د.ممدوح شكري رئيس جامعة يورك الكندية: أدعو مصر للاستثمار في التعليم بعد الثورة

كتب: محمد السيد صالح الثلاثاء 10-05-2011 18:13


لم نكن نخطط للقاء الدكتور ممدوح شكرى رئيس جامعة يورك الكندية.. لكن ترتيب هذا الحديث الصحفى جرى خلال ثوان معدودة على هامش زيارتنا لهذه الجامعة ضمن حملة مكثفة للجامعات الكبرى فى تورنتو أوتاوا ومونتريال نظمتها لنا السفارة الكندية فى القاهرة ووزارة التعاون الدولى الكندية: المسافة من وسط تورنتو إلى «يورك» استغرقت 40 دقيقة راجعنا خلالها جدول الزيارة وقال لنا المسؤولون عن رحلتنا.. «لديكم مقابلة مع رئيس الجامعة، إنه من أصل مصرى.. مدة اللقاء 30 دقيقة فقط وباللغة الإنجليزية.. الرجل لن يسمح بأكثر من ذلك فجدوله مزدحم.. والتزموا بالأسئلة عن الجامعة».


وصلنا قبل موعدنا بنصف الساعة تقريباً، هربنا من الطقس القارس بالانتظار فى مكتب شكرى.. كررت علينا سكرتيرته جدول الزيارة وأهمية إنهاء اللقاء فى موعده.. استقبلنا الرجل الذى هو أول مصرى وأول مسلم يترأس جامعة فى هذه الأجواء الباردة. رحب بنا بالإنجليزية.. قدمنا إليه أنفسنا توقف للحظات عندما سمع هوياتنا وصحفنا «المصرى اليوم، الأهرام»، تحدث للمرة الأولى بالعربية: أقرأ «المصرى اليوم» يومياً.. تحياتى لرئيس تحريركم، أريد مقابلته عندما أزور القاهرة، فى جانب القاعة حيث المكان المخصص للشاى والقهوة والعصائر قلت له: نريد إجراء حوار معك بعد انتهاء هذا اللقاء.. رحب الرجل على الفور.. ألغى لقاءً مهماً مع قيادات الجامعة، تأخر عن موعد مع زوجته المصرية.. الرجل كان لديه عتاب بالغ علينا، وسائل الإعلام المصرية: أنتم أول صحفيين مصريين ألتقيهم.. لم يهنئنى مصرى واحد بحصولى على هذا المنصب.. لم تكتب عنى الصحف المصرية سطراً واحداً.. كان هذا العتاب هو المحور الأول فى حوارنا.. تحدثنا مع الرجل عن التعليم المصرى وفرص إصلاحه فى ظل الثورة التى له موقف رائع منها.. المشروع النووى وفرص استمراره فى ظل الكارثة اليابانية، خاصة أن الرجل مهندس نووى فى الأساس.. والأهم رؤية الرجل لقضايا الأقباط لالتصاقه بأقباط المهجر هنا على مدى عقود طويلة.وإلى نص الحوار:


■ فى أى دفعة تخرجت.. ومتى جئت إلى هنا؟


- أنا خريج هندسة القاهرة دفعة 1970 ولكننى أكملت تعليمى هنا فى كندا.. ولسنوات طويلة هنا ظللت مشغولاً بعملى وأبحاثى.. وأنا أحب دائماً أن أؤدى عملى على خير وجه، ولذلك لم يكن لدى وقت لأبدده، ولكن فى السنوات العشر الأخيرة وبعد أن كبر أبنائى زادت رغبتهم فى زيارة مصر تكررت رحلاتى للقاهرة، خصوصاً حينما كان والدى، رحمه الله، على قيد الحياة.


وفى مصر كنت مشغولاً بعائلتى فقط وفى الاتجاه الآخر لم يهتم الإعلام المصرى بى على الإطلاق.. وللأمانة لم يحاول أى صحفى أو إعلامى مصرى أن يكلمنى.


■ لم تتلق اتصالاً من مراسل صحفى لمصر فى كندا.. أو كنت ضيفاً لفضائية مصرية فى أى قضية علمية أو خاصة بالمصريين فى كندا؟


- أبداً.. لم يحاول أحد أن يتصل بى على الإطلاق.


