أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن المفاوضات التي أجراها اليوم الاثنين مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمت في أجواء صادقة وعملية، مضيفا أنه يمكن وصفها بأنها جولة ناجحة ومثمرة للغاية من المفاوضات.
وقال بوتين، في مؤتمر صحفي مشترك عقده الزعيمان في العاصمة الفنلندية هلسنكي، الاثنين، إنه قام بتحليل دقيق للحالة الحالية والمستقبلية للعلاقات بين البلدين مع الرئيس الأمريكي، مضيفا أنه تم مناقشة القضايا الرئيسية في الأجندة العالمية.
وأردف قائلا، إنه «من الواضح للجميع أن العلاقات الثنائية تمر بمرحلة معقدة، وأن العوائق والتوترات الحالية لا يوجد سبب جوهري ورائها، إن مسألة الحرب الباردة هي أمر من الماضي وعصر المواجهات الأيديولوجية بين البلدين شيء من الماضي، وتغيرت الأوضاع في العالم بشكل كبير. والآن تواجه روسيا وأمريكا مجموعة جديدة من التحديات والتي تتضمن عدم توافق الآليات للحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين، والأزمات الإقليمية، والتهديدات الإرهابية، والجرائم العالمية، الاقتصاد، المخاطر المناخية، وغيرها».
وأشار الرئيس الروسي إلى أنه يمكن التعامل مع هذه التحديات بالعمل معا، معربا عن أمله في التوصل إلى تفهم مع الشركاء الأمريكيين، وقال إن المفاوضات التي حدثت اليوم تعكس رغبة الزعيمين في معالجة هذا الوضع السلبي في العلاقات الثنائية، كما تم وضع الخطوط العريضة للخطوات الأولية من أجل تحسين العلاقات واستعادة المستوى المقبول من الثقة.
وأكد بوتين أنه بوصف البلدين قوتين نوويتين عظميتين، فإنهما يوليان عناية خاصة للحفاظ على الأمن العالمي، وحظر انتشار الأسلحة النووية.
وأشار بوتين إلى أنه تم إعطاء الجانب الأمريكي مذكرة بها عدد من الاقتراحات والتي من بينها ضرورة العمل معا بشأن أجندة نزع السلاح النووي، وحظر نشر الأسلحة في الفضاء، ومواصلة التعاون في مكافحة الإرهاب، والحفاظ على الأمن السيبراني.
وحول الأزمة السورية، قال بوتين إن روسيا والولايات المتحدة تستطيعان العمل واتخاذ القيادة حيال هذه القضية والتنسيق فيما بينهما للتغلب على الأزمات الإنسانية في سوريا والمساعدة في عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وقال بوتين إنه يجب أن تخضع منطقة جنوب غرب سوريا بشكل تام إلى اتفاق فك الاشتباك الموقع بين سوريا وإسرائيل في عام 1947 والذي ينص على فصل القوات السورية والإسرائيلية في هضبة الجولان، ما سيساهم في إرساء علاقة يسودها السلام بشكل أكبر بين سوريا وإسرائيل.
وأكد بوتين رغبته في إرساء علاقة سلام دائمة مع الولايات المتحدة بموجب قرارات مجلس الأمن، معربا عن سعادته في بداية حل الأزمة في شبه الجزيرة الكورية، كما شكر ترامب على الجهود الدبلوماسية التي بذلها في حل هذه الأزمة بدلا من استخدام القوة العسكرية.
وفي سياق منفصل، أعرب بوتين عن قلقه حيال انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني، مشيرا إلى أنه بفضل هذا الاتفاق أصبحت إيران أكثر الدول التي يمكن تقويضها على مستوى العالم، حيث خضعت تحت سيطرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما أثبت الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني، وأن نظامها يشدد على اتباع نظرية عدم انتشار الاسلحة النووية.
وحول الأزمة الأوكرانية، قال بوتين إنه اتفق مع ترامب على ضرورة التطبيق الفوري من قبل كييف لاتفاقية مينسك التي تهدف إلى حل الصراع بين روسيا وأوكرانيا، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة من الممكن أن تكون حازمة في إيعاذ القيادة الروسية وتشجيعها على العمل بشكل أكثر نشاطا حيال هذا الأمر، مع الأخذ في الاعتبار أهمية التعاون الاقتصادي بين البلدين، لافتا إلى أن الوفد الأمريكي كان أحد أكبر الوفود التي شاركت في منتدى بطرسبرج الاقتصادي الدولي، حيث شارك به أكثر من 500 رجل أعمال أمريكي.
وأكد بوتين عدم تدخل بلاده في الانتخابات الأمريكية الماضية، قائلا «كررت مرارا في مناسبات سابقة، ان روسيا لم تدخل ولن تدخل في الشؤون الداخلية لأمريكا من بينها العملية الانتخابية».
