بعد قتل إبيفانيوس.. انتفاضة البابا (ملف خاص)

البابا استطاع تغيير منظومة مركزية التحكم والقرار فى قضايا الأحوال الشخصية
كتب: هاني لبيب الأحد 12-08-2018 01:49

حدث استثنائى غير متوقع.. قتل الأنبا إبيفانيوس «رئيس دير الأنبا مقار» فجر الأحد 29 يوليو 2018. توالت الأحداث سريعاً بين قرارات كنسية جريئة من البابا تواضروس الثانى والمجمع المقدس، وأنباء عن تذمر بعض الرهبان، ثم شلح «فصل» اثنين منهم، ثم محاولة انتحار راهب أو قتله أو......، وبجانب هذا كله.. تأتى الاجتهادات الافتراضية التى لم تعتمد على المعلومات الدقيقة والخبرة التاريخية حول ما يحدث.

تداخلت القضايا والمواقف والأحداث، وكلها ترتكز على ما يحدث فى الكنيسة المصرية الآن.. دور البابا وما له وما عليه، ودور المثقف العلمانى المسيحى المصرى، وما بينهما من علاقة مؤسسية داخل الكنيسة ومع الدولة.

هذه الأفكار.. ليست دفاعاً عن البابا والكنيسة، كما أنها ليست موقفاً مضادا أو هجومياً.. بقدر ما هى محاولة للفهم والتفسير والتحليل. فما تمر به الكنيسة الآن هو نتيجة تراكمية منذ تولى الراحل البابا شنودة الثالث سنة 1971 وإلى الآن.

ماذا يحدث؟

أتتبع منذ فترة حملة الهجوم المنظم على البابا تواضروس الثانى بشكل خاص، وعلى الكنيسة بشكل عام، سواء على بعض صفحات الفيسبوك أو من خلال بعض وسائل الإعلام، وهى حملة تستهدف، بالدرجة الأولى، تصدير صورة الانشقاق والانقسام داخل الكنيسة من خلال تشويه صورة البابا والتشكيك فى أفكاره وقراراته باعتباره رمز الكنيسة المصرية.

يعمل البعض على تحميل البابا تواضروس الثانى ما يحدث للمواطنين المسيحيين المصريين وكنائسهم سواء مشكلات إدارية فى بناء وتنظيم الكنائس، أو الأزمات والتوترات الطائفية التى يواجهونها بسبب موقفه من ثورة 30 يونيو، ويتخذون فى سبيل ذلك هجوماً معلناً ومستتراً، يدعمه البعض من أساقفة الكنيسة فى الداخل، لصالح معسكر يرفض تماماً الإصلاح، وليست لديه مرونة فى التفاوض وحل المشكلات، وهو الاتجاه الذى يروج له باعتباره الفريق المحسوب على الراحل البابا شنودة الثالث، الفريق الذى يرفض مدرسة الراحل القمص متى المسكين وأى حديث عن الإصلاح. خمس سنوات مرت على تنصيب البابا تواضروس الثانى على كرسى البابوية.. مرت بإيجابياتها وسلبياتها، بما لها وما عليها، حظى فيها البابا بترحاب شديد تارة، كما حظى فيها بهجوم عنيف تارة أخرى، سواء من داخل مصر أو خارجها، للدرجة التى جعلته يحظى بنصيب من الهجوم والنقد لم يحدث له مثيل مع البابوات السابقين.

ومن الواضح أن اتجاهات الهجوم تتبع من نصبوا أنفسهم وكلاء على الكنيسة ورجالها، وأصبحت حملات التشويه التى كانت تستهدف بعض الأساقفة وبعض الكهنة قبل 25 يناير ترتكز على شخص البابا وحده بشكل مباشر لا لبس فيه. والملاحظ فى أمر تلك الحملات المنظمة أنها لا تركز على ما يجب التركيز عليه مثل التطوير المؤسسى للمنظومة التعليمية والإدارية والمالية داخل الكنيسة بما يتناسب مع متغيرات العصر وتحدياته، ووصل الأمر إلى تركيز تلك الحملات المذكورة على تضخيم بعض القضايا التى هى فى حقيقتها تمثل إنجازاً للكنيسة المصرية الآن وليس إخفاقاً، كما يحاول أصحابها أن يصوروها للرأى العام.

نعم، تحليل ما يحدث الآن.. خاصة بعد حادث قتل الأنبا إبيفانيوس «رئيس دير الأنبا مقار» فى 29 يوليو 2018 يؤكد أن هناك صراعاً مستتراً أشد ضراوة، يديره وكلاء إلكترونيون لمصلحة بعض الأطراف سواء من داخل الكنيسة أو خارجها، تحت بند «أوهام» دعوات الحفاظ على الكنيسة ووحدتها، ولا شك أن هذه الحادثة الاستثنائية تحديداً ستمثل مرحلة فاصلة وفارقة فى تاريخ الكنيسة المصرية بسبب ملابسات ما جرى، خاصة بعد محاولات البعض تصوير ما يحدث باعتباره تصفية حسابات فكرية، مرتكزة على ولاءات دينية إما لصالح فكر البابا شنودة الثالث أو لصالح مدرسة متى المسكين، وهو ما ظهرت مؤشراته من خلال الغضب الشديد بسبب تكريم القمص متى المسكين فى احتفالية مئوية مدارس الأحد بمكتبة الإسكندرية فى 25 يوليو 2018.

