الموسيقار الكبير راجح داوود: بعض الأسماء التافهة فى مجال الغناء أصبحوا علامات (حوار)

كتب: سعيد خالد الخميس 12-07-2018 02:25

كشف الموسيقار الكبير راجح داوود أن تأليفه السلام الوطنى الموريتانى جاء بترشيح من وزارة الثقافة، وأن دولة موريتانيا رشحت 5 مؤلفين آخرين لتأليفه لتختار الأفضل منها. وأوضح أن السفير المصرى بجيبوتى أخبره باختيار مقطوعته لتكون السلام الوطنى للبلاد، وأنه استعان فى تسجيلها بـ70 عازفًا. وأشار إلى أن مشواره مع الموسيقى التصويرية للأفلام بدأ عام 85 بفيلم الصعاليك للمخرج داوود عبدالسيد الذى قدم معه العديد من الأفلام المشتركة، ومنها الكيت كات وأرض الخوف، وغيرهما. وقال «داوود»: إن الصوت الذى كان يتمنى التلحين له هو صوت كوكب الشرق أم كلثوم، فقد كانت تسبق عصرها، واعترف بفشله فى تسويق نفسه وأعماله، وهو ما نجح فيه الموسيقار عمر خيرت.. وإلى نص الحوار:

المصري اليوم تحاور«الموسيقار راجح داوود »

■ كيف جاءت فكرة تأليفك سلام موريتانيا الجمهورى؟

- قبل 8 أشهر تقريبًا، وأثناء زيارة الرئيس الموريتانى للقاهرة، طلب ترشيح موسيقى يقوم بتأليف سلام وطنى جديد لجمهورية موريتانيا، بديلا للسلام القديم الذى قام بتأليفه مجموعة من الفرنسيين.

وقتها تواصل معى وزير الثقافة السابق حلمى النمنم، وأبلغنى بترشيحى لتأليفه، وبالفعل تواصل معى السفير المصرى هناك، وطلب منى الانتهاء منه لعزفه فى العيد الوطنى الموريتانى.

واستعنت فيه بأوركسترا مكون من 70 عازفا، وتواصلت مع السفير، وأخطرته بإرسال الموسيقى، بعد الموعد المحدد بيوم واحد، ورفض بشدة، وقال لى الحد الأقصى لإرساله هو اليوم المتفق عليه، لأن هناك 5 مؤلفين آخرين مكلفين بتأليف السلام من دول أخرى، من بينها تونس والسودان، وستعقد جلسة لاختيار الأفضل.

وفوجئت باتصال منه يبارك لى لاختيار السلام الخاص بى، لكن للأسف حدثت أزمة بعدها لاختيار مؤلف مصرى لعزف النشيد الخاص بهم، وقمت بتأجيل زيارتى حتى دعونى، وسافرت، ونظموا لى حفلة، ومنحونى قلادة وسام فارس.

■ كيف بدأت رحلتك مع التأليف الموسيقى؟

- نشأت فى أسرة تحب الفن، والدتى كانت معلمة لغة إنجليزية ووالدى كاتب وصحفى فى الإذاعة، وكان يمتلك حسا فنيا، وحرص فى نشأتى وأشقائى على أن نتعلم الموسيقى، وبالفعل التحقت بمعهد الكونسرفتوار لتعلم العزف على البيانو، فى سن صغيرة، وبعد ذلك بـ 16 عاما تقريبًا بدأت تعلم التأليف الموسيقى والعزف على البيانو داخل أكاديمية الفنون، وبعد تخرجى توقفت عن ممارسة العزف وبدأت مهنة التأليف على نطاق صغير من خلال أصدقائى أو الأوبرا، وبعدها سافرت للحصول على الدراسات العليا فى النمسا، وعدت فى أواخر الثمانينيات،

■ ما أهم المحطات الفنية فى حياتك؟

- أهم المحطات فى حياتى كانت عام 85 حينما بدأت فى تأليف الموسيقى التصويرية للأفلام السينمائية، من خلال فيلم «الصعاليك» للمخرج داود عبدالسيد، وكذلك أفلام المخرج على بدر خان ومحمد كامل القليوبى ومحمد خان وغيرهم، وبدأت أركز هذا المجال ووجدت فيه طريقى للتواصل مع الجمهور، لأن الأفلام يشاهدها الآلاف من الجماهير عكس المقطوعة الموسيقية التى لا تحظى باستماع جيد، ومرتبطة بالعزف المباشر فى الحفلات، وهذا يحتاج لأوركسترا كامل ومسرح، وهو ما كان صعبا فى هذا التوقيت، كون الجهات التى ترعى الموسيقى ليست عديدة وتقتصر على الأوبرا، عكس الآن هناك حفلات فى الجامعة الأمريكية ومسرح الهناجر أو ساقيه الصاوى، كما أن بعض المراكز بدأت تهتم بالموسيقى الغربية.

