تحيي منظمة الصحة العالمية والرابطة الدولية لمنع الانتحار (IASP) غدا الاثنين اليوم العالمي لمنع الانتحار (WSPD)، تحت شعار «العمل معا لمنع الانتحار»، والذي سوف يستمر من عام 2018 وحتى عام 2020، مسلطا الضوء على الدور الذي يجب على المجتمع والأفراد القيام به لمواجهة التحديات التي يطرحها السلوك الانتحاري في المجتمع، باعتبار أن ذلك أهم عنصر لضمان فاعلية التعاون العالمي للوقاية من الانتحار.
وكانت منظمة الصحة العالمية اعتمدت عام 2003، مبادرة الرابطة الدولية لمنع الانتحار، باعتبار يوم 10 سبتمبر يوما عالمياً لمنع الانتحار، حيث يهدف إلى توحيد الجهود في الالتزام والعمل بغية ضمان منع عمليات الانتحار، وتوفير العلاج المناسب لأولئك الذين يعانون من أمراض نفسية، وإتاحة خدمات الرعاية المجتمعية وخدمات المتابعة الوثيقة لأولئك الذين يحاولون الانتحار، وتقييد إمكانية الحصول على وسائل الانتحار الشائعة، وزيادة تقدير التقارير الإعلامية الخاصة بعمليات الانتحار. وجري أول احتفال بهذا اليوم في عام 2004.
ولا يزال منع الانتحار يمثل تحدياً عالمياً كل عام، ويعد الانتحار من بين أهم 20 سبب رئيسي للوفاة على مستوى العالم، إذ أنه مسؤول عن أكثر من 800 ألف حالة وفاة، وهو ما يعادل الانتحار مرة واحدة كل 40 ثانية.
وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن الانتحار لا يحدث في البلدان المرتفعة الدخل فحسب، بل هو ظاهرة عالمية في جميع أقاليم العالم. وفي حقيقة الأمر، فإن أكثر من 79% من حالات الانتحار العالمية في عام 2016 حدثت في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
وعلى الرغم من أن العلاقة بين الانتحار والاضطرابات النفسية (خاصة الاكتئاب والاضطرابات الناجمة عن تعاطي الكحول) معلومة تماما في البلدان المرتفعة الدخل، إلا أن هناك العديد من حالات الانتحار التي تحدث فجأة في لحظات الأزمة نتيجة انهيار القدرة على التعامل مع ضغوط الحياة، مثل المشاكل المالية، أو انهيار علاقة ما أو غيرها من الآلام والأمراض المزمنة. بالإضافة إلى ذلك، تقترن النزاعات والكوارث والعنف وسوء المعاملة أو الفقدان والشعور بالعزلة بقوة بالسلوك الانتحاري. وترتفع معدلات الانتحار كذلك بين الفئات المستضعفة التي تعاني من التمييز مثل اللاجئين والمهاجرين، والشعوب الأصلية والسجناء.
ويقدر أن حوالي 20% من حالات الانتحار العالمية تنجم عن التسمم الذاتي بالمبيدات، والتي يقع معظمها في المناطق الزراعية الريفية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ويعتبر الشنق والأسلحة النارية من الطرق الأخرى الشائعة للانتحار.
الدول الأعلى معدلات:
ولا تزال أعلى معدلات الانتحار في أوروبا الشرقية وكوريا ومنطقة سيبريا المتاخمة للصين، وسريلانكا وجويانا وبلجيكا، وبعض بلدان جنوب الصحراء الكبرى.
وتشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية لعام 2016، أن جنوب شرق آسيا وغرب المحيط الهادي سجلت 26% وفاة عن طريق الانتحار، ثم جاءت الأمريكتان بـ 13.5%، ثم أوروبا وإفريقيا بـ 13%، وجاءت منطقة شرق البحر المتوسط بـ 8.5% وفاة نتيجة الانتحار.
وبلغ عدد المنتحرين عام 2016 في أستراليا 2866 شخصا، وتشير الأبحاث إلى أن حوالي 65 ألف شخص يحاولون الانتحار كل عام في البلاد، وأن مئات الآلاف من الناس يفكرون في الانتحار، كما يعتبر الانتحار هو السبب الرئيسي للوفاة بين الرجال والنساء الذين تتراوح أعمارهم بين 15-44.