شخصياً لدى ملاحظات عديدة على بعض مواقف الكنيسة وقياداتها، ولكن فى إطار الاختلاف الرشيد، وهو ما تحكمه بعض المرتكزات، منها:

- تقديم بدائل وحلول وسيناريوهات عملية قابلة للتنفيذ والتحقيق، فالأمر لا يقتصر على النقد لمجرد الوجود والمشاركة لأنه ربما يتحول إلى هدم وتدمير وتشويه.

- وجود فرق شاسع فى هدف النقد بين أسلوب البناء أو الهدم، وبين «شخصنة» الحوار وشيطنة أصحاب الاتجاهات وتكفيرهم لبعضهم، وبين الوصول لمساحة مشتركة إيجابية للمستقبل.

- التاريخ لا يرحم ولا ينسى الأحداث والمواقف والشخصيات، ومهما مرت السنوات يوجد دائماً من يستدعى التاريخ ليكتبه سواء فى حينه أو بعد سنوات طويلة.

- الكنيسة المصرية ليست هى البابا، ولا يمكن اختزالها فى شخصه فقط. كما أنها ليست هى الأساقفة والكهنة.. بل هى جماعة المؤمنين من المواطنين المسيحيين المصريين، لأنه دونهم لن تكون هناك كنيسة من الأصل، وهو ما يعنى أن انتقاد الكنيسة أو قياداتها ورجالها لا يعنى إطلاقاً نقد الإيمان المسيحى.

- المرحلة التاريخية لأى بابا فى تاريخ الكنيسة المصرية هى مجرد مدة محددة من السنوات، أما الكنيسة كمؤسسة فهى مستمرة منذ نشأة الكنيسة ولا يزال المستقبل أمامها، وهى فى هذا السياق مستمرة بما لبابواتها وأساقفتها وما عليهم.

- الاستياء من وجود حركات/ مدارس فكرية معارضة، ورفضها ليس معناه عدم وجودها، كما أن تجاهل ما يستحق منها يرسِّخ مفهوم الانقسام والتشرذم، وليس الاختلاف والتنوع.

- لا صحة مطلقاً لما يروق للبعض أن يروجه مع كل أزمة داخل الكنيسة.. أن ما حدث من قتل الأنبا إبيفانيوس «رئيس دير أبو مقار» يعنى استمرار جماعة الأمة القبطية التى تم حلها قضائياً سنة 1954، أو محاولة ترسيخ صورة وجود جماعات متشددة ومتطرفة مسيحية موازية لجماعة الإخوان الإرهابية، لما يحمله هذا المنطق من تبسيط مخل بالمعلومات داخل الكنيسة المصرية وعنها، فلا يمكن تصوير ما يندرج تحت الجريمة الجنائية باعتباره جريمة إرهابية.

هذه مجرد رؤية تاريخية تحليلية ترتكز على واقع خبرة سنوات طويلة فى الاهتمام بالشأن المسيحى المصرى فى إطار منظومة المواطنة المصرية.

بدايات

فى سنة 2012 تم تنصيب البابا تواضروس الثانى لتولى مهام منصبه فى ظروف سياسية معقدة.. حيث تزامن ذلك مع صعود حكم الإخوان فى مصر من خلال البرلمان، والانتخابات الرئاسية آنذاك.. التى فاز فيها المعزول محمد مرسى.

مثلت هذه الفترة تحدياً صعباً من حيث التوفيق بين الدور الوطنى للكنيسة المصرية فى مساندة الدولة، وتحملها ما قد يصدر عن الإخوان من قرارات وإجراءات ضد الكنيسة. والتى كانت بدايتها التضييق على ممثلى الشخصيات المسيحية المصرية داخل لجنة إعداد الدستور الأولى، والتى انتهت بانسحاب ممثلى الكنائس المصرية منها فى 17 نوفمبر 2012، وصدور الدستور دون تواجد لهم فى لجنة إعداده، فضلاً عما قام به أتباع الجماعة المحظورة وأعوانهم من الاعتداء على المقر البابوى لأول مرة فى التاريخ فى 8 إبريل 2013.

وبعد أن خرج الملايين من الشعب المصرى.. رافضين حكم الإخوان فى 30 يونيو 2013، كانت الكنيسة المصرية فى موقف حرج، فهل تخرج وتساند المواطنين الذين ملأوا الشوارع، رافضين لنظام حكم الإخوان؟ وتتحمل تبعية ذلك من أحداث أم تتجنب المشاركة وتنتظر نتيجة المظاهرات.