■ الدكتور أحمد زويل له تصريح منذ عدة أسابيع قال فيه إن بعض علماء مصر فى كندا هم الذين يضعون المناهج الدراسية هناك، وبالرغم من ذلك نحن لا نعرفهم ولا نهتم بهم؟


- دعنا نضع التواضع جانباً وأقول لك أحياناً أشاهد التليفزيون وأجد كلاماً غير منطقى.. هناك بعض المبالغات. مصر تعيش فى وجداننا.. وأنا لا هدف لى من التواجد فى مصر.. لكن بعض الأساتذة عندما يصلون إلى درجة علمية معينة فى تخصصاتهم يسعون للظهور وذلك لإرضاء أقاربهم وأصدقائهم.. وأنا لا أسعى لذلك.. ورغماً عن ذلك فإننى وبصراحة أمتلك خبرة مختلفة ومميزة فى عدة مجالات.


■ فى مجال الهندسة بالأساس؟


- لا.. الهندسة فيها كثيرون مثلى، ولكن أنا أول مصرى يترأس جامعة كبرى وبهذا الحجم فى دولة اهتمامها الأول هو التعليم.. وإدارة جامعة بهذا الحجم أعرفها من الداخل ومن الخارج.. وعندما أشاهد أساتذة متميزين فى الخارج وعندما يعودون لمصر يتحدثون فى كل شىء.. حتى فى الإدارة رغم أنهم لم يمارسوا ذلك ولو ليوم واحد.. وأنا أبتسم عندما أشاهد ذلك.. صحيح بعضهم علماء لكنهم يتحدثون كثيراً فى أشياء لا يعرفون عنها شيئاً.. هؤلاء نجوم الفضائيات.. هل أداروا قسماً فى جامعة أو كلية أو كانوا نواباً لرؤساء جامعات قبل أن يترأسوا هذه الجامعات.. رئيس الجامعة هنا مختلف عن مصر.. الناس الذين يعينونى وأنا مسؤول أمامهم يهمهم الأداء والميزانية والممتلكات والأرض. والمنتج العلمى كذلك، ومجلس الأمناء بجامعة «يورك» يضم شخصيات مهمة فى كندا.. قيادات سياسية سابقة ورموزاً اقتصادية ورجال أعمال.. ومهتمين بالمجتمع المدنى.. وهؤلاء هم رؤسائى وليس الحكومة، والمهم أن ربنا أراد أن يضعنى فى هذه الظروف وأن تأتى إلىّ فرصة لم تأت لأحد مصرى أو عربى من قبل وهى أن أترأس ثانى أكبر جامعة فى الولاية، وثالث أكبر جامعة فى كندا. وواقعياً لم أحصل على هذا لأننى مميز فى الهندسة فقط أو أننى شاطر فى الإدارة أو فى السياسة فقط، لكن لابد أن يكون الأمر مزيجاً بين كل ما سبق والأهم هنا أنه لا أحد يحمينى فأنا لا أتبع عائلة كندية رفيعة تحمينى.. وهذا الأمر لا وجود له هنا.. وأنا مصرى اجتهدت حتى وصلت لهذا المنصب.


■ إصلاح التعليم فى مصر الآن، باعتراف الجميع، بات عملية صعبة ومعقدة، ولكن فى ظل أجواء الثورة.. لو طلبوا منك المشاركة فى هذه العملية بماذا تبدأ؟


- أبدأ فوراً بالمدرسين ومن الحضانة.. ثم بعد ذلك نبدأ فى تعديل المناهج الدراسية، وأنا أرى أن أى استثمار فى التعليم أفضل من الاستثمار فى المجالات الأخرى.. ولو نظرنا إلى أى دولة تقدمت سنجد على الفور أنها بدأت بالتعليم، حتى الصين فعلت ذلك.. الهند.. سنغافورة.. البرازيل كلها دول تقدمت بفضل الميزانيات الهائلة وغير المعقولة للعملية التعليمية. مناهج التعليم تحتاج إلى إعطاء الحرية الكاملة للطلاب بالتفكير الخلاق وبلا قيود.


■ نحتاج ميزانيات غير متاحة حالياً؟


- بالطبع.. ومصر مليئة بالخير.. ولكن لابد من إتاحة التعليم الحديث.. وأنا أقترح البداية بجرعات مصغرة.. لا يمكننا الانتظار.. البداية لابد أن تكون الآن.. التأخير سيعيدنا للوراء كثيراً.


