تفسيراً للصمت الرسمى على ذلك الإتهام، أو محاسبة من يثبت تورطه فى تلك القضية التى وصفها بأنها إحدى قضايا الفساد، ولكن لم يصدر أى رد رسمى وقتها من مؤسسة الرئاسة. وقتها عرف المقربون من دوائر صنع القرار اسم حسين سالم، خاصة بعد أن لفت الأنظار باستثماراته التى سبقت غيره من رجال الأعمال فى شرم الشيخ. التى يمتلك فيها منطقة خليج نعمة بالكامل تقريباً ومنتجع موفينبك جولى فيل، الذى أنشأ فيه قصرا مميزاً أهداه لمبارك. ولكن لم يلتفت ملايين المصريين لذلك الاسم إلا مع الضجة التى صاحبت صفقة بيع الغاز لإسرائيل.
«شرق المتوسط للغاز» تلك هى الشركة التى تولت عقد اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل، أنشأها حسين سالم فى عام 2000، ويمتلك 65% من أسهمها كما تقول الأوراق الرسمية، ولكن ما تقوله الأوراق شيئاً وما تخفيه الأسرار شيئاً آخر. فبعض المصادر تشير إلى أن حسين سالم كان واجهة لإدارة أموال مبارك. أما بقية أسهم الشركة فموزعة بين رجل الأعمال الإسرائيلى «يوسى مايمان» بنسبة 25%، والحكومة المصرية بنسبة 10%. وبالبحث تجد أن رأسمال الشركة الاسمى لا يتجاوز مبلغ 500 مليون دولار، بينما المدفوع منه لا يزيد على 147 مليون دولار. كما تجد أن الشريكين المصرى والإسرائيلى باعا حصتيهما عام 2007، أى قبل بدء تصدير الغاز فى 2008 بمبلغ تجاوز بليون دولار، وتم البيع لأكثر من شركة من بينها شركة «AMPAL» الأمريكية، وشركة «PTT» التايلاندية. وهكذا جنى سالم، سواء لحسابه الخاص أو لحساب من يعمل له، أرباحاً فاقت كل التوقعات فى صفقة لم يخسر فيها شيئاً حتى فى تكلفة إنشاء الخط الذى ينقل الغاز من موقعه إلى إسرائيل، لأن الدولة هى التى أنشأت ذلك الخط. وهكذا أيضا لم تستفد مصر من تلك الصفقة أى شىء سوى استنزاف ثروتها الطبيعية ومنحها لإسرائيل بسعر 28 مليار دولار لكمية 120 مليار متر مكعب من الغاز.
القنصلية المصرية فى جنيف
شريف عيسى، هو قنصلنا فى سويسرا، رحب بلقاء معنا فى مكتبه بمجرد علمه بأننا من مصر، ولكنه اعتذر عن منحنا أى معلومات لتعارض هذا مع صميم عمله. مكتفياً بالقول إن حسين سالم كان رجل أعمال يتعامل مع القنصلية لإنهاء أوراق رسمية كشأن بقية المصريين، نافيا أن يكون قد اتصل به بعد ثورة 25 يناير رغم كل ما يتردد عن مجيئه لسويسرا.
لم يبق سوى سؤال ساذج: تُرى هل منحت الثروة حسين سالم الحصن الذى يستطيع به الآن الاختباء عن عيون من يلاحقونه؟ هل منحته القدرة على أن يورث أبناءه السمعة الحسنة والسيرة الطيبة؟ الإجابة تختلف حسب قناعات كل منا.