سرعان ما اختار البابا تواضروس الثانى أن يكون بجانب الفريق أول عبد الفتاح السيسى «وزير الدفاع» آنذاك رمزا عن جموع المصريين المتظاهرين بجانب د. أحمد الطيب «شيخ الأزهر» ليعلنوا جميعاً رفضهم لحكم الجماعة الفاشية، وشاركت الكنيسة فى الإعلان عن خارطة الطريق لبناء مستقبل مصر.

البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية

30 يونيو

شارك المواطنون المسيحيون المصريين بقوة وكثافة فى ثورة 30 يونيو، والتى أطاحت بالفاشية الدينية الإخوانية مما أدى إلى قيام الجماعات الإرهابية الموالية لجماعة الإخوان غير القانونية بتصعيد أعمالهم الإرهابية كنوع من العقاب على انحيازهم للإرادة الوطنية. ويحسب للكنيسة المصرية مشاركتها الوطنية ضمن أضلاع مثلث ثورة 30 يونيو مع الأزهر الشريف والقوات المسلحة المصرية فى الانحياز للإرادة الشعبية آنذاك.

قامت جماعة الإخوان المحظورة قانوناً ومن والاها من جماعات الإسلام السياسى الأخرى التى تبنت التكفير منهجاً والعنف أسلوباً بمعاقبة جميع من شاركوا فى مساندة ثورة 30 يونيو، وهو الأمر الذى تجلى فى أشكال متعددة للعنف والتخريب والحرق والتدمير والقتل، فضلاً عن استخدام العنف الدموى من خلال تنظيم داعش الإرهابى.

بدأ الأمر فى سيناء بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة فى 14 أغسطس 2013 بتصاعد استهدف القوات الأمنية من رجال الجيش والشرطة والمدنيين، خاصة المواطنين المسيحيين المصريين المقيمين فى شمال سيناء، وقد وثق العديد من التقارير الرسمية ما حدث من حوادث طائفية، بداية من حالات القتل التى بدأت باستشهاد القس مينا عبود شاروبيم «كاهن كنيسة مارمينا والبابا كيرلس» بالمساعيد، والذى تم إطلاق أعيرة نارية عليه أودت بحياته أمام الكنيسة، ومروراً بحالات الخطف التى تمت مقابل فدية مالية فى شمال سيناء وبعض محافظات الصعيد، ثم حرق وتدمير العديد من الكنائس ومبانى الخدمات الملحقة بها وبعض المدارس، وتخريب ونهب وسلب بعض المنازل، وصولاً إلى حالة إخلاء المواطنين المسيحيين المصريين من منازلهم فى شمال سيناء حرصاً على سلامتهم والحفاظ على حياتهم.

اتهامات

يتعرض البابا تواضروس الثانى منذ توليه الباباوية إلى «سيل» من الاتهامات والشائعات على مواقع التواصل الاجتماعى فى العالم الوهمى الافتراضى، وذلك من حسابات شخصية مستترة تحمل أسماء مسيحية مصرية مستعارة، لا تفصح عن شخصيتها الحقيقية، ويظهر منهم البعض القليل ممن يقود تلك الحرب الالكترونية، وهم من الشخصيات المعروف انتماؤها وولاؤها وتبعيتها لبعض الأساقفة الذين لا يتوافقون مع سياسات البابا ومواقفه، وهناك من يروج لصفحات تحمل أسماء معارضة على غرار: «البابا اللى منعرفهوش» و«اصمت وارجع لديرك» و«البابا لا يمثلنى». وقد ترتب على هذه الاتهامات تأجيج حالة الاحتقان بين البابا وبعض التيارات الشبابية بسبب شعورهم بعدم الاهتمام بهم بينما هناك صفوة هى التى تذهب للبابا وتتحاور معه.. للدرجة التى جعلت البعض يتحول إلى معسكر المعارضين بسبب عدم استقبال البابا له، وفى كل الأحوال يحاول فريق «الضد» الحفاظ على مكتسبات قديمة وتحقيق مكاسب جديدة. وينتهى الأمر بالاتفاق بين مجموعات متفرقة، وربما متعارضة، ولكل منها توجه ومصالح ونفوذ على مساحة الاختلاف مع الكنيسة والهجوم على البابا، رغم عدم وجود تحالف حقيقى يجمعهم.

ويمكن حصر أهم تلك الشائعات فى:

■ تصريح البابا تواضروس الثانى بأن المسيحيين يعيشون أزهى العصور، ولا يوجد تطرف دينى فى مصر. وهى كلمات يمكن تحميلها بأكثر من معنى.. لأنه بالفعل أزهى العصور بالمقارنة بسنوات قريبة أخرى.. خاصة أن مشكلات المواطنين المسيحيين المصريين فى الداخل ليست توجهات من الدولة المصرية ضد المسيحيين.. بقدر ما هى توجهات إرهابية متطرفة. ولكن ما نحسبه على الدولة هو عدم حل بعض المشاكل على غرار: قضية بناء الكنائس التى لا تزال معلقة.. فضلاً عن بعض الأحكام الخاصة بازدراء الأديان، وعدالة تولى المناصب العليا حسب الكفاءة والاقتدار. بالقطع، ليس المطلوب مجاملة الدولة على حساب الواقع.. ولكن بمحاولة اقتراح وتصورات لحلول ترسخ منظومة المواطنة المصرية.

