القضاة يحذرون من «الفوضى» ويطالبون بحمايتهم.. و«الزند» يلوّح بالاستقالة


حذر القضاة من حدوث فوضى فى البلاد بسبب ما سموه «الضغط الشعبى» وغياب الأمن عن المحاكم، ومهاجمة الإعلام لبعض القضاة، وهددوا، أثناء جمعيتهم الطارئة، مساء الجمعة، بتعليق العمل فى المحاكم والنيابات، والامتناع عن محاكمة رموز الفساد، إذا لم تستجب السلطات المختصة لطلبهم باتخاذ إجراءات تضمن سلامة القضاة، وتهيئة مناخ مناسب وآمن لأداء رسالتهم، خلال أسبوع، وقال المستشار أحمد الزند، رئيس نادى قضاة مصر، إنه سيكون أول المتقدمين باستقالاتهم فى حال عدم تنفيذ المطالب، مشدداً على أنه «إما الاستجابة الكاملة أو الرفض الكامل».


وشن «الزند» هجوماً حاداً على الكاتب الصحفى فهمى هويدى، والدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، بسبب ما كتباه ضد القاضى عادل عبدالسلام جمعة، قائلاً: «القضاء لن يرحمكما إن تعرض الرجل لمكروه.. ولن نتركه وحيدا فى الميدان»، ووجه «الزند» حديثه إلى «نافعة» قائلاً له: «كل كلامك فى الهواء، حتى الهواء لن يقبله، وسبق وأخطأت حول المادة 76 قبل تعديلها، وأنت أستاذ العلوم والسياسة»، مستدركا: «كل أخطائك تغتفر إلا إسقاط قاض أو هدم منصة».


وواصل «الزند» حديثه قائلاً لفهمى هويدى: «ما لك وشؤون القضاء، إن لم تكن تعلمت فنحن نعلمك.. إن مبدأ استقلال القضاء يحول بينك وأمثالك من التدخل فى شؤون السلطة القضائية»، وشدد «الزند» على أن المستشار عادل عبدالسلام جمعة، سيظل فى موقعه، حتى لو تجمع كل أصحاب الضمائر الخبيثة - على حد وصفه.


واعتبر «الزند» أى حديث عن فساد قاض دون تقديم دليل «كلام قهاوى»، مؤكدًا أنه إن ثبتت واقعة على أحد منهم «لن يبقى بيننا يوم واحد»، وقال إن القضاء يعيش امتحانًا رهيبًا، وإما أن يكون أو لا يكون، مستنكراً ما وصفه بــ«خوف وترويع» يواجهه القضاة أثناء جلسات نظر القضايا، قائلاً: «إن القضاة غير آمنين على أنفسهم فى ظل المظاهرات التى تحيط بالمحاكم أثناء نظر القضايا، واقتحامها»، مشدداً على أن برامج تليفزيونية وكتاب أعمدة اتفقوا على إسقاط القضاء المصرى، وطالب «الزند» وسائل الإعلام بتحرى الدقة فيما ينشر عن القضاة، وعدم التدخل فى شؤونهم والمطالبة بتنحى قاض.


واستنكر «الزند» ما وصفها بـ«أصوات نكرة تقول للنائب العام اترك مكانك»، رغم أنه «استثنائى فى تاريخ مصر» – على حد تعبيره. وأضاف: «لن يرحل لأن القضاء لا يدار عبر الصحف، والتليفزيون، ولا مظاهرات الميادين.


ووقعت مشادات بين القضاة أثناء كلمة للمستشار أشرف زهران، طالب فيها بتشكيل لجنة تحقيق تجاه أى واقعة فساد أو تعامل مع جهاز أمن الدولة المنحل، بدلاً مما سماه «صم الآذان»، وهو ما رفضه «الزند» طالباً التصويت على استمرار «زهران» فى كلمته من عدمه، الأمر الذى استنكره أغلب القضاة ليواصل القاضى حديثه، ورفض «الزند» الاقتراح معتبراً أنه «اغتصاب لسلطة النيابة العامة التى تملك حق توجيه الاتهام». وأعلن القضاة فى بيانهم أن مطالبهم تتمثل فى تشكيل لجنة تقصى حقائق لبحث الاعتداء المنظم على عدد من المحاكم والنيابات، ومخاطبة مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل، لمناقشة مشروع تعديل قانون السلطة القضائية، وتعديل نص المادة 123 من قانون العقوبات، وذلك باستبدال عقوبة السجن المشدد بعقوبة السجن أو الغرامة الواردة بها، بالإضافة إلى العمل على إنشاء الشرطة القضائية المختصة.


