«المصرى اليوم» تعيد «حبيبة» إلى والدتها بعد ساعات من نشر قصتها

كتب: عمر حسانين الثلاثاء 10-05-2011 22:04

قبل ثلاثة شهور و17 يوماً، وقعت أحداث إزالة خيام المعتصمين فى ميدان التحرير، حدثت حالة من الفوضى انتهت باختفاء الطفلة «حبيبة» وإلقاء القبض على والدتها «بائعة الشاى»، بعد 4 أيام خرجت الأم وذاقت كل ألوان العذاب بحثاً عن صغيرتها، وأمس - بعد ساعات من نشر «المصرى اليوم» المأساة - جلست «حبيبة» وسط عشرات من الطيبين الذين استضافوها، تمارس هوايتها فى مشاغبتهم، فجأة تركت الجميع واندفعت مثل الطلقة إلى أحضان سيدة - يأكلها الشوق إلى وحيدتها- وهى تصرخ «ماما، ماما» وردت المرأة منتحبة والدموع تبلل كلماتها «بنتى، ضناى، وحشتينى» فبكى الجميع وعادت «حبيبة» -فراشة الثورة التائهة- إلى والدتها.


بدأت التفاصيل فى الواحدة ظهر أمس الأول، وقفت امرأة شابة يكسو وجهها الحزن والفقر وعذاب طويل، مدت عدد «المصرى اليوم» إلى مسؤول الأمن وهى تردد «أنا أم حبيبة اللى ناشرين صورتها»، أخبرونى والتقيتها، وقدمت كل الأوراق التى تثبت أنها والدة الطفلة المختفية، فى الطريق إلى عزبة «الحفير» فى القليوبية روت الأم نورا تفاصيل المأساة، قالت: «منذ 19 يونيو 2009 - يوم ميلاد حبيبة- طردنى والدها إلى الشارع، عشت بها بين الناس على الأرصفة وأحيانا فى حجرة بوابة لإحدى العمارات، وانتقلت أخيراً إلى ميدان التحرير، أبيع الشاى للمارة ورواد الميدان».


وأضافت: «عندما بدأت أحداث الثورة وتجمعت مصر فى التحرير، فرحت لأننى لأول مرة أشعر بدفء وونس الناس بالإضافة إلى الرزق الوفير من الثوار، أبيع شاياً وأحصل على طعام وأنام فى أمان، شاهدت إطلاق النار وخراطيم المياه وهجوم الجمال والخيول، ناس بتهتف وغيرهم بيصرخوا، وناس مصابة ودم بينزف، لكن كل ذلك لم يكن يهمنى، أنا كنت فرحانة باللمة والمكسب، وجاء أسود أيام حياتى، يوم أربعاء، حين حدثت مشاجرة فى الميدان وبدأ تبادل ضرب الطوب والزجاجات، لملمت حاجاتى وصرخت فى ابنتى أن تتبعنى وأطلقت أقدامى للرياح، وفجأة لم أجد (حبيبة)، لم أهتم بالموت وعدت إلى الميدان أبحث عنها فلم أجدها وبعد يومين، ألقى الجيش القبض علىّ وآخرين وتم حبسنا لمدة 4 أيام، قضيتها دون طعام من شدة الحسرة على ابنتى وخرجت بعد صدور حكم على بالحبس لمدة سنة مع الإيقاف وأعانى من تسمم».


واصلت: «لم أترك مكاناً إلا وبحثت فيه، ذهبت إلى مقامات الأولياء أسألهم عن ابنتى، وإلى قارئ الفنجان الذى أخبرنى بأننى لن أراها إلا وعمرها 11 عاماً، أما بائع الكبدة فلا أدرى ماذا كان يريد منى عندما أوهمنى بأنه يعرف مكانها وطالبنى بالذهاب معه، أما السيدة السمراء التى تسكن الميدان فكدت أن أقتلها لشكى أنها باعت ابنتى للمتسولين، وفكرت أن أسرة والدها هى التى خطفتها فوضعت خطة لخطف طفلة أحدهم ومساومتهم على إعادة ابنتى أو ذبح ابنتهم».


وقالت نورا: «لم أهنأ بلحظة وابنتى بعيدة عن أحضانى، فأنا هربت من زوجى الثانى بعد أن رفعت عليه السكين وكدت أن أقتله لأنه لسعها بالنار، أثناء بحثى عنها كنت أقف إلى جوار دورات المياه العامة فى التحرير، أخبرنى أحد العاملين بأنه رأى صورة ابنتى فى الجرنال، جريت على بتاع الجرايد وتأكدت أنها حبيبة، أخذت الجريدة بالحضن ورحت أقبل صورة ابنتى حتى ذابت الورقة ولم أتوقف عن الجرى إلا أمام باب (المصرى اليوم)».


وفى منزل الحاج صلاح سعد بمنطقة «الحفير»، قام ابنه محمد وصديقه أمير غانم والدكتور خالد النمكى وعبدالقادر محمد، بعمل ما يشبه العرض القانونى الذى تجريه النيابة العامة للتعرف على المتهمين، عرضوا على الأم مجموعة من الصور تقارب شبه ابنتها فأنكرتها، وعندما رأت صورة «حبيبة» بكت وقالت «دى بنتى».


لم يكتفوا بذلك، أدخلوا عليها عدة أطفال بنفس الطريقة فلم تفلح معها، اشترطوا عليها أن تجلس صامته وأدخلوا «حبيبة» على الجمع الذى كان يجلس فى منزل «عم صلاح»، وراحت الطفلة تشاغب أهل البيت وفجأة وقع بصرها على والدتها، اندفعت نحوها مثل الرصاصة وهى تصرخ «ماما ماما» فارتفع نحيب الأم وهى تمطرها بالقبلات ودموعها تغرق كلماتها وتصرخ «بنتى بنتى وحشتينى» فلم يستطع أحد أن يحبس دموعه.


بعد لحظات حضر «سيد» الذى عثر على حبيبة وأقسم أنه كان يعاملها مثل ابنته وأنه ذهب إلى التحرير أكثر من مرة يبحث عن والدتها، لكنه لم يجدها.


كانت اللحظات الأخيرة فى مكتب العقيد مصطفى رشدى، نائب مأمور قسم شرطة الخصوص، حيث تم تحرير محضر بتسلم الأم لطفلتها وأخذ التعهد عليها بحسن رعايتها، وقالت نورا «أنا والله تعلمت الأدب طوال الأيام التى فقدت فيها ابنتى».