■ البابا يقوم بدور سياسى، ويهدر حقوق المسيحيين، وصمته هو سبب ضياع حقوق المسيحيين، وخطابه مستفز ولا يهمه سوى تملق السلطة، وسقطاته الحوارية كثيرة لكونه رجل تصريحات وليس رجل مواقف. وهو كلام يحتمل التأويل بأكثر من معنى.. فأن يصل طموح البعض فى التعامل مع البابا تواضروس الثانى باعتباره وزيراً للعدل حينما يتم إصدار حكم لا يصب فى مصلحة مواطن مسيحى مصرى، أو وزيراً للداخلية عند مواجهة أى مشكلة تخص بناء كنيسة، أو رئيساً للبرلمان عند مناقشة أى قانون مثل بناء وتنظيم الكنائس أو الأحوال الشخصية.. هو درب من الخيال. فالمطلوب والمرغوب أن يكون للبابا مواقف وطنية لصالح الدولة المصرية.. دون أى تدخل فى توجيه العملية السياسية، وهو لا يتعارض فى كل الأحوال من أن يعبر عن رفضه أو استيائه من التجاوزات الإدارية والاجتماعية التى تمس المواطن المسيحى المصرى. وأعتقد أن هناك يقيناً بأن الكنيسة هى المؤسسة الدينية والروحية الرسمية للمواطنين المسيحيين المصريين، ولكنها لا تمثلهم سياسياً. بمعنى أن الدور الروحى والوطنى للكنيسة هو أمر ضرورى وفائق الأهمية، وعلى سبيل المثال موقفها من: قضية القدس وقضية الحماية الدينية. ولكن الدور السياسى للكنيسة هو أمر غير مقبول ومرفوض، ولكنه مقبول لأبنائها من العلمانيين كمواطنين مصريين.. أى بمعنى أشمل فصل الدين عن الدولة تماماً.

البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية

■ وصف البعض البابا تواضروس الثانى باعتباره البابا السائح أو بطريرك المهجر.. بسبب رحلاته الخارجية، واعتبروا سفره للخارج ليس رعوياً بل دبلوماسى لتضليل الرأى العام العالمى والأوساط الخارجية. وتجاهلوا حرصه منذ تنصيبه على إجراء زيارات خارجية.. يأتى من منطلق الدور الدينى والوطنى الذى تلعبه الكنيسة المصرية منذ نشأتها. وكانت أهمها زيارته للفاتيكان التى كانت أول زيارات الخارجية فى شهر مايو 2012، وتأتى قيمة تلك الزيارة من كونها أول زيارة لبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلى الفاتيكان منذ عام 1973. كما زار روسيا، أكبر دولة أرثوذكسية بالعالم، والتقى بالبطريرك كيريل «بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الروسية». بالإضافة إلى زيارته لكل من: النمسا وسويسرا وبريطانيا والإمارات وكندا وروسيا وفنلندا ولبنان.

■ يحرص البابا على إقامة علاقات سياسية ودبلوماسية مع المسؤولين والسفراء العرب والأجانب. وهو أمر طبيعى، لأن الكنيسة المصرية تعد واحدة من أهم مؤسسات المجتمع المصرى. والواقع يؤكد حرص الكنيسة منذ تولى البابا تواضروس الثانى على إقامة علاقات طيبة مع جميع دول العالم، خاصة تلك الدول المجاورة لمصر، ففى شهر أبريل 2018 استقبل الملك سلمان بن عبدالعزيز، بمقر إقامته فى القاهرة- خلال زيارة رسمية- البابا تواضروس الثانى فى أول لقاء بين القيادة المسيحية فى مصر، والقيادة السعودية، وهو لقاء تاريخى.. يعد الأول من نوعه الذى يلتقى فيه عاهل سعودى ببابا للكنيسة الكنيسة المصرية. وهو يعتبر تغييراً إيجابياً يتسق مع ما تشهده المملكة مع جيل الشباب.

■ اتهام البابا بالهرطقة وهو رأس الكنيسة لمجرد انفتاحه على الفاتيكان والطوائف المسيحية الأخرى على مستوى العالم. ومثال ذلك ما حدث مع وثيقة المعمودية التى هوجم بسببها فى شهر أبريل 2017، والترويج على اعتبار أنها تنازل منه عن العقيدة الأرثوذكسية. رغم أنه منذ تولى البابا تواضروس الثانى مسؤولية الكرسى الباباوى منذ 5 سنوات تقريباً قد وطد العلاقات الثنائية مع الفاتيكان من خلال الزيارات المتبادلة والحوارات المستمرة، فى إطار السعى للوحدة التى لا تمس الثوابت العقائدية الخاصة للكنيستين الأرثوذكسية المصرية والكاثوليكية الغربية، واحترام وتقدير خصوصية كل طرف.. فهناك فرق بين الوحدة المسيحية وبين الاجتماعات المشتركة بهدف تحقيق تلك الوحدة.

البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية

■ انتقاده بسبب ذهاب الدكتور القس أندريه زكى «رئيس الطائفة الإنجيلية» مع وفد المجلس الوطنى للكنائس الأمريكية لزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى شهر نوفمبر 2017. وتناسوا أنه وفد يتبع الكنيسة الإنجيلية فى الولايات المتحدة الأمريكية، ولا علاقة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية به.

■ سماحه لوفد كاثوليكى من الفاتيكان بإقامة صلاة القداس داخل دير السريان بوادى النطرون فى شهر يونيو 2018. وذلك رغم أنه تقليد يحدث فى تبادل الزيارات بين الكنائس على مستوى العالم. وهو الأمر الذى حدث عندما قام البابا تواضروس الثانى برئاسة الصلاة فى كنيسة القديس ماربولس الرسول التى تعد أكبر كنيسة كاثوليكية بروما فى إيطاليا فى 8 يوليو 2018.

■ مشاركته فى اجتماع بطاركة الكنائس الأرثوذكسية (السريانية والهندية والأرمينية) لتوحيد عيد القيامة بلبنان فى شهر يونيو 2018. وهو يعد ضمن الاجتماعات العالمية للتقارب بين الكنائس وإيجاد مساحات مشتركة فى سبيل تحقيق الوحدة المسيحية.

- استقبال البابا فرنسيس «بابا الفاتيكان» للبابا تواضروس لم يكن يليق بمكانة أعلى سلطة دينية للكنيسة المصرية التى تعد أقدم كنائس العالم فى شهر يوليو 2018.

■ وصفه بالبابا السعودى بسبب زيارته لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمى للحوار بين أتباع الأديان والثقافات «KAICIID» فى النمسا فى شهر يوليو 2018. رغم أن المركز المذكور يعد واحداً من أهم المراكز المتخصصة على مستوى العالم، بالإضافة إلى كونه يضم فى عضويته وشراكاته أتباع الأديان السماوية والفلسفية. وهو يمثل مساحة للحوار والتواصل والاتفاق.

■ الحديث عن تفريغ البابا للكلية الإكليركية، وموافقته على وجود مدارس أخرى، مثل: مدرسة مارمينا فلمينج بالإسكندرية، ومدرسة الراهب سيرافيم، ومدرسة المعادى.. بما وصفوه بأنه عصر حصار التعليم الأرثوذكسى. ولم ينتبه هؤلاء إلى أن الكنيسة المصرية طيلة تاريخها تتسم بتنوع المرجعيات الفكرية والدينية لها، ومثال ذلك: بيت التكريس بالجيزة، ودير أبو مقار، وبيت مدارس الأحد بروض الفرج، ومركز دراسات الآباء.

البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية

■ ■ الطريف فى كل ما سبق أنه تسبب فى حالة من فوضى الآراء على مواقع التواصل الاجتماعى، ورغم أنه يعتبر إنجازات للبابا تواضروس، فى سبيل تقارب ووحدة الكنائس، فإن البعض قد استغله للهجوم عليه. ومع ملاحظة أن ما سبق كان محل رفض من البابا الراحل شنودة الثالث، وكان محط انتقاد العلمانيين له.

إنجازات

استطاع البابا تواضروس الثانى أن يقوم بتغيير منظومة مركزية التحكم والقرار فى قضايا الأحوال الشخصية من خلال المجلس الإكليريكى للأحوال الشخصية، سواء من خلال التغيير الكامل لكل اللجان الرئيسية والفرعية للمجالس الإكليريكية للأحوال الشخصية، أو بضم أطباء نفسيين ومستشارين قانونيين لها للمرة الأولى لمراعاة أبعاد جديدة لم تكن تُؤخذ فى الحسبان. وقبل ذلك العمل على إعادة النظر فى مقولة الراحل البابا شنودة الثالث «لا طلاق إلا لعلة الزنى» المرتكزة على قول السيد المسيح «من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزنى» متى 5: 32، وإعادة تحديد أسباب الطلاق وبطلان الزواج تيسيراً على العائلات المسيحية لحل مشكلات الأحوال الشخصية. وهو ما يعنى ترسيخ ثقافة تداول المناصب والعمل الإدارى لفرض نوع من الحيوية وعدم احتكار الوظائف وإعطاء فرص لدماء جديدة لملف الأحوال الشخصية الذى تولاه الأنبا بولا «أسقف طنطا» منفرداً لأكثر من 25 سنة، وما تضمنته تلك السنوات من أزمات اجتماعية.. وصلت لدرجة التوترات الطائفية بسبب ملف الأحوال الشخصية الذى تعد وفاء قسطنطين «زوجة الكاهن» أحد رموزه سنة 2004.

