دعت قرينة حاكم الشارقة، الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، إلى المزيد من التنسيق والتعاون بين قادة العالم وصنّاع القرار والمنظمات الدولية والإنسانية لحماية الأطفال من العمالة المبكرة التي تنتقص من حقوقهم في التعليم والعلاج والرعاية الأسرية والاجتماعية.
وقالت قرينة حاكم الشارقة، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال: «الانتهاء من ظاهرة عمالة الأطفال يتطلب معالجة المسببات المادية المتنوعة لهذه الظاهرة وفي مقدمتها النزاعات، والفقر، والتغير المناخي، ومحدودية الوعي بالحقوق والواجبات للفئات الاجتماعية كافة، لهذا نعتبر أن حقوق الأطفال واليافعين المؤشر الحقيقي لمدى التقدم الذي يحرزه المجتمع الدولي في معالجة القضايا العالقة الأخرى».
وأشارت إلى بيانات منظمة العمل الدولية 2017 التي تؤكد وجود أكثر من 168 مليون طفل تحت الاستغلال، وقالت: «استغلال الأطفال في العمل يعني أنهم يُستغلون في الكثير من المجالات الخطرة الأخرى كالتجنيد للمنظمات الإرهابية التي توظف الفقر والحاجة لاستقطاب المزيد لأجنداتها».
وتابعت: «استطاعت هيئة الأمم المتحدة بالتعاون مع الحكومات ومنظمات المجتمع المدني حول العالم أن تقلص من حجم عمالة الأطفال بنسبة ملحوظة، لكن هذه القضية بالذات لا يمكن حسابها أو التعامل معها بالأرقام، بل على أساس كونها ظاهرة تحتاج إلى خطط وبرامج للانتهاء منها تدريجياً، فمعاناة طفل واحد كفيلة بأن تضع الإنسانية جميعها على محك الاختبار الأخلاقي والحضاري».
الاستقرار والازدهار في العالم يبدآن من علاقة سليمة بين الطفل ومحيطه الاجتماعي
وحول واقع الأطفال واليافعين في العالم في ظل النزاعات القائمة وما نتج عنها من مآسي، قالت الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي: «إن إصلاح العالم يبدأ من طفولة سعيدة، ثرية بالحب والرعاية، فذاكرة الطفولة تحدد ثقافة الشخص وسماته الشخصية وتوجه مسلكياته، الكثير من الأمراض الاجتماعية تعود أسبابها لشعور الأطفال واليافعين بالحرمان والتهميش في مجتمعاتهم، هذا الأمر يضعف الشعور بالانتماء ويمزق الروابط بين الفرد والأسرة والمجتمع مما يدفع البعض للبحث عن انتماءات جانبية وهامشية بديلة عن الانتماء للبلد أو حتى للإنسانية، وما نراه اليوم من صراعات وقودها شباب عانوا من هذه الأزمات دليل على أهمية احتضان الوطن لأبنائه ومنحهم حقوقهم كاملة وجعلهم شركاء في القرار وصنع السياسات، لا يجوز أن ننوب عنهم في رسم وتحديد ملامح مستقبل لهم فيهم أكثر مما لنا». وأضافت سموها: «كيف لكم أن تطالبوا الشباب برد جميل إن لم تقدموه لهم في طفولتهم؟»
وطالبت الدول الغنية والمتقدمة بشكل خاص القيام بمسؤولياتها التي تتمثل بتعميم تجاربها الناجحة في التعامل مع حقوق الأطفال وحمايتهم من الاستغلال، واعتبرت أن كل تجربة في هذا المجال هي إنجاز إنساني يجب أن تستفيد منه كافة الشعوب، وأن مسؤولية الدول التي يتمتع فيها الأطفال بحقوقهم لا تقل عن مسؤولية تلك التي يعاني أطفالها من الاستغلال، مشيدةً بالدور الإنساني الذي تمارسه دولة الإمارات تجاه الشعوب المتضررة والمنكوبة.
وقالت: «إن ثقافة العطاء التي ورثناها عن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب ألله ثراه، وترجمها قادة وشعب الإمارات بأمانة وإبداع، جعلت من دولة الإمارات العربية المتحدة في مقدمة الدول من حيث العطاء الإنساني قياساً بناتجها المحلي الإجمالي، وأن المنجزات التي حققتها الدولة على صعيد التميّز في احترام حقوق الأطفال واليافعين وتوفير كافة السبل لهم لممارسة هذه الحقوق، تشكل حافزاً لاستمرار العمل من أجل أن يتمتع أطفال العالم بذات الحقوق التي يتمتع بها أطفالنا».
