الشيخ محمد محمود الطبلاوى، إحدى العلامات البارزة الباقية من جيل قراء وحفظة القرآن الكريم، جيل ضم عمالقة التلاوة ممن طبقت شهرتهم الآفاق وبلغت شهرتهم عنان السماء وتركوا بصمات صوتية شديدة الوضوح فى وجدان مستمعيهم فى كافة أنحاء الأرض.
الطبلاوى، نقيب قراء القرآن الكريم، ينتمى إلى جيل ذهبى بريق صوته يغشى أصواتا كثيرة حتى ممن ترعرعت فى الجزيرة العربية، مهبط الوحى، مؤكدا أن المدرسة المصرية تفردت بالسيادة فى التلاوة بشهادة الملوك والأمراء، فالقرآن نزل فى مكة والمدينة المنورة وقرئ فى مصر.
يتباهى الشيخ الطبلاوى الذى ولد عام 1934 بصداقته لعمالقة الزمن الجميل الذى لن يتكرر، والذين وصفهم بأنهم كالفواكه المتعددة الطعم الحلو والمذاق الطيب.
فى حين تميز الطبلاوى بأداء جديد وصوت قوى رخيم وعريض، تمكن من تسجيل المصحف الشريف مجودا ومرتلا ومعلما، ولكنه أعرب عن أسفه بأنه لا يسمع تسجيلاته بهذه التلاوات حتى الآن من إذاعة القرآن الكريم التى ينتمى إليها، قائلا إنه لن يستمع إلى نفسه إلا من خلالها.
وقال الطبلاوى، الذى يلقب بشيخ المقرئين وعميد القراء فى حواره لـ«المصرى اليوم» إنه حفظ القرآن الكريم فى سن مبكرة جدا ومنذ نعومة أظافره فى التاسعة، فقد كان والده حريصا على تحفيظه القرآن فى كُتاب قرية «ميت عقبة» بالجيزة والذى أتقنه على يد الشيخ غنيم الزهوى، مؤكدا أن اختفاء الكتاتيب كان خطأ كبيرا.
■ القرآن الكريم نزل فى مكة والمدينة وقرئ فى مصر، وهناك مدرسة مصرية متميزة فى التلاوة، فما سر هذا التميز؟
- الملك السعودى خالد بن عبدالعزيز آل سعود رحمة الله عليه قال لى فى سنة 1979 يا شيخ طبلاوى، القرآن نزل هنا فى الجزيرة العربية وطبع فى إسطنبول وقرئ فى مصر، فقلت له يا جلالة الملك يعنى والله أريدك توضح لى الموضوع، نزل هنا فى الجزيرة العربية هذا معروف، فقال لى أحسن طبعة فى تركيا وأحسن قراء فى مصر، فقلت له هذه شهادة عظيمة من جلالتك، فالحمد لله شهد الملوك والأمراء أن أحسن قراء فى مصر، أما الناس اللى بيحبوا يسمعوا ناس من الإمارات والكويت والسعودية، فهذا تباركا ليس أكثر.
■ ما سر تفرد المدرسة المصرية فى التلاوة بطابع خاص ومنها عمالقة.. فماذا كان وراء تميزهم؟
- السر هو أن القراء كان لهم وظيفة يعنى كانوا يقتاتون من ورائها، ومن هنا كان أى شخص عنده ابن ينشئه حتى يكون مثل الشيخ عبدالباسط أو الشيخ الطبلاوى.
■ لكن هناك ظاهرة الزحف الخليجى وقراء السعودية وبعض الدول المجاورة لها وانتشرت هنا والبعض يحاول أن يقلدها فى المساجد والصلاوات.. فما السبب؟
- الناس تشترى شرائط القراء السعوديين تبركا بالمكان المكرم الذى هم فيه، ولكن انتشار هذا النوع من القراءة خطأ، المصريون فى الحقيقة هم الحفظة وهم من علموا السعوديين حفظ القرآن، فالشيخ عبدالفتاح القاضى رحمة الله عليه أنشأ هناك كلية القرآن فى المدينة المنورة.