■ ما الذى يحضر له راجح داوود خلال الفترة المقبلة؟

- أقوم حاليًا بتأليف موسيقى عمل مسرحى يحمل عنوان «هولاكو» للمخرج جلال الشرقاوى، ومن المقرر أن تعرض قريبًا على خشبة المسرح القومى.

■ ما سبب تكرار تعاونك مع المخرج داوود عبدالسيد فى السينما؟

- لست أنا صاحب اختيار من أتعاون معهم، ولكن المخرجين هم من يختاروا من يؤلف موسيقى أفلامهم، وكذلك كل الكاست وراء الكاميرا، وبالفعل أنا ألفت معظم موسيقى أفلام المخرج داود عبدالسيد وأفلام للمخرج محمد كامل القليوبى ومسلسلين، وكذلك تعاونت مع عدد كبير من المخرجين الشباب، وأعتبر العمل فى السينما ممتعا، لأن كل فيلم له المناخ الخاص به والحالة التى يعبر عنها.

■ وما هو أصعب فيلم فى تأليف الموسيقى الخاصة به؟

- أى فيلم من أفلامى كان يحتاج منى أن أتعايش مع أحداثه عيشه بغض النظر عما إذا كان فيلما صعبا أو مزعجا أومريحا أو طويلا أو قصيرا أو تسجيليا، وتعاملت مع كل فيلم وافقت عليه، وكأنه أهم فيلم فى حياتى.

■ وأى الأفلام تعتبره الأهم فى مشوارك؟

- قد يجاوب على هذا السؤال الجمهور، وفى بعض الأوقات كنت أشعر أننى ألفت موسيقى أحبها وأعتبرها الأفضل وبعد فترة أشعر أنها ليست كذلك، وأحيانًا العكس، وبعض ساعات كانت الظروف المادية تفرض على قبول أعمال فى السينما أو المسرح، وأنا دائما ضد الاستعجال، والصناعة حاليًا مزعجة وتطلب من المؤلف الموسيقى احترام وقت المنتجين، وهناك أفلام وقت تنفيذها لم أكن أشعر بأهميتها وقيمته، وأشعر بذلك بعد فترة منها فيلم «الكيت كات»، فى بداية عرضه لم تأخذ موسيقى الفيلم حقها، وبعد عامين أو ثلاثة، الناس بدأت تنتبه للموسيقى، وكانت بمثابة صدمة للمشاهد فما علاقة موسيقى الأوركسترا بفيلم داخل حارة شعبية، وأحد النقاد وقتها علق على ذلك، وأتذكر أنه بعد فترة تحدث معى واعتذر عما كتب وقال لى إنه شاهد الفيلم واكتشف مدى جمال الموسيقى.

■ ما هى أبرز العواقب التى تواجه صناعة المقطوعات الموسيقية؟

المصري اليوم تحاور«الموسيقار راجح داوود »

- أولا تتكلف الكثير من الأموال، والقرصنة تعرض منتجها للخسارة الفادحة، وجعلت المنتجين يبتعدون عنها لأن عزفها مرتبط بإقامة حفلات «لايف»، عكس صناعة الأغانى التى تحظى برعاة ومنتجين وللأسف كم من الأسماء التافهة فيها أصبحوا علامات، وهو ما يصيبنى بالإحباط فى بعض الأحيان، ولكنى متفائل باستمرار دار الأوبرا فى لعب هذا الدور، ورأيى أن الثقافة حاليًا تقيم بمدى الإيرادات التى تحققها وليس بالقيمة الثقافية التى تقدمها وهذه هى أزمة الثقافة فى مصر، وهى نظره قاصرة وخاطئة فيها جزء مؤامرة.

■ كيف تتأثر وتتعايش مع أى عمل تقوم بتأليف الموسيقى الخاصة به؟

- هناك عوامل خارجية تؤثر على وتقوم بشحنى وأحيانًا «أفبرك» لنفسى خيالا معينا، لأشحن نفسى حتى أؤلف مقطوعة جديدة، وهو ما يحدث فى بعض الأحيان، وفى بعض الأفلام اعتمدت على التأثير التخيلى والمعانى الموجودة بها، ومنها فيلم رسايل البحر أو أرض الخوف، اعتمدت فيهما على أفكار داوود عبدالسيد، وبعض الأفلام خلقت مناخا تخيليا لنفسى من بينها «مذكرات مراهقة» ومثلا فى بعض المشاهد العاطفية تتطلب تأليف موسيقى عليها، وهى لا تحتوى على أى عاطفة وأكون مضطرا لتخيل مشهد أهيئ لنفسى حالة للمشهد، ولا أخفى أن السينما وفرت لى أن أعرف أعيش وأتحمل، وأنا لم أؤلف موسيقى دراما تليفزيونية كثيرة، وفى وتاريخى ألفت 7 أو 8 مسلسلات منهم الصفعة، لاننى أعتبر الدراما تتر بداية وتتر نهاية فقط، ولا أتفهم فكرة أن يكون التتر مجرد موسيقى للتشويق والجذب للعمل وفق رؤية المنتجين.