وتابعت: «إن اعتماد منظمة الأمم المتحدة للطفولة الشارقة مدينة صديقة للأطفال واليافعين، منجز إماراتي نفخر به، وهو نجاح اجتماعي إنساني بامتياز لأنه يتعلق ببناء وتكوين الشخصية والهوية وتوفير كافة الشروط اللازمة لحمايتها من السلبيات التي قد تجلبها بعض السمات الحداثية للعصر، وبناء الشخصية لا يتم إلا في إطار حاضنة إجتماعية ومؤسساتية سليمة، وهو نهج طورته إمارة الشارقة منذ عقود بتوجيه ورعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة».
واعتبرت أن التنمية المستدامة، والتي تعتبر المخرج الوحيد من الجهل والظلام والفقر الذي قد يدفع بالأطفال للعمل المبكر، مرتبطة بالانتماء والهوية الوطنية والاجتماعية للأفراد، وقالت: «نحن نؤمن بأن التنمية والاستدامة والاستقرار تتوقف على عمق إنتماء الفرد لمحيطه وصلابة مكونات هويته الاجتماعية والوطنية التي تحدد واجباته ومسؤولياته تجاه وطنه وعلى مدى إخلاصه له واستعداده لخدمته، كما نؤمن أن الحضارة والتقدم الحقيقيين نواتهما الفرد والأسرة والاستقرار الاجتماعي».
وتابعت: «من أجل تحقيق هذه الرؤية الشاملة سعت الشارقة منذ بداية مسيرتها إلى توفير شبكة من المؤسسات التي تعنى بالأطفال واليافعين بهدف بناء بيئة اجتماعية سليمة وصحية. في العام 1985 وجه صاحب السمو حاكم الشارقة ببناء أول مكتبة ثقافية للأطفال، هناك اهتمام خاص من قبل سموه بالمعرفة والثقافة التي يعتبرها نواة أي أمة تركت بصمتها على صفحات التاريخ، بل يعتبر التاريخ مسيرة تطور لثقافات الشعوب وعلاقاتها الاجتماعية وأنماط حياتها.
إلى جانب المكتبات، بدأت الشارقة منذ أكثر من أربعين عاماً من خلال تأسيس مراكز أطفال الشارقة، وتطورت هذه التجربة لتثمر مجلس شورى أطفال الشارقة الذي يُشكل عن طريق الانتخاب الحر. ومن ثم جاء تأسيس ناشئة الشارقة ومجلس شورى شباب الشارقة، وفي سبتمبر 2016 انطلقت مؤسسة ربع قرن لصناعة القادة والمبتكرين التي تركز على بناء مهارات وخبرات عالية لدى الناشئة من ناحية وعلى تعزيز مكونات هويتهم العربية الإماراتية وقيم الموطنة والانتماء والمبادرة والابتكار من ناحية ثانية«.
وأكدت الشيخة جواهر القاسمي أن الحفاظ على الاعتماد الدولي للشارقة كمدينة صديقة للأطفال واليافعين، مسؤولية جماعية تتقاسمها المؤسسات مع الأفراد، والمواطنون مع المقيمين، وناشدت الجميع أن يتبنوا هذا الاعتماد كثقافة وممارسة وطموح. وقالت: «على المؤسسات والشركات في القطاعين العام والخاص أن تضع مصلحة الأجيال الناشئة في الإمارة في مقدمة سياساتها وبرامجها».
وتحدثت عن دور كل فرد وجهة ومؤسسة وقالت:«الكثير من المجتمعات تعاني أزمة في تحديد حقوق أفرادها بسبب النقص في ثقافة الحقوق والواجبات، نحن في الشارقة نأمل أن تتبنى كل مؤسسة تعليمية منذ سنوات الدراسة الأساسية، منهجاً ثابتاً للتعريف بحقوق الأطفال واليافعين وكل الفئات الاجتماعية، وهذا ممكن من خلال الدفع باتجاه اعتماد مادة حقوق الفئات الاجتماعية ضمن منهاج التدريس، وتنظيم دورات تثقيفية وأيام عمل مفتوحة للتعريف بطبيعة العلاقة بين حقوق وواجبات الأفراد، وعلى المعلمين والمعلمات أن يرسخوا مبدأ الحق كممارسة وأن يكونوا قدوة ونموذجاً للطلبة».
