«المصرى اليوم» تواصل مناقشة «قانون الرؤية»: 4 حكايات عن «بابا» و«ماما» و«محاكم الأسرة»

كتب: يمنى مختار, نيرة الشريف السبت 07-05-2011 18:36


جيل مختلف، لا يشبه أجيالا سابقة، وليس هناك من يمكن أن يفرض عليهم توجهاً أو رأياً يخالف ما يرونه مناسباً لحياتهم الخاصة جداً، هؤلاء الأطفال الذين يتصارع حولهم الآباء والأمهات المنفصلون، فيأخذهم بعض الآباء سلاحاً لمساومة المرأة على حقوقها بينما تستخدمهم بعض الأمهات كسلاح ضد أزواجهن السابقين، هم فى جميع الأحوال الضحية التى تتأثر نفسياً وتضيع بين والدين تفرغا للانتقام، وحرماهم من أبسط حقوقهم فى أن يعيشوا حياة هادئة سوية بعيدا عن ساحات المحاكم وقاعات الرؤية. «المصرى اليوم» تحاور أطفال الطلاق وترصد آراءهم فى قضايا الرؤية والاستضافة، وغيرها من المصطلحات التى لم تعد غريبة عنهم، ولا تحتاج إلى شرح فهى جزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية. رفضت بعض الأمهات بشدة أن يتحدث أطفالهن عن المشاكل التى مروا بها خلال الرؤية، حفاظاً على حالتهم النفسية، وعدم تذكر بعض المواقف التى يرغبن فى محوها من ذاكرة الأطفال، وأكدن أنه مهما كانت حدة الخلافات مع الأب، فإنهن يحرصن على أن يظل الطفل بمعزل عن المشاكل.

ملك «10 سنوات»:«مش عاوزة أشوف بابا أكتر من 3 ساعات فى الأسبوع»


طفلة لاتزال تعد سنوات عمرها على أصابع يديها الاثنتين، بأداء هادئ وابتسامة خجول استقبلتنا «ملك» فى منزلها، «ملك» طفلة مازالت تدرس فى الصف الخامس الابتدائى، وهى واحدة من الأطفال الذين يدور حولهم خلاف بسبب «قانون الرؤية والاستضافة» بين الآباء والأمهات المنفصلين، تدرك تماما ما يحدث حولها، لم تمنعها سنوات عمرها القليلة من أن تكوِّن رأياً واضحاً وقاطعاً فيما يحدث حولها والذى أصبحت بشكل ما جزءاً منه، بكلمات بسيطة لها براءة وجهها قالت ملك: «أنا مش عاوزة أشوف بابا أكتر من الوقت اللى بشوفه فيه، هو كان عاوز  يخرجنى من المدرسة عشان مش عاوز يدفع فلوس مصاريفها، وضايق ماما، أنا بشوفه 3 ساعات فى الأسبوع كل يوم جمعة فى النادى، وده كفاية».


سألنا ملك: هل يعاملك بشكل سيئ؟، فردت قائلة: «لأ.. بيعاملنى كويس، بس أنا عارفة إنه بيمثل لأننا قدام الناس، وهو بيقعد على الكرسى فى النادى بيشده بالراحة، لكن أنا عارفة إنه لو كان فى البيت هيشده جامد، أنا عارفة إنه فى النادى مش بيعمل الحاجات زى ما بيعملها فى البيت، أنا عارفة إنه بيمثل».


«ملك» لا تعرف أكثر من كون والدتها قد تعبت وتعذبت بسبب والدها، وأنه بعد الانفصال حاول سحب أوراقها من مدرستها الحالية لكى يلحقها بمدرسة ذات مصاريف أقل، دون أن يرجع لها أو لوالدتها فى القرار، «ملك» تعرف أيضا أنه يمتنع عن دفع أى مصروفات لها حتى نفقات علاجها، حيث تعانى من مرض مزمن فى الجهاز الهضمى يحتاج إلى رعاية خاصة ونظام غذائى خاص وعدم التعرض لأى ضغط عصبى زائد، وأدوية مكلفة تعتمد عليها اعتماداً تاما، كما تقول والدتها.


