مسيحيون سوريون: الأقليات تدفع ثمن الثورة.. وعلينا الاختيار بين الخضوع للضباط أو للعمائم

كتب: رويترز الخميس 19-05-2011 15:11

تراقب الأقلية المسيحية في سوريا عن كثب الاحتجاجات التي تجتاح بلادهم بقدر من الخوف من احتمال أن تتهدد حريتهم الدينية في حالة الإطاحة بحكم الرئيس بشار الأسد.

ويمثل المسلمون السنة أغلبية السكان في سوريا لكن خلال حكم الأقلية العلوية المستمر منذ أكثر من 40 عاما تمتعت الطوائف الدينية المختلفة بحق ممارسة شعائرها.

وتتردد أصداء الأذان في الوقت الذي تقرع فيه الكنائس أجراسها في دمشق حيث ظل المسيحيون يباشرون شعائرهم الدينية طوال ألفي سنة.

لكن بالنسبة للكثير من المسيحيين السوريين فإن الاضطرابات الطائفية التي يعاني منها العراق المجاور والهجمات التي تعرض لها مسيحيون في مصر في الآونة الاخيرة أبرزت المخاطر التي يخشون منها في حالة إذعان الأسد لموجة من الانتفاضات التي تجتاح العالم العربي.

وقال المطران يوحنا إبراهيم مطران السريان الأرثوذكس في حلب «بالتأكيد المسيحيون بشكل عام هم مع الدكتور بشار الاسد ومع النظام ويتمنون أن لا تمتد هذه الزوبعة كثيرا».

واندلعت الاحتجاجات في سوريا قبل شهرين بسبب الغضب والإحباط من الفساد المستشري والافتقار إلى الحرية في البلد الذي تحكمه عائلة الأسد بقبضة حديدية منذ نحو أربعة عقود.

وعلى الرغم من أن بعض المسيحيين ربما شاركوا في الاحتجاجات فإن المؤسسات الكنسية لم تعلن تأييدها لها.

وقال مسيحيون اتصلت بهم «رويترز» إنهم يؤيدون مطالب الإصلاح لكنهم لا يؤيدون مطالب «تغيير النظام» وهو ما قالوا إنه سيؤدي إلى تفتت سوريا وربما يعطي اليد العليا لجماعات إسلامية تحرمهم من حرية العبادة.

وقال حبيب افرام رئيس الرابطة السريانية وأمين عام اتحاد الرابطات اللبنانية المسيحية ورئيس سابق للاتحاد السرياني العالمي «المسيحيون هم مع الحوار ودفع البلاد في طريق الاصلاح بدون استخدام العنف الذي يمكن أن يولد فعل وردود أفعال في كثير من الحالات. المشكلة مع الاضطرابات الاخيرة في سوريا هو أن الأمر يأخذ بصورة غير مباشرة الهوية الدينية أكثر من المدنية».

ومضى يقول «المسيحيون في سوريا على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم أو قومياتهم أو لغاتهم يعتبرون أنفسهم أولا مواطنين.. أبناء الأرض.. من روم أرثوذكس إلى سريان إلى أرمن إلى موارنة إلى إنجيليين إلى آشوريين إلى روم كاثوليك».

وأضاف «نعم هناك خشية من سقوط النظام. إن أي انقسام طائفي أو مذهبي في أي وطن ليس في مصلحة المسيحي. إن المصلحة الاولى للمسيحي هو دولة قانون ومساواة وأمن واستقرار. أكيد يتمنى مزيدا من الحريات ومن الإصلاحات ومن النهضة ومن حقوق الانسان واحترام التنوع والتعدد وحقوق الجماعات بكل أبعادها.. لكنه يدرك أن هذا التطور مرهون بظروف معقدة».

ويعتقد أن المسيحيين يمثلون 6% من سكان سوريا بعد ان كانت نسبتهم 10% في مطلع القرن. ولا توجد إحصائيات رسمية بنسب الطوائف وأتباع الديانات في البلاد التي يبلغ تعدادها 23 مليون نسمة.

