«رصاصات حكمت بالإعدام على فتاة رفعت شعار الحرية»، هي عبارات وداع انطلقت من قلوب حزينة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على فراق وصيفة ملكة جمال العراق السابقة، الشابة تارة فارس شمعون، فثلاث طلقات أنهت حياتها أثناء تواجدها بسيارتها في العاصمة العراقية بغداد، عصر الأربعاء، ونُقلت جثتها على الفور إلى مستشفى الشيخ زايد وسط العاصمة، وتجري وزارة الداخلية العراقية التحقيقات في مقتلها.
تلك الفتاة التي اعتادت على التصرّف بطبيعية، ربما تسببت بجدل بفعل فيديوهاتها وصورها، لكن غيابها يحرّك مشاعر الإنسانية، وينعيها الإعلاميون العراقيون، وقال أحمد البشير، خلال تغريدة: «كل واحد ينطي مبرر لقتل فتاة مجرد أرادت تعيش حالها حال أغلب فتيات هذا الكوكب هو شريك بقتلها، كل واحد متشمت بقتل إنسانة قدمت نفسها على أنها تحب الحياة فقط هو شريك بقتلها، الرحمة والخلود لروح تارة فارس».
وتضيف سهير القيسي، وهي صحفية عراقية: «للأسف تأكد خبر مقتل الشابة تارة فارس في هجوم مسلح في بغداد اليوم، يشار إلى أنها كانت من البلوجرز المؤثرات ولها متابعون كثر، مسالمة ولم تؤذِ فيما تصرح به أي جهة أو شخص». لكن ربما تتساءل حول الفتاة: «ومن هي التي أثارت كل هذه الضجة؟».
«فارس» هي فتاة تعشق الأزياء والظهور بإطلالات تعكس جرأتها، لم تتجاوز بعمرها سن الـ25 عامًا، حيث إنها من مواليد 1996، تذكر عبر صفحتها على «فيسبوك» أنها درست بكلية الفنون جامعة بغداد، رغم أنه يتداول حصولها على شهادة الإعدادية فقط، تصف نفسها بأنها «ناشطة إنسانية»، تقطن بالإمارات العربية وعاشت مع أسرتها في الأردن لفترات من حياتها، والدها عراقي الجنسية أما والدتها لُبنانية، قاست في بداية حياتها من الزواج المُبكر، فمجرد أن وصلت إلى سن الـ16 عامًا، كان عريسها يقرع الباب طالبًا الزواج، حتى إنه كان يرفض استكمالها دراستها، لم تكن الشابة تدرك منذ البداية الحياة الجديدة ومرارتها إلا بعدما تزوجت وعاشت داخل منزل رجل وأسرته ولكل فرد بتلك الأسرة بصمته المدمرة في حياة المراهقة.
عاشت مرحلة من القمع، كان لها دور في بحثها عن الحرية والسعادة بعد طلاقها من الرجل، وتحرر الطير من القفص الخانق للحياة، فكان طليقها ينوي قبل الزواج منعها من الخروج من المنزل، وهي الخطة التي بدأ بتطبيقها عقب زواجهما، وبأحد الأيام التي ظلت تتذكرها «فارس» حتى بعد الطلاق، كانت تناقشه وترغب في الخروج مع أسرتها أمام عائلتها.
فيقف طليقها ويضربها أمام والدها ووالدتها، حتى إنه ترك آثارا على جسدها بضربه، وعلّقت «فارس» على الموقف: «أذاني»، قررت تركه في هذه اللحظة عائدة إلى منزل الأهل، إلى أن علمت بخبر حملها فيرغب في عودتها للمنزل لكنها ترفض العودة، وتنجب الطفل وتسميه «أمير»، وتحكي أنه أخذ الطفل من بيتها بطريقة قاسية.
انتهت المرحلة القاسية بالطلاق واتجهت إلى عروض الأزياء وعالم الجمال، ووصفت المرحلة الجديدة من حياتها: «صار عندي حياة جديدة، وأنا ماشية بحياتي، وتاركة الماضي ورايا، أنا تعبت بحياتي وتأذيت، وأمي وأبويا باعوني، أنا ما أقدر أقول الناس اللي باعوني لأنه عيب بحقي، لأني سامحتهم لأنهم أهلي، ومقدرة كل شىء».