في الوقت نفسه، أعلن المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، في تقرير، أن معدلات الانتحار ارتفعت في كل الولايات الأمريكية تقريباً منذ عام 1999 حتى عام 2016، مشيراً إلى أن المعدل ارتفع بنسبة تزيد عن 30% في نصف أنحاء البلاد.
وذكر التقرير أنه على الرغم من أن الصحة النفسية هي المتهم الرئيسي في أغلب حالات الانتحار، إلا أن أكثر من نصف من انتحروا في 27 ولاية خلال عام 2015 لم تشخص إصابتهم بمرض نفسي.
وفي حين ازدادت معدلات الانتحار بين مختلف الفئات العمرية، فإن أكبر زيادة كانت بين من تتراوح أعمارهم بين 45 و64 عاماً، وكان المعدل الأكثر انخفاضاً بين من تتراوح أعمارهم بين 10 و24 عاماً.
وقالت نائبة مدير المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها آن شوتشات، إنها مشكلة وطنية واسعة النطاق يجب أن نستخدم أساليب شاملة للتعامل معها، فيما أكد جيل هاركافي فريدمان، عالم النفس السريري من مركز الأبحاث في المؤسسة الأمريكية لمنع الانتحار بنيويورك، أن الانتحار ينتج عن مجموعة من العوامل التي تساهم في الوصول لنقطة محددة من الضغط، مشيراً إلى ضرورة إدراك أن الانتحار ليس مرضاً عقلياً.
وأوضح التقرير أن من بين الظروف التي تساهم في زيادة معدلات الانتحار المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وضعف مهارات حل المشكلات. وأوصى الخبراء في التقرير بوضع سياسات واسعة لتفادي الانتحار تشمل زيادة الدعم الاقتصادي من الولايات ودعم الأسرة والأصدقاء بعد الانتحار وتحديد الأشخاص المعرضين لخطر الانتحار ومساندتهم.
وعن طرق مكافحة تلك الظاهرة، يرى فريدمان أن الوقاية من حدوث مثل تلك الحالات يجب أن تبدأ منذ الصغر، من خلال تعليم أطفال المدارس الابتدائية مهارات حل المشكلات ومهارات التكيف وكيفية العناية بصحتهم العقلية والبدنية.
وبشكل عام، لقي ما يقرب من 45 ألف أمريكي حتفهم بسبب الانتحار عام 2016. وحسب تقرير السلطات القضائية في الولايات الأمريكية، فقد تراوحت معدلات الانتحار في الفترة الأخيرة التي تمت دراستها بين عامي 2014 إلى 2016 من 6.9 لكل 100 ألف شخص في ولاية كولومبيا، إلى 29.2 لكل 100 ألف شخص في ولاية مونتانا، ليصبح بذلك الانتحار واحداً من بين الأسباب الثلاثة الرئيسية للوفاة المتصاعدة في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مرض ألزهايمر وجرعات المخدرات الزائدة.
وعلى الرغم من أن أعلى معدلات الانتحار تسجل في الدول الغربية، لكن نسق ارتفاعها في المجتمعات العربية مخيف، فقد ذكر تقرير (الوقاية من الانتحار ضرورة عالمية) لسنة 2016، أن معدل الانتحار في الدول العربية بلغ 4 حالات لكل 100 ألف ساكن. ويحتل السودان المرتبة الأولى عربيا بـ 17 حالة لكل 100 ألف ساكن، تليها المغرب وقطر والإمارات واليمن وموريتانيا ثم تونس بمعدل 2.9 حالة، فيما تحتل كل من السعودية وسوريا وعمان أسفل الترتيب.
وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أنه يمكن اعتماد تدابير ونهج متعدد المستويات ومتماسك لمنع الانتحار. وتشمل هذه التدابير الحد من فرص الوصول إلى وسائل الانتحار (مثل مبيدات الآفات، الأسلحة النارية، وبعض الأدوية)، وإعداد وسائل الإعلام للتقارير بطريقة مسؤولة، وتطبيق سياسات الكحول للحد من استخدام الكحول على نحو ضار، والتشخيص والعلاج والرعاية المبكرة للمصابين باضطرابات نفسية أو الاضطرابات الناجمة عن تعاطي مواد الإدمان والآلام المزمنة والاضطرابات العاطفية الحادة، وتدريب العاملين الصحيين غير المتخصصين في تقييم وإدارة السلوك الانتحاري، وتوفير رعاية المتابعة للأشخاص الذين أقدموا على الانتحار وتوفير الدعم المجتمعي لهم.