■ لدينا تجربة غير ناضجة فى مصر للتعليم الخاص.. ابتداء من الابتدائى وحتى فى الجامعات الخاصة.. لديكم جامعات مستقلة عن الدولة أى أنها خاصة ولكن منتجها مختلف تماماً؟


- جامعاتنا خاصة ولكن ليس تماماً.. الطالب يدفع نحو 6 آلاف دولار سنوياً، تقريباً، لكن الدولة والتبرعات تتكفل بالباقى.. وللعلم فإن متوسط الإنفاق على الطالب هنا نحو 14 ألف دولار كندى سنوياً، لذلك فإن أداء رئيس الجامعة مرتبط أيضاً بحجم التبرعات التى يحصل عليها من المجتمع.


ومن الممكن أن نقدم نماذج قابلة للتطبيق فى مصر، مثلاً، ننشئ جامعات خاصة متميزة ولكن نقدم منحاً للطلاب المتميزين، على أن تتكفل الدولة أو دافعو التبرعات بذلك، من الممكن أن نقدم قروضاً لتعليم الطلاب غير القادرين، على أن يتم سدادها بعد تخرجهم وحصولهم على أعمال مناسبة، وهذه ليست حلولاً جاهزة لمصر ولكنها قد تكون بداية لأفكار عديدة يمكن أن يناقشها رجال التعليم فى مصر، العاجل فى مصر الآن هو عدم تأخير عملية إصلاح التعليم.. فالتعليم الجيد لا يقل أهمية لمصر الآن عن المأكل والمشرب.. وأنا عاصرت، وأنا طفل، كيف كان التعليم المجانى، فى بدايات الثورة، مهماً للغاية لكثيرين.. والناس تنسى هذه السياسة الإيجابية لجمال عبدالناصر.


■ نعود لعلاقتك بمصر وبالجامعات تحديداً.. لم تتم دعوتك مطلقاً فى مصر.. أو حتى لجامعة القاهرة التى تخرجت فيها وعملت معيداً بها؟


- كرئيس جامعة لا.. ولكن فى فترة مبكرة جداً وبعد حصولى على الدكتوراة فى الهندسة النووية، ألقيت محاضرة واحدة فى جامعة القاهرة.. وبعد ذلك كان هناك أحد طلاب الدكتوراة الذى يشرف عليه أحد أصدقائى وطلب منى هذا الصديق مساعدة الطالب، وجاء إلى معملى فى كندا وأكمل أبحاثه.. ولأنهم أصدقاء وزملاء طيبون، أخروا مناقشة رسالة الدكتوراة لكى أحضرها وأنا فى زيارة للقاهرة.. ولكن غير ذلك لم تتم دعوتى لأى مناسبة.. وللأمانة، وحتى عندما تم اختيارى رئيساً لجامعة يورك لم أتلق التهنئة من أى قيادة فى مصر.


■ المهم أنك حصلت على هذا المنصب الرفيع؟


- أنا أتذكر شيئاً مهماً للغاية.. فعندما تم اختيارى للمنصب كتبت إحدى الصحف هنا فى المانشيت الرئيسى: أول رئيس جامعة مسلم فى كندا.. وهم لا يدركون من هو المسلم ومن غير المسلم.. وهذا الموضوع كان الشغل الشاغل لديهم، وأنا فخور بأننى مسلم، ولكن المشكلة هى أن يضعونى فى صندوق وبعد ذلك يفسرون كل شىء انطلاقاً من كونى مسلماً.. لا أنا وصلت لمنصبى لأننى إدارى جيد وكندى متميز.. ولدىّ إنجازات كأستاذ ثم كعميد.. وبعد ذلك كنائب لرئيس إحدى الجامعات الكبرى.. وبالتالى فأنا جدير بإدارة جامعة يورك، والله هم الذين سعوا ورائى.. وأنا لم أسع وراءهم ولم أقدم طلباً لشغل هذا المنصب.


■ أنت رئيس للجامعة منذ متى؟


- 3 سنوات ونصف تقريباً.


■ وقبل ذلك؟


- كنت نائباً لرئيس جامعة ماكمستر.. وقبلها كنت عميداً لكلية الهندسة فى الجامعة نفسها.. والشىء المدهش أنه عندما أصبحت رئيساً لجامعة يورك جاءنى جورنال تركى.. وآخر أمريكى.. وحتى الصحافة الإسرائيلية جاءتنى هنا وكذلك الفضائيات الكندية.. ما عدا «الإعلام المصرى».


