سواء ثبت وقف إطلاق النار بين الميليشيات فى العاصمة الليبية طرابلس أو انهار مجددا، فهى خطوة بلا شك إيجابية من جانب مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة، ولكن هذه المواجهات بالنهاية قد حققت الغرض منها وهى التشكيك فى إمكانية نجاح خطة الأمم المتحدة للتسوية فى ليبيا.
وكنت شخصيا من الذين رحبوا بهذه الخطة رغم تحذيرى من أمرين كون عماد هذه الخطة التوصل إلى الترتيبات القانونية والدستورية لتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية سبتمبر الجارى، ثم عقد هذه الانتخابات فى ديسمبر المقبل، وكانت مخاوفى بهذا الصدد مرتبطة بالتدهور الأمنى وسيطرة الميليشيات فى غرب ليبيا حيث العاصمة، ووجود ثلاث حكومات فى البلاد، والأمر الثانى بضرورة توفير ضمانات دولية وعربية لاحترام نتائج أى انتخابات مقبلة فى ليبيا بما يمنع ما حدث سابقا من تجاهل إرادة الشعب الليبى ممثلة فى مجلس النواب الذى لجأ إلى طبرق هربا من هذه الميليشيات المسلحة والتى يهيمن عليها المرتزقة وعناصر الإسلام السياسى بأطيافه المختلفة.
وقد تسبب هذا التجاهل فى أوضاع ملتبسة تم تقنينها فى اتفاق الصخيرات الذى تم بمباركة دولية وإقليمية فى 2015، وعموما تجاوزت ليبيا والمجتمع الدولى هذا الاتفاق الآن بعد أن فشل فى التطبيق وزاد من تعقيد الأمور.
ورغم غياب هذه الضمانات فقد رحب المجتمع الدولى والجامعة العربية ومصر بجهود الرئيس ماكرون وسلامة؛ كون أنه لا يوجد مخرج آخر للأزمة الليبية إلا بحرب شرسة ضد الميليشيات المسلحة المدعومة قطريا وتركيا، وهو خيار صعب ومكلف وليس مضمون العواقب.
على أن إيطاليا- مدفوعة بتنافسها مع فرنسا- تكاد تكون من انفرد دوليا بالتعبير عن شكوك فى إمكانية تنفيذ خارطة الطريق هذه، بالإضافة للغموض المعروف والمتوقع من جانب قطر وتركيا اللتين لا ترحبان بعقد انتخابات جديدة تثبت مجددا رفض الشعب الليبى للقوى التى توظف الدين لخدمة مصالحها الاقتصادية والسياسية، وهى تواصل حتى الآن دعمها هذه الميليشيات المتطرفة.
وجاءت هذه الشكوك على لسان السفير الإيطالى فى ليبيا منذ عدة أسابيع فى تصريحات أثارت الكثير من ردود الفعل الليبية الغاضبة ولم يخفف منها بيان السفارة الإيطالية التالى، ولم تخف إيطاليا عدم ارتياحها من الرعاية الفرنسية لاجتماع القادة الليبين فى باريس، وأكملت هذا بتصريحات وزيرة الدفاع الإيطالية الى ذكرت فيها أن الأزمة الليبية وليدة التدخل الدولى بقيادة فرنسا لإزالة نظام القذافى بشكل عشوائى وغير مدروس، ولم تجب هذه التصريحات عن السؤال: أين كانت إيطاليا عندما حدث هذا؟!.
عموما من الواضح أن هناك إرهاصات تزيد من ارتباك الأوضاع الليبية، ويؤكد ذلك أيضا خطوة رئيس حكومة الوفاق السراج مؤخرا لتولى وزارة الدفاع بالإضافة لعمله، ما يؤكد للأسف أن فصول تعقد الأزمة فى صعود.
سفير د. محمد بدرالدين زايد
مساعد وزير الخارجية الأسبق