وللمسيحيين حقوق متساوية مثل المسلمين وكذلك يخضعون للقيود ذاتها المفروضة على المسلمين لكن هناك بندا في الدستور ينص على أن رئيس البلاد لابد أن يكون مسلما.

وقال مصدر كنسي «بما لا تكون المجموعة العرقية التي ننتمي لها أو لغتنا معترفا بها ولا يسمح لنا بتشكيل حزب لكن هذا هو حال كل السوريين»، مضيفا أن الاختيار المتاح أمام الأقليات في الشرق الأوسط «هو إما الخضوع لحكم الجيش أو العمائم».

وفي منطقة تواجه فيها الأقليات تحديات متزايدة وتتصاعد فيها التوترات بين المسلمين السنة والشيعة ما زالت سوريا تبدو كملاذ للكثير من المسيحيين.

وتعرض المسيحيون العراقيون للاستهداف من حين لآخر بأعمال العنف التي أعقبت الغزو الأمريكي عام 2003 . وقتل 52 شخصا في هجوم استهدف كاتدرائية في بغداد في أكتوبر الماضي.

وفي مصر لقي 12 شخصا حتفهم في إمبابة الأسبوع الماضي في اشتباكات أشعلتها شائعات عن أن مسيحيين خطفوا مسيحية اعتنقت الإسلام.

ومضى المصدر الكنسي يقول «التغيير الذي جاء على يد الجيش الأمريكي في العراق لم يحم المسيحيين والتغيير الذي جاء على يد الشعب في مصر غير قادر على حماية المسيحيين»، وتابع «الأقليات هي التي تدفع ثمن تلك الثورات».

ويلمح بعض المسيحيين هذه النزعة الطائفية في هتافات أطلقها متظاهرون في سوريا مؤخرا.

وقال سامر لحام مدير العلاقات المسكونية والتنمية في بطريركية الروم الأرثوذكس في دمشق إن مسألة انطلاق الاحتجاجات بعد صلاة الجمعة -التي تتيح ملتقى نادرا بين السوريين بشكل مشروع- أدى إلى إضفاء هوية دينية على المظاهرات.

وتابع أن المسيحيين «لا يمكن ان يكونوا جزءًا من مثل تلك الممارسات» على حد قوله لكنهم يؤيدون إجراء إصلاحات ملموسة على مختلف المستويات وأن تكون تلك الإصلاحات ببطء ومتواصلة.

وأضاف لحام أن المسيحيين يخشون من أن تكون الخطة هي تحويل سوريا إلى نظام ديني يحكمه من ليس لديهم ثقافة احترام الآخر.

وقضى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والد الرئيس الحالي على ما قال إنها انتفاضة مسلحة قام بها أعضاء في جماعة الاخوان المسلمين في مدينة حماة شمال البلاد عام 1982. ولكنه في سبيل القضاء على هذا «التمرد» قتل نحو 30 ألف شخص بالمدفعية الثقيلة والطيران الحربي.

وقال المطران إبراهيم إن الكنائس لا تشجع الناس على المشاركة في المظاهرات ولا المشاركة في ممارسات ينظر لها على أنها معادية لحكم الأسد.

وأضاف «في كل خطاب دائما نحكي أن المسيحي يجب أن يكون له موقع في سوريا من خلال المواطنة وليس من خلال أنه هو ينتمي إلى الاقلية.. نحن لا نحب لغة الأقلية والأغلبية».

وأردف قائلا إن المسيحيين لهم نفس رأي المحتجين فيما يتعلق بمعارضة الفساد والرشوة وضرورة إجراء إصلاحات لكن كل تلك المطالب يجب ألا تجعل الناس يدمرون منازلهم وبلدهم بأيديهم.

وقال إنه متأكد من أن 80% من المسيحيين يحضرون للكنيسة للاستماع إلى رأيها بشأن الاحتجاجات وهم يلتزمون بموقفها، على حد قوله.