■ تخصصك فى الدكتوراة هو الهندسة النووية.. وهو مهم للغاية فى مصر خلال المرحلة الماضية وكذلك المرحلة المقبلة.. ألم يلجأ إليك أحد لتقدم خبرتك أو نصيحتك فى المشروع النووى؟


- زمان جداً، وعندما كنت فى مجال الأبحاث النووية جاء سفير مصر فى هذا التوقيت تحسين بشير ومعه الدكتور على الصعيدى وزير الكهرباء الأسبق وكذلك الدكتور فوزى حماد وتحدثوا معنا عن المشروع النووى، ولكن بعد تعطل هذا المشروع عقب انفجار تشرنوبل فى 1986 توقف الحديث تماماً مع المصريين العاملين هنا وللعلم فإن أفضل العناصر التى تعمل فى المجال النووى فى كندا هم من المصريين. والكنديون يعرفون ذلك جيداً.. وكل هؤلاء غير معروفين إعلامياً فى مصر.. لم يتحدث معهم إعلامى واحد.


■ كيف استقبلت قيام الثورة هنا.. وماذا تتوقع لها خلال الأيام الماضية؟


- أنا متفائل كثيراً بما تم إنجازه حتى الآن، ولكن لا أريد معاقبة كل من تعاون أو عمل مع النظام السابق رغم أن نظام مبارك هذا كان مستغرقاً تماماً فى الفساد، والذى حدث فى مصر خلال عهد مبارك أن الديكتاتورية اكتسبت أرضاً واسعة فى غياب الردع.. وتوسعت حدود هذه الديكتاتورية لأن أحداً منا لم يقل لها لا.. وفى هذه المرحلة من المهم أن نسأل أنفسنا: أى طريق سنسلك؟ وأنا متفائل جداً، وقلت فى مقابلة تليفزيونية هنا وقبل تنحى مبارك: ثوار مصر عبروا الخط الأحمر ولن يعودوا للخلف.. وقد كان. والجيش المصرى سيظل عنصر أمان واستقرار بأى شكل وبأى صيغة وأنا قلت للكنديين أثناء الثورة: الجيش لن يطلق الرصاص على المواطنين.. والحمد لله قد كان.. قلت لهم أنا خائف فقط من رجال الأمن المركزى لأن النظام جمع مجموعات ضخمة جداً من الجهال والغلابة وأعطوهم عصى وبنادق وقالوا لهم اخرجوا ضد أعداء الوطن. أنا لا أقلل من عدد الشهداء الذين ماتوا ولكن نحن أفضل من كثيرين.


الأمر المهم، أننى كمصرى خائف من الانفلات الأمنى، وكذلك فإننى مع محاسبة مرتكبى الجرائم الكبرى وتتبعهم ومحاكمتهم بشكل عادل جداً، ولكن فى بحثنا عن المستفيدين من عمليات الفساد الذى شهدته مصر لابد أن نكون حذرين جداً، لأننا فى حاجة ماسة لكل رجال البيزنس لكى نعيد بناء البلد.. وذلك إلى جانب أموال الحكومة والاستثمارات الأجنبية.. ونحن لن نستطيع أن نخلق رجال أعمال جددا، ولكن علينا الاستفادة من الموجودين حالياً، بالطبع نسبة عالية منهم مارست أخطاء.. دفعوا عمولات ورشاوى.


لا نريد أن نكرر ما حدث بعد ثورة 1952 من سياسات تأميم ومطاردة رجال الصناعة وغيرهم. عبدالناصر ورجاله كانت لديهم رغبة وطنية فى الإصلاح ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً لأنهم مارسوا التطهير.. وعاقبوا كل المخالفين وكل من كان قائداً فى حزب خلال فترة الملكية.. وهم بذلك قضوا على طبقة النخبة.. لذلك لابد من أن نكون حريصين فى المحاكمات، وأقصد أن تكون المحاسبة للفاسدين قانونية وليست سياسية هدفها الانتقام.


