«صدام مؤجل».. توغل روسي في سوريا على حساب الدور الأمريكي (تقرير)

كتب: عمر علاء الجمعة 28-09-2018 01:39

لا يبدو اتفاق إدلب مجرد محاولة لتهدئة الوضع المتأزم في سوريا، بل مؤشر على مدى قوة تأثير القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط. كل الحسابات السياسية تقول إن الكثير من التغييرات قد طرأت على قوة وتأثير كل من روسيا والولايات المتحدة في المنطقة.

لم تعد أمريكا ترغب في التورط بشكل مباشر في الصراعات كما حدث في العراق، وباتت تكتفي بضربات جوية، ودعم لقوات حلفائها. بينما بات لروسيا قواعد عسكرية وتواجد مكثف لقواتها البحرية في البحر المتوسط، ما ساهم بشكل مباشر في تغيير معادلة الصراع في سوريا لصالح نظام الأسد بعد أن كانت معظم الأطراف الغربية تطالب بإقصائه عن السلطة.

هذا التحول في الساحة السورية، أجبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب -في خطوة نادرة- على توجيه الشكر للحكومة السورية مع روسيا وتركيا على جهود منع إراقة الدماء في محافظة إدلب خلال كلمته أمام مجلس الأمن الخميس.

كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب ديب أردوغان اتفقا في سوتشي على إيجاد منطقة منزوعة السلاح، وخروج المسحلين بدء من 15 أكتوبر المقبل، ووضع نقاط تماس بين الجيش السوري وقوات المعارضة المسلحة، تحت إشراف دوريات تركية وروسية، وهو اتفاق رحبت به جميع الأطراف خاصة الأمريكية الأوروبية التي تخشى أن يؤدي هجوم شامل في إدلب إلى موجات نزوح تضاعف عدد اللاجئين لديها.

هذا المشهد يفتح الباب للتساؤل حول مدى تأثير الدور الأمريكي في المنطقة، وهل بات يقتصر على الترحيب بالخطوات الدبلوماسية؟

تاريخيًا، لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دورا بارزا في قضايا الشرق الأوسط عبر أدواتها العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية، لكن الوضع تغير تمامًا مع تطور الملف السوري. يقول عمرو عبدالعاطي الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن عدم الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط يرجع إلى تغيير الاستراتيجية الأمريكية من التواجد العسكري المباشر على الأرض إلى الاكتفاء بعمليات جوية، وتقديم دعم للحلفاء في مواجهة الإرهاب.

يُحمّل أحمد العناني عضو مجلس المصري للشؤون الخارجية، إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مسؤولية تراجع الدور الأمريكي، قائلا: «أوباما تخوف من تكرار نموذج العراق، وبالتالي لجأ لتلك السياسة، وعند مجئ الرئيس ترامب كانت روسيا قد توغلت في الشأن السوري، وأصبحت الأمور غير ممهدة لاستعادة أمريكا لقوة تأثيرها». ينهي «العناني» حديثه: «أمريكا أتت متأخرة».

بحسب مجلس الأمن الروسي المنافس الأقوى لأمريكا في المنطقة، تمتلك واشنطن 20 قاعدة عسكرية في سوريا، تضم ألفي جندي أمريكي تتعلق مهامهم بتدريب مقاتلين الحلفاء وتقديم الدعم اللوجيستي، وتتواجد تلك القوات في الشرق والشمال الشرقي (مناطق سيطرة الأكراد) في سوريا.

يعتقد «العناني» أن الولايات المتحدة تتخد من المناطق الكردية نقطة ارتكاز لها في سوريا لضمان مصالحها في مفاوضات الحل السلمي، أو عسكريًا على الأرض، لكنها أيضا لا تعول على الأكراد سياسيا في سوريا. ويضيف: «الأمر كله يتعلق باستخدام الأكراد كورقة ضغط لإيجاد تفاهم مع الروس بشأن سوريا».

ويرى محمد عمر الباحث في المركز العربي للبحوث والدراسات، أن الموقع الاستراتيجي للأكراد لا يفي بالغرض الأمريكي، قائلا «إن معظم المناطق الواقعة تحت سيطرة الأكراد صحرواية ولا تصلح لإقامة دولة قوية مستقبلا يمكنها حماية مصالح أمريكا مستقبلا أو تأمين حدود دولة الاحتلال الإسرائيلي مع سوريا وطرد النفوذ الإيراني منها».