وتابعت سموها «الشيء ذاته ينطبق على المؤسسات والشركات في القطاعين العام والخاص التي على عاتقها مسؤوليات كبيرة في مقدمتها مراعاة شروط الاستدامة وحماية البيئة والموارد عند ممارسة نشاطها الصناعي أو التجاري، كما تستطيع أن تشاركنا مهمة تثقيف الآباء والأمهات من موظفيها حول أفضل أساليب التعامل مع أبنائهم، وأن توجه جزءاً من مسؤولياتها الاجتماعية نحو تنظيم فعاليات ثقافية وترفيهية ورياضية يشارك فيها الأطفال واليافعين، أو إدارة ندوات وبرامج للتعريف بطبيعة العلاقة بين كفاءة الموارد البشرية ونجاح الغايات الاقتصادية.
أما بالنسبة للشركات العاملة في قطاع تطوير العقارات والمرافق على وجه التحديد، فمن واجبها أن تحافظ على مساحات التفاعل الاجتماعي من حدائق وأندية ومراكز تثقيفية وترفيهية، وأن ترتقي باستمرار بنظرتها نحو مستقبل الإمارة وما تحتاجه للحفاظ على هويتها ودورها كحاضنة لكافة الفئات والأعمار، فالتطور الاقتصادي لا يتحقق بدون تطور اجتماعي، ومهما حققت قطاعاتنا الاقتصادية من أرباح مادية فإنها لن توازي في قيمتها بناء جيل يحمي منجزات من سبقوه ويبني عليها وينتقل بها إلى مراحل أخرى.
أما عن مسؤولية صناع القرار تجاه حقوق الأطفال واليافعين، فقالت: «سأكتفي في هذا السياق بما قاله صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، بأن كافة الحقوق التي يجب أن ينعم بها أبناؤنا هي مسؤولية والتزام وليست تفضلاً من أحد تجاه الآخر، وأنا أعتبر هذه الكلمات من سموه بمثابة تكليف لكل جهة حكومية أو شبه حكومية بأن تضع سياسة تمكين الأفراد من حقوقهم وخاصة الأطفال واليافعين، على رأس أولوياتها، وأن يكون اعتماد الشارقة كمدينة صديقة للأطفال واليافعين بمثابة وعد من قبل كافة الجهات المسؤولة لأبناء الشارقة بأن هذا الإنجاز فاتحة مرحلة جديدة من تعزيز المكتسبات واستمراية تطويرها».
وشددت رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة على أهمية أن تتكامل الأدوار بين الأسرة والمجتمع في بناء شخصية الأطفال ورعاية حقوقهم. وقالت: «مسؤولية الأسرة كبيرة وحساسة بوصفها الحلقة الأقرب التي يتأثر بها الأطفال الذين يلجأون عند تحديد قرارتهم ومسلكياتهم إلى استحضار صورة الأبوين وتقليدهم. إن كافة منطلقات شخصية الفرد تبدأ من هناك، من أسرة مستقرة ومتحابة ومتعاونة، فاحترام حقوق الأفراد داخل الأسرة، كالحق في الرعاية والحب والتعبير عن الرأي، إلى جانب الحق في المساواة بين الذكور والإناث في كافة المجالات سيؤسس لمجتمع سليم في علاقاته ونظرته تجاه الآخر».
وأشادت سموها بقرار القيادة الرشيدة اعتماد السياسة الوطنية للأسرة واعتبرته سبقاً ومنجزاً إماراتيا ً يستحق الفخر والاعتزاز لأنه يرسي قواعد متينة لمجتمع حيوي ومستقبل مزدهر.