وبعيداً عن الجمعية العمومية للقضاة، استطلعت «المصرى اليوم» آراء عدد من القضاء حول تزايد الضغط الشعبى وتأثيره فى استقلالية القضاة، واعتبر المستشار أحمد مكى، نائب رئيس محكمة النقض – الذى تقدم مؤخراً بمذكرتين لمجلس القضاء للمطالبة باستقلال القضاء عن الضغط الشعبى، أن هذا النوع من الضغط «أشد وطأة من تدخل السلطة».


وشدد «مكى» على ضرورة تحرير ميزان القاضى من القيود، وقال لـ«المصرى اليوم»: «فى الوقت الذى سعد فيه القضاة بثورة 25 يناير أملاً فى تحقيق الاستقلال عن السلطة التنفيذية، فإنهم وقعوا تحت تأثير ضغط جماهيرى (بشع) وصل إلى حد قطع الطرق والتدخل فى عمل القضاة»، مشيرا إلى أن بعض الأهالى حاولوا منع القضاة من الاستماع لشهود فى قضية أحد المسؤولين السابقين، وحاول آخرون منع محامين من الترافع فى المحاكم.


وأبدى «مكى» مخاوفه من فشل الثورة بسبب التدخل الشعبى فى القضاء، محذرا من أن هذا الأمر «قد يؤدى بالبلاد إلى حالة فوضى»، مطالباً بتأجيل القضايا المتعلقة بأفراد النظام السابق، مبررا ذلك بأن الفصل فيها الآن يتم تحت تأثير شعبى، وقال: «لن نعمل جزارين للحكومة ولا للشعب، فطالما احتكم الشعب للقضاء تبقى المحكمة محكمة». من جانبه، وصف المستشار حاتم بجاتو، رئيس هيئة المفوضين فى المحكمة الدستورية العليا، القضاء المستقل بـ«حصن البلد الذى يجب ألا نعمل على هدمه كى لا تضيع البلاد»، وقال: «نربأ بالقضاء أن يمارس عليه أى نوع من أنواع الضغط سواء من السلطة التنفيذية أو الشعب، وأطالب الشعب بأن يدعه يمارس عمله فى إطار الدستور والقانون».


وأشار المستشار محمد منصور، رئيس محكمة الجنايات، إلى أن تأثر القضاة بالضغط الشعبى يعد أمراً نفسياً لا يمكن التحكم فيه، لافتاً إلى أن رؤية القاضى لآباء الشهداء وأمهاتهم، واللافتات التى يرفعونها، تثير تعاطفه دون أن يشعر، منوها بأن «القاضى إنسان لا يستطيع الفصل بين طبيعته البشرية وعمله».


وفى الإسكندرية، حذر المستشار محمد عزت عجوة، رئيس مجلس إدارة نادى قضاة الإسكندرية، من استمرار الانفلات الأمنى فى المحاكم، وقال عجوة، خلال مؤتمر صحفى، السبت، إن اعتداءات البلطجية على القضاة فى ساحات المحاكم أصبحت أمراً «ممنهجاً»، مشيرا إلى أن عدم الاستقرار الأمنى يؤثر بالسلب على القضاة أثناء إصدار الأحكام، قائلاً: «القاضى المرتعش الخائف لا يستطيع أن يحكم بين الناس بالعدل».


فى المقابل، فضل الكاتب فهمى هويدى، عدم التعليق على ما ذكره المستشار أحمد الزند، رئيس نادى القضاة، فى الجمعية العمومية الطارئة لنادى القضاة، الجمعة، معتبراً ذلك «تراشقاً بالكلام يرفضه». وأضاف فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»: «لا أستطيع أخلاقياً الرد عليه، وكان يجب على (الزند) طرح وجهة نظر تقابل رأيى ويترك الحكم للقارئ فى النهاية».