وظلت الفترات الأولى من حياتها حتى بعد الانفصال تترك أثرا على نفسيتها، فكتبت خلال حسابها بـ«فيسبوك»، دون إيضاح من كاتب الكلمات الحقيقي، هي أم غيرها: «وعلى المجتمع أن يحترم الأنثى وليس الذكر لأنها من تحمل الأحزان بقلبها بوجه مبتسم، وهي من تتحمل الظلم بصمت قاتل، هي من تعاني لتنجب روحا على هذه الدنيا».
وتعبّر عن الحالة التي كانت تعيشها: «وعلى ماذا تحصل المرأة؟» وتستكمل: «فكل ما تحصل عليه، هو مزيد من الآلام والجروح لتحملها قلبها الحنون، ومزيد من الخيانة لتحطيم ذالك القلب الرؤوف، فهل ستلوموننا على ما نحن عليه الآن، تلوموننا على ما صنعته جشاعتكم؟ تلوموننا على قلوبنا المجروحة ليس لديكم حق في أن تقولوا إننا مضطربات إننا كاذبات، إننا نكرهكم، إننا نلجأ إلى بعضنا، إننا نبتعد عنكم ليس لديكم الحق أبدا في لومنا على ما نحن عليه اليوم، أنتم من صنع منا مخلوقا يكره كونه في هذا المجتمع.. حطمتوا سعادتنا بتفرقتكم والآن تبحثون عن أنثى تحترمكم، تحترم غباءكم وخيانتكم، لن تحصلوا على تلك الأنثى، لأنها أعدمت من هذا العالم المريض المتخلف».
تتوالى فيديوهات الشابة، التي كانت تميل إلى مشاركة متابعيها أدق تفاصيل حياتها، بين مشهد وتنتظر بأحد المطاعم ولقطات تعرض أحدث إطلالتها وملابسها وصورا من وجباتها الغذائية، بل أطلقت فيديوهات وتوضح «كيف تصنع مكياجها؟»، وتضع مستحضرات التجميل تدريجيًا، وتصل نسب مشاهدات فيديوهاتها الآلاف، عبر حساباتها الشخصية، وعن اختيارتها الجريئة بالملابس تعلّق: «أنا بلبس باختياري بحريتي».
وتحلّ ضيفة في برنامج «عالسهرة» العراقي مع الإعلامي ساري حسام، في أبريل الماضي، وتتحدث عن طفلها بعدما تقدّم العمر بالصبي قائلة إنه سافر إلى تركيا مع والده، حتى أن طليقها أسماه «آدم» بالأوراق الرسمية وشهادة ميلاده وعدّل من اسمه السابق، معبّرة عن اشتياقها للطفل، وخلال الحلقة سلطت الضوء على ديانتها: «أسلمت أنا وأبي وأمي من زمان عن قناعة»، ولفتت إلى أنها تفضّل وصفها بـ«الفاشونستا» مبررة أنها تعمل بعروض الأزياء والإعلانات وجلسات التصوير ولقاءات ببرامج.
خلال فترة عملها بمجال الأزياء كانت تتعرّض للرفض من جانب عائلتها فهي تسافر بكثرة وتعيش وحدها، حتى عادوا يتصالحون بعد أن آمنوا بقدرتها على تحمل مسؤوليتها، موضحة: «لما شافوا أني إنسانة مستقلة ومسؤولة وعشت وحدي وما سويت أي خطأ»، حلمت بأن تصبح امرأة تطلق المشاريع بل والـ«Business Women» رقم واحد بالعراق.
طالما تلّقت الهجوم، حيث اعتبرها الكثيرون «أيقونة للجرأة»، بسبب صورها وفيديوهاتها الجريئة، وخرجت شائعات حول وفاتها منذ ما يقرب من الشهر، والتي قررت الردّ خلال فيديو: «الواحد مريض وتعبان وتجيلك ناس مريضة ينزلون صورك ويكتبون إلى رحمة الله، يعني حتى الميت ما عم يخلص منكم، ومن لسانكم ومن كذبكم»، ويبدو أن الفتاة كانت تميل إلى سماع الفنانة نانسي عجرم، فكانت من بين المتابعين لصفحتها على «فيسبوك». كما كانت تميل إلى التفاعل عبر «إنستجرام» و«تويتر وسناب شات» بكثافة، ونعت الفتاة العديد من الصحف البريطانية، وعلى رأسها «مترو» و«ذي صن» حتى صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية ونشرت صورها.