رحلة فى عقل الأنبا بيجول ناظر مدرسة رهبان دير المحرق: نستهدف إعداد الرهبان علمياً وروحياً

كتب: لوسي عوض الخميس 06-09-2018 01:58

فى دير المحرق مدرسة للرهبان وكلية تستهدف إعداد الرعاة إعداداً روحياً وعلمياً، وقد أنشأت عام 1932 كمدرسة لرهبان الدير، وفى عهد المتنيح البابا شنودة الثالث تحولت إلى كلية إكليركية. أما معهد ديديموس فأنشئ فى أواخر السبعينيات لتخريج مرتلى الكنيسة المتخصصين فى حفظ الألحان بكل دقة ومدة الدراسة به 5 سنوات.

يقول الأنبا بيجول أسقف ورئيس دير المحرق إن الدير يتميز بسمة، خاصة دون سائر الأديرة المصرية، حيث قضت فيه العائلة المقدسة نحو 185 يوماً خلال رحلة الهروب إلى مصر، وهى أطول فترة قضتها فى مكان واحد خلال الرحلة.

وأضاف «بيجول» فى حواره لـ«المصرى اليوم» أن الدير يقوم بدور خدمى بجانب الروحى يتضمن إقامة مستشفى وإنشاء مدارس وتوفير فرص عمل، فضلاً عن السماح بتأجير الأراضى للمسلمين والأقباط على حد سواء، لافتاً إلى أن هناك شروطا كثيرة لقبول راغبى الرهبنة أبرزها ألا يزيد العمر عن 30 عاماً وأن يزكيه «أب الاعتراف»- طقس كنسى- فضلاً عن معايشة رهبان الدير لفترة ليقرروا قبوله من عدمه.. وإلى نص الحوار

■ لماذا يمتاز دير المحرق بخصوصية فريدة تجعله يتصدر زيارات المصريين والأجانب فى المواسم القبطية المختلفة؟

الدير له سمة خاصة انفرد بها ولا يزال فهو أحد الأماكن التى اختارتها العائلة المقدسة ليكون لها مأوى آمنا وقت هروبها من وجه الطاغية هيرودس الملك، حيث وصلت العائلة المقدسة إلى جبل قسقام واستراحت فى بيت مهجور من الطوب اللبن والذى أصبح لاحقاً كنيسة فى القرن الأول الميلادى، ومكثت العائلة فى هذا البيت 185 يوما.. وهى أطول مدة قضتها فى مكان واحد خلال رحلة الهروب إلى مصر.

■ هل هناك ضوابط لقبول طالب الرهبنة؟

- هناك بالفعل مراحل لقبول طالب الرهبنة بشكل عام.. تبدأ من التردد على الدير ليتعرف على الرهبان ويتعرفوا عليه، وهناك عدة شروط لا غنى عنها، منها أنه يجب أن يكون مسيحياً أرثوذكسياً، وله أب اعتراف ومواظب على الاعتراف ومحب لحياة الصلاة والتأمل، ويفضل ألا يكون وحيداً لعائلته، وألا تزيد سن المتردد على 30 سنة ولا تقل على 23، كما يحبذ عدم قبول طالب رهبنة سبق له الخطوبة ويشترط تزكية أب اعتراف المتقدم للرهبنة.

■ وماذا بعد؟

- بعد ذلك يلتحق الشاب بالدير كطالب رهبنة ويرتدى جلبابا باللون الأزرق أو البيج «حسب كل دير»، ويكون تحت الاختبار والإرشاد الروحى وتلك المرحلة تستمر نحو عام، ويُمنح اسماً جديداً، فى حالة إن كان اسمه ليس من أسماء الملائكة أو القديسين، والمرحلة الثالثة ما قبل الرهبنة وهى حوالى عامين يرتدى خلالها طالب الرهبنة زيا عبارة عن جلباب باللون الأبيض وهنا يلقب بـ«الأخ»، ويمنح بعد ذلك قلاية «صومعة» خاصة به ليعيش فيها حياة الصلاة والتسبيح، ويمارس حياة التأمل والجهاد الروحى، والشرط الأساسى للرهبنة هو الانحلال من كل ملذات العالم وأن تكون رغبة فقط هى الحياة مع الله، كما يشترط تزكية مجموع رهبان الدير له للنظر فى قرار سيامته راهباً من عدمه.