وحول رؤية سموها لمرتكزات بناء الشخصية الوطنية والاجتماعية، قالت: «نحن نعمل برؤية تقوم على حكمة مفادها أن أداء الأفراد لواجباتهم تجاه مجتمعاتهم يتوقف على مدى رعاية هذه المجتمعات لحقوقهم في الصغر، وتتضمن رؤيتنا عدة محاور، أهمها:
الحق في الأمن الاجتماعي والاقتصادي، وهو أن يشعر الطفل بأنه جزء من أسرة مستقرة ومحيط يهتم به وألا يشعر بالخوف على مستقبله العلمي أو الوظيفي، وهذا يتطلب ابتكار سياسات استيعاب كافة الفئات الاجتماعية بدون تهميش أي منها، ويتطلب أن يكون النمو الاقتصادي مستداماً وثابتاً وأن الثروات التي هي حق للجميع مصانة ولن تتعرض للهدر.
والحق في بيئة نظيفة وموارد مستدامة وطبيعة جميلة من خلال حماية وتوسيع المساحات الخضراء والحفاظ على التنوع البيئي والأحياء المائية والبرية، وهذا يتطلب رفع مستوى الوعي لدى الجمهور فيما يتعلق بترشيد الاستهلاك وحفظ الموارد. من واجبنا تجاه أبنائنا أن ننقل لهم ثروات هذا العالم وجماليته بأمانة، لا أن يتعرفوا عليها فقط من خلال المتاحف.
والحق في أن يكون الطفل أو اليافع جزءاً من صنع القرار ورسم السياسات. وهنا نحن بحاجة للاستمرار في تأهيل المؤسسات حتى تفرد مساحة لهذه الفئات العمرية وتمنحها حق التعبير عن آرائها بشجاعة وثقة.
و- الحق في أن يكون المجتمع حاضنة لمختلف الميول الشخصية الإيجابية لدى الأطفال فيما يتعلق بوجه خاص بهواياتهم واهتماماتهم، أن يرعاها ويشجعها وينميها. فالفرد امتداد لكيانه الاجتماعي وليس غريباً أو مفصولاً عنه، هذا ما نسعى لتأصيله في إمارة الشارقة.
والحق في معرفة الأطفال واليافعين مكونات هويتهم الوطنية والقومية والدينية، نحن مجتمع إماراتي عربي مسلم، نرحب بالاختلاف والتنوع الذي تحتضنه أرضنا ونعتبره عاملاً في إثراء ثقافتنا وهويتنا، الثقافة السليمة لا تتشكل في الفراغ بل في سياق علاقتها مع الثقافات الأخرى وانفتاحها على العلوم والمعارف والقيم الحسنة التي أنتجتها البشرية في مسيرة تطورها.
والحق في تعليم متطور يرعى المواهب ويتيح المزيد من الخيارات أمام أبنائنا ليستطيعوا تلبية ميولهم وطموحاتهم، وذلك من خلال توفير مراكز للبحث العلمي وتدريب الكوادر البشرية المحلية لتتمكن من المنافسة في سوق عمل مفتوح يزخر بالتجارب من بلدان مختلفة. الثقة بالمستقبل الوظيفي في غاية الأهمية عند الحديث عن الحقوق لأنها تؤسس لشخصية مستقرة ليست قلقة من التطورات السريعة في قطاعات الأعمال«
وأضافت الشيخة جواهر القاسمي: «لا نريد لأبنائنا أن يكونوا نسخةً عن غيرهم من أبناء المجتمعات ذات الثقافة المختلفة، هذا ليس رفضاَ للاستفادة من ثقافات الشعوب والانفتاح عليها، هناك ثقافة خاصة تحددها خصوصية كل مجتمع وثقافة إنسانية عامة، العلاقة بين الثقافتين متداخلة ولكن العام لا يطغى على الخاص أو العكس.
نحن على قناعة تامة أن بناء علاقة تبادلية متساوية بين الشعوب المختلفة يتوقف على مدى اعتزاز الأفراد وفخرهم بمكونات هويتهم الخاصة، فالثقة بالهوية هي ثقة بالذات وثقة بالآخر وسبباً لاستيعابه والتعامل معه، والأهم أنها سبب في استقرار العلاقات بين الشعوب والحد من النزاعات، المجتمع الذي يفخر بتراثه وعاداته وتاريخه عصي على الاختراق والتبعية والتقليد الأعمى. لا يحقد على غيره لأنه يرى في ذاته ما يرضيه ويجلب له الاحترام. هذه هي رسالتنا لأطفالنا: «كونوا امتداداً لتاريخكم ونواة لمستقبل بشري يليق بكم».