«لما بقعد معاه فى النادى 3 ساعات مش بنلاقى حاجة نتكلم فيها، وبنفضل قاعدين ساكتين، هروح معاه البيت أعمل إيه، أنا مش ببقى مبسوطة وأنا نازلة أشوفه يوم الجمعة»، وعند سؤالها هل تحب والدها حركت رأسها بالنفى دون أن تتكلم، وعن أقاربها من جهة والدها قالت: «ماما بتخلى إخواته وأولادهم ييجوا معاه يشوفونى، بتقول إن هما قرايبى ولازم نعرف بعض، بس أنا مش بحبهم ومش بحب ألعب معاهم، بحب أصحابى فى المدرسة أكتر، جدتى أم بابا بتتكلم فى التليفون من وقت للتانى تسأل علىّ، هى بتعمل إنها كويسة وطيبة وبتقول إنها تعبانة ومش بتقدر تيجى معاهم يوم الجمعة تشوفنى، بس أنا عارفة أنها بتمثل برضه».


وقالت والدة ملك: «أدرك الآن أن اختيارى كان خاطئاً عندما اخترت والد ملك زوجاً، لم يكن هناك أى تكافؤ يسمح بأى وفاق، تعذبت أثناء فترة زواجى وتعذبت للحصول على الطلاق، إلى أن حصلت على الخلع، لم يدفع زوجى فى زواجنا شيئاً على الإطلاق، ومع ذلك طلب فى الخلع مبلغاً كبيراً اضطررت لسداده من ميراثى وبيع ما أملك، لكن كل ده مش مهم، المهم دلوقتى ملك، هو مبيرضاش يدفع لها مصاريف المدرسة ولا مصاريف علاجها، وهو مليونير وهو اللى قرر يدخلها المدرسة دى لما كنّا متجوزين، دلوقتى عاوز يوديها مدرسة تانية، أنا ميراثى اللى بدفع منه مصاريف المدرسة قرب يخلص، والبنت محتاجة كمان مصاريف علاج، وهو كل همه ياخدها يومين فى الأسبوع بدل 3 ساعات فى الأسبوع، طب ياخدها، وأنا والله كنت بسيبهاله براحته بس ماكنش بيحافظ عليها، ودلوقتى هو مش هيعرف يتعامل مع حالتها الصحية لأن الدكتور مقرر لها أكلات معينة وتمارين رياضية، هو هيعمل إيه فى ده، وهو الحب إنه ياخدها يومين فى الأسبوع وهو رافض يصرف على تعليمها وعلاجها».


عمر «12 سنة»:«يصرف علىّ الأول ويبطل محاكم عشان نتفاهم.. وساعتها أقضى معاه يوم كامل»


عمر الذى لا يتجاوز الثانية عشرة من عمره، لا يبدو كالأطفال فى مثل سنه، تشعر أمامه بأنك تتحاور مع رجل ناضج يدرك جيداً كل ما يحيط به من مشاكل ويتفاعل معها.


كل علاقته بوالده «صورة» فى بيت الجدة لا يراها إلا فى المناسبات بينما لم يقابل والده المقيم فى إحدى الدول العربية منذ ما يقرب من 10 سنوات، وحتى الاتصالات التليفونية بينهما نادرا ما تحدث، وفى المناسبات فقط.


قال عمر: «أنا مش بحب بابا، إزاى أحبه وأنا عمرى ما شفته وبعد كل اللى عمله فىَّ وفى ماما، حتى الملاليم اللى بتقول عليها المحكمة مش بيدفعهالى واتحكم عليه مرتين بالحبس لكن متحبسش».


ورغم أن سبب انفصال الوالدين يعود إلى الخلافات المستمرة بين والدة عمر، وأهل زوجها إلا أنه خلال الفترة الأولى لانفصالهما لم تمنع أحداً من أهل الزوج من رؤية الطفل، على أمل أن يسرحها بإحسان ولكنها وصلت معه إلى «حيطة سد» وفشلت فى الحصول على الطلاق بشكل ودى مما دعاها للجوء إلى المحكمة لتطليقها بعد أن رفض الزوج واعتبر حصولها على الطلاق من خلال المحكمة إهانة لا يمحوها إلا امتناعه عن الإنفاق على ابنه، وأقام عدة دعاوى قضائية، كان أهمها دعوى سلب الحضانة، اتهم طليقته فيها بأنها ترفض تنفيذ الرؤية، رغم أنه لم يكن مقيماً فى مصر فى ذلك الحين.