■ هناك دعوة فى مصر الآن للاهتمام بمحاكمة القتلة وتيار الفاسدين.. والتصالح مع المستفيدين من الفساد فى العهد السابق؟


- هذه دعوة جيدة وتستحق المساندة.. وأؤكد ما فعله نيلسون مانديلا بعد خروجه من سجنه ووصوله للرئاسة فى جنوب أفريقيا.. اهتم بالقضايا السياسية الكبرى وأسس حواراً مجتمعياً شاملاً لكى يتفاهم الناس من خلاله.. وهو أول من دعا لمبدأ «نسيان خطايا الماضى» وأقصد بذلك كل ما يتعلق بجرائم الفصل العنصرية التى جرت ضد السود لعقود طويلة.. لا نريد هذه الحملة التى تزداد فى مصر.. ونعاقب مسؤولاً لأنه ظهر فى صورة مع جمال مبارك أو خطب فى مؤتمر للحزب.


■ هذا يحدث بالفعل خاصة مع رؤساء الجامعات الذين كان معظمهم أعضاء فى الحزب الوطنى؟


- بالفعل هذا خطأ.. لو أن أستاذاً فاضلاً تمت دعوته لأن يكون عضواً فى «لجنة السياسات» بماذا يرد.. والمهم أن بعض هؤلاء كان يريد المساعدة الحقيقية فى نهضة البلد.. ولكن القيادة أخذت الأمور لاتجاه آخر.. نظام التطهير خطر.. وبلدنا ليس خرابة تماماً.. ولو كان كذلك ما استطاع هؤلاء الشباب القيام بهذه الثورة الرائعة.. المهم الآن أن نفتح وبصراحة ملف الوحدة الوطنية، وأنا عشت فى مصر كتلميذ وكطالب وكمعيد، لم يكن الناس يعلمون هل أنا مسلم أو مسيحى، والموضوع لا علاقة له بالتدين ولكن الموضوع لم يكن مطروحاً.. ولم ينشغل الناس بذلك، وكنت أواظب على صوم رمضان بالطبع.. صحيح لم نكن نؤدى الصلوات فى مواعيدها داخل المدرسة أو الجامعة والأصدقاء المقربون يعلمون أننى مسلم.. لكن الزملاء العاديين لم يسألوا عن دينى فممدوح شكرى يصلح اسماً لمسلم أو مسيحى.. والجميع لم ينشغل بذلك.


■ قبل اللقاء بك مباشرة، سألت نفسى.. الدكتور ممدوح مسلم أم مسيحى.. ولم أعرف الإجابة إلا منك الآن.


- هذا السؤال أتلقاه كثيراً مؤخراً.


■ بالمناسبة، ما طبيعة علاقتك بالجالية هنا؟


- ليست متينة جداً، وهذا ليس ترفعاً أو هروباً، وخلال فترة تعلم أولادى كنت حريصاً على أن يذهبوا لمدرسة عربية لتعلم اللغة ولذلك ارتبطت بالجالية، وبعد ذلك لاحظت أن الجالية بدأت تنقسم إلى مسلمين ومسيحيين، ولذلك آثرت الابتعاد عن الساحة.. لى أصدقاء من الفريقين.. وبعد أن انتهى أولادى من المدرسة انفصلت عن الجميع، البعض يتهمنى بأننى متكبر.. ولكن العكس تماماً، وهناك شىء آخر.. كل النوادى المصرية هنا لم تدعنى لزيارتها أو إلقاء محاضرة فيها.


■ لماذا أقباط المهجر فى كندا هم الأعلى صوتاً.. وصوتهم مسموع فى البرلمان هنا.. ويقول البعض إنهم مؤثرون حتى أكثر من أقباط الولايات المتحدة؟


- بالأمانة.. هم عاشوا فى مجتمع خاص جداً هنا.. خاصة فى طريقة معاملته للأقليات وتعودوا على ذلك، وأنا نفسى تعودت على ذلك، وقد أكون مزعجاً فيما أقوله، ولكنى عندما أمشى فى شوارع مصر أو أشاهد أعلامها أقول لنفسى: لو أننى قبطى مصرى فلن أكون سعيداً أو مرتاحاً وسأحس بالغربة فيها.


■ لكن هناك تشددا قبطيا خاصة من أقباط المهجر تجاه بعض القضايا؟


- صحيح، لكننى سمعت شرائط كاسيت إسلامية مرعبة، وأتذكر الشيخ الذى كان يخطب فى الدقى زمان وهو عمر عبدالكافى وكان يقول فيها: لا تسلم على المسيحى.. ولا تقول له: يا بطرس كل سنة وأنت طيب فى عيد الميلاد، يعنى ذلك أنك قبلت بعقيدتهم المسيحية فى ميلاد وصلب المسيح.. كلام عجيب.. وكان يقال فى مكبرات الصوت، لكى يخدم المتطرفين من الجهتين.. ويخدم أيضاً أغراضاً حكومية وتأكيد قاعدة: فرق تسد.