■ الجيل الذهبى من العمالقة المخضرمين من مشايخ فى وزن عبدالباسط عبدالصمد، محمد رفعت، عبدالفتاح الشعشاعى، محمود صديق المنشاوى، مصطفى إسماعيل، محمود خليل الحصرى، محمد رفعت، ومحمد الصيفى، وغيرهم ظل مكتسحا الساحة بينما لم يستطع الجيل الجديد تسلم الراية.. فما السبب؟
- والله هو فى كل حاجة، ليس عند المقرئين فقط، الزمن الجميل والناس الجميلة التى كانت فيه ذهبوا، يعنى هل سيأتى أحد مثل أم كلثوم أو عبدالوهاب أو عبدالباسط أو الطبلاوى، بالطبع لا، ولكننا لا نفقد الأمل ونقول قوله تعالى: «ويخلق ما لا تعلمون».
■ هل تحتاج قراءة القرآن الكريم إلى موهبة من القارئ، أم من الجائز أن يتوارثها عن أبيه بغض النظر عن الموهبة التى قد يعوضها بالعلم والدراسة؟
- طبعا الموهبة شىء أساسى، ولابد أن يكون لحافظ القرآن انتماء، ويحب المهنة ولا أعتقد بخلاف ذلك.
■ وما دور لجنة اختبار القراء بالإذاعة فى تقديم جيل جديد من المقرئين الموهبين؟
- كنت عضوا فى هذه اللجنة، ولكنى استقلت منها، لأنه كلما رسب أحد المتقدمين للإذاعة يقولون إن الشيخ الطبلاوى هو «اللى سقطه»، وهو ما لم يحدث، لأن القرآن له قواعد خاصة، خصوصا إذا كان يتلى فى الإذاعة.
■ ما معايير قبول القارئ واعتماده فى الإذاعة؟
- هناك معايير خاصة بالصوت والأداء، ولكنى لا أؤمن بالموسيقى والمقامات فى تلاوة القرآن، والمعيار هو ألا يقلد القارئ أحد ويتمتع ببصمته الخاصة وشخصيته المميزة وأن يتقن حفظ القرآن ويجيد أحكام التلاوة.
■ كيف كانت تجربتك فى الإنشاد الدينى خاصة وأنت تمتلك خامة صوت متميزة، تؤهلك لهذا اللون؟
- عملت حوالى 11 شريطا إنشادا دينيا ولكن كان لسبب معين، وكان ذلك فى فترة السبعينيات، وكنت أنشد فى الإذاعة، وكنت ذاهبا لأحد الأشخاص أشترى منه شرائط، فوجدته حزينا، فسألته ماذا حدث يا فلان، فقال لى أنا رجل مسيحى، وأريد إنتاج شرائط إنشاد دينى إسلامى، ولجأت إلى الشيخ فلان حتى يساعدنى فى ذلك، ولكنى كلما أنتظره لا يأتى، فقلت له أعمل لك الشرائط.
■ وما الدور الذى تقوم به نقابة القراء فى إعداد جيل جديد من المقرئين؟
- النقابة حقها مهضوم، والله فى كل حاجة، تحدثنا كثيرا أنها ليس لها حتى الآن مقر، والمعاش متدن جدا، هل يوجد معاش أربعين جنيها فى الشهر، إنها مصيبة وطامة، فماذا تفعل أربعين جنيها لحامل القرآن وكيف يواجه بها أعباء الحياة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال خيركم من علم القرآن وعلمه، فهذا بأس شديد.
■ وكيف تتحسن أوضاع النقابة؟
- أطالب بدعم للدولة وأن يخصصوا لها مقرا يليق بأهل القرآن، ومقرا يكون خاصا حتى إن الرئيس ينظر لنا نظرة عطف على عهده ما شاء الله ربنا يبارك له بيعمل حاجات كويسة، يعطينا قطعة أرض نبنى عليها مقرا، مثل الأراضى التى يوزعونها، ونحن نتكفل بها، لكن نريد فقط أن يعطونا الأرض.