■ لماذا لم تفكر فى تلحين الأغانى؟

- الأغانى صناعة قائمة بذاتها لا تقل عن صناعة السينما، بل بالعكس ممكن أن تكون أقوى منها، والأغانى التى لحنتها خلال مشوارى تكون داخل الدراما إما لأفلام أو مسلسلات، لأننى فى تقديرى أن المطربين حينما ينجحون فى أشكال معينة يحاولون الحفاظ على هذا الشكل ويرفضون المغامرة.

■ أنت تلقى باللوم على المطرب؟

المصري اليوم تحاور«الموسيقار راجح داوود »

- لا هى صناعة لأن المطرب خلفه منتج ويبحث عن المكسب بعد مصاريف ضخمة يتحملها من مكساج وتسجيل الأغانى فى استديوهات بالخارج، وصراحة أنا قصرت فى هذا الأمر ولم أحاول التجربة «أنا مش بدافع بس أنا لدى مجال السينما وكان جاذبنى أكتر».

■ ومن هو الصوت الذى كنت تتمنى أن تلحن له؟

- أم كلثوم بعد نجاحها تحدثوا عن حنجرتها الذهبية ولكن من وجهة نظرى ليس أهم عوامل نجاحها صوتها إنما فهمها العميق وأداؤها للحن وخبرتها غير العادية فى تطويع الكلمة مع اللحن والحرف، ولكن الآن المنطق اختلف تمامًا أصبحنا فى عصر السرعة والجمهور لا يقدم حاليًا على سماع الأغنية الطويلة، ثقافة المجتمع اختلفت.

■ معنى ذلك أنك كنت تتمنى التلحين لأم كلثوم فقط؟

- لا كل واحد يعلم الطريق المناسب له، وليس كل شخص قادرا على فعل أى شىء، وإلا كان الموسيقار محمد عبدالوهاب عمل سيمفونيات مثل بيتهوفن، أم كلثوم عصر مختلف عن عصرنا تماما، منهج موسيقى طربى، جماله نابع من لغة الطرب والمؤلف الموسيقى الذى يتعامل مع لغه مختلفة من الموسيقى عنى.

■ لماذا نتعرف على شخصية المؤلف من أعماله عكس الملحن الذى يضع موسيقى تصويرية؟

- لأن ذلك يعتمد على لغة والآخر يعتمد على لغة، الملحن يعتمد فى اللغة اللحنية فى صورتها البسيطة حتى إذا كان اللحن به عمق، أما مؤلف الموسيقى فيعتمد على تراكيب حسب معناها ويخلق حالة ثانية.

■ ما سبب قلة حفلاتك الجماهيرية عكس الموسيقار عمر خيرت؟

- لا أملك أن أضع البرنامج الخاص بدار الأوبرا، لأنها تخدم مجالات مختلفة مثل الباليه بخلاف حفلات السيمفونية الأسبوعية بخلاف الحفلات التى تدعم فيها الأوبرا فرقا أخرى سواء من الخارج أو الداخل، هناك زخم كبير على مكان واحد، وفى رأيى أن هناك حاجة لخطة ممنهجة لتقديم مؤلفات مصرية بشكل أتوماتيكى أو بشكل فيه نوع من التخطيط للمستقبل طبعا لما تشوف الظروف السابقة وما قبلها تجد أن المسؤول مقيد فى بعض الأحيان أو لا يمتلك جهازا واعيا فى أحيان أخرى، وعمر خيرت يقوم بتأجير مسرح الأوبرا فى حفلاته لحسابه الخاص ولديه الرعاة والشركة المسؤولة عن الدعاية الخاصة به وأنا لا أجيد هذا الأمر للأسف، وأعترف بذلك ويمكن أن يكون ذلك نتيجة عملى بالسينما، وجمهورى دائما يلومنى أننى لم أفعل ذلك، ولكن أنا لا أستطيع أن أعمله لأن مهنتى هى تأليف الموسيقى ولا أستطيع أن أسوق لها، هى قدرات، هناك من يمتلك موهبة التأليف والتسويق لها، أنا لا أجيد للأسف هذه العقلية التجارية، وأنا ندمان على ذلك، ومن يدير يبحث عن شأن متأكد من نجاحه وعائده المادى.

■ لماذا لم تفكر فى تجميع مؤلفاتك فى ألبوم؟

- شركات الإنتاج الكبيرة غير مهتمة بهذا النوع من الموسيقى وأغلب المؤلفين الموسيقيين يعملون هذا النوع كواجهة لنفسه، وأتذكر مرة أن مسلسلا أنتجته إحدى الدول العربية واستخدموا أحد مؤلفاتى رغم أن هناك حقوقا ملكية فكرية إلا إنها لا تتطبق إلا على سوق معين هو السوق الغنائى، وأنا قصرت فى حق نفسى فى هذا الجزء ويوجه لى اللوم ولكن ليس بشكل قاس لأن عقلى ليس تجاريا وأنا أركز فى شغلى أكثر.