وأكد الرئيس الروسي أنه حان الوقت لاستعادة التعاون بين بلاده وأمريكا ليس فقط في المجالات السياسية، بل أيضًا فيما يتعلق بمجال الثقافة والإنسانيات.
وأشار إلى أن خطوة استضافة بلاده مؤخرًا لوفد من الكونجرس الأمريكي، وعقد القمة الأمريكية- الروسية حاليًا يُكمل الصورة التاريخية للعلاقات بين البلدين، كما أوضح أنه يجب أن تتعاون البلدين في مجال شؤون الأعمال.
واقترح بوتين فكرة تأسيس مجلس يضم علماء سياسيين وخبراء ودبلوماسيين بارزين وعسكريين سابقين من كلا البلدين على أن تكون مهمتهم هي البحث عن نقاط الاتصالات بين البلدين والبحث عن سبل وضع هذه العلاقات في مسار النمو.
وأعرب بوتين عن سروره بمحادثاته مع ترامب التي وصفها «بالجيدة جدًا»، وبالنتائج التي تم التوصل إليها خلال الاجتماع الذي بلغ مستويات صادقة، حسب وصفه، منوهًا بأنهما في السابق كانا يتحدثان بشكل مختصر خلال مشاركتهما في المنتديات العالمية، ولم يتمكنا من تناول العديد من الموضوعات في السابق.
ولفت بوتين إلى أنه على الرغم من أنه لا يزال هناك بعض التحديات بين البلدين وأنهما لا يتمكنان من تصفية كل القضايا، إلا أنه من الأمر الجيد أنهما أخذا هذه الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، مشيرًا إلى أن أجواء التعاون بين البلدين هو شيء نحن نشعر بالامتنان لتحقيقه.
من جانبه، وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشكر إلى بوتين على التنظيم والاستضافة الرائع لفاعليات كأس العالم 2018.
وقال ترامب إنه قام بمناقشة عدد من القضايا التي يختلف عليها البلدين، لكنهما اتفقا على حل عدد من المشكلات التي يواجها العالم والعمل على ملفات تخدم المصالح المشتركة.
وأضاف ترامب أن «العلاقات الروسية -الأمريكية لم تشهد سوءا مثل ما هي عليه الآن، على الرغم من أنها تغيرت على مدار الأربع ساعات الماضية.. أعتقد ذلك».
وتابع ترامب: «في السياسة، ليس هناك شيئا أسهل من أن ترفض أن تجري لقاء أو الانخراط، لكن ذلك لن يحقق أي شئ».
وأشار ترامب إلى أن الحوار البناء بين روسيا وأمريكا يمنح الفرصة لفتح مسار جديد من السلام والاستقرار في العالم، لافتا إلى أنه قرر باتخاذ «المجازفة السياسية» -على حد تعبيره- للسعي وراء إرساء السلام، بدلا من المجازفة بالسلام من أجل السعي وراء السياسة.
من ناحية أخرى، قال ترامب إنه ناقش مع بوتين واحدة من أخطر المشكلات التي تواجه الإنسانية، وهي قضية منع انتشار الأسلحة النووية، مؤكدا على أن روسيا مستعدة على إنهاء هذه المشكلة من خلال العمل مع أمريكا.
وأضاف ترامب أنه ناقش مع بوتين هجمات التنظيمات المتطرفة التي يعاني منها الدولتان، مشيرا إلى الحاجة في إنشاء اتصال بين وكالات استخبارات في كلتا البلدين من أجل حماية المواطنين من هذا الشر العالمي، مسترجعا حادثة تحذير أمريكا روسيا من احتمال وقوع عمل إرهابي في مدينة سان بطرسبرج، مما أمكن القوات الروسية من دحر هذا العمل الإرهابي.
وأكد الرئيس الأمريكي أهمية الضغط على إيران لوقف طموحها النووي ووقف حملتها لنشر العنف في منطقة الشرق الأوسط، مشيرا إلى أنه ناقش مع الرئيس الروسي بشكل مفصل الأزمة السورية، واصفا إياها بأنها «معقدة» وأن التعاون بين البلدين يحمل إمكانية حماية مئات الآلاف من الأرواح.
وقال ترامب إنه أوضح لنظيره الروسي أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بالاستفادة من الحملة الناجحة ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، مشيرا إلى أنه تم تقريبا القضاء على «داعش» في المنطقة.
وأضاف ترامب أنه تم الاتفاق على أن يجتمع ممثلي الدولتين في مجلس الأمن الدولي لمتابعة كل القضايا التي ناقشها الزعيمان اليوم ومواصلة التقدم الذي تم التوصل إليه في العاصمة الفنلندية هلسنكي.
وأشار إلى أن اجتماع اليوم هو مجرد بداية لعملية أطول، ولكنه تم اتخاذ الخطوات الأولى نحو مستقبل أكثر إشراقا.
ومضي ترامب: «توقعاتنا تستند إلى الواقع، ولكن آمالنا تستند إلى رغبة أمريكا في تحقيق صداقة وتعاون وسلام، وأعتقد أني أستطيع أن أتحدث بالنيابة عن روسيا أيضا عندما أقول ذلك».
