نظرة واقعية للأمور

أيمن الجندي الأحد 30-09-2018 05:16

مشكلة الروايتين، السلفية والشيعية، فى قراءة الأحداث التى تلت وفاة النبى أن كلتيهما اعتبرت ما حدث جزءًا من العقيدة وليس اختلافاً سياسياً بين المسلمين. فبرغم أن العقيدة السلفية تُنظّر دائما أنه لا أحد معصوم إلا النبى، فإنها- لحظة التطبيق- تستميت فى نفى حدوث الخلاف بين الصحابة، وكأنما لم يُقتل فى الحروب الداخلية عشرات الألوف!.. وأقصى ما يقولونه إنها (فتنة)!.. كما لو كان وصفها بالفتنة يعفى من المسؤولية عن هذه الأرواح التى أُزهقت بلا ضرورة.

أما الرواية الشيعية فمشكلتها أكبر، لأنها تعتبر إمامة علىّ وذريته من بعده جزءاً من الدين. وهو ما نفاه بشدة- كما أسلفنا بالأمس- حفيده العظيم زيد بن على بن الحسين.

■ ■ ■

علينا أن نتذكر دائما أنه بمجرد وفاة النبى فقد انتهى تاريخ الإسلام وبدأ تاريخ المسلمين. وأنه تاريخ بشر يصيبون ويخطئون. ومن الجائز جداً أن يختلف النبلاء ويكون لكل واحد منهم وجهة نظره. والعمل يُصدّق النية أو ينفيها. فبرغم اعتقاد زيد أن جده عليا هو الأفضل- وذلك أيضا ليس ديناً- وكذلك تفضيل السنة لأبى بكر، فإن سيرة الشيخين بالعدل والإصلاح وحقيقة أنهما لم يستفيدا بالمنصب ولم يورثاه، هى التى جعلت آل البيت يثنون عليهما كل الثناء.

■ ■ ■

لا أحد يستطيع إنكار أن الإمام على لم يعتزل الشيخين، وأنه كان نِعم الناصح لأبى بكر الصديق ومن خلفه عمر وعثمان، ويكفى للدلالة على ذلك ما يلى:

1- تسميته أولاده بأسماء الخلفاء الثلاثة: أبى بكر وعثمان وعلى.

2- تزويجه لابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب.

3- احتضانه محمد بن أبى بكر الذى تربى فى بيته بعد زواجه من أرملة الصديق.

4- إخلاصه النصيحة لعمر حينما هَمّ بقيادة الجيوش الإسلامية أثناء الفتوح، فطلب منه البقاء بالمدينة ليكون عَلَما يرجع إليه الناس فى حالة الهزيمة.

هذه نصيحة مخلص وليست نصيحة موتور.

■ ■ ■

وهذه النظرة الواقعية للأمور هى عين ما نادى به ابن الحديد الشيعى المعتزلى: «فأما الأفاضل من المهاجرين الذين ولّوا الإمامة قبله (يقصد أبا بكر وعمر وعثمان)، فلو أنكر إمامتهم وغضب عليهم وسخط فعلهم، فضلا عن أن يشهر عليهم السيف، لقلنا إنهم من الهالكين، كما لو غضب رسول الله، لأنه قد ثبت أن رسول الله قال: «حربك حربى، وسلمك سلمى» وأنه قال: «اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه»، وقال له: «لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق». ولكننا رأيناه رضى إمامتهم وبايعهم، وصلى خلفهم، وأنكحهم وأكل فيأهم، فلم يكن لنا أن نتعدى فعله ولا نتجاوز ما اشتهر عنه».

وختم الحديث بقوله: «والحاصل أننا لم نطعن فى أكابر الصحابة الذين لم يصح عندنا أنه طعن فيهم».

■ ■ ■

هذه هى النظرة الواقعية للأمور.