كل ما سبق يأتى فى قيام البابا فى شهر مايو 2018 بأكبر حركة تغييرات داخل أروقة المجمع المقدس لتجديد النظام الإدارى للكنيسة وإعادة هيكلة الإدارة الكنسية، حسب المسؤوليات، سواء بتداول تولى المسؤوليات بالانتخاب أو التعيين لسكرتارية المجمع المقدس «أعلى سلطة دينية فى الكنيسة» ومقررى اللجان والسكرتارية لمدة عامين بحد أقصى دورتين. فضلاً عن تجديد الفكر والأداء فى آلية عمل الكنيسة سواء داخلياً أو خارجياً. ودعم ما سبق بوجود معهد متخصص للعلوم الإدارية والتنموية لتقديم دورات تدريبية متخصصة لرجال الدين، وما ترتب على ذلك من استبعاد شخصيات بعينها من المجمع المقدس.

جراءة

يحسب للبابا تواضروس الثانى جرأته الواضحة التى جعلته يصرح للإعلام بأن جماعة الإخوان فصيل يعمل ضد الدولة. وأعلن أيضاً أنه يرفض التصالح معهم.

وقال فى تصريح آخر: «إن التصالح مع الإخوان شأن سياسى وليس لنا أى رأى فيه، ونفضل تركه للسياسة، وهذا الأمر يتم تحديده من ناحية الماضى والحاضر والمستقبل».

وأضاف: «أنا كمواطن مصرى أرى أن الشعب غير مستعد لهذا الأمر لأنه لا يزال هناك قتل، وشهداء يتساقطون كل يوم.. وعندما يتوقف نهر الدم، وتصدق النوايا، من الممكن أن نبدأ فى الحديث عن مثل هذه الأمور».

تحديات

يأتى ملف التحديات باعتباره الأهم ضمن اهتمامات البابا الجديد، وكمحاولة لتحديد التحديات والأفكار، يمكن أن نصنف هذه التحديات/ الملفات التى تحتاج إلى تجديد الفكر الدينى «المسيحى المصرى» إلى:

■ ملف التطوير المؤسسى الداخلى: من خلال عدة قضايا سواء على مستوى الإدارة الكنسية أو الإدارة المالية للكنيسة أو الإدارة القانونية، وذلك من خلال تطوير هيكل عمل الكنيسة لتتحول بشكل كامل للعمل المؤسسى الجماعى. وهو ما يتطلب وجود نظام إدارى واضح ومتكامل لعمل كل من: المقر البابوى، والإيبارشيات بكنائسها، والأسقفيات، والأديرة، والهيئات مثل: هيئة الأوقاف، والمجالس مثل: المجلس الإكليريكى للأحوال الشخصية، والكليات اللاهوتية مثل: الكلية الإكليريكية، والمعاهد المتخصصة مثل: معهد الدراسات القبطية التابع للكنيسة. وهو ما يعنى وجود نظام مالى عام وموحد وواضح للكنيسة بإشرافها ومتابعتها من خلال المجلس الملى باعتباره المجلس المدنى المنتخب تحت إشراف لجنة الانتخابات.

■ الملف التعليمى (التكوين): الاهتمام بالحالة العلمية والتعليمية للكهنة والأساقفة بحيث تتاح لهم المزيد من فرص التعلم والحصول على درجات علمية لاهوتية.. تعيد مكانة رجال الكنيسة المصرية ضمن قائمة أهم لاهوتيى العالم. وتأسيس نظام جديد ومتطور فى اختيار الأساقفة، مثل: شرط الحصول على الدرجة العلمية «الدكتوراه تحديداً» لرفع مستوى القدرات اللاهوتية والعلمية والفكرية لأعضاء المجمع المقدس.. بما ينعكس إيجابياً على أداء رجال الكنيسة. وعلى أن يتم تنفيذ هذا النظام بعد 7 سنوات من إقراره، لترسيخ نظام جديد دون المساس بالنظام القديم ورجاله، كما أذكر هنا الأهمية القصوى لتطوير الأديرة والاهتمام بها، وإعادة الاعتبار لما تملكه من محتوى دينى وثقافى أثرى، يمثل (كنزا معرفيا) للباحثين والعلماء والخبراء. وأتمنى لو تم اقرار معايير الصحة البدنية والنفسية لكل رجال الإكليروس من الرهبان والكهنة والأساقفة، فضلا عن إقرار الذمة المالية لهم قبل بداية مسيرتهم الدينية.

وأذكر هنا بفكرة طرحتها منذ أكثر من 10 سنوات، وهى تقنين الزى الكهنوتى قانوناً على غرار الزى الأزهرى وزى رجال الشرطة والقوات المسلحة.. للتجريم القضائى لكل من ينتحل صفة رجل دين مسيحى دون أن يكون معترفا به من مؤسسته الدينية، وتجنباً لحالة التضليل والتدليس التى يقوم بها البعض الآن، وما ينتج عنها من أزمات دينية ومجتمعية.