■ كيف تتم سيامة الراهب؟

- طقس الرهبنة خاص جداً، يبدأ من صلاة العشية، حيث يعلن الاسم الجديد الذى سيتم سيامة الراهب عليه، ويسهر طالب الرهبنة فى الكنيسة، مع بعض شيوخ الدير الذين يكلفهم رئيس الدير بذلك، فى الصلاة والتسبيح والقراءة فى الكتاب المقدس، وفى الصباح الباكر، وبعد رفع بخور باكر، وقبل القداس تقام صلاة الرهبنة، حيث يقف طالب الرهبنة أمام الهيكل، ويردد التعهد الرهبانى خلف رئيس الدير الذى يقرأه عليه، وبعد ذلك ينام على ظهره بجوار مقصورة القديسين أو أمام الهيكل ووجهه نحو الشرق ضاماً كلتا يديه على صدره فى شكل الصليب، ثم يغطونه بستر مثل الميت ويصلى عليه عدة صلوات منها «صلاة الراقدين»، وبعد ذلك يرفع الستر عنه الذى يشبه الكفن، فيقف الراهب أمام البابا أو رئيس الدير الذى يبدأ فى قص شعر رأسه فى 5 مواضع تكوّن شكل الصليب ناطقاً باسمه الجديد علامة على تكريس حياته، ويتم إلباس الراهب ملابس الرهبنة السوداء والتى ترمز للموت عن العالم، و(القلنسوة) وهى غطاء للرأس وترمز لبساطة الفكر وتحتوى على 13 صليبا، وهى ترمز للسيد المسيح وتلاميذه، ومن هنا يبدأ الراهب فى إطلاق شعر لحيته ورأسه.

■ ما هى حياة الراهب اليومية؟

- الرهبنة ليست معناها اعتصام عن الخطأ، وإنما تعنى الجهاد الدائم ضد الخطية فيومه صلاة وعمل وقراءة، ونجد أنه قبل خروج الراهب من قلايته «صومعته» يبدأ يومية بصلواته الخاصة مع المطانيات «السجود المتوالى لله»، ويذهب بعد ذلك للكنيسة ويقبل أيدى إخوته الرهبان، وبعد ذلك يدق جرس الدير لتبدأ تسبحة نصف الليل ثم صلاة القداس، وبعد فترة راحة قصيرة بسيطة يبدأ الراهب عمله، لينهى عمله فى المساء، ثم يصلى صلاة الغروب والعشية فى الكنسية وبعد ذلك يصلى صلاته الخاصة فى قلايته مع القراءة والتأمل فى الكتاب المقدس والكتب الروحية والرهبانية، وبجانب تكريس الراهب حياته للصلاة، لا بد من قيام الراهب ببعض الأعمال والخدمات فى الدير ومعظم الأديرة يتاح بها أعمال متعددة، سواء زراعة أو نجارة أو حدادة أو أعمال إدارية واستقبال الزائرين وإعداد الطعام وغيرها وتكون ساعات العمل للرهبان فى الدير كل حسب طاقته الجسدية وعمره، ويراعى بعد كل فترة تغيير العمل للراهب، باستثناء الأعمال التى تحتاج إلى مهارات خاصة.