■ مشوارك فى الإذاعة بدأ فى سن مبكرة وسجلت القرآن مرتلا ولكنه لا يذاع لماذا؟
- سجلت القرآن مرتلا ومجودا ومعلما الحمد لله سجلته مرات عدة، ولكن فيما يتعلق بإذاعة القرآن بصوتى، فهذا أمر يسأل فيه الدكتور حسن سليمان رئيس شبكة الإذاعة، لأنى تقدمت وأرسلت لهم شرائط وإلى الآن لم يذيعوها، والدكتور سليمان رجل جيد ونشيط وهناك ناس تطالب بإذاعتها، تقدمت لهم بالشرائط وراجعتها لجنة برئاسة الشيخ رزق خيرى حمزة، وإلى الآن لم تذع ولا أعرف السبب.
■ صليت قبل ذلك داخل الكعبة المكرمة.. فصف لنا شعورك وماذا كان يقول لك قلبك داخلها؟
- دخلت الكعبة فى رحاب جلالة الملك، كانوا يغسلون الكعبة، الرجل الذى كان معه المفتاح من آل شيبة، قال لى اجلس يا شيخ طبلاوى واقرأ قوله تعالى: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»، فقرأت هذه الآيات وصليت داخل الكعبة.
■ وما أول دعوة رددتها وأنت ساجد فى صلاتك بالكعبة؟
- دعيت الله أن يحفظ مصر وينجيها من الأشرار ويوفقك حكامنا بما فيه رضاه، لأن بصراحة مصر كويسة، لكنها موبوءة ببعض الناس الأشرار، ربنا يحفظها من كل سوء.
■ الشيخ غنيم الزهوى هو أول من علمك القرآن، ما ذكرياتك معه؟
- هو كان فاتح كتاب وهو من علمنى القرآن، ووالدى، رحمه الله، كان يعتنى بحفظ القرآن ومصرا على أن أكون حافظا للقرآن، وكان كل أصحابه يدفعون لأولادهم تعريفة أو قرش صاغ، لكن كان أبى يدفع خمسة صاغ، وهو كان مبلغا كبيرا، ويعادل كثيرا من ناحية القيمة والبركة، ثم حفظت القرآن فى سن خمس سنوات.
■ الكتاب كان مفرخة ومدرسة تعلم أصول التجويد والحفظ السليم، ولكنها اختفت الآن، فما تداعيات ذلك على تحفيظ القرآن الكريم؟
- اختفاء الكتاتيب غلط، لأن حفظ القرآن يحتاج الشدة والالتزام من جانب الطفل ومن يقومون بتحفيظه، ربنا قال فى كتابه العزيز: «إنا سنلقى عليك قولاً ثقيلاً»، والطفل بطبيعته وفى صغره يحب أن يلهو ويلعب، لكن الكتاب كان يعلم الانضباط.
■ ما الفرق بين محفظى القرآن بالأمس ومحفظى القرآن اليوم؟
- عدم العناية بالمحفظين، لأنه كى تأخذ من المحفظ لابد أن تعطى له، حتى يعطينى، فلابد أن يتقاضى راتبا جيدا، وأن تتم المراجعة عليه وينظر فى المجهود الذى بذله ويرون كم شخصا حفظ القرآن على يديه، فلابد من أن يحصل على مرتب لا يقل عن ألف جنيه شهريا.
■ قمت بإحياء ليال قرآنية كثيرة خارج مصر.. فما الفارق بين جمهور المستمعين المصرى وجمهور الخارج؟
- جمهور مصر يتذوق القرآن ويشجع بصوت عال يجعل المقرئ يتشجع ويعطى أكثر، وقد قرأت القرآن الكريم فى جميع دول العالم لم أستثنِ بلدا إلا إسرائيل فقط لم أذهب إليها دعونى فيها ولكنى رفضت.