عصمت السادات: حسين سالم اللاعب الأكبر فى فساد مصر وكان يسيطر على «مبارك».. ومخالفاته تصل لـ«الخيانة العظمى»
لم يكن يعلم، حينما قدم استجوابه الأول عام 2006 تحت قبة البرلمان ضد عقد تصدير الغاز، أنه سيصبح فى خصومة مباشرة مع الرجل الأقرب للرئيس. ولم يكن يعلم أنه بعدها بسنوات قليلة سيواصل بحثه عن الرجل وينشر فضائح انتهاكه حرمة الأمن القومى المصرى. هكذا هو الحال مع محمد أنور عصمت السادات، عضو البرلمان السابق، وكيل مؤسسى حزب الإصلاح والتنمية، الذى بات هدفه الأول الوصول لحسين سالم «جليس الرئيس» كما يسميه. يقول السادات إن سالم يتحمل النسبة الأكبر فى فساد الحياة السياسية فى مصر ومن عداه لعبوا أدوارا ثانوية. ويتهمه بالسيطرة على رؤية مبارك التى وصفها بـ«محدودة الفكر»، وإفساد البقية الباقية منها، لتصبح التقارير الرقابية من الجهات المعنية التى تصل إلى مكتب الرئيس السابق بلا أهمية. يؤكد السادات أن ملف حسين سالم ملىء بالمفاجآت لا بسبب التربح واستغلال النفوذ فحسب، ولكن بسبب لعبه فى السياسة العامة لمصر إلى حد تهديد حمدى البنبى، وزير البترول الأسبق، وهو فى منصبه، بأنه سيحضر سامح فهمى بدلا منه. وإلى نص الحوار معه:
■ كيف بدأت مواجهتك وملاحقاتك لحسين سالم؟
ـ بدأت منذ كنت عضوا بمجلس الشعب حينما قدمت أول استجواب ضد سامح فهمى، وزير البترول، فى عام 2006، بسبب ما كان يحدث من انتهاكات وتجاوزات فى قطاع البترول، وكان على رأسها قضية تصدير الغاز لإسرائيل. وقتها طلبنى الدكتور فتحى سرور وطلب منى التفاهم مع وزير البترول حتى لا نفجر مشكلة، فقلت له إنه لا مجال للتفاهم لأن المعلومات التى قدمت بسببها الاستجواب تؤكد الكثير من الوقائع الخطيرة ولا يمكن السكوت عليها. ثم حدث أننى تعاملت فى استجواب آخر فى ملف جمال مبارك، وأسامة الشريف، وعمر طنطاوى، اللذين كانا يديران ثروة جمال فى الخارج وهما الآن خارج مصر، وكان الاستجواب يتعلق بميناء العين السخنة وبعض تجاوزات الأراضى شمال غرب خليج السويس. ولذا كانت القضية التى افتعلوها لإقصائى من المجلس ولكن أنصفتنى المحكمة بتبرئتى. وفى استجواب وزير البترول لم يكن الموضوع متعلقاً بتصدير الغاز المصرى لإسرائيل فقط، ولكنه امتد لتصدير الغاز لإسبانيا أيضا، ومن يقرأ تفاصيل تلك الصفقات يعرف أن مصر كانت تباع نهارا جهارا وبلا رقيب.
■ ولكنك تولى فكرة القبض على حسين سالم اهتماماً كبيراً.. لماذا؟
ـ فى اعتقادى أن حسين سالم مفتاح لكثير من الألغاز بحكم علاقته برئيس الدولة السابق. وكان يمتلك الكثير من الصلاحيات التى تجعله على صلة قوية جدا بالشخصيات العالمية والمحلية التى تمثل دائرة علاقات مبارك. هناك صفقات سلاح مع إسبانيا كان طرفاً فيها على سبيل المثال. وجميع رؤساء وملوك العالم الذين كانوا يأتون لزيارة مبارك فى شرم الشيخ كان حسين سالم يلتقى بهم ويشرف على ترتيبات الزيارات الخاصة بهم. كان أخطبوطاً يتعامل فى كل شىء وله يد فى علاقات مصر مع إيران وإسرائيل ودول أفريقيا. ولذا لم ينتظر حتى تنحى الرئيس، بل أخذ طائرته وسافر دبى عقب اندلاع الثورة، وعلمت من مصادر موثوق بها أنه كان بحوزته 500 مليون دولار وتم التحفظ على ما معه من مال حتى تلقت السلطات هناك اتصالا من شخصية سيادية كبرى قريبة من مبارك ـ لن أذكر اسمها ـ طلبت منهم السماح له بالرحيل بما معه من مال. فهذا الرجل لا يمتلك خزانة المال فقط للرئيس السابق ولكنه يمتلك أيضا خزانة الأسرار الخاصة بأمور تمس الأمن القومى لمصر، ويصعب علىَّ أن يظل فى الخارج يخرج لنا لسانه ويتمتع بما هو من حقه وبما ليس من حقه.