■ الملف القانونى: وهو الملف الذى يتضمن كلا من:

1 – تعديل وتطوير لائحة 57 لانتخاب البطريرك. وهو تعديل لا يرتبط بزيادة عدد الناخبين كما يطالب البعض، بل يرتبط بتعديل معايير الاختيار للمرشحين للبابوية، حسب قوانين الكنيسة، وحسب المعايير الشخصية الدقيقة للمرشحين، بالإضافة إلى تعديل شروط الناخبين بما يضمن التمثيل العادل لجميع فئات المواطنين المسيحيين المصريين من العلمانيين والرموز المسيحية المصرية. ومع الحفاظ على مراحل اختيار البابا من الانتخاب إلى القرعة الهيكلية.

2 – تعديل لائحة 38 للأحوال الشخصية، وهو تعديل يرتبط بالتمسك بالثوابت الكنسية فى شروط الزواج المسيحى من جهة، وإيجاد حلول لمشكلات الزواج كحالة اجتماعية من جهة أخرى. وعلى أن يتم هذا التعديل بالشكل القانونى لحل حاسم فى قضايا الأحوال الشخصية المتداولة فى ساحات المحاكم الآن، فضلاً عن دراسة جدية لمشكلة المواريث والتبنى فى المسيحية، ويترتب على هذا التعديل إعادة النظر فى دور المجلس الإكليريكى للأحوال الشخصية.

3 – وجود لائحة واضحة ومحايدة وعادلة لمحاكمات الكهنة (التأديبات الكنسية) بحيث يكون فيها رصد لأنواع التجاوزات التى يمكن أن تحدث، وما يترتب عليها من عقوبات أو إنذارات أو ملاحظات، فضلاً عن وجود درجات متعددة للنقض بحيث يحق لمن تجاوز الدفاع عن نفسه بشتى الطرق والوسائل، ويترتب على هذا التعديل إعادة النظر فى دور المجلس الإكليريكى لمحاكمات الكهنة.

4 – تعديل اسم وشكل ودور المجلس الملى ليصبح مجلسا حقيقيا للعلمانيين المسيحيين المصريين، كما يمكن أن يكون هو قناة الاتصال المدنية المنتخبة فى علاقة الكنيسة بالدولة، خاصة فيما يتعلق بحل قضايا التمييز ضد المواطنين المسيحيين المصريين لما لها من أبعاد مدنية وسياسية وثقافية، وليست دينية، وعلى سبيل المثال لا الحصر: بناء الكنائس والتعيين فى المناصب العليا. وربما يتطلب ذلك انتخاب مجلس مؤقت ليقوم بهذا التعديل، خاصة أن المجلس الحالى الذى شارك فى الإعداد والتنفيذ لانتخاب واختيار البابا الجديد قد انتهت دورته الانتخابية. ويمكن أن يكون الاسم الجديد للمجلس هو مجلس العلمانيين المسيحيين المصريين، مع العلم أن المستشار منصف سليمان «المستشار القانونى للكنيسة» صرح فى 27 يونيو 2018 أنه تم إعداد لائحة جديدة للمجلس الملى.. سيصبح بموجبها المجلس عبارة عن هيئة استشارية تلجأ لها الكنيسة عند الحاجة. وهو ما يتعارض مع هدف وجود هذا المجلس ككيان أساسى للتواصل وحل الأزمات.

■ ملف العلاقات الدينية: من خلال علاقة الكنيسة المصرية بالأزهر الشريف وبدار الإفتاء وبمجمع البحوث الإسلامية ووزارة الأوقاف والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.. تلك المؤسسات المصرية العريقة، التى تمثل جميعها صمام أمان هذا الوطن لتجاوز أى أزمات أو توترات طائفية، وللحفاظ على سماحة مصر وأمنها وأمانها.

■ ملف الإعلام: من خلال القنوات الفضائية الرئيسية، مثل: قناة CTV تملكها عائلة رجل الأعمال الراحل د. ثروت باسيلى، ويضم مجلس أمنائها العديد من الأساقفة، والثانية هى قناة «أغابي» التى يديرها ويشرف عليها الأنبا بطرس، والثالثة هى قناة ME Sat التى يشرف عليها الأنبا أرميا، والرابعة قناة كوجى للأطفال التى يشرف عليها الأنبا مرقس. وأعتقد أنه من المفيد توحيد هذه القنوات فى قناة فضائية مسيحية واحدة، خاصة القنوات الثلاث التى تتدرج تحت الإشراف الكامل لرجال الكنيسة، لما فى ذلك من تلافى التكرار فى الأفكار والبرامج وعدم إهدار المزيد من التمويل، فضلاً عما يمكن أن يؤديه هذا التوحيد إلى رفع مستوى المحتوى الإعلامى لقناة فضائية مسيحية أرثوذكسية مصرية واحدة تعبر عن الكنيسة المصرية.

■ ملف المتحدث الإعلامى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية: بحيث يتم تفعيل دوره للتعبير المعلوماتى السريع والدقيق عن مواقف الكنيسة وتوجهاتها.. لعدم الالتباس فى التصريحات المتضاربة التى عانينا منها خلال السنوات الماضية ممن يطلقون على أنفسهم محامى الكنيسة أو مستشار الكنيسة أو مستشار قداسة البابا أو المتحدث باسم البابا.