■ لو لك خطاب مع أقباط المهجر فى هذه المرحلة بعد قيام الثورة ماذا تقول لهم؟


- أعطوا فرصة للنظام.. نريد استعادة مصر بتاعة زمان.. عندما أقول فى مصر إن هناك بعض صور الاضطهاد للأقباط يقولون لى: أغنى واحد فى مصر قبطى وهم يقصدون بذلك نجيب ساويرس.. وأرد عليهم: وإيه يعنى.. كان لدينا هنا ثلاثة أو أربعة من اليهود هم أغنى أغنياء كندا، فى الوقت نفسه لا يسمحون بدخولهم لعدد من النوادى وسط تورنتو.. وكان هذا منتصف الستينيات أى قبل وقت قصير جداً.. ولذلك عندما تجد أن المدارس تحترم جميع الديانات.. وتقدر منع الصلاة على الطريقة المسيحية فى طوابير الصباح ويستبدلونها بخمس دقائق سكونا.. كل واحد يصلى بالطريقة التى يراها وهو واقف.. وأنا أولادى مثلاً، علمتهم أنا وزوجتى: اقرأوا الفاتحة وبعد ذلك قل هو الله أحد.. لأنه لا صلاة لنا على هذه الهيئة، ولكن أعلمهم شيئاً إيجابياً.. وفى الكريسماس، وخلال الحصص المخصصة لذلك، لو قرر المدرس أو المدرسة تخصيص وقت للكريسماس، فإنه لابد أن يقول شيئاً مماثلاً عن الأديان الأخرى فى الفصل.. وأنا بنتى كانت متخصصة فى الفصل للتحدث لنحو ثلاث دقائق عن الإسلام.. وكانت تأخذ خط «عالمية الإسلام واعتداله»، وأقول: عندما أعيش أنا فى هذه الأجواء وأعود لمصر أو أفتح فضائية مصرية هنا وأجد الشيخ يقول: دين الحق.. معنى هذا أن دين جارى المسيحى هو دين الباطل. وأنا لا أقول: لا تؤمن بدين آخر، ولكن قل فى المسجد أو فى الكنيسة إن دينك هو الحق.. وإن الآخر هو الباطل، ولكن لا تقل ذلك فى التليفزيون الحكومى الذى يموله دافعو الضرائب من المسلمين والأقباط، والأغلبية ليست مرجعية..


الحكومة الكندية تعزز روح المواطنة لدى الأفراد، لكنها أكثر دولة فى العالم إيماناً بأهمية المحافظة على الثقافة الخاصة بكل جالية وبكل ديانة.. فلا تتوقع شيئاً من مواطن قبطى تربى فى هذه الأجواء غير رفض لكل الممارسات التى تجرى فى مصر.. أنا لا أدافع عنهم.. ولكن أفهم حقوقهم غير المتشددة.. قلت لعدد من الأقباط هنا:


مستعد للتوقيع معكم على مطالبكم الخاصة ببناء الكنائس أو تمثيل الأقباط فى الوظائف العليا.. هذه حقائق.. أيضاً أنا ضد الحكومة فى كل ما تمارسه من سلوكيات دينية ضد فئة ما.. لكنى ضد أن تواجه الذم فى دينك بحملات مقابلة من التجريح فى الدين الآخر.. هذا غير صحيح.. الجانبان مخطئان.. وكلاهما لا يقدم حلولاً صحيحة.


■ ما رأيك فى المادة الثانية.. هل أنت مع تعديلها أم إلغائها تماماً؟


- لا.. أنا مع إلغائها تماماً.. الإسلام والمسيحية جزء من تاريخ ووجدان الشعب المصرى.. أنا أوافق أن يكون الدين الإسلامى هو الدين الرسمى للدولة كدين أغلبية.. مثلما يحدث فى أوروبا، ولكن أن يبقى هو «المصدر الأساسى للتشريع» فالأمر مختلف، والمشرع المصرى سيجد صعوبة بالغة فى تشريع قوانين مخالفة للدين الإسلامى.. فالمادة فى نظرى تحصيل حاصل، ومعنى أن تقول إن الإسلام هو المصدر الرئيسى للتشريع فإنك تخلق أفضلية لمجموعة على أخرى، وأنا أرى أهمية فصل الدولة عن الدين، ونحن رأينا كيف أخطأ شيخ الأزهر والمفتى والبابا شنودة فى التعامل مع الثورة.. وكيف كانت الفتوى بعدم صلاة الجمعة إذا كانت ستتسبب فى فتنة.