■ لهذا كنت على رأس الوفد الوحيد الذى سافر سويسرا للمطالبة بإعادة الأموال المنهوبة؟
ـ ليس سويسرا وحدها ولكن لندن أيضا وكان معى وفد شعبى، وحاولنا جمع معلومات عن ملف الأموال بوجه عام، والصناديق التى تم وضعها بها وكيفية تتبع شركات إدارة الأموال الخاصة بهم. وحصلت على معلومات عن شركة «بوليون» التى يديرها وليد كابا وعمر طنطاوى، وشركة «ميد انفست» التى يديرها شريف طنطاوى ووليد شاش، وهؤلاء الأربعة أصدقاء جمال مبارك من أيام الجامعة ويديرون ثروته فى لندن وسويسرا، وتقدر بمبلغ يتراوح بين 5 و6 مليارات دولار متمثلة فى إدارة عقارات وسندات أموال سائلة. وبعض هذا المبلغ يخص استثمارات جمال مبارك وبعضه الآخر إيداعات صناديق الاستثمار فى البنوك المصرية. لأن بعض هذه البنوك كان يستثمر فى صناديق جمال مبارك، لتدخل له نسبة ربح تتراوح بين 10 و30% بإيداعات المصريين. وهذه معلومات موثقة وضعناها على مكتب النائب العام.
■ هل ترى أن هناك تعاملاً جاداً مع ملف استعادة الأموال من رموز النظام السابق، خاصة بعد قرارات الإفراج الأخيرة؟
ـ نعم هناك جدية رغم حالة الإحباط التى تسود الشارع المصرى، خاصة بعد قرارات الإفراج بكفالة عن بعض الرموز بعد ما ذكر عن حجم أموالهم، ولكن إجراءات تلك القضايا تستغرق وقتا طويلاً. هذا غير الهاربين، وعلى رأسهم حسين سالم، الذى أتوقع القبض عليه وفقا لمعلومات أتابعها بنفسى قريبا من خلال الإنتربول الدولى، والنيابة تعمل فى مناخ صعب جدا عبر تضخم أرقام قضايا نهب الأموال.
■ وهل أنت مقتنع بأن ما تملكه سوزان مبارك فقط 4 ملايين دولار؟
ـ بالطبع لا، وهذا الأمر أصاب الناس كلها بصدمة ورأيى أن كل من تسبب فى فساد سياسى أو نهب ثروات البلد لا يمكن التساهل معه. التصالح فقط مع من شارك فى قضايا اقتصادية يمكن علاجها برده ما أخذ من مستحقات دون وجه حق حتى تسير عجلة الحياة.
■ هل التقيت بحسين سالم فى أى مناسبات سابقة؟
ـ نعم التقيت به فى بعض المناسبات القليلة جدا، وكان يتباهى لبعض الشخصيات المشتركة بأنه أقصانى عن المجلس لمجرد أننى تجرأت وقدمت استجواباً ضده فى صفقة الغاز.
■ ما المفاجآت التى تقول إن ملف حسين سالم يحتويها؟
ـ الموضوع لم يكن فقط إدارة الغاز وصفقاته، ولكنه كان يدير إمبراطورية فساد واستغلال نفوذ كان مبارك فى خلفياتها، وليس بالضرورة أن يكون مبارك قد شارك فيها حتى أكون منصفا، ولكن هو من وضع نفسه فى ذلك الموقف. ووصل الأمر بحسين سالم أن هدد حمدى البنبى، وزير البترول الأسبق، عندما رفض صفقة الغاز لإسرائيل أنه سيأتى بسامح فهمى وزيراً. وكتب لسامح فهمى عندما تولى وزارة البترول ولرئيس هيئة البترول بأنه تقرر إنشاء شركة غاز شرق المتوسط. وكأنه هو من يقرر لوزير دولة وهذا الخطاب فى ملف القضية لدى النائب العام. حتى عاطف عبيد كتب له خطاباً وهو رئيس وزراء يقول له فيه يسعدنى نقل تحياتى وبلاغك بسعادتى لتوقيع عقد تصدير الغاز. وهذا يوضح حجم الفساد الذى تسبب فيه الرجل. وحجم النفوذ الذى كان يتمتع به فى إدارة الأمور.