وقالت والدة عمر: «آخر مرة عمر شاف أبوه كان عنده 3 سنين، أكيد عمر مش فاكره ولا هو فاكر ابنه، ولما باباه بيكلمه كل فترة بيقوله أنا بحبك وفاكرك مش ناسيك، وأفتكر إن عمر مش ممكن يصدق إنه مهتم بيه فى الوقت اللى مصرفش عليه مليم من ساعة الطلاق».


ويحكى عمر عن حكم الرؤية الذى صدر لجده وجدته وكأنه عملية تعذيب له فيقول: «مفروض بابا اللى ييجى يشوفنى مش جدتى اللى بتقعد تزعق وجدى اللى مش بيكلمنى وبيقعد يسبح أو يبص للسقف».


وتدخلت الأم لتشرح أنها حاولت مراراً وتكراراً أن تقنع الجدين باستعدادها لزيارتهما فى المنزل ليريا حفيدهما وهو الأمر الذى اتفقا عليه لعدة شهور وسرعان ما رفضا تنفيذ الرؤية فى المنزل لرفض الأم التنازل عن حق ابنها فى النفقة، ولم يُرحم عمر ووالدته من التردد على مقر الرؤية فى الحزب الوطنى إلا بعد أن مرض الجد وعجز عن الحركة.


وأضاف عمر: «من سنتين بابا قالى إنه جاى يشوفنى فى العيد وماتصلش وماجاش، هو بيتصل فى المناسبات الكبيرة وساعات بينسى».


وقال عمر رداً على سؤال حول ما إذا كان يوافق على استضافة والده له لمدة يومين: «لا، المفروض يصرف علىَّ الأول عشان نتفاهم ويبطل المحاكم وساعتها ممكن أقضى معاه يوم كامل وتكون ماما موجودة معايا لكن مش ممكن أوافق أبات معاه، لأن الأبهات بيخطفوا الأولاد وفيه بنت صاحبة ماما باباها خطفها ومامتها عملت حادثة وماتت فرجع باباها وخطفها تانى لحد دلوقتى».


ووجه عمر رسالة إلى أبيه بقوله: «نفسى أقوله كفاية اللى بتعمله، زمان كان نفسى إنه يرجع وأشوفه لكن دلوقتى لو حصل ورجع يهتم بىَّ، أنا برضه حبقى مضايق منه».

محمود«17 سنة»:لو أجبرونى على الاستضافة.. لا هاقعد مع ماما ولا هاروح لبابا


يتذكر محمود «17 سنة» جيداً آخر مرة شاهد خلالها والده، ربما يود لو استطاع أن ينسى ذلك اليوم المحفور فى ذاكرته ليحتفظ لوالده بصورة تناسب مكانته كأب ولكنه موقف لا ينسى، فمنذ 4 سنوات كان محمود ينفذ الرؤية فى أحد النوادى حين سب والده عائلة والدته بأكملها، ولم يكتف بذلك بل هدده بأنه سيحرمه من أمه قائلا: «هاتيجى معايا وهاتشتغل خدام لإخواتك»، فرفض من يومها أن يرى والده أو يتعامل معه، وأعلن بأكثر من طريقة من قبل عدم رغبته فى الذهاب إلى والده حتى عندما سألته عن فكرة الاستضافة رد بلهجة حاسمة: «مش هرضى طبعا» تلك الجملة التى تعامل بها بقطعية مع الأمر. وقالت الأم إنه كلما نوقش موضوع الاستضافة أمامه يبدى اعتراضا شديدا عليه حتى أنه عندما كان صغيرا حاولت أن أفتح معه الحوار حول الموضوع وعرضت عليه الذهاب لرؤية والده، فغضب بشدة وقال لها: «أنا مش هقعد عندك ولا هروحله» وترك أمه تبحث عنه على مدار 3 ساعات وظل مختبئاً بداخل إحدى العمارات حتى رأى خاله فجرى نحوه مستغيثاً به من فكرة استضافة والده له. وأضافت الأم أنها بعد تلك الحادثة حاولت عرضه على أحد الأطباء النفسيين، خاصة أنه كان يعانى من تبول لا إرادى، ونصحها الطبيب بألا تفرض عليه الذهاب إلى أبيه مادام لا يرغب فى اتخاذ تلك الخطوة فى الوقت الحالى.