وأضاف الباحث بالمركز العربي، أنه رغم سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على حوالي ربع الأراضي السورية لن يحمي ذلك المصالح الأمريكية، قائلا «إن الوجود الأمريكي في المثلث الذي يسيطر عليه الأكراد معزول، فهو محاط بالأعداء سواء تركيا أو الجيش السوري أو العراق، وجميعهم لن يقبلوا بوجود دولة كردية». وتوقع حدوث «صدام مباشر لكنه مؤجل» لافتا إلى أن المواجهة سترهق الولايات المتحدة حال الدفاع عن الأكراد.

ويشرح «عمر» أنه رغم سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على أهم حقول الغاز والنفط في سوريا مثل حقل «العمر» النفطي في ريف دير الزور-أكبر حقول النفط السورية- إلا أن الاحتياطات من النفط والغاز لن تقنع أمريكا بتحمل أي تكلفة سياسية واقتصادية للدفاع عن الأكراد. ويوضح الباحث وجهة نظره أن آلاف البراميل من ذلك الحقل لا تقارن بالاحتياطات الهائلة التي تم الكشف عنها قبال السواحل السورية ضمن منطقة شرق المتوسط الخاضة لسيطرة روسيا بالتعاون مع الجيش السوري.

ورغم ذلك لا يستبعد «عمر» استخدام هذه المسألة «كورقة مساومة مع روسيا وتركيا لرسم خريطة سوريا».

كان ترامب قد أعلن في إبريل الماضي عن نيته سحب قواته من سوريا، إلا أن وزير الدفاع جيمس ماتيس خرج ليؤكد أن أمريكا لن تسحب قواتها من سوريا قبل أن يظفر الدبلوماسيون بالسلام.

واستبعد «العناني» أن تنسحب أمريكا من الأراضي السورية في الوقت الراهن، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة لن تنسحب قبل ضمان مصالحها على رأسها انسحاب إيران والعناصر التابعة لها من سوريا، علاوة على مشاركتها في مشاريع إعادة الإعمار، وضمان مصالحها الاقتصادية.

ويرى الباحث في مركز الأهرام، أن الصراع بين روسيا وأمريكا في سوريا صراع لإثبات النفوذ، وأضاف أن القرار الروسي الأخير بشأن تزويد سوريا بمنظومة صواريخ S300 يأتى في ذلك السياق، مشيرا إلى أن روسيا تسعى لتهدئة الوضع في سوريا بما يضمن مصالحها.

ولفت إلى أن الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا لا يقتصر فقط على التواجد الاستراتيجي والعسكري، بل أصبحت سوريا معرضًا لإبراز كفاءة السلاح الروسي ما يدفع دول في المنطقة إلى شراء السلاح الروسي عوض عن الأمريكي كما فعلت تركيا بشرائها منظمة S400.

ويشير «العناني» إلى أن الرؤية الروسية انتصرت في سوريا على الغربية مستدلاً بالانتصارات التي حققها النظام السوري منذ التدخل الروسي في سبتمبر 2015، مما ثبت أركان النظام وأدى لتراجع نغمة الحديث عن رحيل بشار الأسد من مستقبل سوريا من قبل المسؤولين الغربيين.

وفي ظل الحديث عن اقتراب التسويه السياسية تجد الولايات المتحدة نفسها معزولة، مع توتر العلاقات بينها وبين الثلاث دول الضامنة لاتفاق آستانا «روسيا وتركيا وإيران»، على خلفية قضايا أخرى.

يرى «عبدالعاطي» أن الولايات المتحدة مازالت تحتفظ بقدر من التأثير في الملف سوريا، لافتا إلى أن تصريحات الإدارة الأمريكية شديدة اللهجة وقت الإعداد لمعركة إدلب، كان لها دور في دفع المسار الدبلوماسي لاتفاق سوتشي الذي منع نشوب قتال. وأضاف: «مما يدل على أن أمريكا ومن خلفها الغرب مازالوا في الصورة».

وأعلنت الخارجية الأمريكية في الشهر الماضي تعيين «جيمس جيفري» مبعوثاً لوزير الخارجية «مايك بومبيو» إلى سوريا، «مما يعد مؤشرًا على اهتمام أمريكا بالملف السوري»، بحسب «عبدالعاطي».

ويعتقد «العناني» أن أمريكا وإن لم يكن لها دور بارز حاليا، فهى تراقب الموقف من بعيد، سعيا لإيجاد موطئ قدم وحماية مصالحها عبر تفاهمات مع الروس، مؤكدا أن تهميش الدور الأمريكي في الأزمة سيؤثر سلبًا على استقرار سوريا.