■ ماهى ضوابط زيارة الراهب لأسرته والتعامل مع العالم الخارجى؟

- أما عن زياراته لخارج الدير فالأساس هو عدم خروج الراهب مطلقاً من ديره إلا فى الضرورة كالمرض الذى ليس له علاج داخل الدير أو الأعمال التى لا يستطيع خدام الدير قضاءها وعادة يسمح لأسر الرهبان بزيارة الدير فى أغلب أيام السنة إلا فى بعض الفترات مثل فترة الصوم الكبير، ففى تقاليد بعض الأديرة مثل دير المحرق إغلاق أبواب الزيارة تماماً طوال فترة الصيام الكبير التى تمتد لفترة تزيد على 50 يوما، كما لا يسمح بزيارة الراهب لأسرته إلا للضرورة القصوى مثل حالة الوفاة أو مرض والدى الراهب وعدم إمكانية سفرهم، مع العلم أن هناك بعض الرهبان الذين لم يقوموا بزيارة أسرهم حتى مرة واحدة تحت أى ظرف من الظروف وذلك منذ دخولهم الدير.

■ وكيف يمكن محاسبة الراهب على أخطائه؟

- على حسب الخطأ، وبمشاركة أب الاعتراف، حيث تبدأ من مطانيات وتدريبات روحية وتنتهى بتجريده من الرهبنة عن طريق لجنة الرهبنة المنبثقة من المجمع المقدس.

■ الرهبنة قلب الكنيسة النابض وإذا صح القلب صحت الكنيسة كلها.. كيف حال هذا القلب بعد مقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار؟

- قتل الأنبا إبيفانيوس جريمة غير عادية، لأن القاتل حسب التحقيقات راهب، ويفترض أنه يخاف الله وزهد العالم وكل ما فيه، لكن فى النهاية نقول إنه بشر غير معصوم من الخطأ ومع ذلك باب التوبة مفتوح والله يقبل كل خاطئ يرجع إليه بالتوبة الصادقة، وإن كان هذا لا يعفيه من العقوبة الأرضية، وأستطيع أن أؤكد أن قلب الكنيسة «الرهبنة» قوى وضارب الجذور فى إيمانها وراسخ فى مبادئها.

■ ماذا عن دور الدير الخدمى؟

- للدير دور ريادة متميز فى استصلاح الأراضى الزراعية حيث استقدم الدير بعض العمال فى هذا العمل، ومن هنا عاش العمال بأسرهم حول الدير، ولذلك سميت القرية المجاورة للدير بـ«رزقة الدير المحرق»، كما يقوم الدير بتأجير الأراضى للمسيحيين والمسلمين ولا يميز فى خدماته المجتمعية، وفى عام 1948 أنشأ الدير مدارس لتعليم أبناء القرى المحيطة به وكان الرهبان يقومون بالتدريس فيها، فضلاً عن إنشاء مستشفى فى أسيوط، وإتاحة فرص عمل داخل الدير للجميع مثل ورشة النجارة وأعمال السباكة وغيرهما.

■ ما سبب تسمية الدير بـ«المحرق»؟

- يرجع الأصل فى تسمية الدير بالمحرق إلى أن الدير كان متاخماً لمنطقة تجميع الحشائش والنباتات الضارة والتى يتم حرقها لذلك دعيت بالمنطقة المحترقة أو المحروقة ومع مرور الوقت استقر لقب الدير باسم «المحرق».

■ ما أهم معالم الدير؟

- أهم معالم الدير كنيسة السيدة العذراء الأثرية، وهى البيت الذى عاشت فيه العائلة المقدسة، ثم الحصن الذى تتميز به معظم الأديرة لحماية الرهبان من غارات البربر الوحشية، وحدثنا عنه الأب مكسيموس بقوله: «الحصن الأثرى فى الدير المحرق من أصغر الحصون الموجودة بالأديرة، ويرجع تاريخ بنائه إلى القرن الثامن الميلادى، ويتكون من 3 طوابق: الطابق الأول به عدة غرف تستخدم لتخزين الطعام، وهو الترمس، وكذلك مصدر المياه للشرب، وباب الحصن يقع فى الطابق الثانى الذى توجد به صوامع للرهبان ويتم الدخول إليه عن طريق قنطرة متحركة، والطابق الثالث به كنيسة باسم الملاك ميخائيل»، ولا توجد أى معلومات حتى الآن تفيد بأن الحصن قد استخدم.