محمد «14 سنة»:«أنا عاوز أشوف بابا وقت أطول.. بس بلاش أبات عنده»


بدأ محمد (14 سنة) حديثه عن والده وعلاقته به بقوله: «أنا شفت بابا من حوالى 3 أسابيع وقعدت معاه ساعتين بس، بابا مش بيتخانق عشان يشوفنا زى ما باقية الناس بتعمل، ويمكن يضايق لو عملوا القانون اللى ممكن يخلينا نروح نقعد عنده يومين فى الأسبوع، لأنه مش هيبقى فاضى لنا، وإحنا حتى لما بنتقابل بنقعد فى مكان عام، ومش بياخدنى معاه البيت، مع إن ماما معندهاش مانع إنى أقضى معاه وقت أطول أو نقعد عنده فى البيت بدل ما بنقعد فى مكان عام، لكن هو اللى مش عاوز».


وقال محمد الذى يدرس فى الصف الثانى الإعدادى، وانفصل والداه عندما كان عمره نحو 6 سنوات: «بابا أقصى شىء بيعمله إنه بيسأل عنى فى التليفون، أو إنه ييجى يسأل علىّ فى المدرسة مرة كل تيرم مثلا، وعلى ما بنظبط ميعاد نتقابل فيه ده بياخد معاه وقت، أنا كبير بقدر أنزل أقابله، لكن أخويا الصغير اللى عنده 8 سنين مش بيشوفه كتير خالص، هو اتجوز تانى غير ماما وجاب لنا أخ تانى، وأنا ساعات بشوف أخويا ده وبسأل عليه».


وأضاف محمد: «أنا مش هبقى مبسوط لو القانون اللى بيقول إنى أبات عنده يومين اتعمل، لأنى مش عاوز أبات معاه، عاوز أعرف أشوفه وأقعد معاه أكتر لكن مش هعرف أبات معاه ولو يوم، لأنى مش هسيب ماما لوحدها، ماما هى اللى ربتنى وفضلت معايا ماسبتنيش وأنا كمان مش هسيبها».


وقالت والدة محمد «انفصلت عن والد محمد منذ نحو 8 سنوات، بعد أن اكتشفت أنه متزوج من أخرى، فى بداية انفصالنا طلبت منه ألا نقف أمام بعضنا فى المحاكم لأجل أولادنا، لكنه رفض الإنفاق عليهم، فى البداية لم أكن أحتاج إلى شىء منه، ورثت عن أبى بعض المال وكنت أنفق منه، لكن الفلوس بدأت تخلص، والولاد فى مدارس خاصة ومحتاجين فلوس كتير كل سنة، وبيكبروا وبيحتاجوا دروس خصوصية، وأنا ربة منزل لا أعمل، بدأت أحتاج إنه يساعدنى فرفعت قضية نفقة، راح أخد الولاد من مدرستهم، وخلاهم عنده معرفش عنهم شىء لمدة شهر ونص عشان أتنازل عن القضية، أنا عارفه إنه مش هيقدر على مسؤوليتهم، لا يعيشوا معاه ولا يقعدوا عنده يوم فى الأسبوع حتى، ولو عمل ده هيكون من باب العند معايا، لأنه حتى مارفعش قضية رؤية زى الناس، ومع ذلك محمد متعلق بيه جدا وبيبقى عاوز يشوفه وهو مش فاضى، أما الولد الصغير فلا يعرفه أصلا لأن الانفصال حصل وهو عنده 3 سنين، ومن ساعتها مش بيشوفه غير كل فين».