وتاريخياً، علماء الدين فى جميع الأديان بما فيها الإسلام تحالفوا مع الحكام وأصدروا قوانين وتشريعات وفتاوى لإراحة الحاكم.. ولذلك فما نراه الآن ليس استثناءً، ولذلك أدعوهم لكى يلتزموا بما يعرفونه ويتركوا لنا الباقى.


■ لدينا جدل فى مصر وصل إلى حد المظاهرات حول تغيير نظام تعيين العمداء ورؤساء الجامعات، ما هو النظام الأفضل الذى تراه لمصر؟


- الأفضل هو النظام الموجود هنا، وهو عبارة عن لجنة مشكلة من الأساتذة وممثلى المجتمع (مجلس الأمناء)، وهذه اللجنة مستقلة ممكن أن يعينها وزير التعليم العالى، وهذه اللجنة هى التى ترشح رئيس الجامعة والعمداء وتقدمهم للوزير.. هذا ما أقترحه فى الوضع الحالى، واختيار قيادات الجامعات بالانتخاب ليس عمليا.. والموضوع الذى يشغلنى أكثر من تعيين رؤساء الجامعات والعمداء هو تعيين الأساتذة أنفسهم.. تعرفون أن بعض الجامعات هنا لا تعين الأساتذة من نفس الجامعة التى حصلوا على الدكتوراة منها، وسعيهم فى ذلك هو أنهم يريدون دماء جديدة وأفكاراً جديدة، أنا عينونى أستاذاً فى جامعة ماكمستر لأننى بعد أن حصلت على الدكتوراة منها، عملت 7 سنوات فى الصناعة وكنت أمتلك خبرة هم فى حاجة إليها.


■ هل عملت فى المفاعلات؟


- عملت فى الأبحاث النووية المرتبطة بالمفاعلات.. أعود للنظام فى مصر.. الطالب المتميز يعين معيداً ويحصل على الماجستير والدكتوراة من نفس المكان.. ثم يترقى حتى يصل إلى الأستاذية.. والجامعة بذلك لم تجدد دماءها.. والباحثون نفس الشىء، أو معظمهم لم يتعرفوا على مناهج وأفكار جديدة.. الجامعات الكبرى هنا تقول: لن نعين أساتذة من خريجينا.. جامعة هارفارد على سبيل المثال تشترط على خريجيها العمل لفترة معينة خارج الجامعة.. ونحن فى نظامنا كمن يتزوج من أخته مثل الأسر الفرعونية التى اضمحلت لهذا السبب.


■ معنى ذلك أنك ضد انتخاب القيادات الجامعية؟


- بالطبع لا أوافق على ذلك، فكل واحد مرشح سيجعل من نفسه لطيفاً وحبوباً ويمارس دعايته ويقدم وعوداً وعليه تحقيقها، وهذا ضد تقدم العملية التعليمية.. الأساتذة يمكن أن ينتخبوا ممثليهم فى لجنة تعيين القيادات.. أنا اختارونى هكذا.. كانوا يريدون تغييراً جذرياً فى الجامعة.. أرادوا فكراً جديداً.. والجامعة التى كنت نائباً لرئيسها أتت برئيس من خارجها أيضاً.


■ المشروع النووى المصرى.. كيف ترى مستقبله بعد ما حدث للمفاعل اليابانى؟


- لابد أن نكون جزءاً من التكنولوجيا الموجودة فى العالم.. نعم ما حدث فى اليابان سيجعل فرص إنشاء مفاعلات جديدة أضعف مما كان من قبل.


■ تخاف من نصيحة مشابهة للتى تلقاها مبارك بعد انفجار تشرنوبل وأوقفت المشروع النووى المصرى؟


- رأيى.. لابد من استكمال المشروع، ولكن علينا التفكير جدياً ببناء الكوادر والأبحاث.. وهذه أشياء أهم من استيراد المفاعلات.. نريد عملاً دقيقاً.. صناعة مرتفعة.. ولو طلبوا نصيحتى سأقول لهم: انتظروا قليلاً.. ولكن استمروا فى المشروع على المدى الطويل.