ووصف الرئيس الأمريكي قمة اليوم بالبناءة، قائلا: «بضعة ساعات بناءة قضيناها معا وتأتي في مصلحة بلدينا مواصلة محادثاتنا ولقد اتفقنا على فعل ذلك.»
وفي ختام كلمته، أعرب ترامب عن اعتقاده بشأن إمكانية لقاء الرئيس الروسي مجددا في المستقبل، معربا عن أمله في التوصل لحلول لجميع المشاكل التي تمت مناقشتها اليوم خلال القمة.
وقال ترامب ردا على سؤال عن وصفه لألمانيا بأنها «أسيرة لروسيا» على خلفية التأييد الألماني لاتفاق مع روسيا على مد خط أنابيب لنقل الغاز في بحر البلطيق، وعن اقتراح ترامب بأنه يمكنه «تحرير» أوروبا من هذا «الأسر» من خلال إمدادها بالغاز الطبيعي الأمريكي المسال، إنه ليس متأكدًا بالضرورة أن مد هذا الخط الروسي يصب في مصلحة ألمانيا أم لا، لكن هذا قرار اتخذته برلين، مؤكدًا أن بلاده ستقدم على المنافسة قريبًا حيث إنها تعد حاليًا أكبر دولة في عالم الغاز والنفط، وأنها ستنافس بنجاح وبقوة شديدة فيما يتعلق في هذا المجال، معربًا عن تمنيه التوفيق لبوتين.
من جانبه، اقترح بوتين- فيما يتعلق بنفس السؤال- عمل الدولتان سويا في مجال الطاقة بالغاز بما أن روسيا وأمريكا دولتين عظيمتين في هذا المجال، مشيرًا إلى أنه يمكنهما تنظيم السوق العالمي نظرًا لأن كلا البلدين لا ترغب في خفض أسعار الطاقة، كما أن المستهلكين في كلا البلدين سيواجهون معاناة وأن الأمر سيكون غير مربح.
وألقى ترامب باللائمة على كلا البلدين أمركا وروسيا في توتر وتدهور العلاقات فيما بينهما سابقا، مؤكدا أنه حاليا أمريكا تأخذ خطوات إلى جانب روسيا بالتعاون سويا وأن أمامهما فرصة للقيام ببعض الأمور العظيمة، سواء كانت فيما يتعلق بمنع انتشار السلاح النووي.
وقال ترامب إن التحقيقات التي تجرى في بلاده بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية في 2016 تعد كارثية وأدت إلى تفريق الساسة في بلاده، مؤكدا أنه لم يكن هناك أي تواطؤ على الإطلاق وأن الجميع على علم بذلك، وأن الذين تم الكشف عنهم مؤخرا ليس لهم أي علاقة بالحملة الانتخابية لأنها كانت حملة نظيفة واصفًا هذه الادعاءات على حسب وصفه بأنها عار.
وأكد الرئيس الأمريكي مجددا أنه لم يكن ثمة تواطؤ مع روسيا بشأن الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016، مشيرا إلى أن حملته كانت نظيفة وأنه تمكن من هزيمة منافسته في الانتخابات هيلاري كلينتون بسهولة وصدق.
وشدد ترامب مجددا على أنه لم يكن هناك تواطؤ. واختتم جوابه قائلا: «لقد قمنا بحملة رائعة ولهذا أصبحت رئيسا».
وردا على السؤال ذاته، نفى الرئيس الروسي تدخل بلاده في الانتخابات الأمريكية قائلا: «من أين لك أن الرئيس ترامب يثق بي وأنا أثق به، هو يدافع عن مصالح الولايات المتحدة وأنا أدافع عن مصالح روسيا الاتحادية، ولدينا مصالح مشتركة.. ونحاول التوصل إلى نقاط اتصال.»
ومضي يقول: «لا يجب أن نتبع المصالح السياسية التي تسترشد بها بعض القوى السياسية في بلادنا، ولكن يجب أن نسترشد بالحقائق، هل يمكن أن تسمي لي حقيقة واحدة تثبت تواطؤ روسيا، هذا هراء.»
وفي السياق ذاته بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016، قال ترامب إن بوتين كان «حازم» في نفيه تدخل روسيا في هذه الانتخابات، مشيرا إلى أن بوتين عرض على المحققين الأمريكيين في قضية التدخل في الانتخابات القدوم إلى روسيا والعمل مع المحققين الروس على إيجاد الحقيقة، وهو ما وصفه بـ«العرض الرائع».
من جانبه، قال بوتين «أود أن أضيف شيئا في هذا الصدد، إن روسيا دولة ديمقراطية، والولايات المتحدة الأمريكية دولة ديمقراطية أيضا، والفصل في النزاع المتداول في القضية يجب أن يكون من خلال قضية في المحكمة وليس من خلال قوات إنفاذ القانون».