■ ■ خطوات لا بد منها:

- لا بد من وجود نظام مالى عام وموحد وواضح للكنيسة بإشرافها ومتابعتها من خلال المجلس الملى

- اهتموا بالحالة العلمية للكهنة والأساقفة، بحيث تتاح لهم المزيد من فرص الحصول على درجات علمية لاهوتية

- لا بد من تعديل وتطوير لائحة 57 لانتخاب البطريرك و38 للأحوال الشخصية ووجود لائحة محايدة لمحاكمات الكهنة

■ ■ نقطة ومن أول السطر..

شخصياً لدىَّ ملاحظات عديدة على بعض مواقف الكنيسة المصرية، ولكن فى إطار الاختلاف الرشيد الذى يقدم بدائل وحلولاً وسيناريوهات عملية قابلة للتنفيذ والتحقيق، فالأمر لا يقتصر على النقد لمجرد الوجود والمشاركة، لأنه ربما يتحول إلى هدم وتدمير وتشويه.

التوجهات والسياسات تستمر، ويتم تقييمها وتعديلها وتطويرها، أما المسؤولون فيتم تغييرهم!

البابا والرئيس

تطورت علاقة الدولة بالكنيسة خلال السنوات الماضية بشكل لم يحدث فى أى عهود سابقة، وهو ما يتجلى فى كثير من المشاهد المهمة:

■ زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى للكاتدرائية أثناء قداس عيد الميلاد للتهنئة، التى كانت الزيارة الأولى من نوعها لرئيس جمهورية مصر العربية لتهنئة المواطنين المسيحيين المصريين بعيد الميلاد المجيد، وهو الأمر الذى تحول إلى تقليد سنوى، رغم الهجوم الطائفى البغيض من جماعة الإخوان الإرهابية والجماعات السلفية على زيارات التهنئة بالعيد.

■ ضرب معاقل تنظيم «داعش» الإرهابى بمدينة درنة الليبية، بعد استشهاد الشباب المسيحى المصرى ذبحاً على يد التنظيم بليبيا فى نهاية شهر فبراير 2015، وأعقبها قيام الرئيس السيسى بالذهاب إلى الكاتدرائية لتقديم واجب العزاء للبابا تواضروس الثانى، وكان لهذا الموقف أثر كبير فى الشعور بأهمية المواطن المصرى خارج وطنه.

■ إصلاح وترميم وبناء الكنائس ومبانى الخدمات والمدارس التى خربتها جماعة الإخوان الإرهابية عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة، وتلاها إصدار قانون تنظيم بناء وترميم الكنائس طبقاً لدستور 2014 قبيل انتهاء دور الانعقاد الأول للبرلمان فى شهر أغسطس 2018.

■ قيام الدولة ببناء كاتدرائية جديدة ضخمة مثلما قامت ببناء المسجد الكبير فى العاصمة الإدارية.

■ هناك أفراد تصنعهم المؤسسات التى يتولون رئاستها، لما لهذه المؤسسة من ثقل أو تأثير فى المجتمع، غير أن الحال تختلف مع البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث الذى تولى رئاسة الكنيسة المصرية، فأحدث فيها تحولاً جذرياً فى آلية عملها وتفاعلها، مما زاد من أهمية الكنيسة ومكانتها فى المجتمع من جانب، وأعطى للكرسى البابوى هيبته بإضافة أبعاد أخرى جديدة له من جانب آخر. كما أنه مع مرور الوقت وتنوع الخبرات وتراكمها تنامى حضور البابا شنودة الثالث ودوره فى المجتمع، وبالتبعية الكنيسة، ولكن يجب الانتباه أن البابا تواضروس ليس كسلفه الراحل البابا شنودة الثالث، لأن المقارنة ستنتهى دائماً فى صالح سلفه. وهى مقارنة غير عادلة على غرار المقارنة بين الراحل البابا شنودة الثالث وسلفه الراحل البابا كيرلس السادس فى سبعينات القرن الماضى بسبب اختلاف مقومات وسياق وتاريخ المقارنة بينهما، وبسبب خبرة البابا شنودة الثالث التى وصلت إلى 40 سنة من التجارب والخبرات، وأيضاً النجاحات والإخفاقات، فضلاً عن اختلاف التحديات والمشكلات وتطورها بعد أحداث 25 يناير.

■ ولكن تبقى ملاحظة مهمة، لم يهتم البابا كيرلس السادس بالاجتماعات الجماهيرية، وكان أشد الحرص على عمل صلاة القداس يومياً تقريباً، بينما البابا شنودة الثالث لم يفعل ذلك، ولكن عرفه الناس من خلال وعظاته فى لقائه الأسبوعى كل الأربعاء.. وهى اجتهادات غير ملزمة للبابا تواضروس الثانى، وليس هناك أدنى مشكلة من عدم اتباع هذا أو ذاك.. فلكل بابا من باباوات الكنيسة شخصيته ورؤيته وتوجهاته التى لا تنطبق فى غالبية الأحوال مع غيره.