■ ترددت أنباء عن وجود حسين سالم فى إسرائيل وامتلاكه جواز سفر إسرائيلياً.. ما مدى صحة ذلك؟
ـ سمعت هذا الكلام ولكننى لست متأكداً منه، ولكن ما هو مؤكد بالنسبة لى أنه قريبا سنرى هذا الرجل مقبوضا عليه وأنا أعى ما أقول عبر معلومات موثقة وأعرف ما تبذله النيابة المصرية من جهود مكثفة مع الإنتربول للقبض عليه.
■ البعض يتخوف ألا يكون هناك تكييف قانونى للتهم الموجهة لحسين سالم.. فبأى تهم نُحاكم حسين سالم؟
ـ أطمئن المتخوفين بأن هناك الكثير الذى سيحاسب عليه حسين سالم، وقد استعدت النيابة المصرية لذلك الموقف، يكفى أن نذكر أراضى شرم الشيخ التى أخذها بلا ثمن تقريبا، وكيف باع للبنك العقارى الفيلات فى شرم الشيخ وحصل على ماله مقدما، وعقد تصدير الغاز لإسرائيل، وشركة ميدور التى أسسها مع صديقه الإسرائيلى يوسى ميانمان بقروض من بنوك مصرية ثم بيعهما أسهم تلك الشركة للحكومة المصرية بأسعار خيالية.
■ وفقا للقانون من الممكن الدفاع عنه بأنه رجل أعمال لم يجبر أحداً على بيع أو شراء شىء. الحكومة المصرية هى من سعى للبيع والشراء؟
ـ النيابة العامة تعمل باحتراف وتجهز له ملفات عديدة، ما يزعجنى فقط أنه مازال طائرا بعيدا عن يد القانون فى مصر، خاصة أن ملفه به أدوار تتعدى البيزنس والتجارة بل وتتعلق بالأمن القومى العربى والمصرى، تصل لحد الخيانة العظمى وأنا أجمع لها الوثائق.
■ كم يتحمل حسين سالم من وجهة نظرك فى نسبة الفساد فى مصر؟
ـ كان لاعباً رئيسياً فى الفساد ويليه مجدى راسخ، والد زوجة علاء مبارك، بالطبع هناك أسماء أخرى كنا نراها فى جمعية المستقبل والمحيطين بجمال مبارك، ولكن حسين وراسخ، يتحملان النسبة الأكبر. فمن يعرف بدايات الرجل يعرف أنه أخذ من مصر الكثير. فبداية حسين سالم كانت كموظف مدنى فى جهاز المخابرات ولم يكن عسكرياً كما أشيع، وخرج من الجهاز عام 1978. وقتها كان أبوغزالة ملحقاً عسكرياً فى واشنطن، ومنير ثابت مسؤولاً عن مكتب المشتريات وأنشأوا مع حسنى مبارك، وقت أن كان نائب رئيس، شركة بدأ عملها مع بداية شراء مصر للأسلحة الأمريكية بعد توقيع معاهدة السلام، وتولى حسين سالم عبر شركته التى سماها «تراسام» ثم «فور وينجز» نقل السلاح لمصر. ووطد علاقته بمبارك وأبوغزالة إلى أن انتهى أبوغزالة مع زيادة مساحة الخوف منه فى الجيش.
■ فى رأيك ما أخطر أفعال حسين سالم التى أضرت بمصر؟
ـ أنه أوصل الرئيس السابق مبارك إلى أنه لم يعد صاحب مواقف رسمية قوية فيما يتعلق بالصراع العربى ـ الإسرائيلى، كان جليس مبارك وأقنعه بما يتبنى من أفكار. ومع احترامنا لمبارك لكنه كان رجلاً محدود الرؤية والفكر، وبالتالى سيطر الجليس على رأس الرئيس. وأفسد البقية الباقية فى رؤية مبارك، حتى التقارير التى كانت تصل إليه من الأجهزة الرقابية لم تكن لها قيمة لأنه كان يبث له أفكاره هو، فاعتمد عليه وصغر من حجم مصر فهانت على يد من يفترض أنه كان حاميها. ولذا فاهتمام المواطن العادى بالقبض على حسين سالم يفوق اهتمامه بالقبض على يوسف بطرس غالى، ورشيد محمد رشيد، اللذين تم إدراج اسميهما على النشرة الحمراء مع حسين سالم.