جهود مواجهة الانتحار:
ويعتبر الانتحار من القضايا المعقدة، وبالتالي تتطلب جهود الوقاية من الانتحار التنسيق والتعاون بين العديد من قطاعات المجتمع، بما في ذلك القطاع الصحي والقطاعات الأخرى، مثل التعليم والعمل والزراعة والعدل والقانون، والدفاع، والسياسة، والإعلام.
وينبغي أن تكون هذه الجهود شاملة ومتكاملة، حيث أنه لا يمكن لأي نهج أن يؤثر بمفرده على قضية معقدة مثل قضية الانتحار. وإن قضية الوقاية من الانتحار لم تعالج بشكل كاف بسبب ضعف الوعي بالانتحار كمشكلة صحة عمومية رئيسية ولكونه من المحظورات في كثير من المجتمعات مما يحول دون مناقشته علنا، فحتى الآن، لم يقم سوى عدد قليل من البلدان بإدراج الوقاية من الانتحار ضمن أولوياتها الصحية، ولم يذكر سوى 38 بلدا فقط وجود استراتيجية وطنية للوقاية من الانتحار. ومن المهم للبلدان إذكاء الوعي المجتمعي وكسر المحظورات لإحراز تقدم في الوقاية من الانتحار.
على الصعيد العالمي، هنالك ضعف في إتاحة البيانات الخاصة بالانتحار والإقدام عليه ونوعية هذه البيانات، فلا يوجد سوى 60 دولة فقط لديها بيانات جيدة عن تسجيل الأحوال المدنية يمكن استخدامها مباشرة لتقدير معدلات الانتحار.
وينبغي الارتقاء بمستوى رصد محاولات الإقدام على الانتحار لوضع استراتيجيات فعالة للوقاية منه، فالفروق بين البلدان في أنماط الانتحار، والتغيرات في معدلات وخصائص وأساليب الانتحار تبرز حاجة كل بلد إلى تحسين شمولية وجودة وتوقيت البيانات المتعلقة بالانتحار. ويشمل هذا تسجيل الأحوال المدنية المتعلقة بالانتحار، وسجلات المستشفيات الخاصة بمحاولات الانتحار والمسوحات الممثلة وطنيا والتي تقوم بجمع المعلومات حول محاولات الانتحار المبلغ عنها ذاتيا.
دور منظمة الصحة العالمية:
وتقر منظمة الصحة العالمية بالانتحار كأحد قضايا الصحة العمومية التي تحظى بالأولوية، حيث كان أول تقرير لمنظمة الصحة العالمية حول الانتحار بعنوان «الوقاية من الانتحار: ضرورة عالمية» والذي نشر في عام 2014، يهدف إلى زيادة الوعي بأهمية الانتحار ومحاولات الإقدام عليه من منظور الصحة العمومية، وإلى جعل الوقاية من الانتحار أولوية قصوى على جدول أعمال الصحة العمومية العالمي. كما يهدف التقرير إلى تشجيع البلدان ومساعدتها في تطوير أو تعزيز استراتيجيات شاملة للوقاية من الانتحار في سياق نهج متعدد القطاعات للصحة العمومية.
ويعتبر الانتحار من الأمراض التي تحظى بالأولوية في برنامج منظمة الصحة العالمية للعمل على رأب الفجوة في الصحة النفسية والذي تم إطلاقه عام 2008، ليوفر التوجيه التقني المسند بالبيانات لرفع مستوى تقديم الخدمات ورعاية الاضطرابات النفسية والعصبية والمتعلقة بتعاطي مواد الإدمان.
والتزمت الدول الأعضاء في المنظمة بموجب خطة عمل منظمة الصحة العالمية للصحة النفسية (2013- 2020) بالعمل من أجل تحقيق الهدف العالمي المتعلق بخفض معدل الانتحار بنسبة 10% بحلول عام 2020. وكذلك تعد معدلات الوفيات الناجمة عن الانتحار مؤشراً من مؤشرات الغاية 3-4 من أهداف التنمية المستدامة، التي تهدف لتخفيض الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير السارية بمقدار الثلث، من خلال الوقاية والعلاج وتعزيز الصحة والسلامة العقليتين بحلول عام 2030.