■ تقصد فلسطين أو عرب إسرائيل هم الذين وجهوا لك الدعوة وهم تحت سلطة الاحتلال؟
- لا إسرائيل نفسها جاءتنى الدعوة من تل أبيب وكانت دعوة رسمية ولكنى رفضت، وقلت لهم ليس عندى وقت لما أفضى أبقى أرد عليكم.
■ من مِن المشايخ والمقرئين تفضل الاستماع إليه؟
- هناك شيخ ربما معظم الناس لا يعرفونه، أحب أن أستمع إلى صوته وهو اسمه الشيخ منصور الشامى الدمنهورى، وهو بصراحة أحب أسمع صوته.
■ ما ذكرياتك مع كبار المشايخ المشهورين أمثال الشيخ عبدالباسط؟
- الشيخ عبدالباسط حبيبى وهو كان زميلى وقارئا مؤدبا ومحترما، والشيخ مصطفى إسماعيل قارئ الملوك والرؤساء والشيخ الشعشاعى والمنشاوى، لكل واحد منهم مذاق مثل الفواكه مختلفة الأطعمة، كلها أصناف مذاقاتها جميلة وحلوة.
■ كنا على باب الشقة نسمع القرآن الكريم وتوقعت أن أسمع القرآن بصوت الطبلاوى، ولكنه كان لقارئ آخر لماذا؟
- أنا أسمع القرآن من إذاعة القرآن الكريم، ولكن عندما يذيعون المصحف الذى سجلته وقدمته إليهم، فسوف أسمع صوتى.
■ هل هناك سن معينة لابد أن يعتزل فيها القارئ الساحة؟
- نعم عندما يجد نفسه غير قادر على العطاء وأنه لا يعطى مثلما كان فى السابق، حتى لا يهدم ما بناه، والمسألة هنا لا تتعلق بالسن، ولكن بالعطاء.
■ من التقيت من رؤساء مصر؟
- التقيت بالرئيسين السادات وحسنى مبارك، السادات بصراحة كان رجلا محبا لأهل القرآن خصوصا كان له أخ اسمه عصمت، وكان له شيخ اسمه الكومى، وكان يدعونا هناك لإقامة حفلات للقرآن، وقد قابلنى وجلست معه، وكان حسنى مبارك التقيت به وكانوا ناس محترمين وكويسين، لكنى لم ألتق الرئيس السيسى حتى الآن، وأتمنى أن يكون هناك لقاء قريبا معه.
■ كيف يتم نشر القرآن الكريم بين الأسر المصرية من حيث الحفظ والتلاوة والتربية؟
- الأسرة المصرية كانت تهتم زمان بتحفيظ الفتاة أو الولد القرآن الكريم، ولكن اليوم الناس ملهية فى الدنيا والمشاكل، كان الله فى عون الناس كلها، فالأمر الآن صار صعبا وليس كما كان فى الأوقات الماضية.
■ تقييمك للقراء الموجودين حاليا على الساحة.. ما رأيك فيهم؟
- والله هم جيدون لا بأس بهم، الشيخ محمود الخشت والشيخ حجاج الحناوى، والشيخ طه النعمان وغيرهم هناك أصوات جميلة على الساحة.
■ ما تجليات شهر رمضان معك خاصة فيما يتعلق بإحياء الليالى الرمضانية، كيف تقضى الشهر الكريم؟
- رمضان له خاصية تختلف عن سائر الشهور، فهو شهر العبادة، والصوم ليس هو مجرد الامتناع عن الأكل والشرب ولكن صوم اللسان والجوارح وكل شىء، رمضان شهر مبارك، خاصة على من يوفقه الله إلى ختم القرآن مرتين ثلاثا بقدر ما يستطيع.
■ كم مرة تختم القرآن فى رمضان؟
- كنت أقرأ خمسة أجزاء يوميا، فى السابق، يعنى أختم القرآن فى أسبوع، أبدأ السبت وأفرغ من ختمتى الخميس، لكن الآن أنا مقصر إلى حد ما وقل وردى اليومى بسبب تقدمى فى السن، والحمد لله على كل حال.