في نجريج بعمق دلتا النيل، يحلم الأطفال بأن يصبحوا نجومًا في كرة القدم على خطى محمد صلاح، ابن قريتهم الشاب الذي أصبح أفضل لاعب في إنجلترا، ومعشوق المصريين الذين ينتظرون بترقب عودته من الإصابة في وقت يتيح له المشاركة في مونديال 2018.
على بعد أمتار قليلة من البيت الذي ولد ونشأ فيه نجم ليفربول الإنجليزي، والمكوّن من ثلاثة طوابق والمطل مثل معظم مباني القرية على شارع ترابي ضيق، يقول محمد عبدالجواد «12 عاما» لوكالة الأنباء الفرنسية: «أتمنى عندما أكبر ان أكون مثل محمد صلاح».
ويضيف قبل أن يتابع حديثه مع أصدقائه الذين يشاركونه الحلم نفسه في القرية الواقعة على بعد قرابة 120 كيلومترا شمال غرب القاهرة، «بسبب أخلاقه وتواضعه، أصبح محمد صلاح لاعبًا محترفًا».
برز صلاح، البالغ من العمر 25 عامًا، في موسمه الأول مع النادي الإنجليزي، وتوج هدافاً للدوري الممتاز مع 32 هدفا، محققًا رقما قياسيًا لموسم من 38 مرحلة. كما اختير أفضل لاعب، في تتويج «ثلاثي» من قبل رابطات اللاعبين المحترفين والمحررين الكرويين والدوري.
وأتى هذا النجاح على مستوى النادي، بعد نجاح مع المنتخب المصري، تمكن خلاله من المساهمة بشكل أساسي في بلوغ «الفراعنة» نهائيات كأس العالم 2018 في روسيا، للمرة الأولى منذ 28 عاما.
وبحسب المحلل الرياضي المصري ياسر أيوب، اكتسب صلاح «دورين فنيًا مع منتخب مصر، الأول هو أداؤه الشخصي والأهداف التي يمكن أن يسجلها، والثاني أن وجوده يعطي فرصة لأداء أفضل للمنتخب، لأن الفرق المنافسة تخصص لاعبين لمراقبة صلاح».
وتابع: «مع وجود محمد صلاح في الملعب فإن أي فريق منافس كأنه ينقصه لاعبين».
وقبل شهر من النهائيات، قال مدرب المنتخب، الأرجنتيني هيكتور كوبر أن «الفراعنة» يعولون على خبرة صلاح في مشواره في المونديال ضمن المجموعة الأولى التي تضم أيضا روسيا المضيفة والسعودية والأوروجواي.
إلا أن تعرض صلاح لإصابة قوية في الكتف الأيسر خلال المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا ضد ريال مدريد الاسباني في 26 مايو، وخروجه باكيا ومتألما، أثار قلق المشجعين من احتمال غيابه عن النهائيات.
وأكد الاتحاد المصري لكرة القدم الأربعاء ان اصابة صلاح ستبعده لفترة «لن تزيد» عن ثلاثة أسابيع، ما يترك هامشا لامكان مشاركته في كأس العالم.
ويدرك صلاح أن مساره ونجاحه صارا مصدر إلهام لأطفال مصر وأفريقيا، فوجه لهم عند تسلمه جائزة أفضل لاعب افريقي لعام 2017، كلمة قال فيها «لا تتوقفوا أبدا عن الحلم، لا تتوقفوا أبدا عن الايمان».
ولم تكن مسيرة صلاح سهلة، بحسب ما يروي عارفوه في قريته.
ويقول غمري عبدالحميد السعدني، الذي كان مدربًا لأشبال نادي شباب نجريح عندما بدأ صلاح التردد على المركز وهو في الثامنة من عمره، «دربت محمد صلاح وهو لا يزال طفلا، وكانت موهبته واضحة منذ الصغر»، معتبرا ان نجاحه ليس بسبب «مجرد موهبة، إنما كذلك بفضل عزيمة فولاذية ومجهود واصرار».
ويروي عمدة القرية ماهر شتية باعتزاز أن «محمد كان لا يزال في الرابعة عشرة من عمره عندما انضم إلى فريق نادي المقاولون العرب في القاهرة، وكان يضطر إلى أن يمضي قرابة عشر ساعات يوميا في وسائل المواصلات ليواظب على مرانه اليومي».
ويوضح العمدة الذي تربطه علاقة صداقة بأسرة محمد صلاح، ان الاخير كان، في «رحلة العذاب» تلك، يستقل أربع وسائل نقل: من نجريج إلى بلدة بسيون المجاورة، ثم منها إلى مدينة طنطا «عاصمة محافظة الغربية» حيث يستقل حافلة أخرى إلى وسط القاهرة، ثم يبحث عن وسيلة تقله إلى حي مدينة نصر في شرق العاصمة المصرية حيث مقر ناديه.
نشأ صلاح في أسرة رياضية، فوالده وعمه وخاله كانوا يلعبون كرة القدم في نادي شباب نجريج الذي تغير اسمه وأصبحت تعلوه لافتة كبيرة كتب عليها «نادي شباب محمد صلاح».
ويقول شتية «عندما لاحظ والد محمد موهبة ولده، سعى لإلحاقه بأحد الاندية الكبيرة. لعب صلاح في البداية مع فريق في بلدة بسيون ثم انتقل إلى فريق في مدينة طنطا قبل ان يلتقطه نادي المقاولون»، ومنه رحلة احتراف في الخارج بدأت مع نادي بازل السويسري في 2012.
في نادي المقاولون في القاهرة، أمضى صلاح قرابة خمس سنوات، بحسب مدربه سعيد الشيشيني الذي يؤكد ان صلاح كان «واضح الموهبة وفرض نفسه وبرزت خصوصا قدرته على اختراق دفاعات الخصم والمرور بالكرة من منتصف الملعب حتى منطقة الجزاء».
- قرية الياسمين- تربى محمد صلاح في أسرة محافظة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، وكان والداه يعملان في وظيفتين حكوميتين بالقرية.
غير ان والده كان يعمل، بالاضافة إلى الوظيفة، بتجارة الياسمين، وهو المحصول الرئيسي الذي يزرع في نجريج ويتم تحويله في القاهرة إلى معجون لتصديره إلى روسيا وبعض دول اوروبا الغربية حيث يستخدم في صناعة العطور.
تزوج صلاح من ماجي، إحدى بنات قريته، عندما كان في العشرين من عمره واصطحب رفيقة حياته معه إلى أوروبا حيث رزقا بابنة أطلقا عليها اسم «مكة». لا يزال صلاح يمضي عطلته السنوية مع زوجته وابنته في نجريج التي لم يبخل على أهلها بالمساعدات.
ويصف غمري عبدالحميد السعدني صلاح بأنه «متواضع جدا ويجب ان نضع مئة خط تحت كلمة متواضع، فمحمد ابن الثماني سنوات هو نفسه محمد أفضل لاعب افريقي».