اهتمت الصحف الفرنسية، برصد وقائع الانتخابات في مصر، ومؤشرات المشهد البرلماني القادم، في أول انتخابات نزيهة تشهدها البلاد منذ أكثر من نصف قرن، وركزت الصحف على صعود التيار الإسلامي، مقابل تراجع أسهم ميدان التحرير لدى البعض، كمركز لصناعة الثورة.
حى شبرا هو الذى اختاره مراسل صحيفة «لوفيجارو» عند تغطيته الانتخابات البرلمانية (المرحلة الأولى)، وتخير أن تشمل سطوره الأولى وصفاً لطابور نسائى طويل أمام مدخل إحدى المدارس التى جرى فيها الانتخاب. حاول المحرر أن يكون موضوعياً حين أكد الإقبال النوعى والعام من المصريين على هذا الفعل الديمقراطى، وهم الذين لم يكن يعنيهم من قبل الأمر من الأصل. «هذه أول مرة أنتخب فيها»، هكذا شرح أحد المواطنين وأضاف «نحن أحرار فيمن نختاره». ثم يتحول المحرر إلى التركيز على محور واحد فى التغطية يشير بشكل عام إلى تفوق الإسلاميين من ناحية وإلى أن ثمة تدخلات وقعت من بعض مندوبى الأحزاب من ناحية ثانية. فهناك سيدة محجبة نقل على لسانها هذه الجملة: «تختار فى ورقة قائمة وفى الأخرى مرشحين، ولا تنسى حزب الحرية والعدالة». ثم يتدخل: لم يكن على السيدة التى ترتدى حول عنقها «بادج» حزب الحرية والعدالة قول المزيد.
استعان الصحفي بمصدر آخر، سيدة ومحجبة أيضاً وانتقدت حزب الإخوان: «كنت فى التحرير والثورة هى التى جاءت بالانتخابات الحرة وليس الإخوان لكن الأحزاب الثورية لا تمتلك الإمكانيات لحملات انتخابية». وفى التقرير ذكر المحرر تدخل حزب النور، وأشار أيضاً إلى حزب الوسط الذى يعبر عن الإسلام المعتدل على لسان إحدى الناخبات التى اختارته لكنه نقل على لسانها ما يلى: «لا يجلب لنا ميدان التحرير إلا المشاكل»، ثم نقل سريعاً رد فتاة أخرى عليها: «التحرير هو سبب وجودك هنا».
أما مراسل مجلة «لونوفيل أوبزرفاتور» (كلود جيبال) فانطلق فى معالجته (عدد 1 ديسمبر) من فكرة مركزية مؤداها أن الانتخابات البرلمانية المصرية جرت فى ظل حالة من الانقسام الشديد بين مصرين، كما عبر عنوان التقرير: أغلبية صامتة فى مواجهة الشباب: «صدمة مصرين». وجسد المحرر فكرته من خلال سرد لأقوال مواطن مصرى فاعل فى مظاهرات التحرير رفض الذهاب لانتخابات طالما حلم بها وذهب لينام وبفمه مذاق مر بسبب «الثورة التى تفر»، حسب وصف «جيبال»، فهو يرى أن لا شىء تغير، بل ربما ازداد الوضع سوءاً.
وأكد المحرر الفرنسى أن «أبطال مصر الآن هم شباب التحرير» ووصفهم بأنهم «هؤلاء الذين تلتقيهم التليفزيونات الغربية بين الوجوه الليبرالية، قدامى المناضلين، شباب الثوريين من اليسار المتصلين على الـ«فيس بوك»، «من كل هؤلاء الذين رأيناهم هنا فى يناير والذين يستمرون هم أيضاً فى قول لا للعسكر وبشكل عنيد». ثم ينتقل المحرر إلى رمز آخر يشير به إلى المعسكر الثانى، سيدة مصرية تدعم الجيش «الجيش هو النظام، وهو الوحيد القادر على قيادتنا وسط الفوضى». ويضيف الصحفي: «فى المحافظات الوضع أكثر سوءاً»، لأن «كل واحد على قناعة أن الثوريين ممولين من قبل المتآمرين التقليديين أمريكا وإسرائيل».
ويعود التقرير بنا إلى دائرة قصر النيل لنقرأ مواجهة صنعها «جيبال» بين أحد المنتمين إلى حزب الحرية والعدالة وآخر معارض لها، الثانى يؤكد أنهم يسيرون وراء مصالحهم لذلك يتفاوضون مع المجلس العسكرى، والأول يؤكد أنه لابد من الاستجابة لما يريده الشعب والشعب لا يريد القطيعة مع الجيش.
وقدمت صحيفة «لونوفيل أوبزرفاتور» فى عددها الصادر هذا الأسبوع تحليلاً أكثر عمقاً كتبه كريستوف بولتانسكى لتقدم التيارات الإسلامية فى الانتخابات البرلمانية فى كل من تونس والمغرب ومصر، طرحت المجلة بعض الأسئلة على عدد من أبرز الخبراء فى الشأن العربى وفى الإسلام السياسى. سألت لماذا تحول الربيع العربى إلى الربيع الإسلامى. رأى جون بيير فيليو، أستاذ العلوم السياسية، أن التيارات الإسلامية فى العالم العربى جنت مكاسب ثورات لم تشارك فيها أو شاركت فيها بقدر يسير، وأرجع أوليفيه روا، مدير مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية بباريس، الأمر إلى حالة الفراغ السياسى السائدة وسط ثورات لم تشهد لها زعماء ثوريين، فظل الإسلاميون الجماعة الوحيدة المنظمة ووجدوا أنفسهم فى قلب اللعبة.
وفسر فيليو نجاحهم فى الصناديق بأنها مثلت تعبيراً عن انتقام من كانوا منفيين ومعتقلين، فالديكتاتوريون حولوهم إلى رموز بديلة بقمعهم لهم وبتركيز دعاياتهم ضدهم. لكن هل يمكن الحديث عن خريف أصولى؟ يشدد أوليفييه روا أنه على عكس ما يبدو، فالإسلاميون ليسوا فى السلطة وهم ربحوا فى إطار ديمقراطى ستواجههم صعوبات فى العمل فى إطاره، خصوصاً أنهم لا يمثلون جماعات متناغمة، لذا «هم مضطرون للتفاوض وعقد الاتفاقات وتشكيل تحالفات».
ويضيف جون بيير فيليو. وفى هذا الإطار يذهب أوليفييه روا إلى القول إن العالم العربى دخل فى طور «ما بعد إسلامى»: يقول: «بغض النظر عن تصنيفهم، سيكون على الإسلاميين تغيير برنامجهم وأن يجعلوه متوافقاً مع الإطار البرلمانى. لن يكون فى سلطة أحد أن يطالب باحتكار الإسلام، لن يستطيع السلفيون، على سبيل المثال، نزع الشرعية عن الإخوان المسلمين، وإلا تعرضوا للعزلة داخل البرلمان. الحقل السياسى شديد التنوع وهذا يجعل الديمقراطية ممكنة».